الأموال
الخميس، 2 مايو 2024 02:29 صـ
  • hdb
22 شوال 1445
2 مايو 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : الحرب فى غزة.. والطابور الخامس «الناطق بالعربية»

دكتور محمد فراج ابو النور
دكتور محمد فراج ابو النور

بينما يواصل الكيان الصهيونى حرب الإبادة الهمجية ضد الشعب الفلسطينى الشقيق فى غزة والضفة الغربية، فإن ما يثير أشد الغضب والاشمئزاز أن نجد بعض الإعلاميين والسياسيين «الناطقين باللغة العربية» فى مصر وبلدان عربية أخرى يشنون حملة شرسة ضد فصائل المقاومة الفلسطينية الإسلامية «حماس والجهاد وشقيقاتها» وضد عملية «طوفان الأقصى» متهمين هذه الفصائل بأنها «داعشية» تارة، وعميلة لإيران تارة أخرى، ونازعين عنها صفة الوطنية الفلسطينية!! ومتهمين إياها بأنها هى المتسببة فى الكارثة التى تواجهها غزة هذه الأيام، والمتمثلة فى حرب الإبادة الصهيونية الهمجية، ومنحين عليها باللائمة لأنها كان ينبغى أن تضع فى اعتبارها أن إسرائيل ستنتقم!!
ويتجاهل هؤلاء أن فلسطين وطن محتل منذ خمسة وسبعين عاما ولابد من تحريره، وأن الشعب الفلسطينى تعرَّض لكل أشكال الاضطهاد والتنكيل والمذابح منذ تأسيس الدولة الصهيونية، وقبل إعلانها وأنه يقدم الشهداء كل يوم فى سبيل قضيته التى تسعى قوى دولية وإقليمية كثيرة لإهالة التراب عليها وتصفيتها، ويتجاهلون حتى ما قاله سكرتير عام الأمم المتحدة جوتيريش «الأجنبى» من أن عملية «طوفان الأقصى» لا يمكن النظر إليها بمعزل عن خمسة وسبعين عاما من الظلم والاضطهاد.. ويتجاهلون مثلا أن الضفة الغربية قد قدمت مائتين وخمسين شهيدا هذا العام وحده قبل عملية «طوفان الأقصى».
كما يتجاهل هؤلاء الناطقون بالعربية ذلك التعاطف الدولى الهائل الذى تحظى به قضية الشعب الفلسطينى منذ حدوث عملية «طوفان الأقصى»، ثم اندلاع الحب، وأن هذه العملية وما ترتب عليها قد أفشلت مؤامرة التصفية وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة اهتمام المجتمع الدولى، وأوقفت- ولو مؤقتاً- عملية «التطبيع» مع العدو التى كانت جارية على قدم وساق دون أى اعتبار لمصالح الشعب الفلسطينى وقضيته وحقوقه المشروعة.
الحقيقة أن هؤلاء الإعلاميين والسياسيين «الناطقين بالعربية» هم «طابور خامس» فى بلادنا، ينعق بأكاذيب وخرافات العدو، ويردد أباطيله، ويضع نفسه فى مواجهة شعوبنا العربية، بل ولا نبالغ إذا قلنا إنهم يضعون أنفسهم فى مواجهة الأغلبية الساحقة من الرأى العام العالمى الذى أبدى تعاطفا غير مسبوق مع الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة.
فلأول مرة فى تاريخ الصراع العربى ــ الصهيونى يصطف الرأى العام العالمى بهذا الوضوح وبهذه القوة إلى جانب طرف عربى، تعنى الشعب الفلسطينى ومقاومته الباسلة فى غزة ضد العدوان الصهيونى الوحشى وداعميه من الدول الغربية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.. وبالرغم من الحرب السياسية والإعلامية الكاسحة التى شنها السياسيون والإعلاميون الصهاينة والأمريكيون والأوروبيون ضد الشعب الفلسطينى ومقاومته الباسلة، وطوفان الأكاذيب الذى تدفق عبر وسائل الإعلام الغربية الكبرى بعد عملية «طوفان الأقصى» والدعم اللامحدود من جانب ساسة وحكومات العرب للكيان الصهيونى.
الهمجية غير المحدودة وغير المسبوقة التى اتسمت بها حرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، وتدمير البيوت فوق رؤوس سكانها، وحصار وقصف المستشفيات ودور العبادة ومدارس هيئة إغاثة اللاجئين «الأونروا» ــ والمجازر الوحشية التى راح ضحيتها آلاف الأطفال والنساء والشيوخ ــ ومنع الغذاء والماء والدواء والطاقة.. وكل مظاهر السادية الوحشية التى تفنن العدو الصهيونى فى ممارستها ضد سكان غزة.. وفى الوقت نفسه ذلك الصمود الأسطورى الذى تبديه المقاومة، والضربات التى تستمر فى إلحاقها بالعدو، سواء من خلال قصف الصواريخ أو القتال المتلاحم «من المسافة صفر».. كلها أمور حركت أذهان وضمائر مئات الملايين من البشر فى مختلف أنحاء العالم، مُنبهة إياهم إلى أن الصراع الدامى الجارى في فلسطين هو صراع يخوضه شعب اغتُصبت أرضه وسلب وطنه، ضد محتل غاصب تدعمه قوى الاستعمار والظلم الغربية، فاندلعت المظاهرات الحاشدة فى شرق العالم وغربه، بما فى ذلك عواصم ومدن الدول الغربية الكبري (واشنطن- نيويورك- لندن- باريس- برلين- روما.. وغيرها) ترفع أعلام فلسطين وشعارات «فلسطين حرة» Free palestine و«عاشت فلسطين» Vivia palestina.
مظاهرات حاشدة احتلت أهم شوارع وميادين المدن الغربية الكبرى، وشارك فيها مئات الآلاف من البشر، بمن فيهم اليهود المعتدلون المعادون للصهيونية فى واشنطن ونيويورك.
وقطعت بلدان مختلفة علاقاتها بإسرائيل أو طردت السفراء الصهاينة، وسحبت سفراءها من تل أبيب.
«حرب الصور» وفضح الأكاذيب
بالرغم من ضراوة الحرب الإعلامية الصهيونية والغربية ضد غزة وحركة المقاومة فيها، وطوفان الأكاذيب حول عملية «طوفان الأقصى» فإن وجود عدد كبير من الصحفيين ومراسلى القنوات الفضائية في قطاع غزة والبث المباشر لصور الغارات الجوية والقصف المدفعى الصهيونى للمبانى السكنية ودور العبادة والمستشفيات والمدارس التى يلجأ إليها المدنيون وما يترتب علي ذلك كله من دمار شامل واستشهاد لأعداد كبيرة من الناس تحت الأنقاض أو بسبب القصف المباشر، وضرب عربات الإسعاف ومنعها من تقديم الخدمة للمصابين.. إلى آخر مظاهر حرب الإبادة الصهيونية، كل ذلك قد وصل إلى العالم بأسره عبر شاشات التلفزيون، ووسائل التواصل الاجتماعى.. وكانت صور أشلاء المدنيين والأطفال القتلى فى الشوارع وعلى أيدى آبائهم، ومختلف صور المعاناة الإنسانية بالغة القسوة، كانت أقوى وأبلغ بكثير من كل الأكاذيب والكلمات الخادعة، وأثارت غضبا عارما فى كل أنحاء العالم.
وحينما نشرت قناة CNN الأمريكية قصة مفبركة عن قطع مقاتلى حماس لرؤوس أربعين طفلا إسرائيليا وعمليات الاغتصاب المزعومة التي قاموا بها ضد النساء «وهى أكذوبة رددها الرئيس الأمريكى بايدن نفسه» فإن القناة وزعماء إسرائيل عجزوا عن تقديم أى صور تثبت ذلك أو حتى ما يوحى به، واضطرت القناة لسحب الخبر والاعتذار عنه، كما اعتذر بايدن عن ترديده لهذه الأكذوبة، ومع ذلك فإنه عاد لترديد أكاذيب عن «العنف الجنسي» ضد النساء الإسرائيليات!! وهو ما كذبته الفيديوهات العديدة للأسيرات الإسرائيليات حول حسن معاملتهن خلال فترة الأسر، كما كذبته أحاديث تليفزيونية لبعضهن على شاشات قنوات العدو، مما دعا المسئولين إلى منع استضافة الأسيرات!
كذلك تسربت تقارير إسرائيلية تشير إلى أن مصرع أعداد كبيرة من المستوطنين الإسرائيليين صباح يوم ٧ أكتوبر لم يكن على يد مقاتلي المقاومة الفلسطينية، ولكن نتيجة للقصف الهيستيرى العشوائى الذى قامت به الطائرات الصهيونية وهو ما كتبت عنه بالتفصيل مؤخرا جريدة «ليبراسيون» الفرنسية ومجلة «النيوزويك» الأمريكية.
والواقع أن وسائل الإعلام وما قامت به من بث مباشر من غزة منذ الساعات الأولى لحرب الإبادة الصهيونية قد ألحق هزيمة كبرى بآلة الدعاية الصهيونية والغربية الهائلة، وكشف همجية الكيان الصهيونى أمام العالم على الهواء مباشرة، ودفع أكثر من سبعين صحفيا حياتهم ثمنا لمتابعتهم الشجاعة للأحداث لحظة بلحظة، وأصبحوا «شهداء للحقيقة» علمًا بأن القوات الإسرائيلية كانت تتعمد إطلاق النار على الصحفيين حيثما وجدتهم.
عزلة دولية.. وتراجع أمريكى
معرفة الرأى العام للحقائق حول حرب الإبادة الصهيونية فى غزة أثارت غضبا عارما على المستوى الدولي انعكس فى المواقف التى اتخذتها دول عديدة، وفى التحركات الجماهيرية الحاشدة التى سبقت الإشارة إليها، والتى مثلت مفاجأة لم يكن يتوقعها الزعماء الغربيون الذين بدأت نبرة دعمهم المطلق للكيان الصهيونى في التراجع بدرجات مختلفة، وبرغم استخدام الولايات المتحدة لحق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار فى مجلس الأمن يدعو للوقف الفورى لإطلاق النار، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة سرعان ما اتخذت قرارا بهذا المعنى بأغلبية ساحقة «١٥٣ صوتا» وهو ما أوضح تماما عزلة الموقف الأمريكى والصهيونى وأجبر الرئيس الأمريكى بايدن على تحذير إسرائيل من فقدان تعاطف الرأى العام العالمى بإصرارها على مواصلة حرب الإبادة التى بدأت الإدارة الأمريكية تشعر بوطأة ثمنها «داخليا وخارجيا» ليبدأ الحديث عن مرحلة جديدة من «الحرب بوتائر عنف أقل»!!.. أى بتقليل الغارات الجوية الهمجية والتركيز على عمليات الحرب البرية، برغم ما تنطوى عليه من احتمالات خسائر بشرية أكبر للقوات الصهيونية، فى محاولة لتفادى الخسائر السياسية الكبرى «الداخلية والدولية» لاستمرار حرب الإبادة الصهيونية بشكلها الحالى.. وهو موضوع يثير «خلافات» بين واشنطن وتل أبيب لا يتسع المقام هنا لمناقشتها وتناول مستوى جديتها.
فى هذه الدنيا أناس شرفاء
وإذا كنا نشير إلى العزلة الدولية التى تحيط بموقف الولايات المتحدة والكيان الصهيونى، وما تثيره حرب الإبادة الصهيونية المدعومة أمريكياً وغربياً من غضب عارم، فلا يفوتنا أن نشيد بموقف أنطونيو جوتيريش، السكرتير العام للأمم المتحدة الذي أشار منذ بداية أحداث «طوفان الأقصى» إلى أنه لا ينبغى النظر إلى العملية بمعزل عن خمسة وسبعين عاما سبقتها من الاحتلال والاضطهاد، وهو ما أثار ضده غضب واشنطن وتل أبيب، ثم قوله إن «غزة قد تحولت من سجن مفتوح إلى مقبرة مفتوحة».. وقوله أيضاً: «إن غزة قد تحولت إلى مقبرة للأطفال»، وأخيرا إلى إعلانه تفعيل المادة ٩٩ من ميثاق الأمم المتحدة بشأن غزة، والتى تقضى بإعلان الوضع القائم فى غزة «تهديدا للأمن والسلم الدوليين» فى إدانة واضحة لحرب الإبادة الصهيونية على سُكان القطاع، والغضب الذى أثارته مواقف جوتيريش لدى الصهاينة والأمريكان منذ بداية الحرب فى غزة يجعلنا نتوقع أنه سيدفع ثمنا فادحا لمواقفه، والمؤكد أن هذا لا يخفى على جوتيريش نفسه، وهو ما يجعل موقفه مستحقاً للتقدير والاحترام، وللدفاع عنه حينما يحتل وقت «الانتقام» الأمريكى والصهيونى.
كما يجب الإشادة بمجموعة المحامين الدوليين التى أصبح عددها يزيد على الثلاثمائة، تستعد لرفع قضية ضد زعماء الكيان الصهيونى أمام المحكمة الجنائية الدولية، وبكل التجمعات الداعمة للشعب الفلسطينى وقضيته العادلة في مختلف بلدان العالم.
<<<
وعودة إلى «الطابور الخامس الناطق بالعربية» نقول إنه بعد كل ما أوضحناه فإن هؤلاء لا يضعون أنفسهم فى صحف معاداة الشعب الفلسطينى ولا الشعوب العربية فحسب، بل يضعون أنفسهم فى صف أعداء الإنسانية من الصهاينة والاستعمار بين الهمج ويجب وضع قوائم سوداء بأسمائهم يجللها الخزى والعار.
عاشت فلسطين عربية والنصر والمجد للمقاومة.

مصر للطيران
الحرب فى غزة.. .الطابور الخامس. «الناطق بالعربية»
بنك الاسكان
NBE