الأموال
الأموال

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب: التطبيع.. الثمن الفادح لرفع العقوبات الغربية عن دمشق

د. محمد فراج أبوالنور
-

عملية تأهيل النظام السورى الجديد للانخراط فى منظومة العلاقات الإقليمية والدولية تجرى بنشاط محموم مع اقتراب القمة العربية فى بغداد (17 مايو الجارى) وقبيل زيارة الرئيس الأمريكى ترامب إلى المنطقة خلال أيام.. وهى القمة التى سيحضرها (الجولانى/ الشرع) وتكون أول قمة عربية تشهد تمثيلًا للنظام الجديد فى دمشق.

فبعد أسابيع قليلة من إعلان بريطانيا عن بدء الرفع التدريجى للعقوبات الغربية على سوريا، وخاصة تلك العقوبات المفروضة على وزارتى الدفاع والداخلية السوريتين وأكثر من عشرين مؤسسة اقتصادية ومالية أخرى من بينها البنك المركزى.. بعد أسابيع قليلة من هذه الخطوة البريطانية ذات الدلالة الكبيرة، تجىء زيارة الرئيس الانتقالى السورى إلى باريس كاختراق سياسى ودبلوماسى كبير، حيث استقبله الرئيس الفرنسي ماكرون فى اجتماع استمر أكثر من ساعتين، ثم عقد الطرفان مؤتمرا صحفيا مطولا أعلن خلاله ماكرون عن عزم فرنسا على العمل من أجل رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا تدريجيا، مع التعهد بممارسة الضغط على الولايات المتحدة لرفع عقوباتها عن دمشق.

وبغض النظر عن قدرة فرنسا على الضغط على أمريكا، فالأمر المؤكد أن الدور القيادى لباريس فى الاتحاد الأوروبى يجعل لكلمتها وزنا مهما لدى الدول الأوروبية فى هذا الصدد، مع ملاحظة أن فرنسا هى أول دولة غربية كبرى تقيم علاقة على هذا المستوى مع السلطة الجديدة فى دمشق، وكذلك مع ملاحظة الوزن السياسى والاقتصادى المهم لباريس فى العلاقات الدولية عموما.

ويبدو أن نجاح زيارة الجولانى/ الشرع إلى فرنسا فتح شهيته لخطوة أكبر كثيرًا، فقد نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية (8/ 5/ 2025) خبرا عن تقديم طلب من (الجولانى/ الشرع) أثناء زيارة ترامب المرتقبة لدول الخليج، وكشفت الصحيفة أن الرئيس الانتقالى السورى دعا ترامب لمناقشة تفاصيل خطة لإعادة إعمار سوريا تشبه خطة المارشال الأمريكية لإعادة بناء أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، وتشمل الخطة المذكورة دخول الشركات الأمريكية الكبرى فى مجالات البترول والغاز والبنية التحتية (وكالة إرم الإماراتية – 8/ 5/ 2025) وكان (الجولانى/ الشرع) قد ناقش بعض عناصر هذه الخطة مع شخصية سياسية أمريكية من الحزب الجمهورى وصديق شخصى لترامب هو (جوناثان باس) وهو أيضا الرئيس التنفيذى لشركة أرجنت للغاز الطبيعى، ومقرها ولاية لويزيانا الأمريكية، وكان "باس" قد زار دمشق الأسبوع الماضى واجتمع بالشرع وعدد من المسئولين السوريين وناقش معهم إمكانية دخول شركات البترول والغاز الأمريكية إلى السوق السورية.

ومعروف أن الولايات المتدحة لديها شروط للبدء فى المناقشات الجدية لرفع العقوبات الأمريكية عن سوريا فى مقدمتها ألا تكون سوريا مصدرا لتهديد إرهابى للدول المجاورة وفى مقدمتها اسرائيل طبعا علمًا بأن تعريف الإرهاب لدى أمريكا لا يقتصر على "داعش" وحدها، وإنما يمتد إلى المنظمات الفلسطينية الموجودة فى البلاد، وقد قامت السلطات السورية بالفعل بإبعاد عديد من عناصر هذه المنظمات واعتقال بعضها الآخر، ومن هذه الشروط أيضا حل ونزع سلاح المنظمات الإرهابية الأجنبية المتحالفة مع "النُصرة" منذ مرحلة الحرب الإرهابية الكونية ضد نظام الأسد (2011 – 2024) والتصفية التامة لأي وجود لمنظمات أو اتجاهات موالية لإيران أو متصلة بحزب الله وكذلك احترام حقوق الأقليات الدينية والقومية والتوصل إلى تسوية للمشكلة الكردية بالتفاهم مع "قسد" وهى بالمناسبة شروط غربية عامة، كما أنها شروط إسرائيلية تضيف إليها تل أبيب شروطا أخرى ستجىء إليها.

مفاوضات سرية!

افتضح خلال الأيام القليلة الماضية أمر مفاوضات سرية تجرى بين النظام الانتقالى فى سوريا والكيان الصهيونى منذ شهر إبريل الماضى حول التعاون فى المجال الأمنى والاستخباراتى وذلك بوساطة إماراتية، وقد بدأت هذه المفاوضات أثناء زيارة (الجولانى/ الشرع) لدولة الإمارات العربية فى 13 إبريل الماضى، حيث كان يوجد وفد استخباراتى إسرائيلى (المصدر: جريدة الاتحاد الإماراتية – وكالة رويترز البريطانية 7/ 5/ 2025).

وبديهى أن يكون الموضوع الأساسى لهذا التعاون الاستخباراتى والأمنى ضد الوجود الفلسطينى وأى عناصر موالية لحزب الله فى سوريا، كما أن البديهى هو أن هذا التعاون الاستخباراتى هو خطوة على طريق "تطبيع" العلاقات بين الطرفين بغض النظر عن احتلال الكيان الصهيونى لسبعمائة كم مربع فى جنوب غرب سوريا بعد سقوط نظام الأسد فى شهر ديسمبر الماضى، وكذلك بغض النظر عن المخططات الصهيونية لإثارة الفتنة الطائفية فى المناطق الدرزية، وإعلان تل أبيب نفسها كحامية للدروز فى الجنوب الغربى السورى (محافظة السويداء) وتحذيرها لسلطات دمشق الجديدة من إرسال أى قوات باتجاه المناطق الدرزية أو جنوبى دمشق عموما، بل وقصف منطقة مجاورة للقصر الرئاسى فى دمشق كـ"رسالة تحذير" للنظام الجديد فى سوريا فى حال مخالفة هذه "التعليمات"!

وتشير كل تصريحات "الجولانى/ الشرع" إلى عدم رغبته فى الدخول فى أى صراع مع تل أبيب بالرغم من كل ما ذكرناه، والتأكيد على حرصه على العلاقات السلمية مع العدو الصهيونى واستمرار المفاوضات السرية الاستخباراتية بالرغم من كل الاستفزازات الصهيونية، إلى أن العلاقات بين الطرفين تسير فى طريقها المرسوم، ووفقا للشروط الإسرائيلية، وواضح أن هذا الموقف من جانب إدارة "الجولانى/ الشرع" هو أحد أوراق اعتمادها الهامة لدى أمريكا والغرب، وهو ما يدعونا للتحذير من وقوع "مفاجأة" انضمام تلك الإدارة إلى ركب "التطبيع" و"السلام الإبراهيمى" مع العدو الصهيونى خلال وقت قد لا يطول.