تقرير: التجارة غير المشروعة في جنوب إفريقيا تهدد الاقتصاد وتستدعي إجراءات عاجلة لتعزيز الرقابة

في السنوات الأخيرة، شهدت جنوب إفريقيا تصاعدًا ملحوظًا في التجارة غير المشروعة، التي أصبحت تشكل تهديدًا متزايدًا للاقتصاد الوطني.
وفي تقرير حديث بعنوان "اقتصاد جنوب إفريقيا غير المشروع "، دعا التحالف العابر للحدود لمكافحة التجارة غير المشروعة (TRACIT) بالتعاون مع اتحاد الأعمال في جنوب إفريقيا (BUSA) الحكومة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لمكافحة هذه الأنشطة التي تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد والمجتمع في البلاد.
تؤثر التجارة غير المشروعة على العديد من القطاعات الحيوية في جنوب إفريقيا، بما في ذلك الكحول، المواد الغذائية، الكيماويات الزراعية، الأدوية، إلى جانب التجارة في المنتجات المزيفة، وقطاع التعدين، والاتجار بالحياة البرية.
وتؤدي هذه الأنشطة غير القانونية إلى تقويض الأنشطة التجارية الشرعية، مما يسبب انخفاض الإيرادات الضريبية وتدمير فرص التجارة الدولية، ويساهم في تعميق التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وقدّر مكتب الإيرادات في جنوب إفريقيا أن التجارة غير المشروعة تُكلّف اقتصاد البلاد نحو 100 مليار راند سنويًا، أي ما يعادل حوالي 5.56 مليار دولار أمريكي، في حين تخسر الدولة نحو 250 مليون راند يوميًا من الإيرادات الضريبية، وهو ما يعادل قرابة 13.89 مليون دولار أمريكي.
ويُعد قطاع السجائر من أبرز القطاعات المتأثرة، حيث يهيمن على حوالي 60% من السوق غير المشروع، بينما تمثل التجارة غير المشروعة في قطاع الكحول نحو 22%.
ولا تقتصر الآثار على استنزاف الموارد المالية، بل تسهم هذه التجارة أيضًا في زيادة معدلات البطالة، وطرد الاستثمارات الشرعية وتفاقم فجوة العدالة الاقتصادية. كما تؤدي إلى تراجع الثقة في الاقتصاد الوطني، مما يضر بفرص جذب الاستثمارات الأجنبية.
في هذا السياق، أوضح إستيبان جوديشي، مدير البرامج في منظمة TRACITدور منظمته في التصدي لهذه الظاهرة قائلًا: "TRACIT تعمل بشكل وثيق مع الشركاء المحليين في جنوب أفريقيا لتفعيل نموذج شراكة متعددة الأطراف، يشمل الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني.
نحن نهدف من خلال هذا التعاون إلى بناء استراتيجية وطنية شاملة تعالج الأسباب الجذرية للتجارة غير المشروعة، بما في ذلك الفساد، وضعف تطبيق القانون، وغسيل الأموال. هذا التقرير ليس نهاية الطريق، بل بداية لمسار جاد ومستدام لمكافحة النشاطات غير المشروعة التي تقوّض أمن واستقرار الاقتصاد."
من جهته، أعرب أبراهام نيلسون، ممثل مجلس سلع المستهلكين في جنوب إفريقيا، عن أهمية التعاون مع القطاع الصناعي في حملات الكشف والتوعية، مؤكدًا أن "العقوبات وحدها لا تكفي، فالمجرمون يعودون إلى السوق مرارًا وتكرارًا".
كما دعا ليونيل أكتوبر، رئيس مجلس المناطق الاقتصادية الخاصة (SEZ) والمدير العام السابق لوزارة التجارة والصناعة، إلى ضرورة توسيع نطاق الشراكة لتشمل جميع القطاعات، محذرًا من أن "التركيز على التبغ والكحول فقط لم يعد كافيًا، وإذا لم نتحرك لاحتواء التجارة غير المشروعة، فسيستمر التوسع في الفجوة بين الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي بشكل مقلق".
ويشير التقرير إلى أن المشكلة تتفاقم نتيجة لعدة عوامل رئيسية، من بينها ضعف تطبيق القوانين، وتفشي الفساد بشكل كبير، وقلة التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية.
كما ساهمت التأثيرات السلبية لجائحة كوفيد-19 في تفشي الأنشطة غير القانونية. وتؤدي هذه الظاهرة إلى إضعاف الثقة في الاقتصاد المحلي وتقليص فرص جذب الاستثمارات الأجنبية، ما يؤثر بشكل كبير على مكانة جنوب إفريقيا إقليمياً ودولياً.
ودعا التقرير الحكومة الجنوب إفريقية إلى إعطاء الأولوية لمكافحة التجارة غير المشروعة من خلال تعزيز آليات الإنفاذ القانونية والتشريعية، وتوسيع نطاق العقوبات الجنائية لتشمل المخالفات الأكبر.
كما أوصى بتعيين منسق مشترك بين الوكالات الحكومية لمكافحة هذه الأنشطة، بالتعاون مع القطاع الخاص، بما في ذلك منظمة "الأعمال ضد الجريمة في جنوب إفريقيا" واتحاد الأعمال (BUSA).
وأوضح التقرير أهمية الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، في تتبع سلاسل التهريب وتبادل المعلومات مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
وأكد أن تعزيز التنسيق بين الهيئات الحكومية والخاصة سيكون أمرًا محوريًا في التصدي لهذه الظاهرة المتفاقمة، حيث يمكن أن تساعد هذه التقنيات في الحد من نشاطات التجارة غير المشروعة وتعزيز فعالية الإجراءات المتخذة.