الأموال
الجمعة، 3 مايو 2024 02:10 مـ
  • hdb
24 شوال 1445
3 مايو 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب : حكاوى وطرائف صاحبة الجلالة الصحافة المصرية فى القرن الماضى

اسامة ايوب
اسامة ايوب

أربع كلمات نشرت بالخطأ فى صفحة الوفيات بجريدة الأهرام فى ستينيات القرن الماضى ظلت الأوساط الصحفية تتداولها وتتندر بها لسنوات باعتبارها أشهر الطرائف الصحفية فى تلك الفترة ولاتزال، وإن كنت أحسبها غير معلومة للأجيال الصحفية الجديدة.

الذى حدث أن إدارة الإعلانات بالجريدة أرسلت نعيًا للنشر فى وقت متأخر وقبيل مثول الجريدة للطبع، ولأن النعى موصى عليه، فقد أشرّ عليه سكرتير التحرير بما يعنى الموافقة فى حالة وجود مساحة، وقد نُشر النص بالفعل والذى جاء فى ختامه الجملة التقليدية «أسكنه الله فسيح جناته» ولكن مضافاً إليها «إن وُجد له مكان».. غير أنه تم تدارك الخطأ فى الطبعة الثانية.

واقعة صحفية أخرى الطريف فيها أنها انطوت على خبث شديد مما يعنى أنها ربما كانت مقصودة، حيث كان العنوان الرئيسى بالخط الأحمر الكبير «المانشيت» لجريدة أخبار اليوم فى ستينيات القرن الماضى هو «عبدالناصر فى باكستان» بينما كان يعلوه عنوان آخر ببنط صغير «مصرع السفاح» والذى تصادف مع تمكن أجهزة الأمن من قتل السفاح الشهير فى ذلك الوقت.

ورغم أن إخراج الصفحة الأولى بالجريدة المتبع تقليديًا هو وجود عنوان صغير عن موضوع مختفٍ عن موضوع المانشيت يفصل بينهما خط رفيع «لاين» معروف صحفيًا باسم «جدول»، إلا أن عدم وجود هذا الخط الفاصل هذه المرة أثار الشبهات حول هذا الخطأ وحيث اعتبره البعض مقصودًا من جانب مصطفى أمين بحيث يقرأ العنوانان معًا هكذا.. «مصرع السفاح عبدالناصر فى باكستان»، ورغم أنه تم تدارك الخطأ فى الطبعة الثانية، إلا أن شبهة التعمد ظلت قائمة وإن افتقرت الدليل الدامغ باعتبار أن ما حدث خطأ مطبعى! وهكذا مرت الأزمة بسلام وإن ظلت تثير حفيظة النظام وعبدالناصر شخصيًا.

لم تكن هاتان الواقعتان هما آخر طرائف الصحافة المصرية وحكايات بلاط صاحبة الجلالة، إذ توالت وقائع كثيرة ربما كانت أكثر طرافة وإثارة فى سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى.

<<<

ففى خبر منشور على الصفحة الأولى بجريدة الأخبار فى منتصف السبعينيات عن استقبالات الرئيس السادات بدأ بعبارة «استقبل الرئيس أنور السادات المحب العاشق الولهان....» والذى حدث هو أن جملة «المحب العاشق الولهان» كانت سطرًا فى يوميات الأخبار للكاتب الصحفى الكبير محمد زكى عبدالقادر، وقد قفز هذا السطر بخطأ من عامل جمع الكلمات بالمطبعة إلى خبر استقبالات السادات، ولكن تم اكتشاف الخطأ سريعًا وقبل أن تخرج الطبعة الأولى، وقد كنت شخصيا شاهدًا على الخطأ وتداركه، والذى كان من المؤكد سوف يسفر عن كارثة.

<<<

وفى مجلة أكتوبر وفى تقرير صحفى يتحدث عن اجتماع قمة بين الرؤساء مبارك والأسد والقذافى فى التسعينيات، وحيث تكرر الحديث عن الرؤساء الثلاثة فقد تم جمع الكلمات بالخطأ عدة مرات فبدلا من الرؤساء الثلاثة تضمن التقرير البؤساء الثلاثة، وقد تم تدارك الخطأ مبكرًا وقبل الطبع.

<<<

وقد كان قرار منع الكاتب الصحفى مصطفى أمين من الكتابة فى صحف أخبار اليوم فى السبعينيات مثار واحدة من أكبر الأزمات الصحفية، وذلك حين أصدر الرئيس السادات أوامره إلى موسى صبرى رئيس مجلس إدارة وتحرير الأخبار بإيقاف مصطفى أمين عن الكتابة، احتجاجًا على ما ورد فى مقاله اليوم «فكرة» عندما انتقد بحدة ما وصفها بهرولة أعضاء حزب مصر «حزب الوسط أحد الأحزاب الثلاثة بعد عودة الحياة الحزبية» للانضمام إلى الحزب الوطنى الذى أسسه الرئيس السادات تحت رئاسته، وقد بدا قرار منع مصطفى أمين من الكتابة أمرًا متعارضًا مع مناخ الحرية التى يتباهى به السادات.

غير أنه بعد وساطات كبار الصحفيين والسياسيين وربما بعد أن أعاد السادات التفكير فى قرار المنع وتداعياته السياسية.. خارجيا، فإنه قرر التراجع عن القرار ومصالحة مصطفى أمين وحيث جاء زواج إحدى بناته مناسبة لإتمام المصالحة وتم دعوته لحضور حفل الزواج فى منزل الرئيس بالجيزة، وفى اليوم التالى استأنف مصطفى أمين كتابة عموده «فكرة» وبدأ بعبارة اليوم ذكرى الأربعين لمنعى من الكتابة إذ وافق مرور أربعين يومًا على قرار المنع.

<<<

مرة أخرى وفى سنوات لاحقة فى عهد الرئيس مبارك تعرض مصطفى أمين لأزمة سياسية بسبب عبارة وردت فى مقاله «فكرة» حيث قال: «إن الوزير فى الوقت الراهن يجلس على خازوق» وهى العبارة التى أغضبت الرئيس إذ اعتبر أن المقصود هو معاناة الوزراء تحت رئاسته.

ورغم أن الوصف من المفردات التى تعد عادية فى أسلوب مصطفى أمين إلا أن مبارك لم يتقبلها أو يستسغها، فاشتكى لموسى صبرى رئيس التحرير والذى سأله هل يمنعه من الكتابة ولكن الرئيس مبارك قال: لا، وإن كان قد أفصح عن غضبه وعتابه لمصطفى أمين في إحدى خطبه حيث قال بالحرف الواحد «أقول إيه وهو قد أبو الواحد» على حد تعبيره، معتبرا أن مصطفى أمين كأنه فى سن أبيه رغم أن الفارق فى السن لم يكن كبيرًا لهذه الدرجة، ولكنها عفوية مبارك فى الحديث.

<<<

سوف تبقي أطرف حكايات صاحبة الجلالة هى عندما عاد سمير رجب رئيس مجلس إدارة دار التحرير ورئيس تحرير جريدة الجمهورية من رحلة الحج فى أواخر تسعينيات القرن الماضى، ودخل عليه الصحفيون للتهنئة، وعندما خاطبه أحدهم بالعبارة التقليدية فى هذه المناسبة «حج مبرور وذنب مغفور يا ريس» إذا بأحد المنافقين الضالعين فى النفاق بحسب وصف زملائه ينهر زميله بشدة «خلىّ عندك ذوق يا أخى هو الريس عنده ذنوب»، وقد كانت هذه الكلمات التى تفوق صاحبها على أى منافق وتندّر بها الصحفيون فى مصر وقتها دليلا على مدى سطوة سمير رجب على العاملين فى تلك المؤسسة الصحفية.

<<<

فى هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن سمير رجب الذى قفز بسرعة الصاروخ إلى رئاسة مجلس إدارة دار التحرير ثم رئاسة تحرير جريدة الجمهورية قادمًا إليها من رئاسة تحرير جريدة المساء بعد أن أطاح بمحفوظ الأنصارى من رئاسة تحرير الجمهورية عبر مؤامرة قادها ضده.. تحول إلى أسطورة صحفية وصار بين عشية وضحاها المقرب الصحفى الأول من الرئيس مبارك، ولذا خشيه الوزراء بعد تصاعد نفوذه إذ يكفى أن ينتقد أحدهم فى «كبسولة» فى مقاله اليومى «كبسولات» حتى يتعرض لغضب الرئيس.

المثير هو أن الرئيس مبارك والذى لم تكن لديه خلفية كافية عن الصحافة والصحفيين على العكس من سابقيه السادات وعبدالناصر كان يعتبر سمير رجب قيمة وكفاءة صحفية تفوق قيمة محمد حسنين هيكل، إذ كان يقول هيكل كان يكتب مقالا واحدا كل أسبوع، أما سمير رجب فيكتب مقالا كل يوم!

<<<

من حكايات سمير رجب الكثيرة والذى أطلقت عليه صحف المعارضة اسم «سمير رجب يادى العجب» أنه فى لحظة ثقة زائدة بسبب قربه من مبارك أعلن ذات مرة نيته فى الترشح لمنصب نقيب الصحفيين متجاوزًا إبراهيم نافع مرشح الدولة، غير أن تعليمات رئاسية صارمة وغاضبة صدرت إليه بالتراجع بل بإعلان تأييده علنًا لإبراهيم نافع، وهو ما فعله بالحرف الواحد وحتى يثبت انصياعه التام شوهد يوم الانتخابات أمام نقابة الصحفيين وعلى مرأى من كل الصحفيين وهو يعانق إبراهيم نافع ويُقبّله ويطعمه فى فمه!

<<<

ولأن حكايات سمير رجب فى بلاط صاحبة الجلالة كانت كثيرة ومثيرة، فقد كان من بينها حكاية مؤسفة على خلفية خلافه مع مكرم محمد أحمد رئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة المصور ونقيب الصحفيين عدة مرات، إذ عندما علم أن صحفيًا بالجمهورية خطب ابنة مكرم محمد أحمد فإنه نهره بحدة وقال له أمام زملائه ألم تجد غير ابنة مكرم، ثم هدده بالفصل إذا لم يفسخ الخطبة.

من جانبه توسط مكرم فى نقل خطيب ابنته من الجمهورية إلى الأهرام حتى يجنبه تعسف سمير رجب ضده وفصله، أما ختام هذه الحكاية فكان على الطائرة الرئاسية أثناء إحدى زيارات الرئيس مبارك الخارجية، حيث قام مكرم بتوبيخ سمير رجب أمام كل رؤساء التحرير فى الطائرة، وقد قيل إن الأمر زاد على مجرد التوبيخ.

<<<

وفى حكاية عن رئيس تحرير صحيفة كبرى جدًا.. فيها من الأسى بأكثر مما فيها من الطرافة، إذ إنه كان معروفا عنه أنه لا يحب الكتابة ويضيق بها معتبرا أن قدرته الكبيرة على الإدارة أهم من الكتابة المفروضة عليه بحكم منصبه، لذا كان كثيرا ما يعهد إلى بعض الصحفيين المقربين والمتميزين لكتابة مقاله الأسبوعى أو عموده اليومى.

وقد حدث ذات يوم أنه بينما كان خبر إجرائه عملية جراحية دقيقة خارج مصر منشورًا فى الصفحة الأولى، كان عموده اليومى منشورًا أيضًا، المثير أن من قام بكتابة العمود نيابة عنه لم ينتبه إلى أن موضوع المقال يتناول حدثا وقع فى نفس اليوم، ووقتها قال الخبثاء إن «فلان» رئيس التحرير يكتب حتى وهو فى البنج!!

<<<

أختتم حكايات الصحافة المصرية بواحدة من أكثرها فسادا وانتهاكا للأخلاقيات والأعراف المهنية والتى جرت وقائعها فى أواخر الثمانينيات وحيث كان طرفاها رئيس تحرير مجلة قومية وشخصية عربية على علاقة مصاهرة بإحدى الأسر الحاكمة الخليجية، إذ جمع بينهما صفقات مالية سرية مقابل مواد صحفية منشورة.

الأخطر فى تلك الحكاية هو أنه عندما تهجَمَ نجل تلك الشخصية على رئيس تحرير صحيفة قومية كبيرة بوقاحة شديدة فى مدينة الغردقة والذى رفع ضده دعوى قضائية بعد أن نشر وقائع الهجوم عليه، فإن هذا المعتدى طاف على كل الصحف المصرية لنشر مقال يهاجم فيه رئيس التحرير ولكن طلبه قوبل بالرفض، فما كان من رئيس تحرير المجلة أن أفرد له صفحة كاملة للهجوم على رئيس تحرير الجريدة الكبيرة، وهو المسلك الذى أثار استياء الصحفيين المصريين جميعًا خاصة بعدما تردد عن دفع مبلغ مالى كبير مقابل نشر هذا الهجوم.

من جانبه كتب رئيس تحرير الجريدة الكبيرة مقاله فى نفس يوم صدور المجلة والذى فضح فيه مسلك رئيس تحرير المجلة وخلفيات هذا المسلك المشين وحيث بدأ مقاله بعبارة: «هذا الصحفى الإعلاناتى» فى إشارة واضحة لرئيس تحرير المجلة.

ويذكر أن الرئيس مبارك عاتب بشدة وبغضب رئيس تحرير المجلة على ذلك المسلك أمام كل رؤساء التحرير قائلا له: "يا فلان تخسر صاحبك وزميلك عشان مليون جنيه" فى إشارة إلى المبلغ المدفوع.

<<<

تلك الحكايات والوقائع بما فيها من حكايات طريفة وأخرى مثيرة ومؤسفة والتى جرت فى بلاط صاحبة الجلالة فى عقود مضت من القرن الماضى.. هى فى واقع الأمر غيض من فيض.. كنت شاهدًا عليها وكنت قريبا جدًا منها، وأحسب أنها ستبقى شاهدة أيضًا على حقبة زمنية فى تاريخ الصحافة المصرية.

<<<

ولأنه لايزال فى جعبة حكايات صاحبة الجلالة.. الصحافة المصرية الكثير فإنه يبقى للحديث عنها بقية فى وقت لاحق.

مصر للطيران
حكاوى وطرائف صاحبة الجلالة. الصحافة المصرية . القرن الماضى
بنك الاسكان
NBE