د.محمد فراج يكتب: العدوان الصهيونى – الأمريكى على إيران.. قراءة أولية فى النتائج (3 – 3)

أوضحنا فى الجزءين السابقين من هذا المقال مدى المبالغة والصخب فى تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب حول تدمير البرنامج النووى الإيرانى والتناقض الواضح بين هذه التصريحات وتقاريرالمخابرات الأمريكية ذاتها، كما أوضحنا انعدام الأساس الموضوعى لعديد من تصريحاته التى تحدث فيها بلهجة المنتصر مثل مطالبته لإيران بـ”الاستسلام بدون قيد أو شرط”!! وكأنها تعرضت لهزيمة ساحقة!! أو حديثه عن أن أمريكا لا تريد إسقاط النظام الإيرانى حتى لا تتعرض البلاد لحالة من الفوضى، وكأن الشعب الإيرانى ينتظر إشارة من إصبع ترامب ليطيح بالنظام! وكذلك حديثه عن أنه “سيسمح لإيران” بتصدير البترول إلى الصين (!!) بينما تستورد الصين بالفعل نصف البترول الإيرانى منذ سنوات.
وتتجاهل مثل هذه التصريحات حقيقة أن ترامب هو الذى طلب وقف إطلاق النار بعد “الضربات المؤلمة جدا التى نزلت بإسرائيل” – حسب تصريحه هو نفسه – والصمود الذى أظهرته إيران بالرغم من خسائرها الكبيرة، والضربات المؤلمة جدا التى نزلت بها هى الأخرى، وإن كانت هذه الضربات قد فشلت فى كسر إرادة الصمود والمواجهة لدى الجانب الإيرانى، أو حمله على الإعلان عن تخليه عن برنامجه النووى أو حتى حقه فى تخصيب اليورانيوم على أراضيه، كما فشل نتنياهو فى حمل ترامب على تبنى المطلب الاسرائيلى الدائم بوقف البرنامج الصاروخى الإيرانى كشرط لرفع العقوبات عن طهران، ناهيك عن أن يكون شرطا لوقف إطلاق النار الذى تم بدون شروط، وبناء على اقتراح ترامب، الذى سارعت الدولة الصهيونية بالموافقة عليه، وهو ما يُشير بوضوح إلى أن مسار الحرب لم يكن فى صالح المعسكر الصهيونى - الأمريكى، فضلا عما تنطوى عليه من مخاطر للاتساع بضرب القواعد الامريكية فى الخليج أو إغلاق مضيق هرمز بما لذلك من انعكاسات فادحة على أسعار البترول ومن ثمَّ على أوضاع الاقتصاد العالمى.
> > >
وهكذا يتضح أن أحاديث ترامب ونتنياهو الطنانة عن الانتصار والإنجاز التاريخى وادعاء الإعلام الصهيونى والغربى بأن إسرائيل أعادت رسم خريطة الشرق الأوسط.. الخ، كلها أحاديث تنطوى على مبالغات كبيرة، وتعتيم على جوانب مهمة للحقائق، وخاصة فيما يتصل بالعدوان على ايران الذى فشل فى تحقيق أهداف المعلنة بالرغم من الحشود الأمريكية الضخمة والمشاركة المباشرة فى القصف والمساعدات الهائلة للدولة الصهيونية، وهنا نلاحظ ما يلى:
1 – إن محاولات استئناف المحادثات الأمريكية الإيرانية حول البرنامج النووى لاتزال تتعثر، ولا تلوح لها بداية قريبة، ومواقف الطرف الإيرانى لاتزال عند النقطة التى وقفت عندها المحادثات قبل الحرب، فضلا عن اختفاء كميات كبيرة من اليورانيوم عالى التخصيب، ووقف إيران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
2 – إن إيران قد اكتسبت تعاطفًا دوليًا واسعًا بسبب العدوان الصهيونى، وخاصة على الصعيدين العربى والإسلامى، حيث أدانت الدول العربية والإسلامية العدوان بصورة شبه جماعية، كما أدانت أغلبها القصف الأمريكى للمنشآت النووية الثلاث ؟فوردو، وناطانز، وأصفهان” وأعلنت دعمها لإيران فى مواجهة العدوان.
3 – أما الشعوب العربية والإسلامية فقد كان دعمها لإيران حارا وشبه جماعى، بغض النظر عن بعض الجماعات الليبرالية “المتأوربة” و”المتأمركة” وبعض الشراذم السلفية، وقد انعكس هذا كله بصورة واضحة تماما فى وسائل التواصل الاجتماعى بصورة خاصة، حيث اختفت النغمة الطائفية (سنة/ شيعة) التى عمل السلفيون وأجهزة المخابرات الغربية على الترويج لها طويلا، فى إطار الدعوان الغربية لتشكيل تحالف سُنى ضد إيران والجماعات الشيعية فى البلدان العربية.
وهذه النقطة بالذات بالغة الأهمية لأنها تعنى توجيه ضربة قاصمة إلى الفكرة الطائفية المتخلفة (تحالف سنى ضد إيران والشيعة) والفكرة الأخرى المرتبطة بها “ناتو عربى” بقيادة أمريكية ومشاركة إسرائيلية!! وطبعًا ضد إيران.
4 – وهنا يلفت النظر الموقف الباكستانى القوى سواء من جانب الجمعية الوطنية “البرلمان” أو رئيس الحكومة شاهباز شريف أو وزير الدفاع خواجهة محمد عاصف، حيث أعلنت باكستان دعمها الحازم لإيران، ودعت الولايات المتحدة للضغط على اسرائيل لوقف العدوان فورا كما دعت إلى اجتماع عاجل لمنظمة المؤتمر الإسلامى، وتجىء أهمية باكستان من كونها دولة إسلامية كبيرة، وهى الوحيدة النووية بين الدول الإسلامية، كما أنها جارة إيران من الشرق وهى فى حالة صراع مستمر مع الهند التى ترتبط بعلاقات تعاون عسكرى واسعة مع اسرائيل، كما أنها حليفة قوية للصين التى ترتبط بعلاقات تعاون واسعة مع ايران وتستورد نصف بترولها، ويمكن إذا اقتضى الأمر أن تكون ممرا للمساعدات العسكرية الصينية إلى إيران، علمًا بأن نسبة كبيرة من السلاح الإيرانى صينية.
الصيد فى الماء العكر
5 – أما بالنسبة لروسيا فإن دعمها التاريخى للبرنامج النووى السلمى الإيرانى المعروف “محطة بوشهر 1 و2” على الخليج العربى، وقد أعلنت روسيا أن خبراءها فى “بوشهر” مستمرون فى عملهم، وحذرت إسرائيل من المساس بالمحطة، وهو تحذير لم يكن أمام إسرائيل إلا الالتزام به.
غير أن الموقف الروسى تجاه العدوان الصهيونى – الأمريكى على إيران يحتاج إلى وقفة لتوضيح بعض الأمور، فقد أفاض الإعلام الغربى والموالى له فى الحديث عن أن روسيا تركت ايران وحيدة فى مواجهة الطيران الاسرائيلى المتفوق، وتخلت عنها.. الخ، وهنا لابد من التذكير بما يلى:
1 – إن روسيا منغمسة فى حرب ضروس فى أوكرانيا ضد حلف الناتو بأكمله منذ أكثر من ثلاث سنوات، ومن الصعب أن تقدم لإيران دعما كبيرا فى الوقت الراهن.
2 – لكن لابد من ذكر أن الصواريخ فرط الصوتية “فائقة السرعة/ الهايبرسونيك” الإيرانية التى ألحقت بإسرائيل أشد الخسائر وأكثرها إيلاما هى صواريخ ذات تكنولوجيا روسية أساسا، فقد كانت روسيا هى أول دولة فى العالم تتوصل إلى هذه التكنولوجيا وتدخلها فى الاستخدام (عام 2018) ولم تتأخر فى نقلها إلى الصين وكوريا الشمالية وإيران خلال سنوات قليلة، كما أن الصواريخ الباليستية الإيرانية هى أيضا ذات منشأ روسى، وهذه الصواريخ بأنواعها المختلفة هى التى مثلت – ولاتزال تمثل – سلاح الردع الإيرانى الأساسى فى مواجهة الدولة الصهيونية، وبالتالى فلا مجال لمحاولة الصيد فى الماء العكر.