الأموال
الأموال

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب: طبخة ترامب السياسية بشأن غزة واتفاقيات تطبيع جديدة

أسامة أيوب
-

قبول نتن ياهو بإيقاف حرب الإبادة مرهون بإلغاء محاكمته حسبما طالب ترامب!

بدا واضحًا أن تحركًا أمريكيًا يقوده الرئيس دونالد ترامب شخصيًا عبر اتصالات مكثفة وراء الكواليس مع الحكومة الإسرائيلية وأطراف عربية بشأن غزة، وهي الاتصالات التى سوف تتوج بالزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة نتن ياهو للعاصمة واشنطن في الساعات المقبلة واللقاء مع الرئيس الأمريكى والذى تشير التوقعات في الدوائر السياسية إلى توجهه نحو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى القطاع وإطلاق سراح الأسرى لدى حماس خاصة فى ضوء تصريحات البيت الأبيض بأن وقف الحرب فى غزة أولوية لدى الرئيس.
واقع الأمر أن كل المعطيات فى الداخل الإسرائيلى تفرض على حكومة الكيان الصهيوني إنهاء الحرب فى غزة وتوقيع صفقة لتبادل الأسرى مع حركة حماس، خاصة مع حالة الإنهاك الشديد التى يعانيها جيش الاحتلال فى مواجهة عمليات المقاومة طوال ٢٠ شهرًا، وحيث يواجه الجيش ولأول مرة تزايد حالات تهرب الجنود من الخدمة وحيث تضرر جنود الاحتياط من استمرار بقائهم فى الخدمة، فى نفس الوقت الذي تكبدت فيه إسرائيل خسائر فادحة عسكرية وبشرية بلغت ذروتها فى الحرب على إيران، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية والمالية حسبما تبدى في ارتفاع معدلات التضخم، مع الأخذ فى الاعتبار الاحتجاجات المتواصلة لأهالي الأسرى لدى حماس والذين يتهمون نتن ياهو بالتقاعس عن استعادتهم لمصالحه الشخصية للبقاء فى السُلطة وحيث يطالب الأهالى باستقالته وحكومته وإجراء انتخابات مبكرة، وحيث باتت هذه القضية تمثل ضغطًا هائلًا على نتن ياهو وحكومته وعلى النحو الذى نال كثيرًا من شعبيته.
رغم كل هذه المعطيات ومن بينها الإرهاق الذي تعرضت له إسرائيل جراء الحرب على إيران بحسب تعبير الرئيس ترامب، فإن نتن ياهو يمضى قُدمًا فى الحرب على غزة ويتهرب من توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى إذ إنه رفض أن يكون وقف إطلاق النار دائمًا ومقترنًا بانسحاب الجيش من القطاع بحسب شروط حماس، حيث يشترط أن يكون وقف إطلاق النار مؤقتًا وهو ما يعنى أنه سيستأنف الحرب بعد استعادة أسراه بل سيقدم على احتلال القطاع لتنفيذ خطته وخطة ترامب بتهجير الفلسطينيين.
<<<
لكن.. لماذا يواصل نتن ياهو العدوان وحرب الإبادة والتجويع وإذلال الفلسطينيين ويتهرب من توقيع الاتفاق وصفقة تبادل الأسرى، الإجابة التي يعلمها الجميع فى إسرائيل وفى مقدمتها المعارضة السياسية وفى خارجها هو أنه يتحسب صدور حكم قضائى فى اتهامه بالفساد يقوده إلي السجن وإلى خارج الحياة السياسية وللأبد مع ملاحظة أنه ظل يمثل أمام المحكمة طوال الفترة السابقة وحيث اعتذر الأسبوع الماضى عن عدم المثول أمام القضاة بزعم انشغاله بقضايا إقليمية مهمة وهو الاعتذار الذي قبلته المحكمة فأمهلته أسبوعًا واحدًا للمثول أمامها.
<<<
ولأن تخوف نتن ياهو من السجن ومغادرة الحياة السياسية هو العائق الحقيقى الوحيد الذي يدفعه إلى التهرب من وقف الحرب واستعادة الأسرى وإيقاف النزيف العسكرى والاقتصادى الذي أنهك إسرائيل، فإن ثمة إشارة جاءت على لسان الرئيس ترامب الأسبوع الماضى بدت طوق نجاة بقدر ما تفتح الباب أمامه للقبول بوقف الحرب على غزة، وذلك عندما أبدى الرئيس الأمريكي عدم رضائه عن محاكمة نتن ياهو الذى أشاد ببطولته وإنجازاته وانتصاراته وحيث بدت هذه الإشارة وهذه الإشادة مطلبًا من جانب ترامب لإلغاء المحاكمة.
ورغم أن حديث ترامب عن ضرورة إيقاف محاكمة نتن ياهو يعد تدخلًا فى الشئون الداخلية الإسرائيلية وفى القضاء الاسرائيلي على وجه الخصوص وعلى النحو الذي أثار الغضب والاستياء فى إسرائيل، إلا أنه نظرًا للتأييد والإعجاب الذى يحظى به جراء الدعم العسكرى والاقتصادى والمالى غير المسبوق الذى قدمه لإسرائيل فى معاركها وحروبها فى مختلف الساحات سواء فى سوريا أو لبنان أو اليمن أو غزة ثم فى الحرب على إيران، فقد يمكنه إملاء مطلبه بإيقاف محاكمة نتن ياهو على مختلف المؤسسات الإسرائيلية بما فيها مؤسسة القضاء، ومن ثم لن تكون مفاجأة إذا أصدرت المحكمة حكمًا بإيقاف محاكمة نتن ياهو.
<<<
وفي هذه الحالة فإن نتن ياهو سوف يتخلص من حمل ثقيل وعلى النحو الذى يتيح له حرية الحركة والقرار والرضوخ للمطالب الإسرائيلية الداخلية بإيقاف الحرب واستعادة الأسرى، وفى نفس الوقت الاستجابة لمطلب الرئيس ترامب، وحيث سيسوق استعادة الأسرى بوصفه انتصارًا مضافًا إليه الانتصار المزعوم على حركة حماس وإضعافها والأهم تسويقه للانتصار على إيران ومنعها من امتلاك السلاح النووى وحماية إسرائيل من التهديد الوجودى، وحيث ستمثل تلك الانتصارات المزعومة مع إلغاء محاكمته مسوغاته لتبرير إيقاف الحرب.
الانتصار الأهم الذى يهديه ترامب إلى نتن ياهو ليتوج به انتصاراته سيكون عقد اتفاقيات تطبيع مع دول عربية غير الموقعة على اتفاقيات مماثلة فى ولاية ترامب الأولى تحت عنوان "اتفاقيات إبراهيم"، وهذه الاتفاقيات يجري الإعداد لها فى الكواليس السياسية والإقليمية ويقودها ترامب شخصيًا، وحيث من المتوقع أن تكون سوريا ولبنان فى مقدمة الموقعين.
هذه الاتفاقيات التطبيعية التى يسعى الرئيس ترامب جاهدًا وضاغطًا للتوصل إليها سوف تمثل انتصارًا كبيرًا لإسرائيل ولرئيس حكومتها نتن ياهو يتيح له أن يعزز مكانته السياسية وحيث يعتبر نفسه بطلًا تاريخيًا للكيان الصهيونى حقق لإسرائيل ما لم يحققه زعيم إسرائيلى من قبل، إذ نجح فى إقامة علاقات سلام مع غالبية الدول العربية وفى إنهاء العداء والصراع العربى - الإسرائيلى سبيلًا إلى تنفيذ مخططه لتغيير الشرق الأوسط، وبحيث لا يتحدث العرب بعد ذلك عن القضية والدولة الفلسطينية، وحيث تصير القضية الفلسطينية قضية إسرائيلية داخلية ويصير الفلسطينيون مجرد سكان مقيمين في إسرائيل كمواطن من الدرجة الثانية وذلك بعد تنفيذ مخطط تهجير غالبية الفلسطينيين خارج أراضيهم أوهكذا يتصور!
<<<
غير أنه غاب عن نتن ياهو وعن ترامب أيضًا أن توقيع اتفاقيات تطبيع مع الحكومات العربية لن تعترف بها الشعوب، إذ سيظل العداء مع الكيان الصهيوني المغتصب للأراضى العربية قائمًا وباقيّا، ولن ينتهى إلا باستعادة الشعب الفلسطينى لحقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية حسبما تقضى مقررات الشرعية الدولية.
إن كل ما تضمنته السطور السابقة حتى كتابتها بشأن التحرك الذي يقوده الرئيس الأمريكي ترامب لوقف الحرب على غزة يبقى مرهونا على الأرجح بإلغاء محاكمة نتن ياهو كضمانة لإقدامه على توقيع اتفاق وقف دائم لإطلاق النار فى غزة.
<<<
خلاصة القول هى أن ثمة طبخة سياسية بشأن غزة بل الشرق الأوسط كله يعدها الرئيس الأمريكى ترامب، ويبقي إنضاجها معلقًا نتيجة زيارة نتن ياهو إلى واشنطن خلال الساعات المقبلة دون إغفال للطرف الفلسطينى ممثلًا في حركة حماس ومدى قبولها لمكونات هذه الطبخة السياسية الأمريكية.