الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 03:14 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : بيان مجلس الأمن حول «السد» ترحيب مصرى وتعنت إثيوبي

الكاتب الصحفي د.محمد فراج
الكاتب الصحفي د.محمد فراج

مطلوب ممارسة كل أنواع الضغط.. بموازاة التفاوض

النيل قضية حياة أو موت.. وكل الخيارات مفتوحة

الموقف الاثيوبى تجاه البيان الرئاسى الصادر عن مجلس الأمن الدولي بخصوص «سد النهضة» يدعو للأسف الشديد، لأنه ينطلق من نفس أرضية التعنت والمكابرة وإنكار الحقوق المشروعة للشعبين المصرى والسوداني في مياه النيل. البيان الصادر يوم ١٥ سبتمبر الجارى بإجماع آراء أعضاء مجلس الأمن، جاء بعد أكثر من شهرين من المناقشة التى شهدها المجلس «فى ٨ يوليو الماضى».. وبعد مناقشات طويلة ليُعبّر عن «القواسم المشتركة» لمواقف الدول الأعضاء مع أخذ مواقف أطراف النزاع «مصر والسودان من جهة واثيوبيا من جهة أخرى» بعين الاعتبار، وليس تبنيها بالضرورة.
ويعيد البيان المفاوضات حول «السد» إلى عهدة الاتحاد الأفريقى، مطالبا الأطراف بالتفاوض نحو إشرافه للتوصل إلى اتفاق ملزم حول سبل ملء وتشغيل السد في إطار زمني معقول «بوابة الأهرام، بيان الخارجية المصرية، ١٥ سبتمبر ٢٠٢١»، لكن الطرف الإثيوبى وبالرغم من أن إجراء المفاوضات تحت إشراف الاتحاد الافريقى كان مطلبه طوال الوقت يصر على رفض «تدخل» مجلس الأمن أصلا، باعتبار أن القضية تتصل «بحق إثيوبيا في التنمية» وليست قضية متصلة بالأمن والسلم الدوليين ليتدخل فيها مجلس الأمن!! وكأن المخاطر الجسيمة المترتبة علي إنكار حقوق الشعبين المصري والسودانى وهي مخاطر تتعلق بحياة عشرات الملايين من أبناء الشعبين، ليس لها علاقة بالسلم والأمن!! وكأن حق الشعب الإثيوبى فى التنمية «وفقا لرؤية حكام أديس أبابا وحدهم» هو حق مطلق لا يقيم اعتباراً لحقوق الشعبين المصرى والسودانى فى التنمية، بل وفي الحياة!!
وتُصر إثيوبيا على رفض المطلب المصرى والسوداني المشروع ــ والذى اعترف به بيان مجلس الأمن ــ بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم حول قواعد ملء وتشغيل «السد» انطلاقا من فرضية خاطئة بصورة مطلقة، ويستحيل القبول بها، مؤداها أن النيل الأزرق نهر إثيوبي، وإن تكن مياهه عابرة للحدود، وبالتالى فليس من حق دولتى المصب أو أى طرف دولي التدخل فى طريقة إدارة اثيوبيا له!! وأن أى اتفاقيات سابقة تضمن حقوق دولتى المصب في مياه النهر، أو تفرض ضرورة موافقتها على إقامة سدود أو منشآت عليه، هى اتفاقيات استعمارية! غير ملزمة لأثيوبيا، وهو الأمر الذي يتناقض بوضوح تام مع حقائق التاريخ الثابتة، التى تقول إن النيل كان شريان الحياة لكل من مصر والسودان علي مدى آلاف السنين، وقبل أن تظهر إلي الوجود دولة إثيوبيا بآلاف السنين، كما تصر على تجاهل حقيقة أنها حصلت على مساحات شاسعة من الأراضى المملوكة لمصر شرقى السودان بما فيها الأراضى التى يقع عليها «سد النهضة» بمقتضى اتفاقية عام ١٩٠٢ مقابل الإقرار بعدم إقامة أى سدود أو منشآت على مجرى النيل الأزرق بدون موافقة مصر والسودان، وهى اتفاقية وقعتها إثيوبيا بكامل إرادتها، ودون أن تكون مستعمرة وحصلت مقابلها- كما ذكرنا- على عدة آلاف من الكيلومترات المربعة (تحديدا ٣٦٠٠ «ثلاثة آلاف وستمائة كيلومتر مربع في منطقة بني شنقول»).
الملء والتشغيل.. بإرادة منفردة!
وتزعم أثيوبيا أن بناء السد لا يؤثر على مستوى تدفق مياه النيل الأزرق، مستندة إلى ما حدث خلال العام الجارى والعام الماضى، متجاهلة أن السبب في ذلك هو الفيضان فوق المتوسط، وعدم نجاحها في الارتفاع بمستوى بناء «السد» إلى الحد الذى كان مخططًا له، بينما ترجع أهمية الاتفاق على قواعد الملء بالذات إلى ضرورة درء مخاطر الفيضان المنخفض، والذى تستمر دورته أحيانا إلى عدة سنوات، يمكن أن تتعرض خلالها ملايين الأفدنة في مصر والسودان إلى البوار، وأن يتعرض عشرات الملايين من البشر للموت عطشا.. وبديهى أنه لا يمكن ترك هذه القضية لإرادة إثيوبيا منفردة.
ولابد هنا من التوقف أمام حقيقة بالغة الأهمية هى أن نصيب مصر من مياه النيل يبلغ ٥٥٫٥ مليار متر «خمسة وخمسين مليار مترمكعب» ونصيب السودان «٢٩ مليار ــ تسعة وعشرين مليار مترمكعب» بينما تهطل أمطار تبلغ «ألف مليار مترمكعب» من المياه على إثيوبيا سنويا، أى ما يساوى عشرين مثل «أو عشرة أضعاف» نصيب مصر من المياه، وذلك مقابل نفس العدد من السكان تقريبا، وهذه الحقيقة بالغة الأهمية وحدها كافية لكشف تعنت الجانب الإثيوبي، وزيف ادعاءاته بخصوص تهديد حقوقه في التنمية بسبب نصيب مصر والسودان.
من ناحية أخرى فمن المعروف أن إثيوبيا رفعت طاقة التخزين الافتراضية للسد من «عشرة مليارات متر مكعب» فى بداية الحديث عن المشروع إلى «٧٤ مليار م٣» فى مخططه الحالى ورفضت اطلاع كل من مصر والسودان على مخطط البناء بالرغم من الاتفاق بين الأطراف على ذلك، ومعروف أن موقع بناء السد به مشكلات جيولوجية تجعل الخبراء يتخوفون من إمكانية انهياره، وهو ما يمكن أن يتسبب في كارثة كبرى لكل من مصر والسودان، وما يوجب أن يكون المشروع محلا لمراجعة دولية موثوقة يشارك فيها الطرفان المصرى والسودانى باعتبارهما صاحبى مصلحة أساسية في ضمان أمن السد، غير أن إثيوبيا ترفض ذلك بإصرار، باعتباره مسألة تخص سيادتها!! وهو ما يجب أن يهتم الطرفان المصرى والسودان بطرحه بكل إلحاح سواء فى المفاوضات مع إثيوبيا، أو في جميع المحافل الدولية ذات الصلة، باعتباره خطرا جسيما على أمن وسلامة الشعبين، يضاف إلى الخطر الجسيم الذى تمثله إمكانية شح المياه.
وهنا يجب القول إن عدم التوصل إلى حل قانوى ملزم فى هاتين القضيتين الخطيرتين «تدفق المياه بما لا يمس حقوق مصر التاريخية، وضمان أمن السد» لا يعطى مصر الحق فحسب، بل يلزم الدولة المصرية إلزاما مطلقا بالاحتفاظ بحقها في إبقاء جميع الخيارات مفتوحة في قضية السد، بما في ذلك حق اللجوء للخيار العسكرى دفاعا عن المصالح الأكثر حيوية للأمن القومى المصرى وعن حق الشعب المصرى فى الحياة والأمن والتنمية.
إلزامية البيان الرئاسى
ومعروف أنه بغض النظر عن رد الفعل الإثيوبى غير المسئول، فإن البيان الرئاسى الصادر عن مجلس الأمن الدولي هو بيان ملزم لاثيوبيا، بحكم إجماع دول المجلس عليه بما فيها الدول الخمس دائمة العضوية، وصحيح أن البيانات الرئاسية الصادرة عن مجلس الأمن ليست لها قوة «القرارات» وخاصة تلك الصادرة بموجب الفصل السابع، أى التي يتم فرض عقوبات دولية في حالة عدم الالتزام بها، لكن قوة الإلزام المعنوى والسياسى الذى يمثله إجماع أعضاء المجلس بما فى ذلك الدول الكبرى دائمة العضوية، تمثل دعما مهما للموقف المصرى والسودانى من زاوية المطالبة باتفاق ملزم بالذات، وأن يكون التوصل إلى هذا الاتفاق فى إطار زمنى معقول «راجع: بوابة الأهرام، ١٥ سبتمبر» الأمر الذى يعنى محاصرة المراوغة الأثيوبية المعروفة، التى استمرت طوال السنوات العشر الماضية.
والمطلوب هو استعجال الدبلوماسية المصرية والسودانية للمفاوضات بأسرع ما يمكن، ليتم الاتفاق قبل الفيضان القادم، وموعد الملء الثالث «صيف ٢٠٢٢» وبديهى أن أثيوبيا ستلجأ إلى المراوغة كعادتها، وستحاول كسب الوقت، وأن تستغل الإيقاع المتراخى للعمل الدبلوماسى الأفريقى، لكن واجب القاهرة والخرطوم أن تتابعا كل الإجراءات- مهما تكن صغيرة- بالتغطية الدبلوماسية والإعلامية المكثفة، وأن تجعلا كل خطوة فى المفاوضات تحت ضوء ساطع، وأمام أعين الرأى العام المحلي والأفريقى والدولى، وخاصة المراوغات الأثيوبية المتوقعة، أو أى تراخ من جانب مسئولى الاتحاد الأفريقى، ومن شأن ذلك أن يساعد في فرض إيقاع حى وسريع للمفاوضات، وأن يعزّز موقفنا وحقنا في اللجوء لأى وسيلة للدفاع عن مصالحنا وحقوقنا في حالة فشل المفاوضات وهو احتمال وارد بشدة، إن لم يكن مرجحًا على ضوء ما تبديه أثيوبيا من تعنت وغطرسة منذ اللحظة الأولى لصدور البيان الرئاسى عن مجلس الأمن.
وبديهى أن المفاوضات المطلوب متابعتها بالطريقة الضاغطة والمكثفة التي تحدثنا عنها لا تتعارض مطلقًا مع مواصلة كل أنواع الضغوط السياسية والاقتصادية والإعلامية على أديس أبابا، والدول والهيئات والشركات الداعمة لها، والسعى لفرض حصار سياسى واقتصادى وعسكرى محكم على اثيوبيا كوسائل ضرورية لحملها على التفاوض بجدية، ولتعطيل أو إبطاء التقدم في بناء «سد الخراب» إن أمكن.. وبالطبع لمواجهة الخطط الأثيوبية المعلنة في إقامة سدود أخرى على النيل الأزرق ونهرى «السوباط» و«عطبرة» كما سبق أن أعلن آبى أحمد منذ شهور.
وبديهى أيضًا أن أى تفاوض لا ينبغى أن يمنعنا من احتضان التطلعات الديمقراطية للقوميات المظلومة فى «سجن الشعوب» الأثيوبى، بما تمثله تحركات تلك القوميات من ضغط على أديس أبابا، وإشغال لطاقتها العدوانية، وفى مقدمة تلك الشعوب طبعا «شعب التيجراى» الذى يحظى نضاله ضد جرائم الجيش الأثيوبى الوحشية بتعاطف دولي واسع، علمًا بأن هناك قوميات أخرى مهمة تتطلع للتحرر من «سجن الشعوب الأثيوبى» ويجب احتضان تطلعاتها الديمقراطية.
وإذا كان بديهيا أن جميع الخيارات يجب أن تكون مفتوحة بالتوازى مع التفاوض بما فيها الخيار العسكرى، فإن من الضرورى إبقاء الرأى العام المصرى والسودانى والأفريقى والدولى مستعدًا لهذا الاحتمال فى حالة فشل المفاوضات.
فالقضية بالنسبة لشعبنا تظل قضية حياة أو موت، والفيضان العالى فى السنتين الأخيرتين كان نعمة كبرى بكل تأكيد، لكنه لا ينبغى أن يشيع أى أجواء للاسترخاء، فلا أحد يعرف ما الذى ستكون عليه أحوال الفيضان فى الأعوام القادمة.. ومصائر الشعوب لا يمكن الاعتماد فيها على المصادفات.. وقضية مياه النيل ــ وكل ما يتصل بها ــ تظل بالنسبة لمصر وشعبها قضية حياة أو موت.. هكذا كانت دائمًا.. وهكذا تظل على مدى التاريخ.
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE