الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 10:52 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : مطلوب.. مواجهة أكثر حسماً لانتشار الوباء

الأموال

أحسنت الحكومة صنعاً باتخاذها قرار تعليق الدراسة (الحضورية) فى المدارس والجامعات، وتأجيل امتحانات التيرم الأول إلى ما بعد عطلة منتصف العام. فواضح تماماً أن تفشى وباء كورونا يستفحل بصورة متزايدة، وأن الإمكانات المتواضعة فى المؤسسات التعليمية غير قادرة على مواجهته، فى ظل مستوى الوعى المجتمعى السائد، الأكثر تواضعاً، والذى لا يقيم اعتباراً لضرورات التباعد الاجتماعى، والحرص على ارتداء الكمامات، ومراعاة المعايير الصارمة للنظافة الشخصية وغسل وتعقيم الأيدى.. إلخ.. فضلاً عن عدم توافر المواد الضرورية لذلك فى أغلب المنشآت التعليمية.

والمؤكد أن هذا القرار يمنع كثيراً من مناسبات الازدحام والاحتكاك فى وسائل المواصلات العامة، ومحلات السلع الغذائية والأدوات المكتبية المحيطة بالمدارس.. إلخ.. ويتسم هذا كله بأهمية كبرى على ضوء ما أصبح معروفاً عن الانتشار المتزايد عالمياً للنسخ المتحورة من فيروس كورونا، التى تتسم بقدرتها الأكبر على الانتشار والإصابة بالعدوى.. كما تتسم بقدرتها الأكبر على إصابة الشباب والمراهقين والأطفال، بخلاف الجيل الأول من (كوفيد - 19) الذى كانت عدواه تنتشر بصورة أكبر بين الأكبر سناً.
والحقيقة أن هذا القرار قد تأخر نسبياً، وكان ينبغى اتخاذه منذ أسبوعين أو ثلاثة، مع بدء توارد الأخبار عن انتشار النسخ المتحورة من الفيروس فى انجلترا ودول أخرى، ومع بدء توارد التقارير عن الانتشار المتسارع للوباء فى مصر، وخاصة فى الأرياف والمناطق الشعبية والعشوائية فى المدن، ومن الضرورى أن نؤكد هنا أننا ننطلق من موقف يختلف جذرياً عن مواقف المعنيين بترويج الشائعات وإثارة الهستيريا الجماعية والاستغلال السياسى للكوارث، فنحن ننطلق من موقف مسئول، ومن المعرفة بأن الأرقام التى تنشرها وزارة الصحة (والتى تصاعدت بصورة ملحوظة) لا تعبر عن الصورة الكاملة لتفشى الوباء، ببساطة شديدة لأن أعداداً كبيرة من المصابين أصبحوا يفضلون عدم التوجه إلى المستشفيات العامة خوفاً من العدوى، ويتلقون علاجهم- ويشفون- على أيدى أطباء خاصين.. ويعزلون أنفسهم فى بيوتهم.. إلخ.. وأغلب الذين يتوجهون للمستشفيات العامة هم الذين يعانون من أعراض خطيرة، صعب علاجها فى البيوت، وبديهى أن الأرقام الرسمية لا تشمل هؤلاء.
خلاصة القول أن القرار الخاص بتعليق الدراسة وتأجيل الامتحانات فى الجامعات والمدارس كان ضرورياً للغاية، لأنه يمنع أكبر مصدر للتجمعات فى الأماكن المغلقة (حوالى 25 مليون طالب وتلميذ) كما يمنع تكدسهم اليومى - ذهاباً وإياباً - فى وسائل المواصلات العامة.
ومن ناحية أخرى فإن من الضرورى الانتهاء بأقصى سرعة ممكنة من تنفيذ قرار تنظيم حضور الموظفين فى المصالح الحكومية (بنسبة 50٪) والالتزام الصارم به، لمنع التكدس في هذه المصالح.. والأمر الذى يستحق الاهتمام أيضاً هو تنظيم دخول الجمهور إلى هذه المصالح، بطريقة تشبه ما يحدث فى البنوك، بحيث لا يحدث تكدس داخل مبانى وغرف المصالح الحكومية بسبب جمهور المترددين علىها.. ويجب القول إن هذه النقطة لم يتم مراعاتها خلال الموجة الأولى من تفشى كورونا، كما لم يتم مراعاة الالتزام بارتداء الكمامات لا من جانب الموظفين ولا الجمهور.. وهذا خطأ ينبغى تفاديه الآن مع ما أصبح معروفاً عن سرعة انتشار السلالات الجديدة من الفيروس.
المساجد.. وضرورات الحذر
شهدت الموجة الأولى من تفشى وباء كورونا إغلاق المساجد لفترة من الوقت، لمنع التجمعات من ناحية، ومنع الممارسات المسببة لانتشار العدوى من ناحية أخرى.. ومعروف أنه تم فتحها مع قدوم الصيف وتراجع انتشار الوباء.. ومعروف أيضاً أن التيارات (المتأسلمة) والظلامية قد حاولت تصوير هذا الإجراء الوقائى كما لو كان موقفاً ضد الدين والعبادة!! ومن حسن الحظ أن هذه المحاولة الخبيثة للتوظيف السياسى للدين لم تلق تعاطفاً واسعاً من جانب الجمهور، خاصة أن أغلب الدول الإسلامية قد طبقت نفس الخطوة، بل تم تطبيقها فى المسجد الحرام نفسه، مما أحبط محاولات «الإخوان» والسلفيين الظلاميين وأشباههم لاستغلال الموقف.
والآن.. نعتقد أن من الضرورى العودة لاتخاذ نفس الخطوة بصورة فورية، خاصة أن الاحتياطات الوقائية لايتم اتخاذها فى المساجد. وتنتشر بين الجمهور دعاوى لا علاقة لها بالموقف الدينى السليم من قبيل «سلمها لله» أو «ده كله قضاء وقدر»!! إلخ.. ومثل هذه المقولات التواكلية المتخلفة، لا علاقة لها بالموقف الدينى الصحيح الذى تلخصه الآية الكريمة «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»0.. صدق الله العظيم.
والواقع أن المساجد بالممارسات الخاطئة الشائعة فيها، وبضعف إمكانات التطهير والتعقيم.. إلخ.. تعود لتصبح من المصادر الكبرى للعدوى.
وقد رأينا أن الاستخفاف بقواعد الاحتراز الواجبة قد أدى لاتخاذ وزارة الأوقاف قراراً بإغلاق مسجد النور الشهير بالعباسية.. ولا نعتقد أن المساجد الأخرى أفضل حالاً منه.. لذلك نعتقد أن منع صلاة الجمعة على الأقل بصورة فورية (برغم ما يسببه ذلك من ألم لجمهور المصلين) هو إجراء تقتضيه ضرورات الحفاظ على الصحة العامة، وعلى حياة الناس وهو واجب شرعى ومدنى ووطنى ملزم.. بل نعتقد أن الأفضل جداً هو تعليق صلاة الجماعة فى المساجد فى الوقت الراهن، وفى جميع الأوقات حتى تنجلى هذه الغمة.
وبمناسبة اقتراب عيد الميلاد المجيد نود الإشارة إلى أن ثماني مطرانيات - حتى الآن - قد ألغت القداس المرتبط بالعيد (ليلة 7 يناير).. وأن مطرانيات أخرى ستتخذ خطوة مماثلة.. والأصح - ومع احترامنا للمشاعر الدينية للجميع - أن يتم اتخاذ خطوة شاملة بوقف جميع التجمعات فى الكنائس أيضاً.. وأن تتم إقامة قداس العيد بمجموعة صغيرة للغاية من الحضور مع اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية الضرورية.. وإذاعته تليفزيونياً كنوع من الاحتفال.
وبديهى أن الحفاظ على الصحة العامة.. وعلى الحياة - المنحة الأسمى للخالق سبحانه وتعالى - هو واجب مقدس، لا ينبغى السماح بالمزايدات المشبوهة والرخيصة تجاهه.
لا نملك ترف الإغلاق
ومعروف أن عدداً من الدول الأوروبية قد عادت إلى تطبيق درجات واسعة من إغلاق المؤسسات الاقتصادية أو قطاعات منها، مع انتشار الموجة الثانية من الوباء، وزيادة عدد الإصابات والوفيات.. لكن هذه الدول كلها هى دول غنية ولديها اقتصادات قوية، يمكنها تحمل مثل هذه الإجراءات، وتقديم الدعم اللازم للعاملين والموظفين الذين يفقدون وظائفهم، وللمؤسسات التى تتضرر بسبب الإغلاق،. وهو وضع يصعب أن يتحمله الاقتصاد المصرى، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من المنشآت الصغيرة والحرفيين والعمالة الموسمية وغير المنتظمة.. وقد رأينا الآثار القاسية للإغلاق على هذه الفئات خلال الموجة الأولى من انتشار الوباء..
لذلك فإن اتخاذ قرارات الإغلاق يجب أن يكون بحذر، حرصاً على عدم الإضرار بالنشاط الاقتصادى، وأن يتعلق بالأسواق العشوائية والمقاهى وغيرها من التجمعات أولاً.. مع مراعاة التدرج، وفرض درجات من التنظيم الصارم ومراعاة الإجراءات الاحترازية، تحت طائلة عقوبات متدرجة فى صرامتها.. على أن يكون إغلاق المؤسسات الإنتاجية هو «آخر الدواء» و«أبغض الحلال» فى حالة إذا ما أصبحت بعض هذه المؤسسات تمثل خطراً على الصحة العامة.
الوعى.. والشفافية.. والإمكانات
وإذا كان الأمر كذلك.. وكان الإغلاق خياراً بالغ الصعوبة - إلا أن حالات محددة خطيرة - فإن الرهان على وعى الجمهور وتعاونه يظل رهاناً ضرورياً، بل حتمياً.. ورأينا أن هذا يقتضى أن يقدم الإعلام صورة حقيقية واقعية لتفشى الوباء فى المجتمع، حتى يدرك الناس حجم الخطر.. وهو ما لا يحدث حالياً.. وما ينبغى تصحيحه.
وفى هذا الصدد تجب الإشارة إلى الإعلانات غير المسئولة عن الاحتفالات برأس السنة.. إلخ، بالرغم من صدور قرار واضح من الدولة بمنع الاحتفالات.. والحقيقة أنه ما لم يتم التعامل بصرامة مع هذه الظاهرة للانفلات وعدم الانضباط فسوف نجد بؤراً شديدة الخطورة لتفشى الوباء، وهو ما لا ينبغى السماح به بأى حال.
وإذا كانت الشفافية ضرورية لتحقيق السلوك الأكثر وعياً، فإن استخدام قبضة الدولة لفرض الانضباط هو ضرورة قصوى للحفاظ على حياة المصريين.. وبديهى أن فرض الانضباط هو أمر أوسع بكثير من غرامة الـ 50 جنيهاً على عدم ارتداء الكمامة.. وإن كان هذا فى حد ذاته إجراء ندعو إلى تطبيقه بكل صرامة، مع توفير كمامات جيدة ورخيصة كالتزام من جانب الدولة.
أما ع تطوير المستشفيات، واستيراد اللقاحات فهذا موضوع يحتاج إلى معالجة مستقلة نأمل أن نأتى إليها فى مقال قادم.
حفظ الله مصر من كل سوء

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE