الأموال
الأموال

كُتاب الأموال

اأسامة أيوب يكتب: ترامب يحصد تريليونات الخليج ونتن ياهو يحصد أرواح أطفال غزة

أسامة أيوب
-

فى قراءة المشهد الشرق الأوسطى

القادة العرب يغيبون عن قمة بغداد وأوروبا تعتزم معاقبة إسرائيل!!

جاء قيام جيش الاحتلال الإسرائيلى وقت كتابة هذه السطور بإطلاق الرصاص على وفد دبلوماسى عالمى يضم 25 دبلوماسيا غربيا وعربيا وآسيويا خلال زيارتهم التفقدية لمخيم جنين فى الضفة الغربية مسلكا مخالفا للمواثيق الدولية التى تضمن أمن وسلامة الدبلوماسيين وتأكيدًا على أن إسرائيل صارت دولة مارقة تتحدى القوانين والأعراف الدولية والعالم وفى المقدمة حلفاؤها الأوروبيون، حيث جاء إطلاق الرصاص على الدبلوماسيين تحديا واستخفافا بالتحرك الأوروبى والتلويح بإجراءات عقابية ضد حكومة نتن ياهو مجرم الحرب بحكم المحكمة الدولية.
اللافت أن التحرك الأوروبى حتى وإن جاء متأخرًا ضد الكيان الصهيونى وجرائمه ضد الشعب الفلسطينى فى غزة من حرب إبادة وتطهير عرقى وتجويع وقتل الأطفال عمدا والذى يعد تطورا جديدا فى العلاقات الأوروبية الوثيقة بين إسرائيل وحلفائها. اللافت أنه يأتى وسط تخاذل عربى فاضح وتقاعس فادح عن القيام بأى إجراءات صارمة تفرضها مقتضيات العروبة ضد العدوان الوحشى على الشعب العربى فى فلسطين المحتلة ليس فى غزة فقط ولكن أيضا فى الضفة الغربية.
...
هذا التحرك الأوروبى والكندى من جانب الحكومات كان نتيجة لضغط الشعوب التى ظلت ولاتزال تتظاهر فى المدن والعواصم تضامنا مع عزة وشعبها وضد حرب الإبادة والتجويع التى يشنها جيش الاحتلال الصهيونى، إذ أجبرت الشعوب الحكومات على التوقف عن الصمت إزاء الجرائم الصهيونية غير المسبوقة فى التاريخ، وحيث بات من غير الممكن أن يظل الضمير الإنسانى غائبا، خاصة بعد أن تأكدت الشعوب الغربية من كذب السردية الصهيونية وحق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، ومن ثَمَّ حدثت الصحوة الأروبية التى تمثلت فى التظاهرات الحاشدة وآخرها تظاهرات لاهاى التى تعد أضخم تظاهرة تشهدها هولندا منذ عقود.
...
هذه الصحوة الأوروبية تبدت بوضوح وللمرة الأولى منذ بداية الصراع العربى – الإسرائيلى فى البرلمانات الغربية.. البريطانية والأيرلندية والفرنسية والإسبانية والدانماركية ومن ثم فى الحكومات أيضا حسبما اتضح فى البيانات الصادرة عنها لإدانة حرب الإبادة والتجويع والتى أدانت ممارسات إسرائيل العدوانية ضد الفلسطينيين حتى من قبل طوفان الأقصى الذى تتخذه حكومة نتن ياهو ذريعة لتبرير جرائمها الحالية منذ نحو 20 شهرًا.
ثم إن هذا التحرك الأوروبى يمثل لطمة سياسية وإنسانية وحضارية للولايات المتحدة بقيادة ترامب المخادع المتواطئ مع إسرائيل الذى أخل باتفاقه مع حماس بعد مفاوضات مباشرة لإطلاق سراح الأسير الإسرائيلى الأمريكى عيدان ألكسندر مع تعهد بوقف العدوان على غزة، إذ لم يقم بأى ضغط على نتن ياهو لوقف العدوان والتجويع رغم أنه الوحيد فى العالم القادر على لجم إسرائيل.
...
لقد ارتفع سقف التوقعات بوقف حرب الإبادة والعدوان الصهيونى على غزة قبيل جولة ترامب الخليجية الأخيرة والتى بدأت بالعاصمة السعودية الرياض، غير أنها انتهت بعد ثلاثة أيام بينما لم يشر ترامب ولو بكلمة واحدة صريحة عن غزة باستثناء عبارة واحدة وهى أن غزة تستحق مستقبلا أفضل بعد أن شهدت حربا وحشية وهى عبارة مبهمة تحمل أكثر من معنى بل إنها أقرب إلى معنى تهجير أهل غزة وهو المعنى الذى كشف عنه مجرم الحرب نتن ياهو يوم الأربعاء الماضى فى أول مؤتمر صحفى بقصره منذ 5 أشهر حيث تحدث عن تطبيق خطة ترامب للتهجير الطوعى للراغبين فى مغادرة غزة!!
لقد عاد ترامب إلى أمريكا بعد جولته الخليجية التى حظى خلالها باستقبالات حافلة ومحملًا بأكثر من 4 تريليونات من الدولارات وهى مبالغ فاقت ما كان يستهدف ابتزازه من الأموال الخليجية العربية فكانت تزيدا عربيا فى الكرم والسخاء دون أن يقابل هذا السخاء موقف أمريكى عادل لإنقاذ الشعب الفلسطينى فى غزة من حرب الإبادة والتجويع.
...
المثير أن ترامب عندما أعلن فى الرياض عن قراره برفع العقوبات المفروضة على سوريا قال إنه فعل ذلك من أجل الأمير محمد بن سلمان ولى العهد واستجابة لطلبه، بل إنه زاد على ذلك بالاستجابة لطلبه أيضا بالاجتماع مع أحمد الشرع الرئيس السورى المؤقت فى لقاء ثلاثى ضم بن سلمان وترامب والشرع حسبما شاهده العالم على الشاشات.
ومع الترحيب برفع العقوبات عن سوريا الذى يصب فى صالح الشعب السورى بالضرورة، ومع تفهم دوافع ولى العهد السعودى للتوسط لدى ترامب لرفع العقوبات ومع تفهم أسباب قرار ترامب، فإنه يبقى سؤال مهم يتردد فى الشارع العربى وهو طالما أن ترامب يستجيب بهذه السهولة لطلب بن سلمان فلماذا لم يطلب منه أيضا وقف العدوان وحرب الإبادة والتجويع ضد الشعب العربى الفلسطينى، إذ إن إنقاذ الفلسطينيين وغزة لا يقل أهمية بالتأكيد بل إن له الأولوية، ولعل الإجابة لدى ولى العهد السعودى الذى دفع أكثر من تريليون دولار لترامب.
....
من المخزى أنه بينما كان ترامب يحظى بالحفاوة السعودية فى أول أيام جولته الخليجية كان مجرم الحرب نتن ياهو يصعّد عامدًا متعمدًا من عدوانه على غزة حيث بلغت أعداد الشهداء في ذلك اليوم أكثر من 140 شهيدًا ثم استمر القتل الوحشى وبأعداد غير مسبوقة قبل الجولة طوال الأيام الثلاثة، حيث كانت المفارقة المؤسفة أنه بينما تنهمر التريليونات على ترامب كانت إسرائيل تحصد مئات القتلى الشهداء، إذ بدا واضحا أن نتن ياهو يبعث برسالة إلى الفلسطينيين وإلى الشعوب العربية مفادها وبكل غطرسة أن التريليونات التى حصل عليها ترامب لن تثنى إسرائيل عن مواصلة عدوانها بل إن التصعيد سوف يتزايد.
إذا كان من المتواتر بين الشعوب العربية أن التريليونات التى حصل عليها ترامب فى جولته الخليجية هى ثمن حماية العروش بحسب تهديداته المتغطرسة أثناء ولايته الأولى، ومع تفهم هذا المبرر لاضطراره قادة الخليج لدفع هذا الثمن الكبير، فإن السؤال لماذا لا يتضمن الثمن حماية الشعب الفلسطينى طالما أن من حصل على تلك الأموال العربية الباهظة قادر على لجم إسرائيل وبذلك يحقق دافعو التريليونات الهدف الشخصى ومعه هدف عربى تفرضه العروبة والإسلام أيضا!
...
إن التاريخ العربى سوف يتوقف طويلا أمام ما شهدته جولة ترامب الخليجية من هوان عربى وتخاذل مشين عن نصرة شعب عربى أعزل يباد ويقتل أطفال قصفًا بالطائرات والدبابات وتجويعًا على ذلك النحو من الخسة والهمجية حسبما يشاهد العالم على الهواء مباشرة، فى نفس الوقت الذى تهدر فيه الأموال العربية بكل السفه وتدفع لترامب المخادع المتآمر مع الكيان الصهيونى ورئيسه مجرم الحرب نتن ياهو لإبادة الشعب الفلسطينى وقتل أطفاله عمدًا حتى لا يواصلوا مقاومة الاحتلال فى المستقبل حسبما يتباهى بذلك السياسيون المتطرفون الصهاينة.
...
لقد كانت القمة العربية التى عقدت فى بغداد غداة جولة ترامب الخليجية كاشفة بكل وضوح وبكل أسف لما أسفرت عنه تلك الجولة من أقصى وأقسى حالات الضعف العربى وعلى النحو الذى يؤكد حدوث خلل خطير فى المنظومة العربية ومن ثم تراجع فادح فى إمكانية وجود موقف عربى موحد حتى إزاء ما كانت توصف فى الأدبيات السياسية العربية حتى وقت قريب بقضية العرب المركزية.
لقد تبدى الإحباط العربى جليًا فى مشهد قمة بغداد حيث تحولت إلى مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزارى بعد أن غابت الأغلبية العظمى للقادة العرب عن الحضور وانخفض مستوى التمثيل إلى المستوى الوزارى، مع ملاحظة غياب كل الملوك والأمراء العرب ولذا فقد كان مستغربا أن يبدأ رؤساء الوفود كلماتهم المكتوبة مسبقاً بـ"أصحاب الفخامة.. أصحاب السمو" بينما لم يكن فى القائمة أى ملك، وهو الأمر الذى تنبه إليه الجبير وزير الدولة السعودي حيث بدأ كلمته بـ"أصحاب الفخامة"، "أصحاب السعادة".
...
إن قراءة المشهد العربى الراهن تؤكد بكل الصراحة أن جولة ترامب الخليجية والتى عاد منها محملا بالتريليونات أفرغت قمة بغداد العربية وعلى نحو لم تشهده القمم السابقة من جدواها بل من أهميتها حسبما كشف غياب القادة من الملوك والرؤساء والأمراء العرب وحسبما جاء البيان الختامى خاليا من أى موقف عربى أو تحرك جاد وصارم ضد حرب الإبادة على غزة وشعبها وحيث لاتزال الإبادة ولايزال التجويع بعد أن منعت اسرائيل دخول القدر الكافى من المساعدات بينما تستعد بحسب تصريحات نتن ياهو لاحتلال غزة بالكامل وتهجير شعبها تطبيقا لخطة ترامب رغم أنف التريليونات الخليجية العربية.