د.ناصر عبد الرؤوف يكتب : رِسَالَةُ مّنَ الْعالَمِ الْآخـَرِ

فى رسالة تشريحية لحالة جسد المجتمع المصرى العليل، إستطاع المفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود عليه رحمة الله، أن يوجه لنا رسالة أظهرت مواضع الخلل والعلة التى يعانى منها المجتمع، فرغم أن الرسالة متلفزة منذ ما يزيد عن ستين عامًا، إلا أنها تمكنت أن تفند حالنا اليوم مع مفاسد التكنولوجيا الحديثة والتطور الرقمى المذهل
وما نعنيه هنا بمفاسد التكنولوجيا ليست التكنولوجيا كعمل وما تحمله من ايجابيات فعلية لا ينكرها إلا جاهل، ولكن ما نقصده وما نوصمه إنما هو التعامل البشرى السلبى والسلوك غير المنضبط لمن يتعامل مع تلك التكنولوجيا
فالتطور التكنولوجى الذى يشهده العالم، وما ندركه اليوم من فوائد ومنافع لما يعرف بالذكاء الاصطناعى، هو أمرًا فى غاية الأهمية، ولكن ما يعكر صفوه هو التناول والتعامل والاستغلال المخل لهذه التكنولوجيا، وتوجيهها نحو الاستغلال والفساد
ولم يكن الدكتور مصطفى محمود رحمة الله عليه، بعالم للغيب، و إذا كان قد استطاع أن يعرض لنا حال مجتمعنا اليوم بقوله ( ... أن الحياة ستصبح مرهقة جدًا وجافة وآلية وسريعة الايقاع ومرهقة للاعصاب، والستر هيبقى مفضوح و الخصوصية منتهكة، دبوس الكرافته ميكرفون والساعة ريكوردر، والبروش اللى بيجيبه الزوج لزوجته هدية عيد الميلاد هتكون كاميرا فيديو يتم تصوير ما لايجوز تصويره وتفضح الخصوصية وتكشف الخيانة والزوج يفاجأ بأن الابن مش ابنه والاخ مش أخوه ....ونقول فين أيام الزمن الجميل )
هذا جزء من تصور ادركه صاحبه منذ ما يزيد عن الستين عامًا، كونه استطاع أن يغوص فى اوغار النفس البشرية، وأن يلامس وجدان المجتمع، وأن يدرك ما إذا توافر لهم وسيلة متقدمة ومتطورة، ما هو سلوكهم الذى يُتبع تجاهها، وهو أمرًا فى حد ذاته ذو محورين، الأول هو قدرته على الإدراك والتحليل والتنبؤ، وآلاخر أن الفروض التى استند إليها فى تكوين تلك النظرة العميقة، قد كان لها ما يبررها وأنه بالفعل استطاع أن يرسل رسالة تحمل من العمق والمعرفة بالنفس البشرية أمورًا تغيب عن الكثيرين
وللاسف الشديد لقد تحققت الرؤية، وأصبحت وسائل التواصل تزخر بالتجاوزات على كل شاكله، وأصبحت وسيلة ومسرحًا للفضائح وهتك للخصوصية، وإعتداء على الحرية الشخصية، وأصبحت الاسرار والعلاقات الشخصية والخاصة مرتعًا خصبًا لمن يرغب أن يخوض فيها بكل حرية، وكأنها أمرًا عامًا وليس حكرًا لاصحابها
قد يكون من الطبيعى حدوث بعض التجاوزات، ولكن أن تتزايد إلى درجات أن تدخل فلك الازمات، فهو أمرًا غير مقبول، لقد أصبح استخدام وسائل التواصل كمحلاً للدعاية والتسويق بصورة وبشكل دفع بعض اصحاب المهن الأنسانية إلى التغاضى عن خصوصيات الأفراد بل وعن آداب وقيم ومواثيق المهنة، كونها أصبحت تحقق للبعض بعض المنافع والشهرة والمال، وذلك خلال فترات قصيرة بالشكل والصورة التى قد تثير الشك والريبة، إلا أنها على الجانب الأخر فقد تكون سقتطها أكثر عنفًا وسرعة، بل وقد تعصف بالأخضر واليابس
فمما لاشك فيه أن هذه المقاطع المعروضة قد نالت من شهرة ومكانة أصحابها، فى الوقت الذى تخيل لهم أنها وسيلة للشهرة وكسب المال وتحقيق الانتشار، ولكن للاسف الشديد أن فكرة الدعاية المعتبرة دائمًا هى الفكرة التى تتناول كفاءة العمل وإذا كان يحمل قدرًا من الصعوبة، أو أن الحالة كانت تحتاج إلى مهارة وكفاءة معينة تحققت فى صاحب المنشور، أما وأن تكون وسيلة الدعاية هى الرقص والغناء وأنا أعمل داخل قطاع يملك من القدسية والاحترام والتبجيل الكثير، ويعمل تحت نطاق لوائح وآداب واضحة تفرضها نقابات مهنية عريقة، فهو أمرًا مرفوضًا، ويجب على الجميع عدم الانسياق وراءمثل تلك المهاترات، أنه الصراع القائم بين القيم والمبادئ والمواثيق المهنية، وبين الرغبة فى تحقيق الشهرة والانتشار والعوائد المادية، حتى وأن كان على حساب الضحايا
ومن المؤكد أن هناك الكثير من الملتزمين المدركين لما يجب أن تكون عليه منصات التواصل الاجتماعى، لذلك نجد موجات من الغضب والرفض عند نشر المقاطع التى تمثل إساءة للمشاعر والقيم الاجتماعية والثوابت الاخلاقية، والتى تمثل اعتداء على قيم المجتمع وآدابه العامة، وفى الوقت ذاته تمثل مخالفات للوائح وآداب المهن ومواثيقها
وإذا كان البعض قد تلمس فى هذه الوسائل نتائج سريعة، أقلها الشهرة والأموال المتدفقة دون عناء أو حتى مجهود، كان من نتائجها السلبية على عامة الشباب أن اصابتهم بالاحباط و العجز، لقد أصبح الاغلب الأعم من الجيل الصاعد يشعر بخيبة الأمل فى ظل سيطرت نماذج مشوهة على المشهد
ولذلك يجب أن تكون هناك وقفة مجتمعية من جميع الاطياف تعمل على تطهير هذه الاساليب مما علق بها من دنس، ونخرج بها من غياهب الإنحطاط التى ضربت قيمنا الاجتماعية وطبائعنا الجميلة وقلوبنا النظيفة
أننى ادعوكم ومن خلال وسيلة رقمية أيضًا إلى السعى نحو القضاء على هذه الفوضى، وأن يسعى الجميع إلى الستر، وأن تسعى المواقع الاخبارية الالكترونية إلى نفض ما علق بها من خبث وسمعة سيئة، كونها أصبحت وسيلة لنشر الفضائح وكشف ستر المجتمع
أنها دعوة إلى الابتعاد عن الدعاية الرخيصة المفتعلة التى قد تعصف بقدسية الرسالة الاعلامية وجلال المهنة وميثاقها، يجب علينا أن ننتقى الصالح منها، ونعزف عن الطالح، لقد أصبحت تلك المواقع فيها أثم كبير، حتى وأن كان فيها المنافع فأن إثمها أكبر من نفعها للاسف الشديد
ولذلك فنحن نثمن الدور والفكر والاتجاه الذى سلكته النيابة العامة المصرية فى اللحاق بكل من تسول له نفسه المساس بقيم المجتمع وآدابه واخلاقياته من جهة، وإلى رد الحقوق الخاصة لاصحابها وملاحقة منى يحاول نشر واستغلال والتأثير على الهوية الاخلاقية المصرية ليتبوء موقعه بين الجدران حبيسًا متواريًا
ونأمل أن تكون تلك الإجراءات فعالة بالدرجة التى تعيد للمشهد صورته الحسنة، وأن شاء الله تساهم فى تعديل الصورة المشوهة وتعيد لها بريقها الحقيقى، ونجنى من هذه الوسائل أفضل النتائج ويتم وأد كافة الصور والافكار السلبية والمشوهة فى مهدها، ليعود المجتمع إلى ما نتمنى جميعًا إلى الزمن الجميل