الأموال
الأموال

فنون

ممرّ الذاكرة المبلّل: المطر والانتظار ووجوه الكينونة

فتحى السايح -

قراءة فلسفية ونفسية في تجربة الألم والذات

عن نص “راقص المطر… حين يبكي العاشق وحده” من كتاب “مذكرات رجل – تجربة حياة” بقلم فايل المطاعني

المطر بوصفه صوت الذاكرة ونداء الداخل

لم يكن المطر يومًا مجرد ظاهرة طبيعية؛ في الأدب العربي والعالمي حمل دومًا معاني التطهير والانبعاث، وأحيانًا الانكسار والانهيار.

في التراث العربي ارتبط بالخصوبة والحنين، وفي الكتابات الغربية كما لدى كافكا وإليوت كان تجسيدًا لانهيار الذات. المطر في نص المطاعني ليس من السماء فقط، بل من قلب العاشق نفسه؛ يتحوّل إلى الحبيب والخيانة والجنون معًا.

رقص الألم… حين يتحوّل الجسد إلى لغة

المشهد المركزي: رجل يرقص تحت المطر بعد خيبة حب. لا هروب، بل مواجهة. الرقص هنا ليس بهجة بل صرخة صامتة، لغة بديلة حين تعجز الكلمات.

يعرّي الكاتب بطله أمام العالم؛ الاحتجاج على الألم يصبح طقسًا للتحرر، كما قال باتاي: "لا يصبح الإنسان حرًا إلا حين يكشف جرحه."

الهوية الجريحة ومأزق الرجولة

في خلفية النص نقد اجتماعي واضح: صورة الرجل الذي لا يُسمح له بالانكسار. المجتمع لا يتفهم حزنه، بل يجرّمه.

يُرى كغريب أو مجنون لأنه تجرأ على إظهار ضعفه. النص هنا مرآة لرجال العصر، الذين يُعاقبون على حساسيتهم ويُحرمون من إنسانيتهم لصالح قوالب قاسية للرجولة.

ألم بلا عزاء… مقاربة نفسية

الكاتب يرصد لحظة ما بعد الصدمة العاطفية، حيث يغيب المنطق ويعلو اللاشعور.

الرقص يصبح وسيلة تفريغ داخلي، أشبه بالصراخ أو البكاء، لكنه أكثر جمالية وجرأة. المطر لا يواسيه، بل يضاعف وجعه، لأنه يذكّره بأن العالم يمضي بينما هو عالق في جرحه.

الفلسفة في المشهد… كانط وهايدغر تحت المطر

النص يحمل بعدًا فلسفيًا عميقًا: المطر هنا ليس حدثًا خارجيًا بل انعكاسًا داخليًا. كما يقول كانط، العالم كما نراه يتشكّل من وعينا، فيصبح المطر شيئًا شخصيًا لكل إنسان.

أما هايدغر فيطرح المطر كلحظة انكشاف للذات، مواجهة صريحة مع العدم والقلق الوجودي.

الذاكرة كجرح حيّ

المطر يفتح بوابة الذاكرة. الذكرى هنا لا تموت، بل تتجدّد كلما انهمر. النص يشبه مسرحًا داخليًا؛ الزمن غير محدد والمكان الحقيقي هو الداخل. كأن العاشق يقاوم النسيان، لأن النسيان خيانة لهويته العاطفية.

بلاغة الصمت والتكرار

الانتظار يتكرر، والمطر يتكرر، لكن التغير في الداخل. الصمت يصبح امتلاء لا فراغًا. التكرار يحمي الذاكرة من الموت الرمزي، ويحوّل النص إلى طقس استحضار لا نهاية له.

ظلّ لا ينطفئ

لا يقدم الكاتب نهاية مغلقة؛ الانتظار مستمر، والظل باقٍ. القصة تترك القارئ أمام أسئلته: هل ننتظر الآخرين أم نبحث عن ذواتنا في مرايا الغياب؟ في النهاية، المطر ليس خلاصًا بل وعد بذكريات لا تجفّ.