الأموال
الثلاثاء، 23 أبريل 2024 04:32 مـ
  • hdb
14 شوال 1445
23 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : الاحتباس الحرارى فوق الأرض.. والاحتباس السياسى فى لبنان

الأموال

لعل موجات الفيضانات والسيول العاتية التى انهمرت على بعض دول القارة الأوروبية مؤخرا وفى مقدمتها ألمانيا وعلى نحو غير مسبوق منذ أكثر من ستين سنة وراح ضحيتها ٢٠٠ شخص من بينهم ١٨٩ فى ألمانيا وحدها، لعلها تكون إنذارًا مبكرًا وأخيرًا للتصدى لظاهرة الاحتباس الحرارى التى حسبتها فى مقال سابق واحدة من أكبر خطرين داهمين محدقين بالبشرية فوق كوكب الأرض إلى جانب جائحة كورونا التى ما زالت تضرب العالم.
ولعلها ليست مصادفة أن تبدأ مخاطر ومظاهر الاحتباس الحرارى الذى بدأ بالفعل فى تغيُّر المناخ والمرجح تزايُده بشدة فى السنوات المقبلة فى دول أوروبا الصناعية الكبرى إلى جانب الصين أيضًا والتى أسفرت الفيضانات فى وسطها عن انهيار أحد السدود الكبرى وحيث كشفت بياناتها الرسمية عن وقوع ١٠ ضحايا فقط وهو رقم غير دقيق بالمرة مقارنة بحجم الأضرار والتى نقلتها شاشات التليفزيون فى العالم والتى تعنى أن أعداد الضحايا أكثر بكثير من الرقم الرسمى المُعلن.. ولكنها الصين!
هذا التغيُّر المناخى الحادث حاليًا والقادم بشدة مستقبلا بفعل ظاهرة الاحتباس الحرارى والذى تبدّت أولى مظاهره وتداعياته المنذّرة بكارثة محدقة بالكرة الأرضية وفقًا لتأكيدات وتحذيرات العلماء والخبراء لن تتوقف عند ارتفاع درجات الحرارة فقط وهو الارتفاع الذى سوف يُسفر عن ذوبان الجليد فى القطب الشمالي وهو الخطر الذى يعنى أن شكل الحياة فوق الكوكب سوف يتغير تمامًا.
< < <
إن خطر الاحتباس الحرارى المتواصل فوق الكرة الأرضية لا يعنى ارتفاع درجات حرارتها وتغيُّر المناخ فقط، بل إنه يمتد بالضرورة إلى تزايد معدلات التلوث البيئى الذى تفشى فى العالم بتداعياته وأضراره الخطيرة على صحة البشر والتي من بينها تفشى الأوبئة والفيروسات وظهور أنواع جديدة من الأمراض حسبما ظهرت إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير وقبلهما جنون البقر، بل إنه ليس من المستبعد أن يكون فيروس «كوفيد١٩» كورونا المتفشى حاليًا ومنذ أكثر من سنة ونصف السنة هو أحد تداعيات ونتائج ظاهرة الاحتباس الحرارى.
< < <
وإذا كان العالم قد نجح فى سنوات وعقود سابقة فى القضاء على تلك الفيروسات وعلاج تلك الأمراض المستجدة، فإنه سوف يكون قادرًا على النجاح فى القضاء على كورونا.. إن آجلا أو عاجلا، سواء استغرق ذلك شهورًا أو سنة واحدة أو سنتين، إلا أن القضاء على ظاهرة الاحتباس الحرارى وتغيُّر المناخ يبدو مهمة صعبة وإن كانت ضرورية وعاجلة ومن ثمَّ فإنها تتطلب جهودًا حثيثة وحقيقية وتضافرًا فاعلا من جانب الدول الصناعية الكبرى بل من جانب كل دول العالم لتقليل انبعاثات الأنشطة الصناعية والملوثات البيئية لمنع الخطر الداهم الذى يهدِّد البشرية والحياة فوق كوكب الأرض.
<<<
إن على العالم وكافة دوله الصناعية الكبرى أن توازِّن بين مكاسب الأنشطة الصناعية وتقدمها وطموحها التكنولوجى والذى أغراها بالتوسع فى هذه الأنشطة التى لا خلاف على أنها حققت رفاهية للناس، وبين الأضرار الجسيمة الناتجة عن هذا التقدم العلمى والتكنولوجى والصناعى على حساب حياة وصحة مليارات البشر وأمن ونظافة وسلامة الكرة الأرضية.
< < <
ومن الاحتباس الحرارى فوق كوكب الأرض إلى الاحتباس السياسى فى بقعة صغيرة فوقه هى لبنان.. ذلك البلد العربى الممزق المهدد بالانهيار بفعل ما يوصف بالانسداد السياسي الذى أصابه بالشلل التام اقتصاديا وأمنيا وماليا واجتماعيا دون بارقة أمل حقيقى فى الخروج من أزمته فى المدى القريب.
لقد أضاعت الطبقة السياسية فى لبنان وعلى رأسها الرئيس ميشال عون سنة كاملة منذ انفجار مرفأ بيروت فى الرابع من أغسطس من العام الماضى فى حلقة مفزعة من الخلاف السياسى منذ تكليف سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة من اختصاصيين بعيدين عن الطائفية والحزبية وفقا للمبادرة الفرنسية التى تم التوافق عليها خلال زيارة ماكرون لبيروت فى أعقاب انفجار المرفأ بهدف إحداث إصلاحات تاريخية وسياسية ومالية.
< < <
وطوال تلك الفترة الزمنية الطويلة وبينما يرزح لبنان وشعبه تحت نيران أزمة اقتصادية طاحنة وأوضاع معيشية بالغة البؤس، لم يستطع سعد الحريرى رئيس الحكومة المكلف بموافقة مجلس النواب إقناع الرئيس عون بعدة تشكيلات حكومية من الاختصاصيين وحيث بدا أن عون يريد تشكيل الحكومة على أساس حزبى طائفى بالمخالفة للاتفاق على تشكيلها من اختصاصيين، وهو الأمر الذى اضطر معه إلى قبول أحد الخيارين اللذين طرحهما عون وهما إما تشكيل الحكومة من شخصيات سياسية وإما الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة وهو الخيار الذى لجأ إليه الحريرى أخيرًا والذى كان يريده عون ودفع إليه دفعًا مع طول مدة الفراغ السياسى فى لبنان، وحيث ظلت حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب المستقيل غير قادرة علي إحراز أى إنجاز وغير قادرة فعليًا وبالضرورة على العمل كحكومة حقيقية.
< < <
حتى بعد تكليف نجيب ميقاتى رئيس الوزراء الأسبق بتشكيل الحكومة بعد توافق وترشيح من نادى رؤساء الحكومات السابقين والذى يضم إلى جانب ميقاتى وسعد الحريرى كلا من فؤاد السنيورة وتمام سلام، فإن فرص نجاحه فى تشكيلها لا تزال حتى كتابة هذه السطور غير مؤكدة مثلما تبدو فرص نجاح الحكومة ذاتها غير مؤكدة أيضًا، باعتبار أن ميقاتى لا يستند إلى تكتل نيابى يعتد به مقارنة بالحريرى والسنيورة وتمام، إضافة إلى أنه ليس منخرطًا فى السياسة بالدرجة الكافية.
ثم إن نجاح ميقاتى فى تشكيل حكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين والطائفيين سوف يكون صعبا فى ضوء ما تسرب عن اشتراط بعض الكتل السياسية والطائفية من ضرورة أن يكون الاختصاصيون المرشحون لدخول الحكومة من خلفيات سياسية حزبية وطائفية وليسوا من التكنوقراط الجالسين فى المكاتب بعيدا عن الحياة السياسية، مع ملاحظة بالغة الأهمية وهى اشتراط جناحى التيار الشيعى.. حزب الله وحركة أمل أن يكون وزير المالية من الطائفة الشيعية، وهو الأمر الذى يضرب فلسفة تشكيل حكومة من الاختصاصيين بعيدا عن الحزبية والطائفية فى الصميم ويعرقل تشكيلها بل يفشلها في حالة تشكيلها.
< < <
وفى الوقت ىنفسه فإن تكليف ميقاتى بتشكيل الحكومة لا يحظى بترحيب حقيقى كبير من جانب بعض الكتل السياسية مقارنة بالترحيب الذى كان قد حظىَّ به سعد الحريرى باستثناء التيار الحر بزعامة الرئيس عون والذى يرأسه صهره جبران باسيل الخِصم اللدود للحريرى والذى لم يوافق أو يعترض على تكليف ميقاتى فى المشاورات النيابية التى سبقت التكليف.
< < <
إن الغالبية العظمى من اللبنانيين تواجه أسوأ أزمة مالية واقتصادية واجتماعية وأوضاعًا معيشية بالغة السوء والبؤس، حيث زادت معدلات البطالة بدرجة خطيرة غير مسبوقة، وحيث بات اللبنانيون مهددين بالمجاعة غير قادرين على شراء الخبز والطعام والدواء وحيث يعانون من تردى كل الخدمات الضرورية وفى مقدمتها الكهرباء التى تنقطع أغلب ساعات اليوم وبما يمثله ذلك الانقطاع من أخطار على عمل المستشفيات.
>>>
لكل تلك الأسباب فإن تكليف ميقاتى بتشكيل الحكومة لم يلق الارتياح المطلوب من جانب اللبنانيين الذين بدا أنهم غير متفائلين لأنهم ببساطة شديدة غير راضين عن الطبقة السياسية القائمة والتى تتقاسم وتتبادل السلطة والثروة طوال عقود، ومن ثمَّ فإن مطلبهم الوحيد الدائم المتكرر هو رحيل تلك الطبقة وتغيير تلك المنظومة السياسية التى يتهمونها بالفساد وإصابة لبنان بالشلل والانهيار الذى يُخيِّم على البلاد.
< < <
وإذا كانت حكومة ميقاتى هى حكومة الضرورة فى هذا التوقيت بحسب وصف بعض السياسيين فإن تشكيلها أو نجاحها هو الفرصة الأخيرة لإخراج لبنان من أزماته الكارثية ومن حالة الالتباس السياسى.



مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE