الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 11:23 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : عودة أمريكا وطىّ صفحة ترامب

الأموال

4 قمم عالمية فى أسبوع واحد.. أعادت واشنطن لزعامة الغرب

مصالحة أمريكية مع الحلفاء الغاضبين فى الـ ..G7 والناتو.. والاتحاد الأوروبى

بايدن اجتمع ببوتين متسلحا بنجاحه فى كورنوول وبروكسيل ولكن المباراة متكافئة

نشاط دولي مكثف على مستوى القمة شهده الأسبوع الماضى، بصورة لم تحدث منذ سنوات طويلة.. قمم عالمية نوقشت فيها أهم قضايا العلاقات الدولية وشاركت فيها أهم القوى الكبرى فى النظام العالمي، باستثناء الصين، التي كانت، مع ذلك، الغائب الحاضر الذى فرض وجوده بقوة في عديد من القضايا بالغة الأهمية، برغم عدم مشاركتها «المباشرة».. إلاّ أن الولايات المتحدة كانت «القاسم المشترك» في كل هذه القمم بعد سنوات الصدام مع جميع الحلفاء والشركاء الأكثر أهمية، التى شهدها حكم دونالد ترامب، والتي أضعفت وضعها القيادي في النظام الدولي، وبدا الرئيس الأمريكي عازمًا على تجاوز هذه المرحلة، معبرًا عن ذلك بقوله: «لقد عادت أمريكا”.
>> القمة الأولى كانت قمة الدول الصناعية السبع الكبرى G7 فى كورنوول ببريطانيا ـ وهى أول قمة تُجري بالمشاركة الشخصية لزعماء الدول منذ سنتين، بعد أن منع انتشار «كورونا» لقاءهم المباشر العام الماضي.. واستغرقت اجتماعات القمة ثلاثة أيام «١١ ـ ١٣ يونيو» ناقشت خلالها أجندة مزدحمة بالقضايا المهمة، فى مقدمتها التغلب على الآثار الاقتصادية المدمرة لجائحة «كورونا» وضرورات مكافحة الوباء على المستوى العالمي، وقضايا المناخ والبيئة والمواجهة مع الصين وروسيا.
ويجب ملاحظة أن قمة «كورنوول» للدول الصناعية السبع الكبار جاءت بعد عودة أمريكا إلى الاتفاقية الدولية لحماية المناخ والبيئة التى كان ترامب قد انسحب منها بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض ولذلك فقد كانت هذه القضية من المجالات التي أمكن فيها تحقيق تقدم واضح، حتى أن الدول السبع اتفقت على أن إنعاش الاقتصاد من آثار كورونا يجب أن يراعي ضرورات حماية المناخ والحفاظ على البيئة وتم الاتفاق على استهداف خفض الانبعاثات الكربونية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة ٥٠٪ حتى عام ٢٠٣٠ وهو أمر من شأنه تحقيق تقدم بالغ الأهمية في هذا المجال، والحقيقة أنه لم يكن يمكن حتى مجرد الحديث عن تحقيقه دون عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية الدولية السابق الإشارة إليها.

مواجهة كورنا.. نتائج مخيّبة للآمال
أما بالنسبة لمواجهة جائحة «كورونا» فقد ناقشت القمة ضرورة تسريع عمليات التطعيم ضد المرض بحيث يشمل ٧٠٪ من سكان كوكب الأرض قبل نهاية عام ٢٠٢٢ وتعزيز التعاون الدولي في المجال الصحي، بما يمنع حدوث أوبئة أخرى، وأن يكون هذا التعاون من خلال دعم منظمة الصحة العالمية بصفة أساسية وهنا أيضًا نُلاحظ أن غياب ترامب كان له أثر إيجابي، لأنه كان يناصب منظمة الصحة العالمية العداء، ويشن عليها حملات ضارية.
>> إلاّ أن الأمر المخيِّب للآمال كان تواضع الدعم الذd قررت الدول الصناعية الكبرى تقديمه للدول الفقيرة في مجال التطعيم ضد كورونا، فقد قررت القمة تقديم «مليار جرعة» من اللقاحات، بينما تضم الدول الفقيرة الأغلبية العظمى من سكان العالم، ويحتاج تطعيم ٧٠٪ من البشر إلى ١١ مليار جرعة.. وواضح تماما أن الفارق ضخم.. وأن من المشكوك فيه أن تتمكن الدول الفقيرة من تغطيته، الأمر الذي يجعل من الصعب تحقيق هدف الوقاية الجماعية ويظل خطر انتشار الوباء قائما.
ومن ناحية أخرى فإن الدول الصناعية الكبرى لم تتمكن من الاتفاق على إلغاء حقوق الملكية الفكرية الخاصة بإنتاج اللقاحات وتكنولوجيات تصنيعها، بما يُتيح للدول النامية إمكانية إنتاجها، وبتكلفة أرخص.. وهذا أيضا موقف مخيّب للآمال، وسيؤثر سلبًا على إمكانية تحقيق هدف الوقاية الجماعية بسبب إصرار الدول الكبرى ــ وخاصة أمريكا وبريطانيا وألمانيا ــ على حماية الأرباح الخيالية لشركات الأدوية واللقاحات العملاقة التابعة لها، والحقيقة أنه موقف لا يمكن وصفه بغير الأنانية والجشع من ناحية، وقصر النظر من ناحية أخرى، لأن عدم تحقيق الوقاية الجماعية للأغلبية العظمى من سكان الكوكب سيجعل الخطر مستمرا على الجميع، بمن فيهم سكان البلاد الأكثر غنى وتقدما وقدرة على تطعيم مواطنيها، خاصة وأن استمرار انتشار الوباء يفتح الباب لإمكانية تحور الفيروس بما يجعل الأدوية واللقاحات الموجودة أقل قدرة على مواجهته.

إجماع على مواجهة الصين وروسيا
القضية التى لقيت إجماعا في قمة السبع الكبار هي ضرورة مواجهة التحدي الذي يمثل الصعود المستمر والمتصارع للقوة الصينية سواء على الصعيد الاقتصادي أو التكنولوجي أو العسكري، والعجز التجاري الكبير لصالحهما في تعاملاتها مع تلك الدول الكبرى وعلى المستوى العالمي عموما، وغزو السلع الصينية لأسواق تلك الدول، وخاصة السلع المتقدمة تكنولوجيًا، وهو الغزو الذي فشلت الدول الصناعية الكبرى، وخصوصا أمريكا في التصدي له بالرغم من كل المحاولات والعقوبات.
>> كما أن الفوائض المالية الكبيرة لدى الصين تُمكنها من توظيف استثمارات ضخمة فى مختلف قارات العالم، وخاصة فى إطار مشروع «الحزام والطريق» العملاق، الأمر الذي يُحقق لها نفوذًا دوليًا متعاظمًا.
>> ومن ناحية أخرى فإن القوة الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة للصين قد ساعدتها على بناء قوة عسكرية ضخمة، مما جعلها تتصرف بجرأة أكبر، وخاصة فى بحر الصين الجنوبى، وشرق المحيط الهادي وشرق آسيا.. وهو ما يثير قلقًا متعاظمًا خلال السنوات الأخيرة لدى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الكبرى، كما أن تعاون الصين الوثيق في شتى المجالات مع روسيا ــ القوة النووية الثانية في العالم ــ يمثل دعمًا وظهيرًا استراتيجيًا بالغ الأهمية لموسكو ويفشل محاولات أمريكا و«الناتو» لمحاصرة وتقزيم الدور الروسى في العالم.
>> وهذا هو ما يُفسر الحدَّة الواضحة في الموقف الذي تتخذه البلدان الغربية الكبرى تجاه كل من الصين وروسيا، والذي تضمنه البيان الختامي لقمة السبع الكبار تجاه البلدين.. فقد تضمن البيان انتقادات حادة للصين بخصوص سياستها الخارخية والداخلية، بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان عموما وفي منطقة «شينجيانج/ الأويجور» خصوصا، وكذلك تجاه هونج كونج، التى استعادتها الصين من بريطانيا عام ١٩٩٧، والتي تتمتع بنوع من الحكم الذاتى.
كما تضمن البيان انتقادات حادة لروسيا ومطالبة لها «بوقف أنشطتها المزعزة للاستقرار» «ووقف الهجمات الإلكترونية» التى تتهمها أمريكا والدول الغربية بالقيام بها، فضلا عن مطالبتها هى الأخرى «باحترام حقوق الإنسان والحريات الإعلامية والمدنية «وهو ما سنجىء إليه بقدر من التفصيل عند حديثنا عن قمة «بايدن ـ بوتين».

قمة الناتو وعودة أمريكا
قمة حلف «الناتو» فى بروكسيل (١٤ يونيو) كانت مناسبة بالغة الأهمية لاستعراض عودة الدفء إلى العلاقات بين شاطئي الأطلسي بعد سنوات من المشاحنات والصدامات فى عهد ترامب، التى أثرت سلبًا على تماسك الحلف، لدرجة وصف الرئيس الفرنسي ماكرون له بأنه «قد مات إكلينيكيًا»!! فقد كان ترامب يصر على مطالبة الدول الأوروبية الأعضاء فى الحلف بزيادة مساهماتها فى موازنة الحلف بدرجة كبيرة، من خلال زيادة موازناتها العسكرية، لتدفع «ثمن حماية أمريكا لها»، ويقلل من أهمية الحلف بالنسبة لأمريكا، متجاهلا دور الحلف فى تنفيذ السياسات الأمريكية، وصناعة عظمتها الإمبراطورية ليس فى أوروبا وحدها، وإنما على النطاق العالمى.. ومتجاهلا كذلك المكاسب الاستراتيجية والمنافع الاقتصادية التى تحصل عليها الولايات المتحدة من زعامتها للمعسكر الغربى و«الناتو» وأدت هذه السياسة إلى توتر كبير فى العلاقات الأمريكية ـ الأوروبية لدرجة تهديد ألمانيا وفرنسا بإنشاء قوة عسكرية أوروبية مستقلة للدفاع عن القارة العجوز.
>> لذلك كان بايدن «وربما كان الأدق أن نقول الحزب الديمقراطى» حريصا على طىّ هذه الصحفة من العلاقات المتوترة بين جانبي الأطلنطى، والتأكيد على اهتمام الولايات المتحدة بتعزيز التحالف مع الشركاء الأوروبيين، وخاصة في مواجهة روسيا.
ومعروف أن الحلف قد حدَّد روسيا والصين فى عقيدته العسكرية التى أعلنها مؤخرا «كدولتين معاديتين» وأن الحلف بقيادة الولايات المتحدة يعمل بنشاط على التوسع شرقًا باتجاه الحدود الروسية بهدف محاصرتها وإضعافها، ومحاولة تقزيم دورها الدولى.
وقد أقرت قمة «الناتو» وثيقة جديدة حول «استراتيجية الحلف حتى عام ٢٠٣٠» أكدت على ضرورة التصدي بقوة لكل من الصين وروسيا و«تحديهما للقانون الدولى» «وقوتهما العسكرية المتعاظمة»، وكذلك ضرورة تنسيق جهود دول الحلف لتعزيز قوته ضد «الهجمات السيبرانية» ومختلف جوانب قوته «الدفاعية» وتعزيز الاستثمارات فى مجال الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة للتصنيع العسكرى.. ويشير كل ذلك ــ كما تشير الأنشطة المخابراتية الغربية فى بيلاروسيا والتوجه نحو تعزيز التعاون العسكرى مع أوكرانيا ــ إلى علاقات مستقبلية أكثر توترا وتعقيدا مع روسيا.
ويجب هنا أن نشير إلى أن الدول الغربية الكبرى الأعضاء فى «الناتو» وخاصة ألمانيا وفرنسا تُفضل انتهاج سياسة «متوازنة» تجاه كل من الصين وروسيا ــ حسب تعبير المستشارة الألمانية ميركل ــ تراعى تحقيق المصالح المشتركة وخاصة الاقتصادية من ناحية، ومواجهة التحديات والمخاطر من ناحية أخرى، فألمانيا مثلا لديها مصلحة فى استكمال مد خط أنابيب الغاز «الشمال٢» من روسيا إليها، وقد رفضت الضغوط الأمريكية لمنع اتمام المشروع.. وتمكنت مؤخرا من عمل أمريكا على رفع العقوبات ضد الشركات القائمة علي مدّ خط الغاز، كما أن ألمانيا وفرنسا تسعيان لإبعاد مصالحهما مع روسيا عن التجاذبات الشديدة فى العلاقات الأمريكية الروسية دون أن يمنع هذا من موافقتهما على توسع «الناتو» شرقا ونشر قوات له فى «بولندا» أو حتى إجراء مناورات مشتركة مع «أوكرانيا»، وفى الوقت نفسه فإن كلا من ألمانيا وفرنسا تؤيدان اتفاقيات مينسك لحل النزاع بين روسيا وأوكرانيا في منطقة الدونباس، وسبق أن أعلنتا رفضهما لانضمام أمريكا «لمجموعة نورماندى» القائمة علي رعاية المفاوضات لتطبيق الاتفاقات، باعتبار أن هذا الانضمام لا ضرورة له، خوفا من أن يؤدى التدخل الأمريكى لإشعال الموقف.
>> ويرجع هذا الموقف «المزدوج» من جانب كل من ألمانيا وفرنسا إلى خوفهما من أن تؤدى شدة الضغط على روسيا بالطريقة التى تريدها أمريكا إلى تعزيز التقارب بين موسكو وبكين، وتحوّله إلى تحالف شامل، بما يجعل مواجهة الصين وروسيا مهمة أصعب بكثير.. وهو ما عبَّر عنه ماكرون ذات مرة بقوله إن «الخشونة الزائدة» فى التعامل مع روسيا يمكن أن تؤدى إلى الارتماء في أحضان الصين.
<< وباختصار فإن «عودة أمريكا» بقوة إلى الساحة العالمية وعودة الدفء إلى علاقتها بالحلفاء الأوروبيين الكبار فى «الناتو» تعزز من قوة الحلف وفاعليته لكنها لا تلغى «التباين» سواء فى مصالح أعضائه الكبار، أو فى نظرتهم للطريقة الأمثل فى معالجة بعض القضايا الرئيسية وهو ما يبدو أن بايدن أقرب إلى تفهمه.

المصالحة الأمريكية مع الاتحاد الأوروبى
اتسمت قمة بايدن مع قادة الاتحاد الأوروبى فى بروكسيل «١٥ يونيو» بأهمية بالغة فى إصلاح ما أفسده ترامب خلال فترة رئاسته، التى شهدت توترا كبيرا فى العلاقات بين الطرفين، بسبب الحرب التجارية الشعواء التى أشعلها مع «الاتحاد» بفرضه رسوما جمركية مرتفعة على الصلب والألومنيوم وعدد من السلع الأوروبية التى تحقق فائضا في الميزان التجارى مع أمريكا، وكذلك بسبب هجومه الدائم على «الاتحاد» وتأييده المتحمس لخروج بريطانيا منه «البريكست»، وقد اجتمع بايدن مع كل من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، وعدد من المسئولين رفيعى المستوى فى الاتحاد.. وجاء بايدن إلى القمة وهو يحمل رسالة تصالح ورغبة فى محو آثار الفترة (الترامبية) بما فعلت به من رسوم ورسوم مضادة.
وقد أسفرت القمة عن الاتفاق على رفع الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة أربعة أشهر يتم خلالها التفاوض حول أوضاع جديدة، كما اتفق الجانبان على إنهاء النزاع الشهير بشأن الدعم الحكومى لطائرات «بوينج» الأمريكية وإيرباص الأوروبية وإسقاط جميع الرسوم الجمركية المتبادلة المفروضة على خلفية هذا النزاع لمدة خمس سنوات بصورة أولية «الأهرام ـ ١٦ يونيو ٢٠٢١» كما ناقش الطرفان سبل التصدى لمنافسة البضائع الصينية فى سوقيهما، وضرورة إنشاء مجلس مشترك للتجارة والتكنولوجيا لمواجهة المنافسة الصينية فى مجال الاقتصاد الرقمي، ووضع معايير مشتركة تهدف لعدم السماح بالهيمنة على الأسواق لأى نظام ينتهك المعايير الغربية، كما اتفقا على إنشاء فريق عمل مشترك لزيادة إنتاج اللقاحات.
وهكذا يمكن القول إن القمة الأوروبية ــ الأمريكية قد أزالت التوتر الذى أشاعه ترامب فى العلاقات بين الطرفين من الناحية الأساسية، ووضعت أي خلافات تجارية بينهما على المسار الطبيعى للعلاقات بين الشركاء التجاريين التى لا تخلو من الخلافات والمنافسة، لكن تسويتها تتم بدون صدامات وحروب تجارية.
<<<
>> وبناء على كل ما ذكرناه يمكن القول إن القمم الثلاث التى شارك فيها بايدن قد حققت نجاحا واضحا من وجهة نظر واشنطن ومثلت خطوات هامة «لعودة أمريكا» حسب تعبير بايدن، لموقعها المعتاد فى زعامة العالم الغربى، وطى صفحة ترامب وما حفلت به من صدامات مع حلفاء بلاده الطبيعيين.
وهكذا ذهب الرئيس الأمريكى إلى القمة الرابعة مع نظيره الروسى فى جنيف، مستندا إلى هذه النجاحات، لكن المواجهة بينهما كانت متكافئة، وهذا هو موضوع مقالنا القادم بإذن الله.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE