الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 02:51 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب: رد الاعتبار لمحمد نجيب ولتاريخ مصر الحديث

الأموال

 

سوف يُحسب للرئيس السيسي.. سياسياً بوصفه رئيس الجمهورية.. وعسكرياً بوصفه القائد الأعلي للقوات المسلحة.. أنه أطلق اسم اللواء محمدنجيب علي أكبر قاعدة عسكرية في مصر وفي المنطقة كلها، والتى افتتحها في الاحتفال بذكرى 23 يوليو الخامسة والستين والذى شهد تخريج كل الدفعات الجديدة من طلبة الكليات والمعاهد العسكرية في سابقة تحدث لأول مرة.

الأجيال الحالية لا تعلم أن اللواء محمد نجيب كان رئيس مجلس قيادة «حركة الجيش المباركة» ضد الملك فاروق يوم 23 يوليو 1952 والتي أجبرته على التنازل عن العرش لنجله وولى عهده الطفل الرضيع وقتها الأمير أحمد فؤاد ليكون آخر ملوك مصر تحت مجلس وصاية عيّنه الجيش.

والأجيال الحالية لا تعلم أيضاً أن اللواء محمد نجيب كان أول رئيس جمهورية بعد إسقاط الملكية وإعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953، وأن مجلس الحركة التي صار اسمها ثورة يوليو برئاسة عبدالناصر عزله من منصبه ثم اعتقله في فيلا مهجورة بمنطقة المرج في أقصى شرق القاهرة.. كانت مملوكة للسيدة زينب الوكيل زوجة مصطفي النحاس زعيم حزب الوفد ورئيس أكثر من حكومة قبل يوليو 1952.. وجري فرض الحراسة عليها.

< < <

لم يكتف مجلس قيادة الثورة بإهانة الرجل بل قرر حذف اسمه من سجلات التاريخ والوطن واعتبار رئاسته للجمهورية كأنها لم تكن في مسلك غير مسبوق في تاريخ الدول، بل تم اعتبار جمال عبدالناصر أول رئيس للجمهورية في تزوير فاضح للتاريخ.. غير وطنى وغير أخلاقى، وتحوَّلَ هذا التزوير علي مرأى ومسمع من المصريين إلي أمر واقع وجرى تدريسه في كتب التاريخ بالمدارس وترويجه في الصحافة والإعلام وخطاب النظام وأدبياته السياسية.

< < <

صحيح أن محمد نجيب لم يكن ضمن تنظيم الضباط الأحرار الذى شكّله البكباشي «المقدم» جمال عبدالناصر مع زملاء له من نفس رتبته العسكرية أى من فئة «الكولونيلات» والتي عادة ما تقوم بالانقلابات العسكرية.

لكن الصحيح أيضاً أنهم لجأوا إليه ليرأس «الحركة» في لحظة إعلان الانقلاب ليكون واجهة رفيعة المستوى والرتبة العسكرية لإعلاء قدر الحركة التي يقودها ضباط صغار السن تحت قيادة ضابط كبير السن له مهابة.. حتى تلقى قبولا شعبياً وهو ما تحقق بالفعل بعد تصدّر نجيب للمشهد يوم 23 يوليو.

< < <

غير أنه بعد نجاح الحركة وسط تأييد شعبي.. يرجع الفضل فيه وفي المقام الأول إلي رئاسة نجيب لها، فإن عبدالناصر ورفاقه بعد إعلان الجمهورية وتعيين نجيب أول رئيس لمصر.. أرادوا أن يجعلوا الرجل كبير السن والمقام والرتبة والمكانة الشعبية.. رئيسا شكلياً و«ديكورًا» وعزلوه داخل مجلس قيادة الثورة الذى يترأسه وأصدروا القرارات دون الرجوع إليه في إهانة لم يقبلها وتقدم باستقالته، وهى الاستقالة التي رفضها المصريون وخرجت الجموع تطالب بعدوله عن الاستقالة وهو الأمر الذى أكد أن ثقة الجماهير في ضباط يوليو مرجعها إلي ثقتهم في رئاسة نجيب بالدرجة الأولي وهو الأمر الذي اضطر معه عبدالناصر ورفاقه إلي إعادته للرئاسة مرة أخرى ولكن إلي حين!
< < <

هذه الشعبية الجارفة تجاه نجيب أوغرت صدور ضباط يوليو باعتبار أن استمراره في الرئاسة من شأنه التقليل من نفوذهم وسلطتهم خاصة بعد أن أبدى انحيازه للديمقراطية وتسليم السلطة للسياسيين وحكومة سياسية منتخبة وعودة الجيش إلي الثكنات، وهو ما تعارض مع نياتهم وتوجهاتهم في الاستمرار فى الحكم بعد أن قبضوا علي مقاليد السلطة وذاقوا حلاوتها.

< < <

لهذا وبعد أشهر قليلة من عدوله عن استقالته وتحديدا في شهر نوفمبر 1954 قرر عبدالناصر ورفاقه عزل نجيب من منصبه واعتقاله.. مهاناً في مشهد غير أخلاقى وغير وطنى خال من فروسية المحاربين.. إزاء رئيسهم وقائدهم دون مراعاة لسنه الكبيرة ومواقفه الشجاعة معهم في إنجاح حركتهم، حيث كان يعتبرهم ويصفهم بأنهم أبناؤه.

وظل نجيب منذ عزله واعتقاله وإهانته وطوال فترة حكم عبدالناصر في غياهب النسيان والاعتقال محدد الإقامة لا يزور ولا يُزار وتحت ظروف معيشية غير آدمية لا تليق بالمساجين في جرائم جنائية ولا تليق بمكانته وتاريخه وسنه وشيخوخته وكان كل ذنبه أنه رفض أن يكون رئيساً شرفياً بقدر ما كانت شعبيته الجارفة هى ذنبه الأكبر!

< < <

وبعد رحيل عبدالناصر أفرج السادات عن الرجل وخرج من معتقله وعزلته وانتهاك آدميته والتطاول علي مكانته ولكن  إلي المستشفى حيث كانت أمراض الشيخوخة قد داهمته وسط إهمال طبى متعمد من نظام عبدالناصر، ويذكر للرئيس مبارك أنه أقام جنازة عسكرية لمحمد نجيب بعد رحيله في منتصف الثمانينات.

< < <

المفارقة القدرية في قصة محمد نجيب الحزينة المحزنة أنه ورغم فارق السن الكبير بينه وبين ضباط يوليو الذين عزلوه واعتقلوه وأهانوه.. فقد أمد الله في عمره إلي ما بعد التسعين، بينما رحلوا جميعاً قبله بسنوات باستثناء خالد محيي الدين الذي انشق علي عبدالناصر مبكرًا وربما أيضاً إن لم أكن مخطئا شقيقه الأكبر زكريا محيى الدين، وهى مفارقة ساقتها الأقدار الإلهية لتكون آية من الآيات للذين يتدبرون أو لا يتدبرون!

< < <

يبقي أن إطلاق اسم محمد نجيب علي أكبر قاعدة عسكرية له أكثر من دلالة بالغة الأهمية.. أولها أنه تكريم تواكب مع الاحتفال بذكرى 23 يوليو الخامسة والستين التى ظلمته وظلمه ضباطها، وهو الأمر الذى يعنى رد الاعتبار للرجل علي أعلي مستوى حتى وإن جاء متأخرًا كثيرًا.. بعد 63 عاماً من عزله وإهانته وتزوير تاريخه وتاريخ جمهورية مصر.

ثم إن هذا التكريم يعنى بل يؤكد إنصاف الرجل والاعتراف بدوره الوطنى الكبير في نجاح حركة الجيش وثورة يوليو باعتبار أنه لولا رئاسته للحركة وتصدّره للمشهد ما كان مقدرًا لها النجاح وهو إقرار بشجاعته العسكرية ومجازفته برتبته العسكرية الكبيرة في أن يترأس الانقلاب علي الملك والتي كانت تعرّضه للإعدام لو فشلت الحركة.

إن رد الاعتبار لمحمد نجيب يعنى أيضا رد الاعتبار لتاريخ مصر الحديث ومحو ما لحق به من تزوير متعمّد بقدر ما يعنى في نفس الوقت أن العسكرية المصرية لا تتخلي عن فروسيتها التاريخية مهما جرى.

<< إن مصر لا تنسي ولن تنسي رجالاتها المخلصين.. ولا التاريخ، ومهما طال الزمن لابد للحق أن يعلو وأن يعود لأصحابه.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE