الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 08:43 صـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : كورونا.. وخصخصة الخدمات الصحية.. والأمن القومى.. حلقات متصلة

الأموال

 

صفقة خطيرة لاحتكار المستشفيات الكبرى والخدمات الطبية.. مطلوب مواجهتها

تجارة الوباء: عشرات الآلاف تكلفة الليلة الواحدة لعلاج «كورونا» فى المستشفيات الاستثمارية!!

الشفافية.. أساس استنهاض الوعى الاجتماعى والمواجهة الناجحة لـ«كورونا»

تحدثنا فى مقال سابق (الأموال - ٣ يناير ٢٠٢١) عن الدور بالغ الأهمية للوعى الاجتماعى فى مكافحة تفشى وباء «كورونا» ونجد من الضرورى هنا أن نُركّز علي أهمية الشفافية فى استنهاض الوعى الاجتماعى والمشاركة الشعبية فى مكافحة الوباء. فلابد من أن يعرف المواطنون الحقائق ومدى خطورة انتشار الوباء لكى تكون تصرفاتهم على المستوى المطلوب من الجدية. وحينما يتصرف بعض الإعلاميين كما لو كانت زيادة تفشى الوباء شيئًا مخجلا ينبغى التعتيم عليه أو يذكروا أرقاما صادرة عن وزارة الصحة، لكنها لا تشير إلا إلى الإصابات والوفيات المُسجلة رسميا.. أو حينما تعلن وزارة الصحة الأرقام المسجلة رسميا، دون الإشارة إلى أن أضعافهم لا يتلقون العلاج في المستشفيات ـ بل يشفون أو يموتون، بعيدًا عنها ــ فإن هذا أمر لا يصُب فى مصلحة استنهاض الوعى الاجتماعى، بل يشيع حالة من «الطمأنينة الكاذبة» بالغة الضرر، إذا صدق الجمهور.. خاصة أن عوامل التواكل موجودة فى ثقافتنا الشعبية، وتعمل بعض الاتجاهات السياسية و«الإخوان» تحديدا على تغذيتها متصورة أن هذا «نكاية فى الدولة»!
والوجه الآخر للأثر السلبي لنقص الشفافية هو فتح المجال أمام الشائعات المغرضة وغير المسئولة، ومن ثم إشاعة الذعر بين الجمهور وإضعاف الثقة فى مصداقية بيانات وزارة الصحة.. وهذا أيضًا أمر خطير وبالغ الضرر.
>> والشفافية والثقة فى قدرة الناس على الفهم أمران متلازمان عضويا مع ضرورة استنهاض الوعى الاجتماعى بما له من أهمية حاسمة فى مكافحة الوباء.. جنبًا إلى جنب طبعًا مع ضرورة توفير مستلزمات الوقاية بأسعار مدعومة وجودة عالية، ومع تطوير الإمكانات العلاجية للمستشفيات.
>> وهنا لابد من التوقف أمام حادثين أدى انقطاع إمدادات الأكسجين إلى حدوث وفيات بين المرضى فى غرفة العناية المركزة.. فقد لجأ بعض الإعلاميين وصغار المسئولين إلى الإنكار، واتهام من يتحدث عن ذلك (بترويج الشائعات).. علمًا بأن الشكوى من نقص أنابيب الأكسجين وضعف إمكانات الإمداد به، كانت منتشرة على نطاق واسع منذ فترة.
>> ثم جاءت التوجيهات الرئاسية وضرورة حل المشكلة، وتعليمات رئيس الوزراء بضرورة موافاته بتقرير يومى عن حالة الإمداد بالأكسجين فى المستشفيات.. جاءت لتؤكد وجود مشكلة، على عكس ما كان يؤكد أولئك الذين ينكرون، متصورين أنهم بذلك يدافعون عن وزارة الصحة!! مع أنهم كانوا ـ فى حقيقة الأمر ـ يؤذون المرضى ويؤذون الوزارة بإنكارهم الحقيقة.. لأنه لا يمكن معالجة أى مشكلة دون الاعتراف أولا بوجودها..
والآن أصبح ممكنًا أن نتوقع حل مشكلة الأكسجين فى ظل هذا المستوى الرفيع من الاهتمام بها، وبديهى أن هذا الحل يستوجب تزويد المستشفيات بأجهزة جديدة لتوليد الأكسجين، والتوسع فى إنتاج أجهزة التوليد هذه، وفى إنتاج المزيد من أنابيب (أسطونات) الأكسجين، وهذا يحتاج إلى طاقات إنتاجية أكبر، وإلى موارد مالية مطلوب اعتمادها.. وهذا أمر يحتاج إلى صلاحيات أوسع مما تملكه وزارة الصحة.. وبالتالى فقد كان من الضرورى طلب المساعدة من المستويات الأعلى، وليس إنكار وجود المشكلة.


بيانات رسمية تحتاج لتفسير


ومن الأمور اللافتة للنظر أيضًا، والمتعلقة بالشفافية، والتى تشير إلى وجود مشكلة أو مشاكل فى عمل المستشفيات، أن بيانات وزارة الصحة حول نسبة الشفاء بين مرضى كورونا فى مستشفيات العزل، بعد أن كانت تشير إلى الارتفاع بصورة ملحوظة.. عادت لتتجه نحو انخفاض ملحوظ.. وهذا أمر ليس من الضرورى أن تكون وزارة الصحة مُذنبة فيه، ولكنه يشير إلى وجود مشكلة جدية تحتاج إلى دراسة وإلى مواجهة.
>> بيانات وزارة الصحة (ونحن هنا نستند إلى أرقام منشورة فى وسيلة إعلام رسمية هي بوابة أخبار اليوم).. كانت تشير إلى أن نسبة التعافى بين مرضى مستشفيات العزل «ارتفعت» إلى ٨٧.٧٪ فى ٢١/ ٩/ ٢٠٢٠.. أى أنها كانت أقل من الرقم المذكور ثم واصلت الارتفاع لتبلغ ٩٢.٢٪ فى ١٨/ ١٠/ ٢٠٢٠ ثم إلى ٩٣.١٪ في ٢٠/ ١١/ ٢٠٢٠ لكنها عادت للانخفاض إلى ٨٩.٥٪ فى ٢٦/ ١١/ ٢٠٢٠ وإلى ٨٥.٨٪ فى ١٧/ ١٢/ ٢٠٢٠ ثم إلى ٨٣٪ فى ٢٨/ ١٢/ ٢٠٢٠ وإلى ٨٢.٤٪ فى ٢٩/ ١٢/ ٢٠٢٠.
والأرقام كلها مأخوذة من بوابة «أخبار اليوم» بالتواريخ المذكورة ويمكن لمن شاء الرجوع إليها.. ولم ترد أرقام بعدها.
<< ومعنى هذا أن نسبة تعافى مرضى الكورونا فى مستشفيات العزل قد تراجعت من الذروة التى بلغتها فى ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٠ - ٩٣.١٪ إلى ٨٢.٤٪ فى ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٠.. أى بنسبة ٩.٧٪ أى حوالى ١٠٪.. وهذا تراجع كبير قد يفسِّره مثلا انتشار السلالة المتحوّرة التى لا تتأثر بنفس الدرجة بأدوية الموجة الأولى، أو زيادة عدد المرضى، وعدم كفاية الإمكانيات الضرورية لعلاجهم.. أو عدم كفاية المستشفيات نفسها أو غرف العناية المركزة فيها.. أو النقص في أعداد الطاقم الطبى وطاقم التمريض.. أو أسباب أخرى لا نعرفها..
>> لكن المؤكد أن هذه الظاهرة من الأهمية والجدية، بحيث تحتاج بالضرورة إلى تفسير وإلى معالجة.. فزيادة نسبة المرضى غير المتعافين فى مستشفيات العزل تعنى بالضرورة زيادة فى أعداد ونسبة الوفيات بين المرضى.. وليس هذا أمرا مرعبًا أو مما يشير بالضرورة إلى الفشل.. فنحن نواجه فيروسًا خبيثًا يتحور.. ويمكن أن تحدث عثرات خارجة عن الإرادة فى مواجهته.. وهذا أمر يحدث فى بلدان كثيرة «والأرقام فى وسائل الإعلام تشير إليه».. لكن بحث هذه الظاهرة وتحديد سببها وإعلانه للرأى العام أمر ضرورى..


قوانين السوق.. والمسئولية الاجتماعية الغائبة


إذا كانت المستشفيات الحكومية غير كافية لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المرضى أو كانت غرف العناية المركزة فيها غير كافية، أو كانت تعانى من نقص فى الأجهزة الطبية الضرورية.. فالمنطقى فى ظل ظروف الوباء أن تتجه الطبقات القادرة فى المجتمع إلى دعم هذه المستشفيات (ومعامل التحاليل ومراكز الأشعة..إلخ) بأقصى طاقة ممكنة لديها، لكن الملاحظ منذ بداية تفشى الوباء أن دعم رجال الأعمال والطبقات القادرة للنظام الصحى يتسم بالضعف الشديد- باستثناء نماذج قليلة- فى الوقت الذى تواصل فيه هذه الطبقات إنفاقها الترفى على المصايف والحفلات والمهرجات وحفلات الزفاف.. إلخ دون مبالاة بالظروف العصيبة التى يواجهها المجتمع.
>> وحتى أضعف الإيمان مثل شراء وتوزيع الكمامات وأدوات الوقاية، وتوزيعها على غير القادرين لا نجد إلاّ نماذج قليلة له.
ولا يدرك هؤلاء أن القانون السائد مع «كورونا» هو (إما أن نعيش معًا.. أو نموت معًا).. فانتشار الوباء لن يترك أحدًا فى حاله، حتى لو كان من سكان الكومباوندات أو القصور.. أو البروج المشيدة.. لأن هؤلاء جميعًا لن يستطيعوا الحياة دون تعامل مع فئات كثيرة فى المجتمع.. ولعل إصابة زعماء الدول الكبرى ورجال السياسة والأعمال فى مختلف أنحاء العالم تؤكد هذه الحقيقة لمن يريد أن يفكر أو يعتبر.
>> تعامل القطاع الخاص فى المجال الطبي يقدم هو الآخر مظهرا صارخا من مظاهر الغياب التام للشعور بالمسئولية الاجتماعية الذى يصل إلى حد ما يمكن أن تسميه «تجارة الموت».. فالأرقام الفلكية التى نسمعها ونقرأها فى وسائل الإعلام، والتى تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات مقابل قضاء الليلة الواحدة في المستشفيات الاستثمارية، تشير إلى إصرار غير إنسانى على جنى الأرباح الفاحشة استغلالا لظروف الوباء (ولا نعرف هل تلاحظ مصلحة الضرائب هذا أم لا؟).. والمعنى الوحيد لذلك هو حرمان المرضى من إمكانية العلاج إلا إذا كانوا من ذوى الثروات الكبيرة!! فهؤلاء وحدهم هم القادرون على دفع تلك المبالغ الفلكية.. مع أن الإنسان هو الإنسان والمواطن هو المواطن في مواجهة الموت.
وتعتقد أن الدولة لابد أن تتصدى لهذه الظاهرة الاستفزازية والخطيرة، بتحديد حدود قصوى لنفقات العلاج بما يتناسب مع التكلفة.. وكذلك بتحديد هوامش للربح في مستلزمات الوقاية والعلاج.
ولا يجوز التحجج هنا بالحديث عن «اقتصاد السوق» أو «الاقتصاد الحر»، فحالة الوباء هى حالة حرب من نوع خاص.. ولا يمكن استغلالها لجنى الأرباح الفاحشة تحت دعوى «حرية السوق» لأن هذه «الحرية» تمثل نوعًا من «تجارة الموت» في حالة تفشي الوباء.
وبديهى أن أي إنسان سيكون مستعدًا لدفع آخر قرش يملكه لكى ينجو من الموت.. لكن هذا لا يعطى شخصًا آخر الحق فى استغلال هذا الموقف.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن بريطانيا ـ أم الرأسمالية - قد فرضت نظامًا للحصص التموينية فى زمن الحرب العالمية الثانية، كان كل مواطن يحصل بمقتضاه على بيضة واحدة أسبوعيًا.. وحينما زادت الحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعى، مع انتشار الوباء فى أمريكا، فإن ترامب أصدر أمرا رئاسيا يُلزم شركة «جنرال موتورز» بصناعة عشرات الآلاف من الأجهزة المذكورة، بمقتضى قانون فيدرالى «قانون الإنتاج الحربى» ولم يقل أحد أن هذا ضد اقتصاد السوق.. فحياة البشر أعلى من أى اعتبار آخر.


خصخصة الصحة.. خطر على الأمن القومى


وبناء على كل ما ذكرناه نجد من الضرورى التوقف جليا أمام خبر ينطوى على خطر كبير على صحة المصريين.. ومن ثم على الأمن القومى للبلاد.. ويلفت النظر بشدة إلى تفاقم ظاهرة «خصخصة الصحة» التى يتزايد انتشارها فى البلاد خلال الأعوام الأخيرة.
>> الخبر يقول إن مجموعة كليوباترا التى تمتلك عددا من المستشفيات الاستثمارية الخاصة تقدمت بعرض للاستحواذ على مجموعة «ألاميدا للرعاية الصحية» التى تملك مستشفيات «دار الفؤاد بـ٦ أكتوبر» و«دار الفؤاد بمدينة نصر» و«السلام الدول بالمعادى» و«السلام الدولى بالقطامية» فى صفقة قدرتها وكالة «بلومبيرج» الأمريكية بما يتراوح بين ٤.٥ و٥ مليار دولار.. (٧٠ ـ ٧٨ مليار جنيه مصرى)!! وأنه تم توقيع عقد مبدئى مشروط بموافقة الجهات المعنية فى مصر وهو ما يترتب عليه احتكار الأغلبية الساحقة من مستشفيات الدرجة الأولى والثانية فى القاهرة والجيزة مثل «الشروق، النيل بدراوى، القاهرة التخصصى، الكاتب.. وغيرها من المستشفيات التى تملكها مجموعة (كليوباترا) إلى جانب المستشفيات الـ٤ الكبري المملوكة لمجموعة (أماليدا) والسابق ذكرها».
>> الخبر جاء فى برنامج «لقمة عيش» الذى يقدمه الإعلامى اللامع ماجد على، على قناة «الحدث اليوم» وهو مدعوم بالوثائق وإليه نستند في حديثنا تفاصيل الصفقة الكارثية.
>> وتقدم المحامى بالنقض الأستاذ صلاح بخيت والصيدلى هانى سامح ببلاغ عن هذه الصفقة إلي جهاز حماية المنافسة ومكافحة الاحتكار، الذى أصدر بيانا مبدئيا برفض هذه الصفقة (٣٠ ديسمبر ٢٠٢٠) بشكل مبدئى للأسباب التالية:
- منع إنشاء كيان احتكارى في سوق المستشفيات والرعاية الصحية.
- قيام هذا الكيان الاحتكارى من شأنه إضعاف فرص المنافسة وبالتالي فرص الاستثمار فى المجال الطبى.
- يعزز هيمنة مجموعة كليوباترا علي مستشفيات الدرجتين الأولى والثانية فى القاهرة والجيزة.
- يرفع أسعار مساهمة الدولة فى مشروع التأمين الصحى الجديد
- يتسبب فى ارتفاع أسعار الخدمات الصحية وانخفاض جودتها (بسبب الوضع الاحتكارى)
- يتيح للمجموعة الجديدة السيطرة على الكفاءات الطبية والتحكم فى أجورها.
>> برنامج «لقمة عيش» ـ قناة «الحدث اليوم» الثلاثاء ٥ يناير ٢٠٢١ فى التاسعة مساء.
>> والمؤكد أننا نتفق مع ما حذَّر منه الزميل والصديق ماجد على من خطورة هذا الوضع الاحتكارى فى المجال الصحى على أوضاع الصحة العامة في البلاد.. وعلى الأمن القومى فى مجال الصحة والأمن القومى عموما.. كما نتفق مع تحذيره من أن أباطرة المال القائمين على الصفقة الجديدة سيمارسون ضغوطا شديدة على جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار لحمله علي التراجع عن قراره «المبدئى».. وبالتالي مع دعوة الزميل المحترم للأجهزة الرقابية فى البلاد للتصدى لهذه الصفقة المشبوهة.. وللاتجاه العام لخصخصة القطاع الصحى فى البلاد، بما يمثله من مخاطر فادحة.


مطلوب.. ضوابط صارمة للاستثمار الأجنبى


وينبغى هنا أن نضيف أن مما يزيد من خطورة الصفقة المذكورة أنها تقوم أساسًا على الاستثمار الأجنبى.. وأن الاستثمار الأجنبى في هذا المجال بالغ الحساسية والمتصل بالصحة العامة، ومن ثم بالأمن القومى.. هو أمر يجب النظر إليه بعين الخطورة خاصة حينما يتم الاستحواذ على أصول مصرية قائمة، وليس إضافة أى أصول (بالرغم من الحذر الواجب حتى فى الحالة الأخيرة).
>> ويزيد من خطورة هذه الصفقة أن رءوس الأموال الأجنبية تتجول بحرية تامة في المنطقة فى الفترة الأخيرة، بما فيها رأس المال الصهيونى (سواء كان إسرائيليا أو دوليا) وبصورة أخص فى ظل موجة «التطبيع» الجارية فى المنطقة.. بمعنى أن منشآتنا الصحية يمكن أن تقع فى أيد معادية!!

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE