أسامة ايوب يكتب: القرار الغائب فى البيان الختامى للقمة العربية الإسلامية

جاء البيان الختامى للقمة العربية الإسلامية التى انعقدت فى الدوحة الأسبوع الماضى مخيبًا لآمال الشعوب المرجوة ولا نقول المتوقعة، إذ جاء حسبما توقع المحللون والمراقبون السياسيون الذين راهنوا على أن القرارات لن ترقى إلى مستوى التهديدات للأمن القومى للمنطقة ولا إلى مستوى الخطر الداهم الذى تواجهه القضية الفلسطينية مع تواصل وتصعيد حرب الإبادة والتدمير فى غزة وتهجير أهلها قسريا واحتلالها.
لقد كانت الشعوب العربية والإسلامية ومن بينها بل في مقدمتها الشعب الفلسطينى تترقب أن يتضمن البيان الختامى للقمة قرارات فاعلة تنطوى على إجراءات عقابية صارمة ضد حكومة الكيان الصهيونى ورئيسها مجرم الحرب نتن ياهو كرد فعل قوى مساوٍ ليس فقط للعدوان على الأراضى القطرية وإنما أيضا لحرب الإبادة والتجويع والتدمير فى غزة وتوسيع العدوان مؤخرا بهدف احتلالها وتهجير سكانها.
بل لاشك أن البيان الختامى للقمة جاء مفاجئا ومخالفًا لتوقعات دول العالم خاصة الدول الأوروبية وغيرها من تلك التى أقدمت على إجراءات وخطوات جادة فاعلة ضد حكومة تل أبيب الإرهابية.. تضامنا مع الحقوق الفلسطينية حسبما صوتت الغالبية العظمى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا لصالح إقامة الدولة الفلسطينية وحسبما اعترف بعضها بالدولة وحسبما تعتزم بريطانيا وفرنسا الاعتراف بالدولة فى الأيام المقبلة، وحيث بدت هذه الإجراءات صادمة لإسرائيل التى صارت دولة منبوذة ولأول مرة منذ إنشائها على الأراضى الفلسطينية المغتصبة.
...
لقد كان من المفترض وبالضرورة أن يتضمن البيان الختام لقمة الدوحة قرارات وإجراءات شديدة القوة تستند إليها دول العالم التى تواجه جرائم اسرائيل وتتضامن مع الشعب الفلسطينى باعتبار أن العرب والمسلمين هم المعنيون أولا بالقضية الفلسطينية ومن ثم معاقبة إسرائيل على حرب الإبادة وأيضا على عدوانها الغادر على دولة قطر.
المثير أنه بينما كان قادة الامتين العربية والاسلامية يعقدون قمتهم فى الدوحة كان مجرم الحرب نتن ياهو يصعد حبر الإبادة والتجويع والتدمير فى غزة وعلى نحو بدا استهانة بالقمة وتحديا سافرا واستباقا متغطرسا للقرارات التى ستصدرعن القمة.
المثير أيضًا أن القمة اعتبرت انعقادها وبيانها الختامى رسالة للمجتمع الدولى وحيث بدا أنها تطالب العالم بالدفاع نيابة عنها عن الأمن القومى العربى وعن الشعب الفلسطينى فى مواجهة العدوان الإسرائيلى على غزة وعلى الدول العربية وفى مقدمتها سوريا ولبنان التى تحتل إسرائيل أجزاء من أراضيهما، وهو الأمر الذى أظهر حكومات مليارى مسلم وعربى يمثلون أكبر تجمع متجانس قوميا ودينيا في العالم بمظهر الضعيف الذى يطالب العالم بحمايته والدفاع عنه، بينما الحقيقة أن هذا التجمع يمتلك من مقومات القوة على اختلافها وأوراق وآليات الضغط على تنوعها ما هو كفيل بردع إسرائيل لو اتحدت الحكومات وامتلكت الإرادة السياسية الجماعية الموحدة.
****
الملاحظ فى هذه القمة أن كلمات القادة قد تركزت على عبارات الإدانة المكررة والمعتادة فى القمم والمحافل السابقة حتى وصف العدوان علي قطر بالغادر وأنه انتهاك لسيادتها وللقانون الدولى بدا تحصيل حاصل وسبق للحكومات أن أعلنته، ومن ثم فقد بدا انعقاد القمة ذاتها تحصيل حاصل بعد أن خلت قراراتها من أى زيادة على ما سبق إعلانه قبلها.
****
ومع أن الهجوم الإسرائيلى على الدوحة قد استهدف اغتيال قادة حركة حماس ووفدها المفاوض حسبما برز نتن ياهو الهجوم ومن ثَمَّ فإن الهجوم فى الأساس عمل إرهابى ضد حركة مقاومة مشروعة ضد احتلال غاصب، غير أن البيان الختامى للقمة أغفل إدانة هذا العمل الإرهابى وإدانة إرهاب الدولة الذى تمارسه حكومة الكيان الصهيونى ضد وفد مفاوض وأيضا ضد أي من قيادات المقاومة الفلسطينية الذين تتهمهم إسرائيل بالإرهابيين وهو اتهام لا يجوز توجيهه لأى حركة تحرر وطنى بحسب ميثاق الأمم المتحدة.
اللافت أن كلمات القادة فى القمة بدت كما لو كانت مقالات صحفية أو تقارير مراسلين ولم تزد على ما سمعته وقرأته الشعوب سواء عما جرى فى قطر أو ما جرى ويجرى فى غزة والضفة الغربية، حتى الحديث المتكرر عن إقامة الدولة الفلسطينية طوال العقود السابقة فقد بدا غير واقعى فى ضوء الأمر الواقع الذى فرضه جيش الاحتلال ومجرم الحرب نتن ياهو حيث لم يبق من الأراضى الفلسطينية ما يتيح إقامة الدولة سواء من حجم المساحة المتبقية من حدود يونيو 1967 أو من حيث تقطيع أوصالها إلى قطع متناثرة غير متصلة بفعل التوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية التى قرر نتن ياهو وبدعم ترامب ضمها لدولة الكيان.
****
اللافت أيضا أنه لم يكد قادة الدول العربية والإسلامية يختتمون قمتهم في الدوحة عائدين إلى عواصمهم حتى جاء الرد الأمريكى سريعًا فى اليوم التالى يحمله وزير الخارجية روبيو إلى نتن ياهو مؤكدًا استمرار الدعم لإسرائيل لتدمير غزة واحتلالها وتهجير سكانها مع ضوء أخضر لملاحقة قادة حماس وقد انعكس هذا الدعم والتأييد الذى حمله روبيو على تصريحات سموتيرش الوزير اليهودى العنصرى الإرهابى، حيث قال إن غزة مساحة عقارية استثمارية ممتازة سوف نمتلكها وأمريكا وحيث بدا واضحا أن الهدف الحقيقى من العدوان وحرب الإبادة فى غزة وتدميرها هو إجبار الشعب الفلسطينى في القطاع على الهجرة القسرية وذلك هو رهان نتن ياهو.
****
إن ثمة قرارات غابت فى البيان الختامى للقمة العربية والاسلامية والذى انطوى على خذلان للشعوب وفى مقدمتها الشعب الفلسطينى الذى يقف وحده وحيدا فى مواجهة أبشع حرب إبادة وتجويع وتدمير لأرضه وعلى نحو غير مسبوق في التاريخ الحديث، بينما لم تتحرك حكومات العالمين الإسلامى والعربى التحرك الواجب والملزم دينيا وقوميا لحمايته ونجدته فعليا.
إن البيان الختامى للقمة حين أكد رفض حكومات الدول العربية والإسلامية لتهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، فإنه لم يتضمن أى إجراء حقيقى لترجمة هذا الرفض والذى ليس له أى قيمة على أرض الواقع خاصة وأن التهجير بدأ فعليا بإجبار سكان مدينة غزة على النزوح جنوبا، حيث يتكدس مئات الآلاف فى مساحة ضيقة وغير آمنة فى مواجهة القصف الاسرائيلى المتواصل وفى غيبة أى مقومات للحياة.
****
لقد كانت الشعوب العربية والإسلامية تترقب أن يتضمن اليبان الختامى للقمة توجيه تحذير شديد اللهج لحكومة مجرم الحرب نتن ياهو وبعبارات واضحة ومحددة لإيقاف حرب الإبادة التجويع والعودة إلى مفاوضات التسوية والانسحاب الفورى من قطاع غزة، وإلا فإن الحكومات سوف تلجأ إلى استخدام القوة الجماعية لردع حكومة الكيان وحماية الشعب الفلسطينى وحيث يعد العدوان عليه تهديدا لمجمل الأمن القومى العربى والإسلامى.
ثم إن قرارا مهما آخر كان من المفترض أن تصدره القمة وهو توجيه انذار لإدارة الرئيس ترامب بالتوقف تماما عن دعم ومشاركة اسرائيل فى حرب الإبادة والتجويع والتدمير فى غزة وفى تأييد نتن ياهو فى مسعاه الذى بدأ بالفعل لضم الضفة الغربية تمهيدًا لإجهاض إقامة الدولة الفلسطينية باعتبار أن هذا الدعم الأمريكى لاسرائيل ضد الحقوق العربية والشعب الفلسطينى من شأنه زعزعة الاستقرار فى الشرق الأوسط على نحو أخطر مما يحدث حاليا، كما أنه يمثل إضرارا بالمصالح الأمريكية فى المنطقة والتى ليس بين شعوبها وأمريكا أى خلاف سوى انحيازها السافر ودعمها اللامحدود لإسرائيل ضد الشعوب العربية والشعب الفلسطينى.
****
ولأن التعلل بالمواءمات السياسية وموازين القوى الدولية والإقليمية فى الوقت الراهن من الممكن تفهمه لغياب صدور مثل هذه القرارات فإن قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية وإلغاء كافة أشكال التطبيع مع إسرائيل من جانب كل الدول العربية والإسلامية التى لها علاقات مع حكومة تل أبيب.. كان القرار الأهم والواجب الذى لم تصدره القمة رغم أنه يحق لها اتخاذه كرد فعل مشروع بحسب القوانين والأعراف الدولية.. ولذا فإنه من غير الممكن تفهم أو قبول غيابه فى البيان الختامى.