الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 07:43 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : دوافع الانسحاب القطرى من «الأوبك»

الأموال

أثار إعلان قطر الانسحاب من منظمة الدول المنتجة للبترول «الأوبك» التساؤلات حول مغزى القرار ودوافعه وتوقيته قبل أيام قليلة من اجتماعات وزراء المنظمة في فيينا (الخميس والجمعة الماضيين 6 و7 ديسمبر) لاتخاذ قرارات هامة بشأن تحديد مستوى الإنتاج، وزير الدولة القطرى للطاقة سعد الكعبى، أعلن أن القرار يعكس رغبة قطر فى تركيز جهودها علي تنمية وتطوير صناعة الغاز الطبيعى، وتنفيذ الخطط التى تم إعلانها مؤخرا لزبادة إنتاج الدولة من الغاز الطبيعى المُسال من 77 مليون طن إلى 110 ملايين طن سنويا، بنسبة تزيد على 40٪ (بى.بى. سى ـ باللغة العربية 3/12/2018).

وبادئ ذى بدء فإن العلاقة لا تبدو واضحة بين التركيز على زيادة إنتاج الغاز الطبيعى الـمُسال من ناحية، والانسحاب من «أوبك» من ناحية أخرى.. فالوجود داخل المنظمة لا يعوق إنتاج قطر من الغاز الطبيعى.. ولا كونها أكبر منتج للغاز الطبيعى المسال في العالم.

وعمومًا فإن إنتاج قطر من خام البترول لا يمثل إلا جزءا ضئيلا للغاية من إنتاج المنظمة، إذ تنتج قطر «من 600 ــ 650 برميل/ يوميا» وفق أعلي التقديرات.. بينما يبلغ مجمل إنتاج المنظمة (33.1 مليون ب/ى) تستهلك منها نحو (200 ألف ب/ى) وفق أعلي التقديرات وتصدِّر ما يزيد قليلا علي (400 ألف ب/ى)، ونظرًا لقلة احتياطياتها (حوالى 27 مليار برميل) والنضوب النسبى لحقولها بحكم طول فترة الإنتاج، وعدم وجود اكتشافات جديدة، فلا يمكن أن نتوقع مثلا أن يكون انسحاب قطر من منظمة (أوبك) راجعًا لرغبتها في زيادة إنتاجها بصورة تفوق حصتها المقررة فى إطار المنظمة.. حيث إن فرصة مثل هذه الزيادة تكاد تكون معدومة، وهى في جميع الأحوال غير مؤثرة إطلاقا.. وإذن فإن من الصعب للغاية الحديث عن وجود دوافع اقتصادية لانسحاب قطر من «أوبك».

الدوافع إذن سياسية بالدرجة الأولى، فقطر التى اشتكت من أن إدارة أوبك تتم بصورة منفردة، تشير إلى الدور القيادى للسعودية في اتخاذ القرارات داخل المنظمة، وضآلة دور الدوحة فى اتخاذ القرارات، مع أن هذا منطقى تمامًا.. إذ إن السعودية هى أكبر منتج للبترول فى «أوبك».. وواحد من أكبر ثلاثة منتجين فى العالم (الولايات المتحدة ـ وروسيا والسعودية) بنصيب يبلغ (10.5مليون ب/ى) تقريبا لكل من السعودية وروسيا، وقرابة (11 مليون ب/ى) للولايات المتحدة.. علمًا بأن السعودية هى أكبر دولة مصدِّرة للبترول بحكم قلة استهلاكها مقارنة بالولايات المتحدة وروسيا، وكذلك بحكم ثراء حقولها، وقدرتها علي زيادة إنتاجها بصورة يمكنها التأثير في المعروض من البترول الخام، وبالتالى في الأسعار.

وبديهى أن قطر ـ التى تعودت علي إثارة قدر من الضجة في العالم أكبر من حجمها بكثير ـ لا تستطيع أن تمارس أى تأثير يُذكر في أسواق البترول (ويختلف الأمر فيما يتصل بالغاز المسال.. حيث تحتل المركز الأول في الإنتاج).. ومن ثم فإنها تحتل فى «أوبك» المكان الذى يتناسب مع إنتاجها المحدود وصادراتها الضئيلة.. وهى دولة تعودت على لعب دور فى الشئون الإقليمية والدولية أكبر من حجمها بكثير اعتمادًا علي احتياطياتها الكبيرة من (البترودولار ــ 300 مليار دولار) التي تستخدمها في تقديم المساعدات للدول الفقيرة، ورشوة السياسيين والمسئولين في مجالات مختلفة.. فضلا عن الصوت العالى لقناة «الجزيرة».. بما يتيح للدوحة لعب دور أكبر من حجمها بكثير.. وقد رأينا مثلا كيف كان تمويلها للإرهاب الدولي ـ وخاصة فى منطقة الشرق الأوسط ـ خلال السنوات الماضية سببًا في تضخم دورها بصورة غير طبيعية فى العراق وسوريا وليبيا (ومصر أثناء حكم الإخوان) وقطاع غزة.. إلخ.. ثم انتقالها لمحاولة العبث وإثارة القلاقل في السعودية والإمارات.

غير أن  هذا الاستخدام الشرير للبترودولارات المسمومة والإعلام الأسود (الجزيرة) كان من الصعب أن يسمح لقطر بممارسة النفوذ الأكبر بكثير من حجمها ـ الذى تعودت علي ممارسته ـ حينما يتعلق الأمر بمجالات مثل الأوبك وأسواق البترول العالمية، ومع مسئولى دول غنية كبيرة أو كبرى.. فكان تفكير الدوحة في الانسحاب من أوبك، مع الحرص على أن يكون هذا الانسحاب سببًا لإلحاق الأذى بالمنظمة، لحساب نفسها (تعنى الدوحة) ولحساب سيّدها الأمريكى.. وهذا جانب في الانسحاب القطرى من «أوبك» يلفت نظرنا أن أحدًا من المراقبين لم يتطرق إليه.

فقد حاولت قطر أن يكون انسحابها في توقيت يفرض الاهتمام به.. إذ جاء قبل أيام من اجتماع وزراء بترول دول المنظمة، ليبدو الأمر وكان «أوبك» تتعرض لمصاعب للقرار القطري كانت هادئة ومتزنة إلي أبعد حد.. إذ اعتبرته «ممارسة لحق سيادى»، الأمر الذى وضع القرار في حجمه الطبيعى.. المتناسب مع حجم قطر الضئيل في أسواق البترول العالمية.

الجانب الآخر ـ الأكثر أهمية ـ فيما يتصل بمحاولة الدوحة لإثارة الشكوك حول تماسك منظمة الأوبك وتأثيرها في الأسواق يتصل بتقديم خدمة للولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب.. فالمعروف أن واشنطن ـ ومنذ زمن طويل ـ تنظر بعدم ارتياح كبير لدور أوبك كتجمع للمنتجين يدافع عن مصالحهم فى أسعار أكثر عدلا للبترول، فى مواجهة الدول المستهلكة ـ الكبرى بالذات ـ التى تحاول خفض الأسعار إلي أدنى حد ممكن، واستخدامها كسلاح سياسى واقتصادى ضد من تعتبرهم أمريكا بالذات مارقين عن إرادتها في الهيمنة على العالم.

وهكذا على سبيل المثال لجأت أمريكا إلى إغراق الأسواق البترولية عام 2014، بما أدي إلي هبوط الأسعار من حوالى 120 دولارا للبرميل من خام برنت إلى 27 دولارا فقط، في محاولة لخنق الاقتصاد الروسى، الذي يعتمد علي موارد تصدير البترول والغاز بنسبة كبيرة «تقدر عائدات البترول والغاز بـ70٪ من موارد روسيا من العملات الصعبة».. وقد أدى انهيار أسعار البترول إلى مصاعب اقتصادية جدية للغاية بالنسبة لروسيا بصورة خاصة، ولكل الدول المنتجة التي تعتمد بدرجة كبيرة علي مواردها البترولية.

وقد استطاعت روسيا ـ بفضل علاقاتها الجيدة مع الدول المنتجة في منطقة الخليج التوصل إلى اتفاق على خفض الإنتاج بصورة مشتركة بين دول الأوبك، والمنتجين خارج المنظمة بما يبلغ (1.8 مليون برميل/ يوميا) مما أدى لامتصاص الفائض فى الأسواق، وارتفاع الأسعار تدريجيًا لتصل إلى 86 دولارا للبرميل في أوائل شهر أكتوبر الماضى.

ومع فرض العقوبات الأمريكية على إيران هذا العام وتوقعات الانخفاض الحاد في الصادرات الإيرانية هذا العام، قررت الدول المنتجة زيادة الإنتاج ببضع مئات الآلاف من البراميل لتعويق النقص المتوقع، وحتى لا ترتفع الأسعار بصورة تؤثر سلبًا علي النمو الاقتصادى في العالم.. ورافق هذا ضغوط أمريكية عنيفة ومستمرة لزيادة الإنتاج، بالإضافة إلى زيادة إنتاج الولايات المتحدة نفسها بحوالى (مليونى برميل يوميًا)، الأمر الذى أدي إلى تخمة في العرض، مما هبط بالأسعار إلى حوالى 55 دولارا للبرميل من خام برنت في أواخر نوفمبر (62 دولارا) في أوائل ديسمبر.

هذا الهبوط الحاد فى الأسعار خلال أسابيع قليلة (أكثر من 25٪) أدي إلي توجه دول الأوبك بالاتفاق مع روسيا والدول المنتجة الأخرى خارج المنظمة (ما يعرف بصيغة «أوبك+»..) لضرورة العودة إلى خفض الإنتاج بما يمنع تخمة العرض، ومن ثم انهيار الأسعار وقد أغضب هذا التوجه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى يصر علي المطالبة بأسعار رخيصة للبترول، بغض النظر عما يسببه ذلك من ضرر للدول المنتجة فى أوبك وخارجها، ويشن ترامب هذه الأيام هجومًا مستمرًا على أوبك «وصيغة أوبك+» داعيًا إلي عدم خفض الإنتاج.. غير أن الدول المنتجة تبدو مُصرة علي المضي نحو خفض إنتاجها بحوالي (مليون برميل/يوميا) لمنع انهيار الأسعار، وهو ما يثير غضب ترامب وإدارته.

وفي ظل هذه الظروف تبدو محاولة إثارة الشكوك حول «أوبك» و«أوبك+» ومحاولةإضعافها فعليًا، أمرًا يُرضى ترامب، ويتساوق مع السياسة الأمريكية، وهو ما يجعلنا نعتقد أنه من أهم دوافع القرار القطرى بالانسحاب من «أوبك» في هذا التوقيت بالذات، خاصة أن الجزء الأعظم من موارد قطر يجىء من صادرات الغاز الطبيعى الـمُسال، وليس البترول الخام.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE