الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 02:54 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : أزمة الغذاء العالمية.. الأسباب الحقيقية وسبل ‏المواجهة (٣-٣‏‎)

د.محمد فراج أبو النور
د.محمد فراج أبو النور


سد الفجوة الغذائية.. ضرورة قصوى للأمن ‏القومى المصرى


تحدثنا فى المقالين السابقين من هذه السلسلة ‏‏«الأموال- ١٩ و٢٦ يونيو» عن مظاهر وأسباب ‏أزمة الغذاء العالمية الحالية.. وأشرنا فى عجالة ‏إلى الأسباب العامة لتكرار الأزمات الغذائية ‏بصورة شبه دورية، ثم ركزنا على أسباب الأزمة ‏الأخيرة، وأكدنا أن تحليل الأسباب الحقيقية ‏للأزمة وإبعادها عن التسييس وتوجيه الاتهامات ‏إلى هذا الطرف أو ذاك بالتسبب فى حدوثها- ‏بصورة غير صحيحة- أمر ضرورى للغاية ‏ليمكن التعامل بصورة موضوعية مع الأزمة ‏وإزالة أسبابها، بما يحقق إنقاذ عشرات أو مئات ‏الملايين من البشر من مخاطر المجاعة أو ‏انخفاض مستوى الأمن الغذائي بصورة خطيرة، ‏فيما يؤدى التضليل عن الأسباب الحقيقية إلى ترك ‏الأزمة تستفحل، بعيداً عن معالجة الأسباب التى ‏أدت إليها‎.‎
وأوضحنا أن الأزمة الحالية بدأت بالفعل مع تفشى ‏وباء «كورونا»، وما صاحبه من إغلاقات ‏للمؤسسات الاقتصادية، وارتباك فى حركة النقل ‏والتجارة العالمية، وانقطاعات فى سلاسل ‏التوريدات، ثم زيادة التضخم فى اقتصادات الدول ‏البرى، وانتشاره عبرها فى الاقتصاد العالمى كله، ‏مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية بدرجة ‏كبيرة‎.‎
وأوضحنا أن نشوب الحرب الأوكرانية قد أدى ‏إلى تفاقم الأمة بحكم أن روسيا هى أكبر مصدر ‏للقمح فى العالم وأوكرانيا هى خامس المصدِّرين، ‏نصيب إجمالى الدولتين يبلغ نحو ٣٠٪ فضلا عن ‏إسهامهما بنحو ٢٧٪ من تجارة الشعير العالمية ‏و١٧٪ من تجارة الذرة الصفراء، التى تحتل ‏حوالى ٧٥٪ من أعلاف المواشى والدواجن فضلا ‏عن إسهامهما بحوالى ثلاثة أرباع تجارة زيت ‏عباد الشمس، بالإضافة إلى مساهمة روسيا ‏بـ١٥٪ من صادرات الأسمدة الآزوتية و١٧٪ من ‏تجارة أسمدة البوتاسيوم «الأموال- ٢٦/ ٦/ ‏‏٢٠٢٢‏‎».‎
كما أوضحنا دور العقوبات الغربية فى إعادة ‏تصدير القمح الروسى فى ارتباط ذلك بإحجام ‏السفن عن نقل السلع الروسية عموما، بسبب ‏خطورة الوضاع فى البحر الأسود، فى ظل امتناع ‏شركات التأمين وإعادة التأمين عن التعامل مع ‏البنوك الروسية بسبب إبعاد أغلب هذه البنوك عن ‏منظومة «سويفت» لتسوية المدفوعات، مما أدى ‏لخفض شحنات القمح الروسية بدرجة كبيرة‎.‎
كما أدى تلغيم أوكرانيا لموانئها لمنع السفن ‏الروسية من دخولها، وكذلك حصار الأسطول ‏الروسى لتلك الموانئ إلى إعاقة الطريق الرئيسية ‏لتصدير القمح الأوكرانى (٨ - ٩٪ من الصادرات ‏العالمية)، وتحويل التصدير إلى موانئ رومانيا، ‏وإلى التصدير بالطريق البرى عبر بولندا والمجر ‏وسلوفاكيا، ما أثر على سهولة وصول الشحنات ‏الأوكرانية إلى الأسواق العالمية
غير أننا رفضنا بصورة واضحة تحميل روسيا ‏المسئولية عن الأزمة بصورة أساسية، فضلا عن ‏المبالغات من قبيل ارتكابها «جريمة حرب ‏غذائية» و«تجويع العالم» بسبب بضعة ملايين من ‏الأطنان يتعطل تصديرها عن طريق الموانئ ‏الأوكرانية، وأشرنا إلى دور العقوبات الغربية في ‏مفاقمة أزمة الطاقة والغذاء، وارتفاع نسبة ‏التضخم فى الاقتصاد العالمى إلى مستويات لم ‏تحدث منذ أربعين عاما، الأمر الذى أدى إلي ‏ارتفاع أسعار القمح مثلا بنسبة بلغت ٦٥٪ ـ ‏خمسة وستين بالمائة» وارتفاع أسعار زيت ‏الطعام بنسبة بلغت (٧٥٪ ـ خمسة وسبعين ‏بالمائة) فضلاً عن ارتفاع تكلفة الشحن بسبب ‏جنون أسعار الطاقة، وذلك بحلول نهاية مايو ‏‏٢٠٢٢ «سكاي نيوز عربية- ١٤/ ٦/ ٢٠٢٢- ‏حديث للخبير الاقتصادى الزراعى الدكتور نادر ‏نور الدين- نقلا عن أرقام المؤسسات الدولية ‏المتخصصة‎».‎
الحل فى أيديهم
ومن ناحية أخرى فإن الدول الغربية الكبرى ‏والغنية تسيطر على حوالى ٧٠٪ (سبعين بالمائة) ‏من تجارة القمح العالمية، وتستفيد من ارتفاع ‏أسعاره، إذ تُشير الأرقام إلى أنه إذا كانت روسيا ‏قد ساهمت بـ٣٧ مليون طن وساهمت أوكرانيا ‏بـ١٨ مليون طن حسب أرقام عام ٢٠٢٠ فإن كلا ‏من أمريكا وكندا ساهمت بـ٢٦ مليون طن بمجموع ‏‏٥٢ «اثنين وخمسين مليون طن للدولتين» وفرنسا ‏بحوالى ٢٠ مليون طن «عشرين مليون طن» ‏واستراليا بأكثر من ١٠ ملايين طن «عشرة ‏ملايين» وكذلك الأرجنتين «عشرة ملايين طن» ‏وألمانيا بأكثر من تسعة ملايين طن «المصدر: ‏الدستور ٣/ ٦/ ٢٠٢٢ نقلا عن الفاينانشيال ‏تايمز».. أى أن الدول المذكورة تسيطر على أكثر ‏من نصف تجارة القمح العالمية، وبما يقترب من ‏ضعف مجموع صادرات روسيا وأوكرانيا معًا.. ‏فأين دورها فى إنقاذ العالم من المجاعة؟
لهذا رأينا أن زعماء الدول النامية والفقيرة الذين ‏كانوا مدعوين لحضور قمة الدول الصناعية السبع ‏الكبرى‎ GO7 ‎ كضيوف قد طالبوا الولايات ‏المتحدة وكندا بصراحة ووضوح بالإفراج عن ‏مخزونات القمح الهائلة لديهما وبيعها للدول ‏النامية بأسعار مخفضة للحيلولة دون حدوث ‏مجاعة، خاصة فى بعض الدول الأفريقية، إذ ‏كانت القمة جادة في طرح حلول لهذه الأزمة ‏‏«وننقل هنا بالنص عن جريدة الأهرام - ٢٨ يونيو ‏‏٢٠٢٢- الأهرام ووكالات الأنباء» وقد ‏ذكرنا أعلاه أن الولايات المتحدة وكندا وحدهما ‏تساهمان بما يقارب مجموع صادرات روسيا ‏وأوكرانيا معا.. وإذا أضفنا مساهمة فرنسا «٢٠ ‏مليون طن» وألمانيا واستراليا والأرجنتين ‏‏«عشرة ملايين طن لكل منهما» فسيتضح لنا على ‏الفور أن الدول الغربية الكبرى والغنية وخاصة ‏أمريكا وكندا وفرنسا وألمانيا ـ قادرة علي تغطية ‏أى نقص مؤقت فى الأسواق، خاصة وأن لديها ‏مخزونات هائلة، كما أشار ضيوف قمة السبع ‏الكبار، وأن لديها كلها القدرة على نجدة الدول ‏الفقيرة والأشد فقرا فى افريقيا وجنوب آسيا «مثل ‏سريلانكا، وبنجلاديش، ونيبال وبورما» بدلا من ‏ذرف دموع التماسيح على عشرات الملايين الذين ‏يواجهون المجاعة‎!‎
والواقع أن فى ظل الارتفاع الكبير للغاية فى ‏أسعار القمح والحبوب وغيرها من السلع الغذائية ‏فإن وضع الدول الفقيرة والأشد فقرًا بل وبعض ‏الدول متوسطة الدخل من الشريحة الأدنى قد ‏أصبح بالغ الصعوبة، الأمر الذى يقتضى تقديم ‏مساعدات دولية عاجلة وسخية إليها، وأن يتم هذا ‏خارج الأطر التقليدية محدودة الأثر، لأن حجم ‏الأزمة كبير وموارد الدول الفقيرة تعجز عن ‏المواجهة الفعالة للمشكلة‎.‎
وعلاوة على المساعدات السخية والمنسقة، فإن ‏الدول الغنية ومنظمات التمويل الدولية مدعوة ‏لتأجيل سداد القروض المطلوبة من الدول الفقيرة، ‏وشطب أجزاء ملموسة منها‎.‎
كما أنه لابد من تخفيف جذرى لشروط مؤسسات ‏التمويل الدولية وخاصة صندوق النقد الدولى ‏و«روشتته» الشهيرة المفرضوة على السياسات ‏الاقتصادية والاجتماعية للدول النامية، مقابل ‏حصولها على القروض، مثل رفع الدعم عن ‏السلع الأساسية والسلع الغذائية بصورة أخص، ‏ولو لعدة سنوات، وإلاّ فإن العواقب الإنسانية ‏والاجتماعية ـ بل والسياسية ــ ستكون وخيمة، ‏وسيدفع ثمنها العالم كله، فى صورة اضطرابات ‏مؤثرة على الاستقرار السياسى، وهجرات ‏اقتصادية غير شرعية، وحركات نزح واسعة ‏داخل الدول‎.‎
مصر والفجوة الغذائية
والواقع أن تكرار الأزمة الغذائية العالمية خلال ‏أقل من عقدين (٢٠٠٨ - ٢٠١٦ ثم الأزمة ‏الحالية) بفرض على الدول النامية مثل مصر ‏‏«فضلا عن الدول الفقيرة والأشد فقرًا» انتهاج ‏سياسات اقتصادية وخاصة فى مجال الزراعة ‏تساعدها على سد الفجوة الغذائية خلال أقصر ‏فترة ممكنة، لأن تكرار الأزمات الغذائية العالمية ‏يمكن أن يفرضها لأوضاع بالغة الصعوبة ليس ‏من الزاوية الاقتصادية والاجتماعية فحسب.. على ‏أهميتها البالغة بل وأيضا من الناحية السياسية، ‏سواء من ناحية الاستقرار وعلاقته بالأمن ‏القومى، بل وأيضا من ناحية تعرضها لضغوط ‏على إرادتها واستقلالها، حتى لو توافرت ‏الأموال، لأن تجارة السلع الغذائية ليست مجرد ‏مسألة تجارية، بل إن لها أبعادها السياسية ‏والاستراتيجية، خاصة وأن كبرى الدول المنتجة ‏للسلع الغذائية الأساسية فى العالم هى إما دول ‏كبرى «كالولايا المتحدة والصين وروسيا وفرنسا ‏وغيرها» أو أنها دول مرتبطة بتحالفات دولية ‏وعلاقات متشابكة مع الدول الكبرى،، مما يجعلها ‏عرضة للتأثير على مواقفها‎.‎
وبالنسبة للدول العربية بما فيها مصر فإن الأرقام ‏تشير إلى أنها تستورد حوالى ٦٥٪ من احتياجاتها ‏من السلع الغذائية الاستراتيجية «الأهرام ـ ٣٠ ‏مارس ٢٠٢٢» وهو رقم يمثل وضعا غير مريح ‏على الإطلاق بالنسبة للأمن الغذائى الذى يمثل ‏أحد الوجوه بالغة الأهمية للأمن القومى، مما ‏يستوجب ضرورة الاهتمام بالتعامل معه وتعديله ‏بأسرع ما يمكن‎.‎
والمؤكد أن هذا يتطلب ضرورة إعادة هيكلة ‏الزراعة لصالح إنتاج السلع الأكثر أهمية ‏‏«وخاصة القمح والأرز والذرة والذرة الصفراء، ‏والحبوب الزيتية مثل عباد الشمس وغيرها، من ‏ناحية والنظر فى إعادة توزيع الاستثمارات بما ‏يحقق هذا الهدف، والأمن الغذائى عموما من ‏ناحية أخرى‎.‎
فنحن نستورد حوالى ١٢ مليون طن من القمح ‏سنويا، أى حوالى ثلثى استهلاكنا، وهذا وضع ‏يجيب تغييره من خلال التوسع فى زراعة القمح ‏علي حساب محاصيل أقل أهمية، وكذلك من ‏خلال التوسع الرأسي بتطوير الإنتاجية‎.‎
وإذا كنا وضعنا آمنا من حيث احتياطيات القمح ‏بالرغم من الأزمة العالمية، إلاّ أن تكلفة الاستيراد ‏الكبير فى ظل ارتفاع الأسعار تمثل عبئا على ‏اقتصادنا، وضغطا على مواردنا من العملة ‏الصعبة، وهذا وضع غير مريح‎.‎
من ناحية أخرى فإن تشجيع الفلاحين على زراعة ‏القمح وتوريد أكبر نسبة ممكنة من الإنتاج يقتضى ‏رفع أسعار شراء المحصول منهم وهنا نلاحظ أن ‏سعر شراء الدولة للأردب من أفضل نوعية ‏‏«نقاوة ٢٣.٥ قيراط» يبلغ ٨٨٥ جنيها للأردب ‏‏«وزن ١٥٠كجم» هذا الموسم، أى أن سعر شراء ‏الطن من الإنتاج المحلى أقل قليلا من سبعة ‏أرادب يبلغ حوالى ٥٩٠٠ جنيه، بينما يبلغ ثمن ‏الطن عند تاجر الجملة ٨٣٠٠ جنيه من القمح ‏الروسى والألمانى والليتوانى (٨٢٥٠ جنيها) للطن ‏من القمح الأوكرانى «الدستور ـ ١٢ مايو بالنسبة ‏لأسعار التوريد المحلية، ومصراوى ومباشر ‏وغيرها» ـ «وموقع أسواق» بالنسبة لأسعار القمح ‏المستورد، ويعنى هذا أننا ندفع ثمنا للطن من ‏القمح المستورد أكثر بـ٢٤٠٠ جنيه مما دفع ثمنا ‏للقمح المحلى، وهذا يعنى أننا ندعِّم الفلاح الأجنبى ‏على حساب الفلاح المصرى، وهو وضع ينبغى ‏تعديله تشجيعا للفلاح على زراعة القمح وعلى ‏توريده للدولة، لأن بعض الفلاحين يمكن أن ‏يستخدموا جزءا من إنتاجهم كعلف للمواشى! ‏نظرا لارتفاع أسعار العلف وهذا وضع ينبغى ‏إنهاؤه بأسرع ما يمكن‎.‎
الذرة الصفراء أيضا من الحبوب بالغة الأهمية ‏كعلف للحيوانات والدواجن ونحن نواجه فجوة فى ‏إنتاجها يبلغ ١٠.٥ مليون طن نحتاج لاستيرادها ‏بالدولار «المصرى اليوم، ١٥ مارس» مما يؤثر ‏على أسعار العلف بشدة، وبالتالى على أسعار ‏اللحوم‎.‎
كما تواجه مصر فجوة فى إنتاج زيوت الطعام ‏‏«عباد الشمس والكتان وبذرة القطن وغيرها»، فقد ‏استهلكنا عام ٢٠٢٠ كمية من الزيوت تبلغ ٢.٦٦ ‏مليون طن استوردنا منها ١.٨٢ مليون طن ‏‏«الأهرام، ٢٠/ ٤/ ٢٠٢٢‏‎».‎
وتمتد الفجوة الغذائية إلى إنتاج الفول المدمس ‏الوجبة الأساسية لإفطار المصريين، و«العدس» ‏وغيرها من المحاصيل التي يكلفنا استيرادها ‏كثيراً‎.‎
ولن ندخل في مزيد من التفاصيل حول الفجوة فى ‏إنتاج اللحوم الحمراء والأسماك وغيرها، فالأمر ‏الرئيس الواضح هو ضرورة إعادة هيكلة ‏الزراعة المصرية بما يقلل من الفجوة الغذائية ‏ويحقق الأمن الغذائى لمصر، ويجنبنا تقلبات ‏البورصات العالمية والسياسات الدولية، انطلاقا ‏من أن الأمن الغذائى هو أحد الوجوه الأساسية ‏للأمن القومى للبلاد‎.‎
وبديهى أن هذا يتطلب سرعة توجيه استثمارات ‏إضافية كبيرة لتحقيق هذا الهدف بالغ الأهمية، ‏وحماية وطننا من مخاطر الأزمات الغذائية ‏المتكررة فى العالم‎.‎
حفظ الله مصر من كل سوء‎.‎

مصر للطيران
أزمة. الغذاء. العالمية.
بنك الاسكان
NBE