أسامة أيوب يكتب : الإسكندرانى وشويكار وشافع.. رحيل الثلاثة في أسبوع واحد
في ثلاثة أيام متتابعة.. خلال أسبوع واحد.. غيّب الموت ثلاثة فنانين من نجوم مصر المبدعين والمتميزين.. رحلوا عن الحياة والساحة الفنية والثقافية بعد مسيرة عطاء طويلة عبر عقود من الزمن.. لاتزال حاضرة في وجدان الملايين من المصريين بل بامتداد الخريطة العربية أيضًا.
بترتيب الرحيل كان سناء شافع الممثل والمخرج المسرحى والأستاذ الأكاديمى أول الثلاثة، ورغم أنه لم يحظ بالشُهرة التى يستحقها، إلا أنه ترك بصمة واضحة ثقافية وفنية، فهو الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، وهو المخرج المسرحى المتميز، وهو الممثل ذو الخصوصية في الأداء بصوته المميز.
لذا فقد تلاقت أكاديميته مع موهبته التمثيلية في توازن غير مخل بأيهما تبدّى واضحًا في أدائه وعلى النحو الذى أضفى عليه مذاقًا خاصًا ومتميزًا، فلم تغلب أكاديميته علي موهبته التمثيلية ولا موهبته على أكاديميته.
< < <
وبعد ساعات وفى اليوم التالى كانت الساحة الفنية والثقافية والوطنية على موعد آخر مع رحيل نجم ثان وهو الفنان المثقف سمير الاسكندرانى ذو الحس السياسى المرهف وصاحب الموقف الوطنى القومى الموثق الذى تجلى فى ستينيات القرن الماضى عندما كان في رحلة دراسية إلى إيطاليا على نفقته الخاصة لدراسة الموسيقى.
في تلك الرحلة الدراسية التقطته إحدى شبكات التجسس الصهيونية التي كانت تسعى لاختراق الطلاب والدارسين المصريين والعرب، حيث حاولت تجنيده جاسوسًا على بلاده لحساب إسرائيل، غير أنه بحسه الوطنى المبكر وهو في سن الشباب وبحكم ثقافته وتربيته الوطنية في بيت أبيه تاجر الموبيليا الشهير فى ذلك الوقت.. مثله في ذلك مثل جموع المصريين.. رفض خيانة وطنه رفضًا قاطعًا.
نجح سمير الإسكندرانى فى التحايل على تلك الشبكة، وفرّ عائدًا إلى مصر، وحكى لأبيه تفاصيل ما جرى والذى اصطحبه إلى مبنى المخابرات العامة ليُدلى بمعلومات بالغة الخطورة عن هذه الشبكة ومحاولاتها لتجنيد الطلاب والشباب المصريين والعرب، وهى المعلومات التى مكنت المخابرات من الإيقاع بأعضائها وإفساد مخططاتها لاختراق الشباب في إيطاليا وربما غيرها من الدول الأوروبية.
ومنذ تلك اللحظة التي غادر فيها سمير الإسكندرانى مبنى المخابرات وبعد أن أكد أنه مثل ملايين الشباب المصريين عصى على الخيانة وبعد أن اجتاز ذلك الاختبار الصعب بامتياز.. صار مثالا ونموذجًا ورمزًا وطنيًا لجيله من الشباب وصار شخصيًا مدعاة للفخر.
ولذا فإنه استحق أن تنعيه المخابرات العامة بمثل ما نعته ونعتته من كلمات.. سوف تبقى توثيقًا رسميًا لوطنيته كابن من أبناء مصر.. رفض بإصرار ودون أى تردد أو تفكير كل الإغراءات التى يتعرض لها شاب يدرس الموسيقى وليس له سابقة نشاط وطنى، لكن الحِس الوطنى كان غلابًا.
بعد عودته من إيطاليا.. تغلّبت عليه موهبته الغنائية فاتجه إلى احتراف الموسيقى والغناء، وعبر عقود طويلة أثرى الحياة الغنائية والموسيقية بأعمال حفر بها مكانًا ومكانة ذات خصوصية وسط صخب الغناء فى مصر ووسط نجوم هذا الفن، رغم أنه لم يصارع في هذه الساحة واحتفظ لنفسه بركن خاص.
كانت أغلب أغانيه أغان وطنية حماسية ألهبت مشاعر ووجدان المصريين خاصة في المناسبات الوطنية، بينما كانت له أغنيات متنوعة، وإن اتسمت في كثير منها بالتراثية ولاتزال الأجيال السابقة والحالية تذكر هذه الأعمال بقدر تذكرها لهذا الفنان المثقف.
وقد أتاحت لى الظروف الالتقاء به كثيرًا خاصة في ثمانينيات القرن الماضى إذ كان صديقًا بحكم المهنة لزميلي وصديقى الراحل محمد قابيل.. الصحفي بمجلة أكتوبر والموسيقى أيضًا، حيث كان سمير الإسكندرانى كثير التردد على مجلة أكتوبر.
في تلك اللقاءات اقتربت من سمير الاسكندرانى واقترب منى، وعرفته عن قُرب.. إنسانًا وفنانًا مثقفًا سياسيًا وطنيًا.. لديه قدرة على الحكى لساعات فى شتى الأمور دون أن يشعر من يستمع إليه بأى ملل، ثم كانت المفاجأة عندما لمست فى حديثه مسحة صوفية غير خافية تعكس خصوصية شخصيته متعددة الملامح.
أجدنى لا أستطيع أن أختم هذه السطور دون التوقف عند موقف شخصى له معى، عندما فاجأنى بحضور حفل زواجى بعد أن غادر الاستوديو حيث كان يسجل أحدث أغانيه عندما علم من زميلى وصديقى الراحل محمد قابيل بموعد الحفل، وأصر على مجاملتى بالغناء لمدة طويلة، وهو مسلك عكس نبلا وحرصًا على أداء واجب الصداقة نحوى رغم أن هذه الصداقة كانت لاتزال حديثة، غير أنه بادر بهذه المجاملة دون طلب، وهو الموقف الذى مازلت أذكره له رغم ما مضى من سنوات طويلة.
يبقى أنه برحيل سمير الاسكندرانى فإن ساحة الغناء والموسيقى تكون قد فقدت فنانًا متميزًا بقدر ما فقدت في نفس الوقت رجلا وطنيًا ومثقفًا.. أسعد المصريين بغنائه مثلما سعدت به مصر لمواقفه الوطنية.
< < <
أما شويكار ثالثة الراحلين فقد كانت واحدة من الفنانات القلائل اللاتى اقتحمن مجال الكوميديا، بل كانت أهم المتربعات على عرش الكوميديا النسائية فى مصر والعالم العربى.
رغم بدايتها المبكرة إلا أن ذروة تألقها فى مسيرتها الطويلة كانت مع أستاذها وزوجها الفنان القدير الراحل فؤاد المهندس والذى تأثر بدرجة فائقة بنشأته فى بيئة ثقافية فى بيت أبيه الدكتور زكى المهندس عضو مجمع اللغة العربية.. تمثيلا وتحدثًا أيضًا.
بارتباط شويكار بفؤاد المهندس.. فنيًا وبالزواج.. تشكّل ثنائى مسرحى وسينمائى شهير أسهم فى ترسيخ أقدام شويكار فنيًا.
شويكار أثرت الساحة الفنية بأعمالها السينمائية والأهم المسرحية بقدر ما أثرت كثيرًا فى وجدان المصريين من الأجيال السابقة واللاحقة وهو ما يتأكد بالحرص على مشاهدة مسرحياتها كلما جرت إعادتها على شاشات التليفزيون.
ولاتزال الأجيال تذكر أعمالها الدرامية الإذاعية التي ارتبطت بشهر رمضان كل عام، وكان نجاح هذه الأعمال جماهيريًا سببًا في إعادة إنتاجها سينمائيًا، حيث تحولت تلك المسلسلات إلى أفلام لاقت نفس نجاح المسلسلات بل أكثر.
برحيل شويكار.. ورغم ابتعادها مؤخرًا عن الساحة الفنية، إلا أن الفن المصرى والعربى وخاصة المسرح افتقد نجمة من نجوم الزمن الجميل وإن بقيت حاضرة بأعمالها التي لاتزال تُدخل البهجة على قلوب المصريين.