الأموال
الجمعة، 3 مايو 2024 08:14 صـ
  • hdb
24 شوال 1445
3 مايو 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : مطلوب جهد عربى جماعى لمواجهة آثار ‏الزلزال وإنهاض الاقتصاد السورى

 د. محمد فراج أبوالنور
د. محمد فراج أبوالنور

لم يكن السوريون بحاجة إلى اعتراف أنطونيو ‏جوتيريش - أمين عام الأمم المتحدة - بأن ‏المنظمة الدولية ‏تأخرت فى توجيه جهودها وحشد ‏جهود المنظمات التابعة لها ومختلف الجهود ‏الدولية لنجدة أبناء سوريا من ‏منكوبى الزلزال.. ‏ولا إلى اعترافه بأن هذه الجهود «المتأخرة» ‏حينما جاءت لم تكن على المستوى المطلوب.. لم ‏‏يكن السوريون بحاجة إلى اعتراف جوتيريش أو ‏غيره ليعرفوا مدى التقصير الإجرامى في حق ‏بلادهم ومنكوبي ‏الزلزال فيها من جانب ما يُسمى ‏بالمجتمع الدولى، وبصورة أخص من جانب ‏الدول الغربية الكبرى، وفى ‏مقدمتها الولايات ‏المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا واليابان، ‏فضلا عن دول غنية ومتقدمة أخرى‎.‎


بينما كانت كل ساعة تمر تعرف أن مزيدًا من ‏البشر يموتون تحت أنقاض المبانى المنهارة، ‏بسبب النقص ‏الفادح في معدات الإنقاذ.. والذين ‏يتم انتشالهم لا يجدون ما يكفي لإسعافهم وعلاج ‏جراحهم وكسورهم.. وبينما ‏عشرات ومئات ‏الآلاف من الذين فقدوا بيوتهم لا يجدون حتى ‏خيامًا يأوون إليها ولا ملابس دافئة ولا مصادر ‏‏للتدفئة فى جو تنخفض حرارته إلى ما تحت ‏الصفر.. ولا يجدون ما يقتاتون به أو يسدون به ‏جوع أطفالهم ‏الصغار والرُضع‎.‎
المتاجرة بالكارثة.


المشين والمثير للاشمئزاز أن الدول الغربية ‏الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أغمضت ‏عيونها عن هذه ‏المعاناة الإنسانية المروّعة، ‏ووجدت فى كارثة الزلزال فرصة مناسبة لتصفية ‏حساباتها مع النظام الشرعى في ‏سوريا، فانطلقت ‏أبواقها الإعلامية بالحديث عن «تقصير» ‏الحكومة السورية فى إغاثة المنكوبين، متجاهلة ‏‏حقيقة النقص الفادح فى إمكانيات البلاد، بعد اثنى ‏عشر عامًا تعرض خلالها سوريا لحرب إرهابية ‏كونية شارك ‏فيها أكثر من مائة ألف مقاتل ‏إرهابى من مختلف أنحاء العالم، وأنفق عليها ‏الغرب وحلفاؤه حوالى (مائة وأربعين ‏مليار ‏دولار) من أجل تدمير سوريا وتقسيمها وجعلها ‏نقطة انطلاق لتنفيذ مخطط «الفوضى الخلاقة» ‏الأمريكية ‏فى المنطقة وتمزيقها إلى كانتونات ‏طائفية وعرقية متناحرة تهيمن عليها كلها ‏إسرائيل وكيلا عن الولايات ‏المتحدة والدول ‏الغربية الكبري‎.‎


وهى حرب تعرضت فيها مدن وبلدات سورية ‏كثيرة للتدمير وتم نهب ثروات البلاد من البترول ‏والغاز وحتى ‏الحبوب والمحاصيل الزراعية، ‏وتفكيك المصانع وسرقتها في مدينة حلب كبري ‏المدن الصناعية السورية.. ‏وصاحبت الحرب ‏عقوبات اقتصادية غربية قاسية وصلت إلى حد ‏الحصار الاقتصادى الشامل الخانق ‏بمقتضى ‏‏«قانون قيصر الأمريكى‎‏»‏‎.‎
وبدلا من المسارعة بنجدة ضحايا الكارثة كان ‏أول رد فعل من جانب أمريكا والدول الغربية ‏الكبرى هو مطالبة ‏سوريا بفتح جميع معابرها ‏الحدودية مع تركيا وخاصة مع محافظة إدلب ‏السورية المحتلة، التي يسيطر عليها ‏الإرهابيون ‏التابعون لما يُسمى (جبهة تحرير الشام) والتى ‏كانت تحمل سابقًا اسم «جبهة النصرة» فرع ‏تنظيم ‏القاعدة الإرهابى فى سوريا.. وذلك دون ‏أى مراعاة لسيادة الدولة أو اعتبارات أمنها ‏القومى، بل وسارعت أمريكا ‏لإعداد مشروع ‏قرار بهذا المعنى لعرضه على مجلس الأمن ‏لإجبار سوريا على فتح حدودها أو تحميلها ‏مسئولية ‏إعاقة جهود الإغاثة فى إدلب‎!‎
وللعلم فإنه حتى كتابة هذه السطور (وظهر ‏الخميس ١٦ فبراير) لم تصل إعانات إضافية ‏تستحق الذِّكر من ‏تركيا إلى منطقة إدلب، علاوة ‏علي تلك التى كانت موجودة في مخازن ‏المنظمات الإغاثية الدولية في تركيا، ‏والتى كانت ‏تمر عبر منفذ «باب الهوى» وبالرغم من موافقة ‏دمشق على فتح معبرين إضافيين لتفويت الفرصة ‏‏على المناورات الأمريكية والغربية في مجلس ‏الأمن، ولم يتم إرسال معدات رفع الأنقاض‎.‎


والغريب أن جبهة النُصرة الإرهابية المُسيطرة ‏فى إدلب رفضت عرضًا من الحكومة السورية ‏لتقديم المساعدات ‏لمنكوبى إدلب ــ بالرغم من ‏إمكانيات دمشق المحدودة ــ وأبلغت رفضها إلى ‏ممثل الأمم المتحدة للإغاثة مارتن جريفيث الذى ‏أعلنه لوسائل الإعلام، لكن نشره تم على أضيق ‏نطاق حتى لا تحقق منه دمشق مكسبًا سياسيًا!! ‏‏بينما تتسابق القنوات الفضائية الغربية وبعض ‏‏«العربية» فى إفساح المجال لممثلى «النصرة» ‏وما يُسمى ‏بـ«المعارضة السورية» ليُعربوا عن ‏رفضهم لإعلان الحكومة السورية استعدادها ‏لتمرير المساعدات الدولية ـ التى ‏بدأت تصل ‏أخيرًا ــ لكى لا تحقق دمشق مكسبًا سياسيًا! ‏ويُعلن هؤلاء أنهم «لن يسمحوا بإضفاء الشرعية ‏على ‏النظام السورى»! من خلال مشاركته فى ‏عملية الإغاثة! وكأن سوريا ليست دولة تتمتع ‏بعضوية الأمم المتحدة، ‏وكأن حكومتها تنتظر ‏الشرعية من حفنة من مرتزقة (المعارضة) المقيمين في فنادق الخمس نجوم في تركيا ‏وغيرها‎!!‎
والأهم من ذلك كله أن حرمان دمشق من هذه ‏‏«الشرعية» المزعومة أهم لدى هؤلاء من إنقاذ ‏حياة المنكوبين ‏وإغاثة الضحايا‎!!‎
والغريب والمشين أن تفسح بعض الفضائيات ‏‏«العربية» المجال واسعًا لمثل هذه السخافات بدلاً ‏من التركيز على ‏حاجة سوريا ومدنها المنكوبة ‏للمساعدات الإغاثية العاجلة‎.‎
أما الأكثر إثارة للاشمئزاز فهى حقيقة أن الدول ‏الغربية الكبرى تمتنع عن تقديم أى مساعدة ‏للشعب السورى في ‏مناطق سيطرة الحكومة ‏والاستثناء الوحيد من هذا الموقف الغربى المشين ‏هى إيطاليا، التي قدمت بعض ‏المساعدات مؤخرًا ‏لدمشق، بينما تقدم تلك الدول المساعدات بسخاء ‏لتركيا، سواء من المعدات وفرق الإنقاذ، أو ‏‏المساعدات الطبية والغذائية وغيرها‎.‎
وبديهى أنه لا يمكن الاعتراض على تقديم كل ‏مساعدة ممكنة إلى تركيا باعتبار أن مركز ‏الزلزال يقع فيها، ‏وبالتالى فإن الدمار والكارثة ‏الإنسانية أكبر مما لدى سوريا، لكن لابد من ‏ملاحظة أن إمكانيات تركيا ‏الاقتصادية ‏والتنظيمية أكبر بكثير جدًا من إمكانيات سوريا، ‏ويكفى أن نشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالى ‏‏لتركيا أكبر من نظيره التركى بأكثر من خمسين ‏مرة.. نكرّر: بأكثر من خمسين مرة.. ومع ذلك ‏يُصر الغرب ‏علي معاقبة الشعب السورى فى ظل ‏هذه النكبة، لأن العواصم الغربية غير راضية ‏عن سياسة دمشق‎.‎


كارثة سورية أكبر من الزلزال‎!‎


والحقيقة أن أغلب الدول العربية سارع إلى تقديم ‏مساعدات إلى الأشقاء السوريين وإلى تركيا، لكن ‏المشكلة أن ‏حجم الكارثة فى سوريا أكثر بكثير ‏مما تم تقديمه، ويرجع ذلك إلى أن الزلزال المدمّر ‏جاء على أرضية دمار ‏شامل للاقتصاد السورى ‏ومختلف مرافق البلاد بسبب الحرب الإرهابية ‏الطويلة والحصار الاقتصادي الغربى.. ‏وهذا هو ‏السبب الأساسى فى قصور إمكانيات مكافحة ‏كارثة الزلزال، وقد أشرنا فى مقالنا السابق ‏بالأموال (١٢ ‏فبراير) إلى أن الناتج المحلي ‏والإجمالى السورى قد تراجع من ٥٧ مليار ‏دولار عام ٢٠١٠ السابق مباشرة على ‏الحرب ‏إلى ١٥.٥ مليار دولار عام ٢٠٢٢ أى إلى ‏حوالى الربع، كما تشير أرقام البنك الدولي إلى ‏أن خسائر ‏سوريا بسبب الحرب والعقوبات ‏الغربية قد بلغت ٤٤٢ مليار دولار (أربعمائة ‏واثنين وأربعين مليارًا) حتى عام ‏‏٢٠٢٠.. ‏وأشارت إحصاءات منظمة جنوب غرب آسيا ‏‏(الأسكوا) التابعة للأمم المتحدة ٢٠٢٠ إلى أن ‏‏احتياجات إعادة إعمار سوريا تبلغ نحو (٤٥٠ ‏ملياراً/ أربعمائة وخمسين مليار دولار) لا شك فى ‏أنها قد زادت ‏بسبب التضخم العالمى.. ثم جاءت ‏كارثة الزلزال وضرورة إزالة آثارها لترفع الرقم ‏أكثر.. بينما تبلغ موازنة ‏الحكومة السورية للعام ‏الحالى (٥،٤ مليار دولار) فقط (فرنسا ٢٤ - نقلا ‏عن البنك الدولى‎‏)‏‎.‎
وباختصار فإن مواجهة كارثة الزلزال تحتاج إلى ‏مشاركات عربية ودولية أكبر بكثير مما تم تقديمه ‏حتى الآن ‏والجهود العربية في هذا المجال ‏مشكورة بلا أدنى جدال.. لكن الحقيقة أن كارثة ‏الزلزال نفسها قد سلطت الضوء ‏بقوة على الكارثة ‏الشاملة الأكبر التى يواجهها الاقتصاد السورى ‏منذ عقد من الزمان.. وإذا كانت مواجهة آثار ‏‏زلزال (٦ فبراير) تحتاج إلى جهد عاجل لا ‏يحتمل أدنى انتظار، فإن مأساة سوريا تحتاج إلى ‏جهود أوسع ‏وأشمل كما أوضحنا‎.‎
والمأمول أن تكون الصحوة التضامنية التى أبدتها ‏الدول والشعوب العربية مع الشعب السورى ‏الشقيق فى ‏محنته، نقطة انطلاق لمواجهة الكارثة ‏الاقتصادية التى ترزح سوريا تحت وطأتها، ‏مطلوب جهد عربى جماعى ‏للمطالبة برفع ‏العقوبات الغربية عن سوريا بما فيها ــ وفى ‏مقدمتها «قانون قيصر» الأمريكى.. وإلى أن ‏يتحقق ‏ذلك مطلوب توظيف الزخم الناتج عن ‏الزلزال لتقديم كل مساعدات عربية ممكنة إلى ‏سوريا وشعبها الشقيق، ‏وقبل كل شىء مطلوب ‏عودة سوريا إلي مقعدها فى جامعة الدول ‏العربية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية ‏الكاملة ‏بين دمشق وجميع العواصم العربية‎.‎

مصر للطيران
مارتن جريفيث د. محمد فراج آثار ‏الزلزال الاقتصاد السورى
بنك الاسكان
NBE