.ناصر عبد الرؤوف يكتب : الشيكات الإلكترونية

-
على الرغم من التطور الهائل الذى يشهده مجال المدفوعات المالية، وسيطرت وسائل السداد الرقمية على الساحة، بحيث أصبحت عملية التحويل والتحصيل وسداد الإلتزامات تتم داخل منظومات الدفع الإلكترونى الذى يتمتع بقبول المتعاملين، وبرغم أن الشيك الإلكترونى يُعد أحد أهم هذه الوسائل، إلا أنه فى الحقيقة لم يحظى بالأهمية والدرجة التى يجب أن يحتلها داخل منظومة الدفع الإلكترونى
والشيك الإلكترونى فى حقيقته هو عبارة عن رسالة الكترونية تتضمن أمرًا صادرًا من الساحب إلى البنك الخاص به بتحويل قيمته إلى المستفيد المعين بالشيك بالخصم من حساب الساحب ويعتمد الشيك الإلكترونى ويتضمن ذات البيانات الخاصة بالشيك الورقى، ومن المؤكد أن الشيك الإلكترونى وما يتمتع به من مزايا بوصفه وسيلة تتمتع بالأمان ويسر الإستخدام ومقبولة لتسوية كافة المعاملات المالية سواء المحلية أو الدولية، هى ميزة قد تفتقدها بعض وسائل الدفع الإلكترونى الأخرى
وعلى الرغم من تلك الأهمية إلا أن الشيك الإلكترونى ظل حبيس الأحكام التى تنظم الشيكات الورقية فى الكثير من التشريعات، ولم يُفرد له تنظيم خاص إلا فى البعض منها، ويتم التعامل وفقًا لتشريعات التجارة والتجارة الإلكترونية العامة وتنظيمات الدفع الرقمى
ويُعد الشيك الإلكترونى أحد وسائل الدفع الإلكترونى التى ظهرت تلبية لرغبات التجارة الإلكترونية، حيث يُعد اداة فعالة لتعزيز تداول عمليات البيع والشراء الإلكترونية، ولذلك أصبح من أهم وسائل تداول الأموال وانتقالها التى توفرها البنوك والمؤسسات المالية المصرفية
وتتزايد أهمية الشيك الإلكترونى فى ظل دوره فى حماية أطراف العلاقات المالية فى ظل التطور الذى تشهده التجارة الإلكترونية، وبُعد المسافات بين أطرافها وأحتياجهم إلى وسائل دفع مرنة ومأمونة وسريعة وسرية
ويمكن تعريف الشيك الإلكترونى بكونه " اداة وفاء صادرة الكترونيًا تتضمن أمرًا صادرًا من الساحب إلى البنك المسحوب عليه بتحويل المبلغ المدون بالشيك إلى المستفيد "
ولذلك فأن الساحب يقوم بإرسال الشيك الإلكترونى المعتمد بالتوقيع الرقمى إلى المستفيد الذى يقوم بدوره بتقديمه إلى البنك المسحوب عليه لتحويل قيمته فى حساب المستفيد، ومن الضرورى الإشارة إلى أن هناك فرق بين التوقيع الرقمى والتوقيع الإلكترونى، حيث أن التوقيع الرقمى يعتمد على درجات متقدمة من خوارزميات التشفير لضمان سلامة البيانات وعدم القدرة على تزويرها
وإذا كانت معظم التشريعات لم تُعرف الشيك الإلكترونى، فالمشرع المصرى مثله مثل العديد من مشرعى الدول لم يضع تنظيمًا خاصًا للشيك الإلكترونى، لذلك فقد عمد الجميع إلى الإهتداء بالقواعد المنظمة للشيكات التقليدية، إلا أنه قد أشار صراحة إلى الشيكات الإلكترونية من خلال قانون البنك المركزى المصرى رقم 194 لسنة 2020، حيث نصت المادة (204) على أن " مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 15 لسنة 2004 المشار إليه، لمجلس الإدارة إصدار أو اعتماد القواعد والإجراءات المنظمة لكل من أ........ ب .............ج ــــــ التسوية الإلكترونية للشيكات، د ــــــ إصدار وتداول الشيكات الإلكترونية بمراعاة الأحكام المنظمة للشيك الواردة بقانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، ه........، ويكون لهذه الوسائل الإلكترونية حجية أصل المحررات فى الإثبات، متى كان تنفيذها وتداولها والاحتفاظ بها واسترجاعها قد تم طبقًا للقواعد والمعايير الفنية التى يحددها مجلس الإدارة
ونجد أن المشرع الأردنى قد نظم أحكام الشيك الإلكترونى فى القانون رقم 15 لسنة 2015 الخاص بالمعاملات الإلكترونية الأردنى، حيث أشار إلى تعريفه فى المادة (2) والخاصة بالتعريفات تحت تعريف السند الإلكترونى أنه " السند الذى يتم إنشاؤه والتوقيع عليه وتداوله إلكترونيًا "
وأناط المشرع الأردنى بالبنك المركزى الأردنى وضع الشروط والضوبط حيث نصت المادة (21) من ذات القانون على" أ ـــــ يعتبر تحويل الأموال بوسائل إلكترونية وسيلة مقبولة لإجراء الدفع ب ــــــ يحدد البنك المركزى الأردنى وبمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية ما يلى:
1 ــــــــ ..............، 2 ـــــ الشروط والإجراءات والمتطلبات الفنية والتقنية للشيكات الإلكترونية ومواصفات النظام الإلكترونى الواجب التطبيق لتقديم الشيكات وعرضها وتقاصها إلكترونيًا "
ونجد أن المشرع قد حرص على ضرورة توافر الشروط الشكلية فى الشيك، وذلك حرصًا على كفايته فى اثبات الالتزام المالى
كما عرف المشرع اللبنانى الشيك الإلكترونى بالقانون رقم 81 لسنة 2018 قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصى، حيث نصت المادة 62 على أنه " الشيك الإلكترونى هو الشيك الذى يتم إنشاؤه والتوقيع عليه وتداوله الكترونيًا "
مزايا الشيك الإلكترونى
يتمتع الشيك الإلكترونى بمجموعة من المزايا عن الشيك الورقى أهمها:
* عدم القابلية للتزوير كونه صادر من مُصدره صاحب التوقيع الرقمى المعتمد الغير قابل للتزوير
* إن إصدار هذا الشيك يتطلب أن يكون المقابل المالى موجود فعليًا فى حساب مُصدر الشيك
* أن المستفيد يتسلم الأموال بالتحويل إلى حسابه بشكل مباشر
* يتميز بالسرعة فى الإصدار والتحويل لتداوله عبر شبكات الأنترنت بما يساهم فى إنجاز المعاملات التجارية الإلكترونية
* يقضى الشيك الإلكترونى على ظاهرة إرتداد الشيك لعدم وجود رصيد، حيث يستلزم إصدار الشيك الإلكترونى أن يكون له مقابل وفاء لدى الساحب
* الثقة فى أتمام تحويل مقابل الشيك من أهم مزايا هذا النظام، والتى يفتقدها الشيك الورقى كون فحص الشيك الإلكترونى يتم عن طريق جهاز فك الشفرات وهو أمرًا يستغرق ثوانى معدودة للتأكد من صحة الشيك
وإذا كان للشيك الإلكترونى الكثير من المزايا فلا يمكن كذلك إنكار مخاطر الشيكات الإلكترونية، والتى تكمن فى تعرضها للقرصنة وأمكانية الاختراق للمعلومات والبيانات الشخصية، لذلك يجب أن يكون هناك نظامًا للمصادقة على التوقيعات الرقمية واستخدام تقنيات التشفير المتقدمة، فالتزوير الرقمى ليس ببعيد فى ظل سرعة وتيرة التطورات التكنولوجية
وفى حقيقة الأمر نجد البعض ينظر إلى التقارب الواضح بين الشيك الورقى والشيك الإلكترونى محددًا الفارق فى الوسيلة التى يظهر عليها الشيك كونه ورقى فى أحداها ورقمى فى الأخرى، وأن كان هذا فيه بعض الحق، ولكن الحقيقة نرى أن الشيك الإلكترونى قد يعود بالشيك إلى وضعه الحقيقى الذى يجب أن يكون عليه كونه اداة وفاء وليس اداة ائتمان، وهو أمرًا نرى أن التعديلات التشريعية والعرف المصرفى لم يستطع القضاء عليه بل هو للاسف الشديد داعم لهذا الأمر، فقد ظل الشيك الورقى يُعتمد عليه كاداة ائتمان وليس اداة وفاء، ومما يزيد الأمر سخرية أن كافة المعاملات التى تتم مع البنوك فى منح القروض والتسهيلات الائتمانية تطلب البنوك فى مقابلها شيكات ضمان وائتمان لتهديد المقترض جنائيًا وهو أمرًا للاسف يتعارض مع كافة صور الشفافية، والاعجب أنه أمرًا يتم تحت سمع وبصر البنك المركزى
لذلك فلن يحل الشيك الإلكترونى يومًا محل الشيك الورقى، إلا إذا عاد الأمر إلى صوابه وأن يكون التعامل بالشيك الورقى قاصرًا على كونه اداة وفاء وعدم الاعتداد به كاداة ضمان
ولهذا نرى ضرورة الاعتماد والتوسع وبشكل فعال فى استخدام وسيلة الشيك الإلكترونى فى تنظيم المعاملات المالية والالتزامات بين الشركات فى ظل حجب بعض أنظمة الدفع السريعة المأمونة عن تلك الكيانات الاقتصادية وكونها قاصرة على التعاملات الشخصية للأفراد، وهو أمر يتوافق مع متطلبات العصر الرقمى، كما أن التوسع والانتشار فى استخدام الشيكات الإلكترونية والتى تطلب توافر الرصيد عند إصدارها يعيد للشيك طبيعته كاداة وفاء وضمان وجود الرصيد يقضى على ظاهرة الشيكات المرتدة ويساهم فى التخفيف على القضاء فى قضايا الشيكات بدون رصيد ، وعلى ذلك فأن المشرع مطالب بالعمل على إصدار القواعد القانونية المنظمة للشيك الإلكترونى حتى يكتسب الشيك المزيد من ثقة المتعاملين كون الضوابط الحاكمة هى مصدر الأمان المالى.