منتدى النيكوتين العالمي 2025: خبراء يدعون إلى تعزيز التواصل العلمي لتقليل مخاطر التبغ

استضافت العاصمة البولندية وارسو في مستهل الصيف، فعاليات النسخة الثانية عشرة من منتدى النيكوتين العالمي (GFN)، بمشاركة أكثر من 40 خبيرًا دوليًا، ناقشوا خلالها واحدة من أبرز قضايا الصحة العامة الراهنة: الانتشار المتزايد للمعلومات المضللة حول منتجات النيكوتين منخفضة المخاطر، وانعكاساتها على السياسات الصحية العالمية.
وجاء شعار المنتدى هذا العام تحت عنوان: "تحدي التصورات – التواصل الفعّال لتقليل مخاطر التبغ"، في تأكيد على أهمية تبنّي حوار علمي شفاف يستند إلى الأدلة العلمية، ويسهم في تمكين المستهلكين من اتخاذ قرارات مستنيرة، بشأن استخدام منتجات النيكوتين، في إطار استراتيجيات الحد من المخاطر.
المعلومات المضللة: عائق أمام التقدم
سلّط المشاركون في المنتدي الضوء على هيمنة السرديات المثيرة للقلق والتفسيرات الانتقائية للبيانات العلمية في الخطاب العام المتعلق بمنتجات النيكوتين. ورغم تنامي الأدلة العلمية التي تؤكد فعالية بدائل مثل أكياس النيكوتين، والتبغ المسخن، ومنتج"سنوس" في التقليل من مخاطر التدخين التقليدي ، لا تزال المعلومات المضللة تشكل عائقًا كبيرًا أمام تبني هذه الحلول من قبل الأفراد وصنّاع القرار..
وأشار الخبراء إلى أن العديد من الحكومات ما تزال تتعامل مع النيكوتين بحذرـ من دون التفرقة بينه وبين عملية التدخين نفسها، مما يساهم في خلق التباس خطير قد يقيد جهود هذه الحكومات والهيئات الصحية في مكافحة مخاطر التبغ.
وأكد الخبراء أن النيكوتين يُستخدم منذ تسعينيات القرن الماضي كأداة مساعدة للإقلاع عن التدخين، دون أن يكون هو المسبّب المباشر للأمراض المرتبطة به. وتشير الأبحاث إلى أن المخاطر الحقيقية تكمن في عملية احتراق التبغ، التي تنتج آلاف المركّبات الكيميائية السامة. إذ يحتوي دخان السجائر على أكثر من 6000 مادة كيميائية، من بينها نحو 100 مادة معروفة بتسببها في أمراض خطيرة مثل السرطان، وأمراض القلب، والرئة.
من جانبها، قالت الدكتورة منال عبد الخالق، استشارية أمراض الجهاز الهضمي من مصر: "النيكوتين لا يُصنف كمادة مسرطنة من قِبل الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)، ولا من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) أو خدمة الصحة الوطنية البريطانية (NHS) وهذا التصنيف ليس مجرد مسألة أكاديمية، بل يُعد عنصرًا أساسيًا في صياغة واعتماد سياسات وبرامج فعّالة في مجال الصحة العامة."
وأضافت: “ينبغي أن تستند السياسات الصحية إلى الأدلة العلمية، لا إلى المخاوف أو الوصمة الاجتماعية. فعندما نُقصي العلم لصالح الأيديولوجيا، فإننا نخفق في حماية من نُفترض أننا نخدمهم. تقليل مخاطر التبغ ليس نوعًا من التهاون، بل هو التزام حقيقي بمبدأ العدالة الصحية."
انتقادات للمؤسسات الصحية العالمية
ناقش المنتدى أيضًا دور منظمة الصحة العالمية (WHO) واستمرارها في الترويج لنهج "الامتناع التام"، وهو ما اعتبره بعض الخبراء تجاهلًا لاحتياجات ملايين المدخنين البالغين الذين يمكن أن يستفيدوا من بدائل أقل ضررا.
قال البروفيسور ريكاردو بولوزا من جامعة كاتانيا: "تنتقي منظمة الصحة العالمية المراجع بشكل انتقائي وتشوه الأدلة العلمية، بهدف دعم سردية الامتناع التام. هذا النهج له عواقب وخيمة على حياة ملايين المدخنين حول العالم."
دعوة لتبني أفضل الممارسات وعدم تجاهل التقدم
أشار المشاركون إلى أن الدول التي اعتمدت استراتيجيات الحد من مخاطر التبغ من خلال السماح بتداول منتجات النيكوتين الاقل ضررا ، شهدت تراجعًا ملموسًا في معدلات التدخين، متجاوزة بكثير نتائج السياسات التي تركز فقط على الامتناع.
تم تسليط الضوء على دول مثل نيوزيلندا، المملكة المتحدة، اليابان، والسويد كنماذج ناجحة:
- السويد: تقترب من أن تصبح أول دولة خالية من الدخان، إذ انخفضت نسبة التدخين بين البالغين تقترب من 5%، بفضل الانتشار الواسع لاستخدام "سنوس" وأكياس النيكوتين والبدائل الأخرى.
- اليابان: سجلت انخفاضًا بأكثر من 40% في مبيعات السجائر منذ 2016، بالتزامن مع انتشار منتجات التبغ المُسخَّن.
- المملكة المتحدة: دمجت السجائر الإلكترونية ضمن استراتيجيتها الوطنية للإقلاع عن التدخين، وحققت واحدًا من أسرع معدلات انخفاض التدخين في أوروبا.
- نيوزيلندا: اعتمدت إطارًا تنظيميًا متوازنًا يتيح الوصول إلى منتجات النيكوتين منخفضة المخاطر مع الحفاظ على حماية قوية للشباب البالغين، مما أدى إلى انخفاض مستمر في معدلات التدخين.
قالت الدكتورة منال عبد الخالق تعليقًا على هذه التجارب: "هذه الدول لا تقلل فقط من معدلات التدخين، بل تعيد تعريف مفهوم النجاح في الصحة العامة. يجب أن نستلهم من تجاربها وأن نتوقف عن اعتبار تقليل الضرر تهديدًا. بل هو أداة إنقاذ تُستخدم بمسؤولية وتسترشد بالعلم."
مضيفة: "الصحة العامة يجب أن تكون شاملة، ولكل فرد الحق في الوصول إلى خيارات أفضل ومعلومات دقيقة تساعده على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحته."
نظرة إلى المستقبل
اختُتم المنتدى بدعوة موحدة للسلطات الصحية العالمية لتبني تقليل المخاطر كاستراتيجية شرعية وضرورية في مكافحة التبغ. وأكد المشاركون أن التواصل الفعّال، المبني على العلم والتعاطف، هو المفتاح لتقليل الوفيات المرتبطة بالتدخين وتحقيق تحسّن حقيقي في الصحة العامة.
واختتمت الدكتورة منال عبد الخالق حديثها بالقول:
"نأمل أن يشهد الاجتماع المقبل "اجتماع الأطراف" لاتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ بشأن مكافحة التبغ (FCTC) في نوفمبر المقبل مقاربة أكثر واقعية وشمولية. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار إمكانات المنتجات الاقل ضررا مثل السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المُسخَّن وأكياس النيكوتين، في التخفيف من العبء الصحي والاجتماعي للتدخين، خاصة لدى من يواجهون صعوبة في الإقلاع التام. نحن بحاجة إلى سياسات تستند إلى الأدلة لا إلى العقائد، وتوازن بين حماية الصحة العامة وتوفير بدائل واقعية للمدخنين البالغين."