الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 03:31 صـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : أيام كورونا التى طالت.. خواطر وتأملات

الأموال

أكتب هذه السطور بعد نحو عشرة شهور أمضيتها عاكفًا معتكفًا فى بيتى فى حبس اختيارى أو كأنه اختيارى، وإن كان فى حقيقة الأمر إجباريا احترازيا.. رعباً من كورونا وتجنباً لأى احتمال للإصابة بذلك الفيروس اللعين الذى اقتحم حياتنا بشراسة فى سائر بلدان وشعوب المعمورة.. منطلقا من الصين فى أقصى شرق الكرة الأرضية إلي أرجائها.. غربا وشمالا وجنوبا مهددًا البشرية كلها.

< < <

ورغم انتقاد الأقارب والأصدقاء والزملاء واتهامهم لى بالمبالغة الشديدة فى الاحتراز والبقاء الدائم في البيت.. متخوفين من إصابتى بأضرار نفسية تفضى إلى الاكتئاب وأضرار بدنية نتيجة عدم الخروج وعدم التعرض للشمس والهواء فى الخارج، إلا أننى كنت ومازلت أرى أن أى أضرار صحية.. بدنية أو نفسية تظل أقل بكثير جدا من احتمال الإصابة بالفيروس، وعلى النحو الذى أصابنى بما يمكن وصفها وتسميتها بـ«فوبيا» الخروج من البيت.. ليس خشية الموت الذى لا يتأخر عن المقدور باعتبار أن «لكل أجل كتاب» ولكن خوفا من أعراض الإصابة وتجنبًا لـ«البهدلة» والعذاب الذى لا يتحمله من هم في سنى والتى يهون الموت أمامها، مع اعتقادى الراسخ بأن من لم يمت بـ«كورونا» مات بغيرها.

ولذا فإننى باستثناء أربعة أيام غادرت خلالها البيت بسبب قاهر وهو اضطرارى لإجراء عملية منظار ضرورية لم يكن ممكنا تأجيلها.. مازلت أواصل الحبس المنزلى لحين إشعار جديد يأتى ببُشرة نهاية الوباء.. إما تلقيحا وإما بموت الفيروس ذاته.

< < <

خلال تلك الشهور مرت الأيام طويلة ثقيلة متثاقلة رغم ظاهرة الإحساس بمرور الزمن سريعا «قبل كورونا» وتلك هى المفارقة، حتى صارت الحياة بلا معالم بل دون إحساس بالحياة ذاتها، إذ لا جديد يمكن فعله سوى الانتظار ريثما تعود الحياة إلى طبيعتها قبل الوباء.

ومع البقاء الدائم في البيت والامتناع الكامل عن الخروج والاحتكاك بالخارج والاكتفاء بقضاء الاحتياجات من أغذية ودواء وغيرها من خلال خدمة التوصيل المنزلى «الديليفرى» إلا أن ما يمكن وصفه بـ«الوسواس» أضاف عبئا مرهقا ومملا متمثلا في إجراءات تطهير أكياس وأغلفة تلك الاحتياجات قبل إلقائها في القمامة، ثم المبالغة في غسل الأيدى بعد ذلك.

بل لقد بلغ الوسواس مبلغا مبالغا فيه إلى درجة أنى لا أفتح الباب لاستقبال «الديليفرى» أو أى معاملة أخرى إلا مرتديا الكمامة حتى صرت أستخدم كمامات أكثر بكثير من الذين يخرجون يوميا للعمل والدراسة ولأى أسباب أخرى، ومع ذلك أجدنى حامدا شاكرا لأنى لست مضطرا للخروج.<<<

خلال تلك الشهور الطويلة المُملة لم يكن متاحًا أمامى سوى متابعة نشرات الأخبار وبرامج الفضائيات لمتابعة أخبار ما يجرى فى هذا العالم المجنون من حروب ونزاعات وصراعات وما أسفرت عنه من دمار أوطان وانهيار دول وتشريد لشعوب فى منطقتنا، مما أضاف إحساسًا مضاعفا بالاكتئاب.

بينما كانت أخبار تفشى الوباء في أرجاء العالم وما أسفر عنه من ملايين الإصابات والوفيات.. هي «خميرة العكننة» الدائمة، وحيث لا يملك المرء سوى التضرع للخالق سبحانه وتعالى لأن يكشف هذا الوباء بنهاية هذه الجائحة إذ بدا وبحق أنه «ليس لها من دون الله كاشفة».

<<<

وفى نفس الوقت فقد كانت متابعة أخبار الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ إجرائها في ٣ نوفمبر الماضى وإعلان فوز بايدن وطوال أكثر من شهرين حتى وقت كتابة هذه السطور مساء الثلاثاء الماضى.. كانت فرصة للتسلية.. خففت نسبيا من حالة الاكتئاب باعتبارها كانت ملهاة كوميدية وأحداثا دراماتيكية لم تشهد أمريكا ولا العالم مثلها فى التاريخ السياسى الأمريكى، فقد نجح ترامب الخاسر فى شغل أمريكا والعالم بممارساته التى بدت انتهاكًا للديمقراطية الأمريكية برفضه الاعتراف بالهزيمة رغم خسارته أكثر من ٦٠ دعوى قضائية أمام المحاكم فى مختلف الولايات لقلب النتيجة لصالحه وإلغاء فوز بايدن، ثم أنهى هذه الممارسات بتهديده لسكرتير ولاية جورجيا حسبما جاء فى مكالمة هاتفية جرى تسريبها لتعتبر نتيجة الولاية لصالحه، وهى فضيحة قد تعرضه للمحاكمة الجنائية.

<<<

وإذا كنت أتحدث فى هذه السطور عن نفسى وتعاملى الشخصى المبالغ فيه مع أزمة كورونا، وأحسب أن هناك غيرى وكثيرين ممن هم فى سنى قد فعلوا نفس الشيء، إلا أن المؤكد أن أنماط الحياة الطبيعية للناس فى مصر والعالم قد تغيرت كثيرا سواء فى أيام الإغلاق الكامل أو فى فترات الحظر وحتى فى بقية الأيام، إذ إن الحياة في العالم لم تعد كما كانت قبل كورونا.

< < <

وفى أيام كورونا لا يفوتنى أن الشىء الوحيد الذى أتفق فيه مع ترامب هو اتهامه للصين بالمسئولية عن ظهور كورونا وتفشي الوباء في العالم ومن ثم وصفه وتسميته له بالفيروس الصينى، خاصة أنه انطلق من مدينة «ووهان» الصينية التى تضم مركزا لأبحاث الفيروسات وهو الأمر الذى يُدعم اتهامها بالتأخر في الإعلان عن ظهور الفيروس فى الصين، حيث كان من الممكن لدول العالم التصدى المبكر لانتقاله وتفشيه بامتداد الكرة الأرضية، مع ملاحظة بالغة الأهمية وهى أن الصين هى الدولة الوحيدة فى العالم التي انتهى الوباء فيها وتُمارس حياتها الطبيعية ولم يتم اكتشاف أى إصابات بها إلا لدى الوافدين من خارجها!

< < <

المؤسف هو أنى بينما كنت أتأهب لبداية انحسار الوباء بعد كل تلك الشهور ومع ظهور اللقاحات، فإذا بالموجة الثانية التى تهاجم العالم.. أشد شراسة وأكثر انتشارًا وحيث تضاعفت أعداد الإصابات والوفيات في العالم ومصر أيضا، خاصة مع ظهور سلالات جديدة.. من غير المؤكد حتى الآن صلاحية اللقاحات للوقاية منها.

المؤسف أيضا أن الأمل يتضاءل كثيرا في عودة الحياة الطبيعية قريبا وقبل عدة أشهر قادمة وقد يمتد الخطر لأكثر من سنة وإلى ما بعد ٢٠٢١، وهو ما يعنى أننى وكثيرين سوف نبقي في الحبس المنزلى!

<<<

سوف يظل فيروس «كورونا» وتفشي ذلك الوباء غير المسبوق من حيث انتشاره السريع والشرس.. لغزا مستعصيا على الفهم الحقيقى رغم كل التحليلات والتفسيرات العلمية المتباينة والمتناقضة، ومع ملاحظة أن ثمة اتجاهات تشير إلى مؤامرة سياسية من بعض دول العالم الكبرى خاصة من جانب شركات الأدوية الكبرى، فإن التفسير الذى يتعين عدم إغفاله هو أن الوباء رسالة من السماء إلى أهل الأرض حيث «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس» ومن المعلوم وفقا لكل تفاسير القرآن أن «ظهر» تعنى علا علوًا كبيرا.

< < <

كانت هذه بعض خواطرى وتأملاتى فى أيام كورونا الطويلة التى طالت كثيرا والتى بدا واضحًا أنها قد تطول أكثر.. لعلها تكون مدعاة لاستدعاء خواطر أخرى لغيرى من العاكفين في البيوت.

< < <

وإلي أن تزول تلك الغُمة.. تبقى الدعوة المشددة إلى توخى الحذر الشديد.. توقيًا للإصابة حفاظا على الأرواح وحياة البشر.. وحياة أى إنسان باعتبارها أعظم عند الخالق من هدم الكعبة المشرفة حسبما قال صلى الله عليه وسلم.. لذا لزم التنويه والتحذير..

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE