الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 03:10 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : أزمة الغذاء العالمية.. الأسباب الحقيقية.. وسبل المواجهة (١)

د.محمد فراج ابوالنور
د.محمد فراج ابوالنور

أزمة الغذاء العالمية المتفاقمة تُنذر بالتحول إلى كارثة عالمية، تُهدد بصورة خاصة الدول الفقيرة والأشد فقرًا فى آسيا وأفريقيا، التي تواجه اقتراب شبح المجاعة بالفعل، أو ما يسميه أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش «إعصار الجوع. »
الأزمة بدأت بالفعل منذ العام الماضى بسبب جائحة «كورونا»، وما ارتبط بها من إغلاق ومصاعب كبيرة لحركة النقل البحرى وارتفاع لتكاليف وارتباك شامل في حركة التجارة العالمية، ثم جاءت الحرب في أوكرانيا لتُزيد من تفاقم الأزمة بسبب العقوبات على روسيا، وإخراج أهم بنوكها من منظومة «سويفت» مما خلق تعقيدات في تسوية مدفوعات تجارتها، وكذلك منع سفنها من دخول الموانئ الأوروبية، ووضع هدف «خنق» الاقتصاد الروسي كهدف معلن للعقوبات الأوروبية، مما دفع روسيا إلي الإعلان عن حظر تصدير الحبوب والسلع الغذائية إلا للدول الصديقة، وتنفيذًا للصفقات المعقودة من قبل بصفة أساسية.. ومن ناحية أخرى فقد لجأت أوكرانيا لتلغيم موانئها على البحر الأسود وما حولها، كإجراء دفاعى لمنع احتمال دخول سفن الأسطول الحربى الروسي إليها.
ومعروف أن روسيا وأوكرانيا تسهمان بنحو ثلاثين فى المائة (٣٠٪) من تجارة القمح والحبوب والسلع الغذائية عموما في العالم «الأهرام - ٣٠ مارس ٢٠٢٢» استنادا إلى أرقام المعهد الدولى لأبحاث الغذاء، وتحتل روسيا المركز الأول فى تجارة القمح بالذات بحوالى «ربع» صادرات القمح العالمية، بينما تحتل أوكرانيا المركز الخامس بين الدول المصدرة للقمح بنصيب يتراوح بين ١٠ - ١٢٪ «المصدر السابق - الأهرام ٣٠ مارس».. ويجب هنا أن نشير إلى ضرورة التفرقة بين الإنتاج والتصدير، فالصين هى الدولة الأولى في إنتاج القمح عالميًا، لكنها تحتاج إلى كل إنتاجها لإطعام شعبها الذى يبلغ تعداده نحو (١٤٠٠ مليون نسمة)، والهند هى المنتج الثانى، لكنها تستهلك إنتاجها محليًا بصفة أساسية، لإطعام شعبها (١٣٠٠ مليون نسمة) تُصدِّر كميات غير كبيرة حسب ما يفيض عن استهلاكها، وبصفة غير منتظمة.
كما تسيطر روسيا وأوكرانيا علي ٢٧٪ (سبعة وعشرين بالمائة) من صادرات الشعير و(١٧٪ سبعة عشر بالمائة) من صادرات الذرة الصفراء، والتي تمثل (٧٥٪.. ثلاثة أرباع) مكونات الأعلاف النباتية للمواشى والدواجن، كذلك يسهم البلدان بنحو ثلاثة أرباع تجارة زيوت عباد الشمس (٧٣٪) منها حوالي ٥٠٪ لأوكرانيا والباقى لروسيا.. ومعروف أنه أكثر أنواع زيوت الطعام استخدامًا فى العالم.
وبالإضافة إلى ذلك فإن روسيا وحدها تقوم بتصدير ١٥٪ (خمسة عشر بالمائة) من تجارة الأسمدة الأزوتية «النيتروچينية» الأكثر أهمية للإنتاج الزراعى، وحوالى ١٧٪ (سبعة عشر بالمائة) من صادرات أسمدة البوتاسيوم المهمة للزراعة.
ومع اشتعال الحرب فرضت روسيا قيودًا على تصدير المواد الغذائية والأسمدة.. وكذلك فعلت أوكرانيا التي توقفت موانئها عن التصدير أصلا، لكنها بعد فترة بدأت فى تصدير الحبوب بصورة محدودة من خلال الموانئ الرومانية على البحر الأسود، بعد نقلها بالقطارات أو من خلال الشاحنات عبر حدودها مع بولندا والمجر.

زيادات حادة في الأسعار

وكان طبيعيًا أن يؤدى هذا كله إلى نقص واضح للإمدادات، فاقم منه أن بعض الدول المصدِّرة الأخرى وضعت قيودًا على صادراتها، كما بادر عدد من الدول المستهلكة لزيادة الواردات، سعيًا لتكوين احتياطيات آمنة فى ظروف الأزمة المتفاقمة، وأدى ذلك كله مع زيادة التضخم فى الأسواق العالمية إلى ارتفاع أسعار القمح بنسبة ٦٥٪ (خمسة وستين بالمائة) منذ بداية العام، وزيادة أسعار زيت الطعام بنسبة (٧٥٪) خمسة وسبعين بالمائة، كما ارتفعت أسعار الذرة والشعير بنسبة كبيرة، ووصل سعر الطن من الأرز إلى حوالى ألف دولار (سكاى نيوز عربية - ١٤ يونيو ٢٠٢٢ - حديث للخبير الزراعى المعروف د. نادر نور الدين، استنادا إلى أرقام المؤسسات الدولية)، كما ارتفعت أسعار الشحن بنسبة كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الوقود وزادت رسوم التأمين على الشحنات الواردة من منطقة البحر الأسود، بسبب مخاطر الأوضاع العسكرية فى المنطقة «موانئ روسيا ورومانيا وبلغاريا».. وكلها زيادات يتم تحميلها على الأسعار النهائية بالطبع.

تسييس الأزمة وتعقيد الحل

أشرنا من قبل إلى أن بدايات أزمة الغذاء العالمية ترجع إلى مرحلة تفشى وباء «كورونا»، وإلى دور التضخم العالمى فى زيادة أسعار المواد الغذائية، وما يسببه ذلك من مصاعب كبيرة للدول الفقيرة والأكثر فقرا بصفة أساسية.. وهى مصاعب لا تقف عند حدود الاقتصاد، لأن نقص المواد الغذائية، أو الارتفاع الشديد فى أسعارها من شأنه أن يعرِّض الاستقرار السياسى للخطر وأن يدفع ملايين البشر للهجرة الاقتصادية.
ونلاحظ هنا أنه مع اشتعال الحرب فى أوكرانيا اتجهت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى تحميل روسيا مسئولية الأزمة الغذائية العالمية، بدعوى أنها تحاصر الموانئ الأوكرانية، وتمنع تصدير أكثر من ٢٥ مليون طن من القمح الأوكرانى، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الغذائية العالمية، وتعريض مئات الملايين من البشر لخطر الموت جوعا، وبالتالى فإن المطلوب هو رفع روسيا لحصارها عن الموانئ الأوكرانية، وانسحابها من أوكرانيا.. وكأن مثل هذه الإجراءات هى الكفيلة بحل الأزمة!
والواقع أن هذا الطرح يحتاج إلى مراجعة دقيقة.. وقبل كل شيء فإن بداية الأزمة تعود إلى ما قبل نشوب الحرب، وتحديدًا إلي مرحلة تفشى «كورونا»، كما هو معروف.. وثانيا: فإن أوكرانيا نفسها هى من قامت بتلغيم الموانئ.. وحتى في حالة فك الحصار الروسى فإن هذه الموانئ تظل غير آمنة للملاحة، وقد عرض الرئيس التركى أردوغان مبادرة تقضى بأن تقوم أوكرانيا بنزع الألغام، مع تعهد روسيا بعدم الاقتراب من الموانئ وأن تقوم تركيا وروسيا بتأمين ممر إنسانى لنقل القمح من الموانئ الأوكرانية إلى أسواق العالم، ويضمن البلدان تأمين سلامة الشحنات، لكن أوكرانيا رفضت المبادرة التركية وقالت إنها تصدر قمحها عبر رومانيا وبولندا والمجر.. إلخ.

وثالثا.. وهذا هو الأهم.. فإن هناك مبالغة واضحة في كمية القمح التي يتحدث السياسيون والإعلاميون الغربيون عن وجودها فى أوكرانيا، فوزير الزراعة الأوكرانى نفسه ذكر في حديث نقلته وكالات الأنباء العالمية «المصرى اليوم ـ ١٦ يونيو الجارى» ما يفيد بأن الإنتاج الأوكرانى هو في حدود ٢٥ مليون طن سنويا.. تستهلك البلاد (٥ ملايين/ خمسة ملايين طن) منها، فيكون الباقى (٢٠ مليون طن)، وإذا وضعنا فى اعتبارنا أن الموسم الآن في نهايته، فإن من الصعوبة بمكان أن يوجد حتى ٢٠ مليون طن بعد حساب ما قامت أوكرانيا بتصديره خلال الصيف والخريف والشتاء «حتى بداية الحرب».. وما يتم تصديره الآن «المصرى اليوم والوكالات - ١٦ يونيو».. أى أن مخزون القمح الأوكرانى كله يمكن أن يكون في حدود ١٠ ملايين طن مطلوب منها ٥ ملايين طن لاستهلاك الشعب نفسه حسب كلام الوزير نفسه.

وينتقل وزير الزراعة الأوكرانى لذكر أن مخزون الحبوب بكافة أنواعها «قمح، ذرة، ذرة صفراء، شعير وشوفان، فول صويا» قد يصل إلى ٢٣ مليون طن إجمالا.. وهنا يجب ملاحظة الصياغة غير الأكيدة «قد يصل» وأن الحديث يدور حول جميع أنواع الحبوب، وليس القمح وحده..
ورابعا: وهو ما لا يقل أهمية، بل يزيد فإن بوتين قد عرض ضمان تصدير ما لا يقل عن (٥٠/ خمسين مليون طن) من القمح الروسى فى حالة رفع العقوبات جزئيا عن بلاده، مع تسهيل صادرات القمح الأوكرانى، لكن هذا الاقتراح تم تجاهله تماما من جانب أمريكا والاتحاد الأوروبى، والسبعة الكبار، لأن هذا العرض لا يخدم أهدافهم في تسييس الأزمة ووضع روسيا في موضع المسئولية عنها، ومن ثمَّ فى موضع الإدانة.
والحقيقة أنه بغض النظر عن موقف أى شخص من السياسة الخارجية الروسية أو الغربية، فإن من الضرورى التصويب على الأسباب الحقيقية لنشوء الأزمة وتفاقمها، لكى يمكن معالجتها فعلا، وانقاذ ملايين البشر من المجاعة، وليس تسييس القضية والخروج بإدانة لهذا الطرف أو ذاك، وترك عشرات الملايين من البشر فريسة للمجاعة الوشيكة، وإثقال كاهل اقتصادات عشرات الدول النامية بأعباء ضخمة، تتسبب فى فشل محاولاتها لتوفير الحد الأدنى من فرص الحياة الكريمة لشعوبها.. وحول الأسباب الحقيقية والأعمق لتكرار أزمات الغذاء العالمية، واحترام الأزمة الحالية وسبل مواجهتها وخاصة في بلادنا سيكون موضوع مقالنا التالي..
وللحديث بقية..

مصر للطيران
أزمة الغذاء العالمية. الأسباب الحقيقية.

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE