الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 12:06 صـ
  • hdb
15 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : من نتنياهو إلى بينيت.. المشروع الصهيونى مستمر.. ولا عزاء للقضية الفلسطينية

الأموال

لعله من الضرورى عند قراءة ما جرى مؤخرًا فى المشهد السياسى الإسرائيلى مع تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة الانتباه إلى أن هذا الائتلاف كان يستهدف فى الحقيقة وفى الأساس إقصاء بنيامين نتنياهو عن السلطة، وذلك ما أسهم في نجاح بائير لابيد رئيس حزب يوجد مستقبل مع نفتالى بينيت رئيس حزب يمينيا المتطرف فى التوصل إلى تشكيل الائتلاف مع خمسة أحزاب أخرى من الوسط واليسار جميعهم من المناهضين والكارهين لنتنياهو شخصيًا، إضافة إلى القائمة العربية برئاسة منصور عباس المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين فى سابقة هى الأولى من نوعها في تاريخ الكيان الصهيونى.

ولذا فإنه من المهم أيضًا النظر إلى رحيل نتنياهو ومجىء حكومة بينيت ولابيد باعتباره أمرًا داخليًا فى إطار صراع وتنافس سياسى بين الأحزاب الإسرائيلية، ومن ثم فإنه لا يعنى بأى حال من الأحوال حدوث أى تغيير فى السياسات الصهيونية محل الإجماع بين كافة الأحزاب الإسرائيلية من أقصى اليمين إلي اليسار تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.

إن الحقيقة التى يتعين ألا تغيب هى أن أى حكومة إسرائيلية لن توافق على إقامة الدولة الفلسطينية وذلك هو الأساس الاستراتيجى للمشروع الصهيونى، وذلك ما أفصح عنه نتنياهو ليؤكد المؤكد في خطابه العنيف في الكنيست ضد الحكومة الجديدة، وهو ما حرص رئيسه «نفتال بينيت» على تأكيده فى مزايدة سياسية على نتنياهو.

حتى فيما يتعلق بالتوسع الاستيطانى في أراضى الضفة الغربية المحتلة، فإنه لا خلاف بين نتنياهو وبينيت أو أى حكومة أخرى مع ملاحظة أن بينيت أكثر تزيدًا فيما يتعلق بالاستيطان بل إنه أكثر يمينية وتطرفًا من نتنياهو مع ملاحظة أنه كان أحد موظفى مكتبه، ولذا فإنه لا مجال لأى تفاؤل فلسطينيا أو عربيا «إن كان لا يزال للعرب اهتمام بالقضية» جراء رحيل نتنياهو.

< < <

وفى هذا السياق فإن الحكومة الجديدة ستحرص على أن تكون ممارساتها أكثر استفزازًا وعنفًا وقمعًا للفلسطينيين وانتهاكًا للمسجد الأقصى والقدس وهو ما اتضح بالفعل منذ اليوم الأول لها فى السلطة، وحسبما جرى ولا يزال يجرى حتى كتابة هذه السطور ضد سكان حى الشيخ جراح بالقدس، إذ إن هذه الحكومة تريد أن تؤكد للإسرائيليين أنها ليست ضعيفة كما اتهمها نتنياهو، بل إنها أكثر قوة وعنفًا وقمعا للفلسطينيين وأكثر تنفيذًا للمخططات الصهيونية.

< <<

وإذا كان تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة حدثًا سياسيًا مهمًا داخل الكيان الصهيونى أسفر عن إقصاء نتنياهو عن السلطة بعد ١٦ عاما.. منها ١٢ عاما متصلة فى رئاسة الحكومة، إلا أن المفارقة هى أن صمود الائتلاف الحكومى الجديد الهش بفعل الاختلافات والتباينات السياسية والأيديولوجية بين أحزاب هذا الائتلاف مرهون فى واقع الأمر ببقاء نتنياهو فى المشهد السياسى وفى زعامة المعارضة، إذ إن ذلك من شأنه حرص الائتلاف على التماسك والتشبث بالسلطة حتى لا تسقط الحكومة خاصة أنها تستند إلى أغلبية ضعيفة جدًا (٦٠) مقعدًا بفارق صوت واحد عن المعارضة (٥٩) صوتًا.

< < <

والمفارقة أيضًا أن خروج نتنياهو من المشهد السياسى ومن زعامة المعارضة فى حالة محاكمته وإدانته بتهم فساد ودخوله السجن هو الذي من شأنه أن يضعف الحكومة الجديدة ويسقطها بفعل نشوب الخلافات بين الائتلاف، خاصة أنها فى مواجهة تحديات كثيرة سواء على الصعيد الداخلى وفي مقدمتها الأوضاع الاقتصادية، أو على الصعيد الفلسطينى في ضوء مستجدات الصراع فى أعقاب العدوان على غزة ورشكات صواريخ المقاومة على المدن الإسرائيلية وبعد هبة الشعب الفلسطينى في الأراضى المحتلة وفى الداخل الإسرائيلى ذاته وعلى النحو الذى أعاد القضية الفلسطينية إلى دائرة اهتمام المجتمع الدولى.

لكن فى كل الأحوال سيبقي نتنياهو رقما صعبا فى المعادلة السياسية الصهيونية بحكم بقائه الطويل فى السلطة وحيث يُعد سياسيا محنكًا يحظى بكاريزما تثير إعجاب وتأييد ودعم الكثيرين في الكيان الصهيونى خاصة بين اليهود المتطرفين اليمنيين مقارنة بكل من بينيت أو لابيد وغيرهما من السياسيين في المشهد الراهن الذين يفتقدون الخبرة السياسية والكاريزما اللتين يحظى بهما نتنياهو.

هذه الكاريزما وتلك الخبرة والكفاءة السياسية تبدت بوضوح فى خطاب نتنياهو وهو يغادر منصبه رغم مرارة الهزيمة التي داهمته.. متحدثا عن نفسه وأدائه كرئيس للحكومة بكل الغرور والصلف.. مستعرضا إنجازاته التى لم يستطع سابقوه تحقيقها وفى مقدمتها اعتراف أمريكا فى إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها وكذلك في اعتراف ترامب بضم الجولان لإسرائيل، والأهم هو اتفاقيات السلام والتطبيع مع ٤ دول عربية، وحيث أراد أن يقول للإسرائيليين إنه أحرز تقدما غير مسبوق لتنفيذ المشروع الصهيونى، ومن ثم فقد تبدت عليه علامات جنون العظمة، ولعل ذلك ما كان سببًا في ظهور توجهات سياسية لتحديد مدة بقاء رئيس الحكومة في منصبه بـ٨ سنوات وفقًا للأعراف الديمقراطية العريقة حتى تثبت إسرائيل أنها دولة ديمقراطية بالفعل.

< < <

تبقى ثمة ملاحظة مهمة وهى أن إقصاء نتنياهو عن السلطة فى إسرائيل لم يكن بمعزل عن واشنطن، فأغلب الظن أن إدارة بايدن كان لها دور خفي بدرجة أو أخرى فى إقصائه على خلفية مواقفه المناوئة بشراسة والتى بدت عدائية لتوجه أمريكا للعودة إلى الاتفاق النووى مع إيران والذى انسحب منه حليفه الأقرب ترامب، وحيث يمكن اعتبار الدور الأمريكى من جانب إدارة بايدن في إقصائه نوعًا من العقاب له بسبب اللغة السياسية غير المسبوقة فى العلاقات الاستراتيجية بين أمريكا وإسرائيل عندما أعلن أنه حين يختار بين علاقة التحالف مع أمريكا وبين منع إيران من امتلاك السلاح النووى، فإنه سوف يختار منع إيران من امتلاك السلاح وهو ما يعنى التضحية بالعلاقة الاستراتيجية مع الحليف الأول والأهم؟

وسواء كان لواشنطن دور في إقصاء نتنياهو أم لا، فإن الأمر المؤكد هو أن إدارة بايدن تشعر بالارتياح باعتبار أنها تخلصت من الصداع الذى سببه ويسببه لها نتنياهو خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووى مع إيران وكذلك بشأن توجه بايدن المعلن نحو حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية هذا إن صدق بايدن في هذا التوجه.

الأمر المؤكد هو أن إدارة بايدن «الديمقراطى» شأنها شأن أى إدارة سابقة أو لاحقة.. ديمقراطية أو جمهورية لن تتخلي قيد أنملة عن دعم إسرائيل وضمان بقائها وأمنها وتفوقها العسكرى على كل دول المنطقة العربية مجتمعة، وربما يكون بايدن أكثر اعتدالا وتحفظا مقارنة بالرئيس السابق ترامب، وإن بقى حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية في ظل إدارة بايدن أمرًا بعيد المنال.. لذا لزم التنويه.

< < <

وفي المقابل وعلى الصعيد الفلسطينى فإن المثير للقلق أن يخبو الزخم الذى حققته المقاومة ومعه هبة الشعب الفلسطينى فى أعقاب العدوان على غزة فى ظل استمرار الانقسام بين السلطة فى رام الله وحماس والفصائل الأخرى في غزة.

المثير للقلق أيضًا أن يعلن يحيى السنوار رئيس حركة حماس أن اجتماعه الأسبوع الماضى مع مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط كان سيئا للغاية فيما يتعلق بالاحتياجات الإنسانية لسكان غزة ورفع الحصار عن القطاع، وهو ما يؤشر إلي أن اهتمام المنظمة الدولية بالقضية الفلسطينية والتصدى للقمع الإسرائيلى لايزال غير فاعل وغير جاد.

< <<

يبقي أنه بعد أكثر من سبعين سنة على النكبة وإقامة الكيان الصهيونى وبعد أكثر من خمسين سنة علي هزيمة ٦٧ واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وبعد أن طال أمد التوصل إلى حل عادل للصراع لتنفيذ مقررات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيه ١٩٦٧.. عبر عشرات المفاوضات العبثية، فإن تحركا عربيا وإسلاميا جادا وقويا وضاغطا بات ضروريا وحتميا لدفع المجتمع الدولي والضغط من خلال المنظمة الدولية «الأمم المتحدة ومجلس الأمن» بعيدًا عن الاستغراق فى قضايا فرعية تصرف الاهتمام عن القضية الأساسية وإقامة الدولة الفلسطينية حسبما جرى خلال العقود السابقة.

<<<

إن هذا التحرك العاجل والسريع لحل القضية الفلسطينية المزمنة بات تحركًا استراتيجيا مقدسا.. هو بالضرورة إنقاذ للأمة العربية كلها وصونًا لمقدساتها باعتبار أن المشروع الصهيونى ماض قدمًا نحو غايته الكبرى التي لا تستهدف فلسطين وحدها بل تستهدف العرب جميعًا حسبما يتبدى في ظل حالة التشظى التى تُخيّم على المنطقة العربية.

إن الأمر جد خطير.. إن الفلسطينيين مهددون بالخروج من التاريخ وإن المشروع الصهيونى المدعوم أمريكيًا وأوروبيًا لن يسمح بإقامة الدولة الفلسطينية طالما بقي العرب في سباتهم العميق وطالما هرول بعضهم للتطبيع مع الكيان الصهيونى دون مبرر حقيقى وعلى حساب الشعب العربى الفلسطينى.. ولا عزاء للعروبة!

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE