الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 06:02 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : الاتفاق السعودى- الإيرانى.. اختراق صينى كبير للشرق الأوسط

د. محمد فراج  أبوالنور
د. محمد فراج أبوالنور

الإعلان عن الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران خلال شهرين خبر بالغ الأهمية على المستوى الإقليمى، وفى الوقت نفسه فإن التوصل إلى هذا الاتفاق بوساطة ورعاية صينية يعطى الخبر بعدًا دوليًا هامًا، لأنه يشير إلى عمق الاختراق الذى حققه النفوذ الصينى فى الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربى التى ظلت لعقود طويلة مجالاً تقليدياً شبه حصرى للنفوذ الأمريكى، ومما له دلالة لا يمكن تجاهلها أن الاتفاق يجىء فى وقت يشهد مساعى أمريكية حثيثة لإحكام الحصار حول إيران، وأنشطة أمريكية وإسرائيلية معلنة تهدف إلى إسقاط نظام الملالى فى طهران أو إحداث تغييرات جذرية فى طبيعته.
البيان الذى تضمَّن الإعلان عن الاتفاق صدر فى بكين «١٠ مارس المنقضى» وحمل توقيعات ثلاثة من المسئولين رفيعى المستوى فى البلدان الثلاثة (المسئول عن الشئون الخارجية فى المكتب السياسى للحزب الشيوعى الصينى، ومستشار الأمن الوطنى السعودى ومستشار الأمن القومى الإيرانى) بعد محادثات محاطة بالسرية استمرت لعدة شهور، وأشار البيان إلي أن هذه المحادثات جرت بناء على اتفاق بين الرئيس الصينى شى جين بينج والقيادتين السعودية والإيرانية.
ونص البيان على استئناف العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء خلال مدة أقصاها شهران، بين الرياض وطهران، وعلى تأكيد التزام البلدين باحترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، كما نص على تفعيل اتفاقية التعاون الأمنى بينهما، السابق توقيعها عام ٢٠٠١ والاتفاقية العامة للتعاون فى مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا والعلوم والثقافة والرياضة والشباب (١٩٩٨)، وأعربت السعودية وإيران عن شكرهما للعراق وسلطنة عمان على استضافتهما لجولات الحوار بينهما خلال عامى ٢٠٠١ و٢٠٠٢، ومعروف أنها جولات لم تحقق نتائج بارزة، لكن المؤكد أنها كانت بمثابة تمهيد للطريق أمام النجاح الكبير الذى تحقق فى بكين.
عالم يتغير ودلالات هامة
الاختراق الذى حققته الصين فى التقريب بين السعودية والصين هو تطور حافل بالدلالات فى عام تتغير خريطة علاقات القوى فيه لغير صالح الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية والغربية، ويشهد تصاعدًا متزايدًا لقوة الصين الاقتصادية والعسكرية، وتطلعًا من جانب بكين لترجمة هذه القوة الاقتصادية والعسكرية إلى نفوذ سياسى ودور فى إدارة شئون العالم من خلال التعددية القطبية ومنافسة القطب الأمريكى الغربى.
وفى هذا الإطار جاءت «مبادرة الحزام والطريق» الصينية ذات الطابع الكونى، وجاء اهتمام الصين بتشكيل مجموعات إقليمية ودولية بالتحالف مع روسيا بالدرجة الأولى مثل منظمة شنغهاى للأمن والتعاون ومجموعة البريكس، وفى هذا الإطار أيضًا جاء التطور الكبير فى علاقات الصين السياسية بمنطقة الخليج والشرق الأوسط، والذى جسدته القمم الثلاث التى انعقدت فى السعودية فى ديسمبر الماضى (٢٠٢٢) أثناء زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج إلى المملكة (القمة السعودية- الصينية، والقمة الخليجية الصينية، والقمة العربية- الصينية)، كما جاء المبادرة الصينية للتقريب بين السعودية وإيران سعيًا لتحقيق الاستقرار فى هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة، والمصدر الرئيسى لإمدادات الطاقة إلى الصين، والسوق ذى الأهمية البالغة للبضائع (والاستثمارات) الصينية، والمصدر القابل للتطور السريع والواسع لتدفق رؤوس الأموال إلى الصين من الفوائض البترولية الضخمة، خاصة فى ظل المتغيرات الدولية المتلاحقة، وإدراك قادة الدول العربية بمن فيهم الدول الخليجية لأهمية تنويع خيارات بلادهم الاستراتيجية، بما فيها خيارات توجيه فوائضها الضخمة لأسواق أكثر أمنًا واستقرارًا، وتفادى المخاطر التى تتعرض لها هذه الفوائض فى الولايات المتحدة والدول الغربية، سواء بسبب تقلبات الأسواق المالية وأسعار صرف العملات، أو بسبب المخاطر السياسية فى حالة اختلاف بلادهم مع الغرب، وخاصة بعد تجميد مئات المليارات من الأرصدة والاستثمارات الروسية فى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية.
الصين.. لماذا؟
تملك الصين علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع كل من السعودية ودول الخليج العربية الأخرى، ومع إيران، كما تملك علاقات تعاون عسكرى وإمدادات بالسلاح والتكنولوجيا العسكرية مع كل من السعودية وإيران.
والصين هى الشريك التجارى الأول للمملكة العربية السعودية، تليها أمريكا، وقد بلغ حجم التبادل التجارى بينهما أكثر من (٨٧ مليار/ سبعة وثمانين مليار دولار) عام ٢٠٢١، منها أكثر من ثلاثين مليار دولار صادرات صينية للسعودية (٣٠ مليار دولار) وسبعة وخمسين مليار دولار (٥٧ مليار دولار) صادرات سعودية للصين، أغلبيتها الساحقة من البترول، حيث تصدر السعودية للصين (١٨٪ ـ ثمانية عشرة بالمئة) من احتياجاتها البترولية، الأمر الذى جعلها المصدر الأول لاحتياجات الصين من البترول، كما تشارك السعودية باستثمارات في صناعة التكرير والبتروكيماويات الصينية، إلاّ أن الاستثمارات السعودية فى الصين لاتزال محدودة. والأمر الأهم هو أن العلاقات الاقتصادية تنمو بوتائر متسارعة بين البلدين، وقد أشرنا إلى الدور الذى لعبته زيارة الرئيس الصينى إلى السعودية، والقمم الثلاث التى عقدها هناك، بما يجعل المراقبين يتوقعون أن تكون هذه الزيارة نقطة انعطاف نحو مزيد من تطور العلاقات بين البلدين، وقد دعمت الصين مؤخرًا انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاى للأمن والتعاون «كشريك حوار».
أما بالنسبة لإيران فلديها هى الأخرى علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وثيقة مع الصين، وتشير مصادر كثيرة إلى أن الصين هى الشريك التجارى الأول لإيران، التى تمدها أيضا بقسم كبير من صادراتها البترولية، كما توجد استثمارات صينية فى إيران، إلاّ أن عدم رغبة الصين فى اصطدام شركاتها بالعقوبات الأمريكية والغربية يجعل بكين تحجم عن نشر بيانات دقيقة حول علاقاتها الاقتصادية والتجارة مع إيران، وهو ما يجعلنا بدورنا نحجم عن اعتماد بيانات محددة فى هذا الصدد، وإن كان معروفًا على نطاق واسع أن الصين هى أكبر الدول التى تساعد إيران على الالتفاف على العقوبات الأمريكية والغربية، بما يجعل مراقبين كثيرين يعتبرون بكين هى الشريك التجارى والاقتصادى الأول لطهران، فضلا عن العلاقات السياسية الوثيقة وعلاقات التعاون العسكرى.
وقد انضمت إيران رسميًا إلى منظمة شنغهاى كعضو دائم، كما قدمت طلبًا للانضمام إلى مجموعة البريكس.
وتعتبر الصين وروسيا أهم حلفائها الدوليين، كما تدرك طهران جيدًا أهمية وضخامة علاقات الصين الاقتصادية بدول الخليج العربية، والتعزيز المستمر والعلاقات السياسية بين الطرفين، وتمثل هذه الاعتبارات أوراق ضغط فى يد بكين لإلزام طهران بما يتم الاتفاق عليه فى إطار مساعى التصالح بينها وبين السعودية برعاية صينية.
ومن ناحية فإن طلب الرياض للوساطة الصينية مع إيران أو قبولها بهذه الوساطة يجىء في سياق أشمل هو توجه السعودية إلى تنويع خياراتها الاستراتيجية لتشمل الصين «وروسيا» انطلاقًا من إدراك الرياض للمتغيرات الدولية والإقليمية، وضرورة التحرر من الارتباط التقليدى بالولايات المتحدة والغرب، سعيًا لتحقيق المصالح السعودية، وبعد تجارب مريرة مع واشنطن وسياستها الخارجية التى لا تبالى بمصالح حلفائها.
ويكفى هنا أن نشير- على سبيل المثال- إلى الخسائر الفادحة التى تعرضت لها السعودية ودول الخليج الأخرى بسبب الضغوط الأمريكية المتكررة لزيادة إنتاج البترول دون مقتضى من احتياجات الاستهلاك مما كان يؤدى إلى إغراق الأسواق وانهيار الأسعار لفترات طويلة، وهو ما حدث عام ٢٠١٤ مثلا بسبب رغبة الولايات المتحدة في معاقبة روسيا على استعادة شبه جزيرة القرم.
ومعروف أن استخلاص خبرة هذه التجربة قد انتهى إلى الاستجابة للمبادرة الروسية بتأسيس صيغة (أوبك+) وخفض الإنتاج بالاتفاق بين (الأوبك) والدول المنتجة الأخرى وفى مقدمتها روسيا، مما أدى لاستعادة توازن الأسواق وارتفاع أسعار البترول.
ومعروف كيف حاول الرئيس الأمريكى بايدن الضغط على السعودية ودول (أوبك) لزيادة الإنتاج بعد اشتعال الحرب فى أوكرانيا، لكن الرياض و(أوبك+) رفضت الضغوط الأمريكية، بل وخفضت الإنتاج بواقع (مليونى برميل يوميًا) للحفاظ على توازن الأسعار.
** ومن ناحية أخرى فإن المخاطر الكبيرة التى تتعرض لها ودائع واستثمارات الدول المنتجة للبترول فى الولايات المتحدة والدول الغربية الكبري (فوائض البترودولار) نتيجة لاضطرابات أسعار الصرف وأسواق المال، كما حدث أثناء الأزمة المالية العالمية (٢٠٠٨/ ٢٠٠٩) قد دفعت الدول البترولية للبحث عن أسواق جديدة لاستثماراتها وودائعها، وفى هذا المجال يقدم السوق الصينى الهائل (وأسواق النمور الآسيوية وغيرها) فرصا ممتازة.
<<< كما أن تجميد أمريكا والدول الغربية لمئات المليارات من الأموال الروسية بعد اندلاع الحرب فى أوكرانيا كان بمثابة جرس إنذار للدول البترولية ــ وفى مقدمتها السعودية بشأن المخاطر التى يمكن أن تتعرض لها أموالها فى بلدان الغرب في حالة نشوب خلاف معها حول أى قضية.. ومرة أخرى تبرز الصين والأسواق الناشئة كبدائل مناسبة أكثر أمنا واستقرارا، خاصة مع التطور الكبير لاقتصادات هذه البلدان، وما تتيحه من فرص استثمارية جيدة.
>>> ولابد من الإشارة هنا إلى المحادثات الجارية بين السعودية والإمارات من ناحية والصين من ناحية أخرى حول إمكانية التبادل التجارى بالعملات الوطنية، بما فى ذلك شراء البترول، وهى خطوة من شأن التوصل لاتفاق حولها أن تمثل ضربة لا يُستهان بها لهيمنة الدولار الأمريكى على التجارة العالمية، علمًا بأن اليوان الصينى أصبح عملة معترفًا بها من جانب صندوق النقد الدولى، كما أن الريال السعودى والدرهم الإماراتى عملتان تستندان إلى اقتصادين كبيرين قويين، وإن لم يكونا من العملات المعترف بها من جانب الصندوق.
ترحيب خليجى بالدور الصينى
كل هذه الاعتبارات، بالإضافة إلى سياسة الصين الخارجية المتوازنة والمتزنة، والأكثر ثباتًا على المستوى الدولى وفى منطقة الشرق الأوسط، وعلاقات بكين القوية بطهران دون انحياز إلى مواقفها المتطرفة والجامحة، ساهمت فى تعزيز ثقة الدول الخليجية- وفى مقدمتها السعودية- بالصين وترحيبها بدور أكبر لبكين فى المنطقة، بما فى ذلك الترحيب بالوساطة الصينية فى قضية الصراع بين السعودية وإيران، وهي إحدى أكثر قضايا المنطقة تعقيدًا وتشعبًا، حيث تمتد أبعادها لتشمل اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ولابد أن نلاحظ هنا أن الصين ليست متوسطة فى دعم الموقف الإيرانى تجاه أى من هذه البلدان العربية الأربعة. كما يجب أن نلاحظ أن بكين لديها أوراق للضغط (الهادئ.. وعلى الطريقة الصينية) على طهران بسبب العلاقات الوثيقة والمتشابكة بينهما، واحتياج إيران الكبير إلى دعم الصين فى مواجهة العقوبات الأمريكية والغربية الواسعة عليها، وهو دعم يمتد من المجال العسكرى والتقنى إلى المجالات الاقتصادية والتجارية، وإلى عديد من المجالات السياسية، مع ملاحظة أن التوجهات الأساسية للسياسة الخارجية الصينية تمنع بكين من التورط فى دعم الأطماع التوسعية العدوانية فى دول كاليمن أو العراق، وهو موقف تمليه أيضًا ضرورة الحفاظ على المصالح الصينية الكبيرة مع دول الخليج.
>>> ويؤدى بنا ذلك كله إلى توقع نجاح الاتفاق بين السعودية وإيران برعاية الصين- والذى حمل توقيع ممثلين رفيعى المستوى عن الدول الثلاث- فى حلحلة الأوضاع المتأزمة بين الدولتين والبدء فى التحرك نحو تسويتها.

مصر للطيران
د. محمد فراج الاتفاق السعودى الإيرانى.. اختراق صينى كبير للشرق الأوسط

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE