الأموال
الخميس، 2 مايو 2024 12:42 صـ
  • hdb
22 شوال 1445
2 مايو 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : تركيا و«قسد».. أعداء في الحرب.. وشركاء في السرقة!!

الأموال

تناقضات ومفارقات بعضها أغرب من الخيال شهدتها ـ ولاتزال تشهدها ـ الحرب التى تشنها أمريكا وتركيا وأطراف غربية وإقليمية أخرى على سوريا منذ عام 2011، مستعينة بالإرهاب الدولى.
ومن أغرب هذه المفارقات ما تكشَّف مؤخرا من وجود «شراكة» مستمرة بين الفصائل الكردية في شمال شرق سوريا، وتركيا في سرقة البترول السورى، حتى بعد أن قامت أنقرة بعدوانها على شرق الفرات بذريعة «مكافحة الإرهاب الكردى»!!
وبينما تنصب قنابل المدافع والدبابات والطائرات التركية على القرى والبلدات الكردية، وتدور الاشتباكات بين «قسد» وقوات الجيش التركى والفصائل الإرهابية الموالية له.. فإن شاحنات الصهاريج تنقل البترول السورى المسروق من منطقة شرق الفرات إلى المنطقة الكردية في شمال العراق (وتحديدًا.. عاصمتها أربيل) حيث يجرى ضخه عبر أنابيب البترول المتجهة من العراق إلى تركيا، حيث يكتسب صفة شرعية زائفة من خلال اختلاطه بالبترول العراقي الجارى تصديره بصفة قانونية!! ليس هذا فحسب.. بل تحمل الصهاريج البترول السورى المسروق من شرق الفرات إلى مدن الشمال السورى التى تحتلها تركيا، غربى الفرات مثل «جرابلس وإعزاز والباب» الواقعة شمال وشمال غربى مدينة حلب!
>> ويحدث ذلك بناء على اتفاق بين النخبة الكردية الفاسدة في «قسد» وإدارة الحكم الذاتى الكردى فى شرق الفرات، وعصابات التهريب التركية التى يتزعمها «بلال أردوغان» نجل رئيس تركيا رجب طيب أردوغان.
>> ومعروف أن تركيا كانت تشترى البترول السورى المسروق من «داعش» حينما كانت الأخيرة تسيطر على شرق الفرات، وأن «بلال أردوغان» هو الذى كان يرأس شبكة التهريب التركية هذه، ويحقق من خلالها أرباحا فاحشة لأن الشبكة كانت تشترى البترول المسروق بحوالي ثلث ثمنه في الأسواق العالمية، وهو ما فضحته أجهزة المخابرات والإعلام الروسية في حينه (راجع «الأموال» ـ الأحد 24/11/2019 ـ إسرائيل تسرق البترول السورى بحماية أمريكية!» ومع الضربات الروسية لقوافل ومنشآت البترول المسروق ثم مع هزيمة داعش وسيطرة الأكراد علي منطقة شرق الفرات ـ كما أوضحنا فى مقالنا المشار إليه ـ بدا أن تركيا قد فقدت هذا المصدر للبترول الرخيص المسروق.. فلم يكن المراقبون يتصورون أن الأكراد يمكن أن يبيعوه للأتراك.. عدوهم الأساسى.
خيانة وطنية وقومية
>> إلاّ أنه ثبت أن غير المعقول هو بالضبط ما حدث!! وأن الواقع أغنى وأكثر تعقيدًا من تحليلات المراقبين، مهما تكن منطقية!! فالنخبة الكردية لم تكتف بالتعاقد مع شركة إسرائيلية للإشراف على إدارة حقول البترول السورى، وتهريبه إلى الدولة الصهيونية بأبخس الأسعار بواسطة قوافل الصهاريج عبر الأراضى العراقية والأردنية.. بل وصل الأمر بتلك النخبة إلى بيع البترول المسروق إلى تركيا.. أعدى أعدائهم!! والأكثر من ذلك أنه بعد أن قامت تركيا بالعدوان على شرق الفرات وضرب المناطق الكردية، لم تتوقف عمليات التهريب عبر الحدود العراقية من جهة، وعبر الحدود التركية من جهة أخرى ـ بعيدًا عن الاشتباكات، وصولاً إلى المناطق التى تحتلها أنقرة شمال غربى سوريا!
>> أى أن النخبة الكردية واصلت تزويد تركيا بالبترول اللازم لتشغيل آلياتها العسكرية وطائراتها، التي تضرب شعبهم ذاته!! وبأبخس الأسعار!! (23 - 34 دولارا للبرميل) مقارنة بالأسعار العالمية!!
والأمر المؤكد أن هذا العمل يمثل خيانة مزدوجة: خيانة وطنية لسوريا.. وخيانة قومية لبنى جلدة هذه النخبة من الأكراد.. كل هذا من أجل حصول هذه النخبة الكردية على المال وتكديسها للثروات الحرام، على حساب معاناة مريرة يتعرض لها الملايين من أبناء الشعب السورى والأقلية الكردية!! وبينما تتم هذه العملية المشينة وسط تعتيم إعلامى شبه كامل، كانت القيادات التركية والكردية تتبادل أشنع الاتهامات ضد بعضها البعض!! وبديهى أن هذه العملية كانت تتم بعلم وإشراف القوات الأمريكية في المنطقة، وكذلك بعلم الشركة الإسرائيلية المشرفة على تشغيل الحقول البترولية في المنطقة، والتي لا يهمها كثيرًا أن يستفيد الأتراك أو غيرهم، طالما تحصل إسرائيل على ما يكفيها.. فالأمر الوحيد الذى يهم شركة «جلوبال ديفيلوبمنت كوربوريشن» الإسرائيلية هو «ألا يصل هذا البترول إلى أيدى نظام الأسد» كما صرح رئيس الشركة رجل الأعمال الإسرائيلى الأمريكى مردخاى خانا.. أى ألا يصل البترول السورى إلى أيدى أصحابه الشرعيين!!
عملية عسكرية سورية ناجحة
عملية عسكرية سورية مفاجئة وناجحة سلطت الضوء على أبعاد النهب الأمريكى ـ الإسرائيلى ـ التركى ـ الكردى لبترول شرق الفرات السورى.. فقد قامت القوات السورية (وفقًا لموقع «كاتيتون» الروسى ـ التابع لمركز الدراسات الأورو-آسيوية الروسى ونقلا عن وكالة «سانا» السورية الرسمية للأنباء/ 27 نوفمبر 2019) بتدمير عدد من مراكز تكرير البترول ومجموعات من صهاريج النقل في منطقة شرق الفرات، وأكد الموقع الروسى التابع لمركز الدراسات الأوراسية (وكلاهما حسن الاطلاع على الشئون السورية) نقلا عن مصدر رسمى سورى وعن وكالة «ناسا» أن القوات السورية ستواصل ضرب المنشآت النفطية وصهاريج النقل في المنطقة، وسيتم اتخاذ إجراءات صارمة تجاه أى عملية تهريب للنفط المسروق من الأراضى السورية إلى خارج سوريا (مركز أوراسيا للدراسات ـ كاتيخون ـ 27/11/2019).
المشكلة في هذا السيناريو أن قوات «قسد» التي تمثل «وحدات حماية الشعب» الكردية نواتها الصلبة لن تسكت على الأغلب تجاه ضربات الجيش السورى، نظراً للأرباح الضخمة التى تحصل عليها النخبة الكردية من عمليات التهريب، سواء إلى إسرائيل أو تركيا.. وكانت هذه القوات قد أبرمت اتفاقًا مع الجيش السورى لتسليمه مواقعها فى بداية الغزو التركى للمنطقة (أوائل أكتوبر 2019) وتم هذا الاتفاق بوساطة ورعاية روسية.. إلا أنه بعد أن أعلن ترامب عن عودة قوات أمريكية إلى الحسكة ودير الزور لحماية حقول البترول بالتعاون مع الأكراد، بدأت القيادة الكردية في التلاعب بالاتفاق المشار إليه، بتحريض أمريكى، واطمئنانا لدعم واشنطن، وخاصة بعد أن أجرى ترامب اتصالاً هاتفياً بقائد تلك القوات «مظلوم عبدى» وأطلق عليه لقب «الجنرال»!! وأشاد به بحرارة.. واستنادًا إلى ذلك بدأت القيادات الكردية فى المراوغة في تسليم بعض المواقع، والإعلان عن رفض تسليم مواقع أخرى.. فضلا عن رفض اندماج القوات الكردية فى الجيش السورى، باعتبار أن أفرادها مواطنون سوريون.. والمطالبة بوضع مستقل أقرب إلى وضع «التحالف الحر».. كما رفضت تلك القيادة حل ما يسمى بـ»الإدارة الذاتية» التي يسيطر عليها الأكراد استنادا إلى قوتهم العسكرية والتسليح الأمريكى القوى لهم. بينما هم يمثلون أقل من ربع سكان منطقة شرق الفرات، مقابل أكثر من نصف السكان من العشائر العربية، بالإضافة إلي أقليات عرقية وقومية أخرى.
احتمالات كبيرة لتصاعد التوتر
ونذكر كل هذه التفاصيل لنوضّح أن القيادات الكردية ستلجأ على الأرجح، للتصعيد للحفاظ على مكاسبها المادية الضخمة ـ وغير المشروعة طبعًا ـ واستنادًا إلى وجود القوات الأمريكية في المنطقة، ووجود شركة إسرائيلية تقوم باستغلال وإدارة حقول البترول، وستهتم إسرائيل طبعًا بالدفاع عن (مصالحها!!) سواء من خلال الضغط على أمريكا لاتخاذ مواقف أكثر عدائية تجاه تحركات الجيش السورى.. أو ربما حتى من خلال غارات جوية إسرائيلية، كتلك التي قامت بها مؤخرًا على مدينة «البوكمال» السورية عبر المجالين الجويين الأردنى والعراقى!!
>> خلاصة القول أن الموقف الانتهازى غير الوطنى من جانب القيادة الكردية فى سوريا يخلق «خميرة» خطيرة للتوتر في منطقة شرق الفرات السورية، علاوة على ما يمثله الغزو التركى والوجود الأمريكى من أسباب التوتر.
وهذا ما دعا وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف لتحذير القيادات الكردية من عواقب مواقفها وحث «قسد» والقيادة السياسية الكردية عموماً على الوفاء بالتزاماتهم المتفق عليها مع كل من موسكو ودمشق، فى أعقاب الغزو التركى لمنطقة شرق الفرات.. (وكالات ومواقع ـ 26/11/2019) منتقدًا تراجعهم عن مواقفهم واتفاقاتهم بعد أن عادت القوات الأمريكية إلى سوريا «لحماية» حقول البترول.. كما شدَّد لافروف على أن «ضمان حقوق الأكراد غير ممكن إلاّ فى إطار سيادة سورية ووحدة أراضيها».. في تأكيد واضح على رفض روسيا للدعاوى الانفصالية الكردية، التي كانت قد خفتت مع الانسحاب الأمريكى... ثم عادت للانتعاش بعد عودة القوات الأمريكية.. ووصف لافروف تقلبات ومراوغة القيادات السياسية الكردية بأنها «موقف انتهازى».
غباء استراتيجى
والحقيقة أن موقف القيادات السياسية الكردية لا يتصف بالانتهازية فحسب.. بل إنه أيضًا يتصف بقصر النظر والغباء الاستراتيجى فقد أصبح واضحا تمامًا أن آمالهم في إقامة «دولة كردية» أو «كيان كردى» قد تم القضاء عليها بعد انسحاب القوات الأمريكية من أغلب مناطق شرق الفرات (باستثناء منطقة حقول البترول) وأصبح الجيش السورى والقوات الروسية يمثلان الجزء الأكبر من المنطقة، بالإضافة إلي الجزء الذى تحتله تركيا، ولم يعد باقيًا تحت سيطرة الأكراد إلا مساحات صغيرة محاطة بالأراضى والقوات السورية من كل جانب، ولا تصلح لإقامة أى كيان خاص بهم.. كما أن الوجود الأمريكى في منطقة حقول البترول المحدودة محكوم عليه استراتيجيًا.
وثلاثة أرباع السكان فى مناطق وجود الأكراد من العشائر العربية والأقليات الأخرى، وفى ظل وجود القوات السورية فإن هذه الأغلبية لن تسمح للأكراد بإقامة أى كيان خاص بهم، وخاصة بعد ممارساتهم القمعية والقومية المتطرفة ضد الأغلبية في فترة استقوائهم بالوجود الأمريكى.. والأرجح أن تشهد الفترة المقبلة أشكالا مختلفة من تنظيم وتسليح العشائر العربية الموالية فى غالبيتها لدمشق، وخوض أشكال من (حرب العصابات).. ضد «قسد».. بل وربما ضد الوجود الأمريكى نفسه.. حيث لن يغامر الجيش السورى بالاشتباك بصورة مباشرة مع الأمريكيين.. وإن كان ظله سيصبح واضحًا خلف الأنشطة المعادية لهم.
لذلك فإن مصلحة المواطنين والأكراد تتمثل فى تخلى قيادتهم عن أوهام الدولة، وعن الاستقواء بالأمريكيين، وعن الانخراط فى ممارسات لصوصية فاسدة لتهريب البترول السورى إلى إسرائيل تارة، وتركيا ـ أعدى أعداء شعبهم ـ تارة أخرى.. فالوقائع على الأرض تقول إنه بالنسبة للمواطنين الأكراد البسطاء والشرفاء «لابد من دمشق وإن طال السفر».. تأسيًا بالمثل العربى الشهير، ولذلك فإن القيادات الفاسدة المرتبطة بأعداء شعبها محكوم عليها بالسقوط في النهاية.. بينما تظل مصالح أكراد سورية مرتبطة بالعودة إلى أحضان الوطن السورى والشعب السورى بمختلف مكوناته، التى لطالما قدمت نموذجا فريدًا فى الامتزاج والعلاقات الاندماجية، قبل أن تحل بسوريا سحابة الإرهاب الأسود ومن يقفون وراءه.
«ولابد من دمشق وإن طال السفر»..
حفظ الله سوريا وشعبها العظيم وجيشها الباسل..

مصر للطيران
تركيا سوريا
بنك الاسكان
NBE