الأموال
السبت، 27 أبريل 2024 03:27 صـ
  • hdb
18 شوال 1445
27 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : كورونا.. بين الوعى الاجتماعى ومسئولية الدولة

الأموال

مواجهة الوباء معادلة ذات طرفين.. ومسئولية مشتركة

مطلوب إعادة تجديد أولويات الاستثمار والإنفاق فى الموازنة الجديدة

إذا كانت وزيرة الصحة تقول: «لازم نتعايش مع كورونا» ـ صحف ومواقع الأحد ٣ مايو ـ وإذا كان الاتجاه العام للدولة هو تخفيف إجراءات الحظر والإغلاق تمهيداً للاستئناف التدريجى للنشاط الاقتصادى ـ وإذا كان هذا الاتجاه يجىء فى ظل منحنى متصاعد بسرعة لعدد الإصابات والوفيات من "٧٧٩ إصابة فى بداية إبريل إلى حوالى ٧٩٠٠ إصابة فى ٧ مايو، ومن بضع عشرة حالة وفاة إلى ٤٦٩ حالة وفاة فى الفترة نفسها» .. إذا كان الأمر كذلك، فإننا بحاجة إلى طريقة فى التعامل مع الوباء، وإلى إجراءات أكثر إحكاماً وحزماً بكثير مما نراه حالياً، لكى نتفادى وقوع كارثة كبرى مع المضى قدماً فى تخفيف إجراءات الحظر.

وبادئ ذى بدء فإننا بحاجة إلى الكف فوراً عن لعبة تبادل إلقاء المسئولية والاتهامات بين مختلف الأطراف عن المستوى الحالى لانتشار كورونا، والاحتمالات الأكبر والأخطر لانتشاره اللاحق، وخاصة إلقاء الإعلام للمسئولية على الشعب.. فمعروف سلفاً أننا نتحدث عن شعب يبلغ نسبة الأمية فيه حوالى ٥٠٪ وأن مستوى الوعى الصحى العام متواضع جداً، وأن مستوى الفقر الكبير«حوالى الثلث وفقاً للأرقام الرسمية وتحديداً ٣٢٫٥٪» قبل التطورات الاقتصادية المرتبطة بكورونا» ومستوى التغذية السيئ مع ارتفاع تكلفة العلاج الخاص وضعف مستوى المنظومة الصحية الحكومية، كلها أمور تجعل الفقراء ومن ذوى الدخل يتعودون على التعايش مع المرض، ويواجهون صعوبات جمة فى التماس العلاج.

ومعروف أيضاً أن نسبة العمالة غير المنتظمة والموسمية كبيرة جداً فى ظل مستوى التطور الاقتصادى المتحقق فى بلادنا.. وقد كانت هذه الحقيقة من أهم مبررات إقناع الدولة عن اللجوء لفرض الحظر الكامل للتجوال فى بداية انتشار الوباء.. لأن الحظر الكامل كان معناه ترك هؤلاء الناس وأطفالهم يتضورون جوعاً فى بيوتهم.. بينما إمكانات الدولة الاقتصادية والتنظيمية لم تكن لتسمح بإعاشتهم طبعاً.

ومن ناحية أخرى فإن الفقر، وتكدس الناس فى مساكن ضيقة ووجود أكثر من أسرة فى الشقة الواحدة أحياناً، وغياب المياه الجارية والصرف الصحى فى بعض المناطق الشعبية و«العشوائية خصوصاً» ونتيجة لذلك كله فإن عادات النظافة الشخصية تكون دون المستوى المقبول حضارياً.. وبديهى أن أى حديث عن المسافة الاجتماعية "Sociad distance" فى هذه الظروف هو نوع من المزاح السخيف!!

التوعية .. ومصاعبها وضرورتها المطلقة

فى ظل كل هذه الأوضاع بديهى أن يكون مستوى الوعى متواضعاً، وأن يكون السلوك المنضبط صحياً أمراً يصطدم بمصاعب «موضوعية» كثيرة.

وفضلاً عن ذلك فإن الإعلام لعب دوراً سلبياً إلى حد ما فى بداية انتشار كورونا عن ضعف الفيروس أو أن «٨٠ ـ ٨٥٪» من الناس يصابون به ويشفون دون علاج .. إلخ .. مما خلق نوعاً من التخدير تجاه المشكلة، وخاصة لدى الناس الأقل تعليماً.

ومن ناحية أخرى فإن بعض المحسوبين على «الدعاة» وبعض من المنتمين إلى الاتجاهات السلفية أطلقوا أحاديث لا أساس لها عن القضاء والفلاسفة ودورهما فى الإصابات «وكان الوقاية والإجراءات الاحترازية معاندة لقضاء الله!!»

ولم يتورع «الإخوان» المجرمون عن محاولة تحقيق مكاسبة سياسية عن الكارثة، فأخذوا يطلقون دعاياتهم الشريرة ضد قرار الإغلاق المؤقت للمساجد، وكأنه موقف من جانب الدولة ضد الدين نفسه «!!» ويحاولون تحدي التعليق المؤقت لصلاة الجماعة «حرصاً على صحة وحياة الناس» بإقامة صلوات الجماعة أمام المساجد المغلقة أو فوق أسطح العمارات!! متجاهلين عمداً أن المسجد الحرام والمسجد النبوى ذاتهما قد أوقفت صلاة الجماعة فيهما.

وأدت هذه المعطيات كلها الموضوعية أو المتصلة بالوعى المتواضع ـ إلى شيوع سلوكيات غير منضبطة، كان لها إسهامها فى انتشار العدوى، وتمثل فى حالة استمرارها خطراً كبيراً .

ولكن .. المكافحة الفعالة ممكنة .. وحتمية

وبناء على ماذكرناه بجد بعض الآراء تذهب إلى إلقاء المسئولية على الشعب وحده فى انتشار الوباء، وإلى أنه فى ظل مستوى الوعى والسلوكيات المنتشرة، فإن كل جهود الحكومة ستظل محدودة الأثر.. وأن تفشى الوباء ـ بما يصاحبه من زيادة حالات الوفاة يبدو بمثابة قدر محتوم.

ولهؤلاء وخاصة لمن يتولى منهم أى موقع مسئولية نقول: هذا هو الشعب المصرى.. وهذه هى ظروفه المعيشية والثقافية ومسئوليتها لا تعود إليه، بل إلى سياسات اقتصادية واجتماعية وصحية وثقافية أنتجت الأوضاع الحالية .

وبديهى أنه لا يمكن «معاقبة الشعب!!» على أوضاع هو ضحيتها وليس المسئول عنها.. وعلى الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها بذل كل جهد ممكن، وتعبئة كل الطاقات والموارد المتاحة وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق والاستثمار لتوفيق أقصى حماية ممكنة لكل فرد فى المجتمع، باعتبار أن حماية المواطنين وصحتهم هى أولى أولويات الأمن القومى، والمعيار الحاسم لإنسانية المجتمع والعلاقات بين إخراجه ولا يجدن التعلل بأى اعتبار لتبرير التقصير فى هذا الواجب، خاصة أن الدولة قد بدأت بالفعل فى تخفيف إجراءات الحظر والإغلاق، والاتجاه لاستئناف الأنشطة الاقتصادية والإدارية، بما يفرضه ذلك من تجمعات، وبالتالى من إمكانية أكبر لانتشار العدوى.. ومن ثم ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الوضع حتى لا يتحول استئناف النشاط الاقتصادى إلى كارثة صحية وإنسانية.

مطلوب.. إعادة هيكلة الموازنة

وبما أن الموازنة العامة للدولة تجرى مناقشتها فى البرلمان هذه الأيام، فإن المطلوب هو إعادة هيكلة الاستثمار والإنفاق بصورة جذرية لإعطاء أولوية قصوى لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمى، ليس فقط لمواجهة الوباء، بما يستدعيه ذلك من بناء مزيد من المستشفيات، وتجهيز غرف العناية المركزة، وتوفير الأجهزة الطبية وأدوات الوقاية الضرورية فى الوقت الحالى، بل وأيضاً انطلاقاً مما يقوله مسئولو الصحة فى مصر وفى بلدان مختلفة، ومنظمة الصحة العالمية حول احتمال استمرار الوباء، وتجدد موجات انتشاره لسنوات قادمة.

والأمر الذى لا يقل أهمية عن المواجهة العاجلة وهو ما كشف عنه تفشى الوباء من تصور وعورات فى النظم الصحية فى بلدان أكثر منا تقدماً وإنفاقاً على الصحة العامة «سواء بالأرقام المطلقة، أو بالنسبة المئوية من الموازنة ومن الناتج المحلة الإجمالى» وقد أصبحت ضرورة فى زيادة الانفاق على الرعاية الصحية أمراً متفقاً عليه الآن فى مختلف بلدان العالم.

وواضح تماماً أن هناك حاجة عاجلة لبناء وتجهيز المزيد من المستشفيات، وتوفير أماكن أكثر بكثير للحجر الصحى وبهذه المناسبة يبدو غريباً بالفعل حديث بعض المسئولين فى القطاع الصحى عن الحجر الصحى المنزلى للإصابات الخفيفة والمشتبه فى إصابتهم.

"إقامتهم فى غرف منفصلة واستخدام حمام منفصل"!! فهذا الحديث يناسب سكان الفيلات والكومباوندات وحدهم.. بينما أغلب المصريين يعيشون فى شقة صغيرة بها حمام وحيد.. وفى الأحياء الشعبية والعشوائيات تعيش أكثر من أسرة أحياناً فى نفس الشقة. فكيف يمكن الحديث عن حجر منزلى وهذه الحالات التى تمثل أغلبية المصريين "شقق صغيرة أو مشتركة".

إن المعنى الوحيد لذلك هو نقل العدوى لأفراد الأسرة "أو الأسر" الموجودة بالشقة.. والمزيد من تفشى الوباء.

وبالتالى فلابد من تجهيز أماكن كافية للحجر الصحى "المجانى" فى المدن الجامعية أو المدارس المغلقة بما يتطلب ذلك من نفقات كبيرة.

ولن نمل من الحديث عن ضرورة توفير ملابس طبية واقية وكمامات «طبية» للأطباء وطواقم التمريض وغيرهم من «مقاتلى الجيش الأبيض» الذين ترتفع بينهم الإصابات وحالات الوفاة بصورة مقلقة.

كما أنه ليس مقبولاً الحديث عن استئناف النشاط الاقتصادى والإدارى دون توافر ما يكفى من المعامل وإجراءات التحليل والمسح «المسحات».. وهو ما نلاحظ فيه نقصاً فادحاً فى بلادنا مقارنة بالبلدان المتقدمة.. وهو نقص يترك المجال واسعاً لتفشى الوباء.

بل إن النقص الفادح فى الكمامات الطبية والعادية، وارتفاع أسعارها فى حالة وجودها لايزال يمثل ثغرة مسببة لأشد القلق، ومصدراً خطيراً لانتشار العدوى، وهو أمر مرشح للزيادة مع استئناف الأنشطة على نطاق كبير كمصر.. فهذه أولى البديهيات فى مكافحة انتشار العدوى.

تعزيز الجيش الأبيض

وإذا كنا نتحدث عن سياسة صحية جديدة، فإن من الضرورى التوسع فى إنشاء كليات الطب والمستشفيات التعليمية المرتبطة بها، وكذلك كليات الصيدلة ومعاهد التمريض وفنيي التحاليل والأشعة، ورفع أجور كل هؤلاء، وإعادة الاعتبار لهم اجتماعياً وإعلامياً، بعد عقود من تمجيد ورفع شأن كل النماذج غير المنتجة وغير المفيدة، والسلبية المبتذلة فى مختلف وسائل الإعلام.. ولابد أن يكون ذلك أحد الاتجاهات الأساسية فى الإعلام من الآن فصاعداً.

وبرتبط بذلك كله ضرورة رفع ميزانية البحث العلمى فى جميع المجالات مع إعطاء أولوية للمجالات المرتبطة بالطب وصناعة الدواء، والأمصال واللقاحات فى المرحلة الأولى.. وهذا فرض عين فى الحقيقة، لأن البحث العلمى فى بلادنا يعانى من تخلف وشح للموارد لا يمكن فى ظلها النهوض بالبلاد.

وبديهى أنه إذا كنا بصدد استئناف النشاط الاقتصادى والإدارى، فيجب البدء بالأنشطة الأكثر إلحاحاً، ويجب اتخاذ إجراءات صارمة تجاه كل منشأة وكل رب عمل لا ينفذ التوصيات الطبية والصحية الضرورية، ولا يوفر المستلزمات والظروف الضرورية للعاملين لديه.. أو يتهاون فى مطالبة المترددين عليه بمراعاة الإجراءات الاحترازية.

وأخيراً وليس آخراً.. نؤكد على ضرورة الكف عن تفادى الاتهامات.. وخاصة عن إلقائها على الشعب.. فهذا الشعب ليس أسوأ من شعوب أخرى نجحت حكوماتها فى فرض الإجراءات الضرورية وحققت نتائج ممتازة «الأردن مثلا».. وحينما تصرفت حكومتنا بحزم كاف فى شم النسيم مثلاً، حققت نتائج طيبة للغاية.. تعاون الشعب ضرورى للغاية.. ولكن وفروا الإمكانيات، ووفروا إعلاماً واعياً.. ونفذوا الإجراءات المطلوبة بحزم وصرامة.. وستجدون تعاوناً أوسع بكثير من جانب الناس.. فالمعادلة ذات طرفين وليس طرفاً واحداً حفظ الله مصر من كل سوء.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE