الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 11:20 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : العراق فى مهب العواصف الأمريكية - الإيرانية (١)

الأموال

إذا كانت حكومة الكاظمى قد اتخذت خطوات مهمة فى اتجاه استعادة التوازن لعلاقات العراق الإقليمية بالتقارب مع مصر والسعودية والأردن كما أوضحنا في مقالنا السابق (الأموال ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٠) فإن هذه الخطوات تكتسب أهمية إضافية من حدوثها فى لحظة تتوالى فيها الأحداث العاصفةحول العراق وداخل حدوده ويشتد الصراع الأمريكى ــ الإيرانى على النفوذ في العراق باعتباره ورقة بالغة الأهمية فى المساومة العنيفة بين واشنطن وطهران ليس حول البرنامج النووى (والصاروخى) فحسب بل حول رسم خرائط النفوذ في الخليج وفى المنطقة عموما.
ترامب ـ الذى زادته خسارته للانتخابات الرئاسية عصبية وهياجا يبحث عن نهاية عسكرية صاخبة لوجوده فى البيت الأبيض بتصعيد هجومه على إيران وعقوبات ضدها في محاولة لقطع الطريق على بايدن كى لا يعود إلى العمل بالاتفاق النووى مع إيران.. ومعروف أن بايدن كان نائبا لأوباما عند الاتفاق عام ٢٠١٥.. وقد أعلن خلال حملته الانتخابية نيته فى إعادة العمل بالاتفاق بشرط إدخال تعديلات محددة وهو ما يرفضه ترامب وأنصاره من «المحافظين الجدد» واليمينيين بصورة قاطعة.
وقد رأينا كيف أرسل الرئيس المنقضية ولايته حاملة طائرت كبري جديدة إلى المنطقة، لتحتشد ثلاث حاملات طائرات أمريكية شمال بحر العرب بالقرب من إيران. كما أرسل قاذفات «بى ٥٢» الاستراتيجية إلى القواعد الأمريكية فى المنطقة وهو يعلن أنه إذا حدث اعتداء إيرانى علي أى أمريكى واحد فإنه سيوجه «ردًا مدمرًا» إلى طهران.
وإسرائيل اختارت هذا التوقيت بالغ التوتر لتغتال «محسن فخرى زاده» المعروف بأنه «أبو البرنامج النووى الإيرانى» بهدف استدراج طهران إلى رد انتقامى يمكن أن يؤدى إلي اشتباك بينها وبين واشنطن.. وإيران تضبط نفسها في انتظار رحيل ترامب عن البيت الأبيض لكنها تتخذ خطوات في تطوير برنامجها النووى «زيادة نسبة التخصيب لليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزى..الخ» بما تعتبره الدول الغربية نقضا للاتفاق.
وأى سيناريو «مسلح» لن ينجو العراق من آثاره خاصة أن الميليشيات الموالية لإيران داخل العراق ستوجه ضرباتها إلى القواعد الأمريكية في البلاد وإلى السفارة التى يجرى إخلاء موظفيها تحسبا لأى طارئ.. ومعروف أن الشهور الماضية شهدت ما يمكن تسميته «بحرب الكاتيوشا» ضربت خلالها الميليشيات الموالية لإيران أهدافا أمريكية في بغداد وغيرها ردا على قصف الطائرات الأمريكية لمواقع هذه الميليشيات سواء على الحدود السورية ـ العراقية أو داخل البلاد
وفي أجواء «مشبعة ببخار البنزين» كهذه فإن أى شرارة صغيرة يمكن أن تشعل حريقا كبيرا سينال العراق نصيبا كبيرا منه بالتأكيد..
إسرائيل وتركيا
وتستغل إسرائيل الأجواء القابلة للاشتعال في المنطقة لتشن مزيدا من الهجمات علي الميليشيات العراقية «الحشد الشعبى» وحزب الله في منطقة الحدود السورية ـ العراقية وفي الداخل السورى وهى تعرف أن صواريخ حزب الله من الصعب أن تنطلق نحوها فى الوقت الذى لا يكف فيه ترامب عن توجيه إنذاراته إلى لبنان.. ولكن إذا أفلت الزمام وانطلقت شرارة صغيرة فإنها يمكن أن تشعل الحريق.
أما تركيا فإنها لا تكف عن الاعتداء على الأراضى العراقية وقصف المدنيين واحتلال مواقع في شمال العراق بذريعة مطاردة قوات حزب العمال الكردستانى.. بينما هى لا تخفي أطماعها العدوانية التوسعية فى المنطقة بما في ذلك القول بأن الموصل «ثانية كبري المدن العراقية» هى فى الأصل أرض تركية!!
وداعش.. ترفع رأسها!
أما في الداخل فإن داعش التى سبق أن تلقت هزيمة ساحقة فى الموصل وغيرها من المناطق العراقية «كانت دولتها تحتل حوالى ثلث أراضى العراق» فقد بدأت تستجمع قواها تدريجيًا وتعيد تنظيم فلولها المبعثرة.. وتشن الهجمات هنا وهناك ثم يعود الإرهابيون إلى التفرق حسب أسلوب حرب العصابات المعروف.. ووصلت هجمات داعش إلى ضواحى بغداد مؤخرا حيث هاجمت موقعين عسكريين!! وقتلت ١٥ وأصابت العشرات بين عسكرى ومدنى.. وهذا تطور خطير بلا أدنى شك
وواضح أن الصراع السياسى المحتدم في البرلمان وخارجه بين الموالين لإيران والموالين لأمريكا بالإضافة إلى تجذر الفساد فى أجهزة الدولة يلعب دورا سلبيا خيرا في إعاقة تطور عملية إعادة بناء الجيش العراقي بحيث يُمكنه فرض سيطرته علي الأراضى العراقية الشاسعة كلها (٤٣٥ ألف كم٢).. وهكذا عادت عصابات داعش للانتشار في محافظات مثل «الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالي» بصفة أساسية وهى المحافظات التى كانت قد انطلقت منها لإقامة «دولتها» الإرهابية.
وواضح أيضا أن قوات «التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب» بقيادة الولايات المتحدة لا تقوم بدورها الواجب في مطاردة فلول «داعش» بل إن قاعدة «التنف» الأمريكية علي المثلث الحدودى العراقى ـ السورى ـ الأردنى «وهى قاعدة ضخمة يبلغ قُطرها ٥٠كم» هى بمثابة ثقب أسود لعبور الإرهابيين بين سوريا والعراق وهنا يفرض نفسه بإلحاح سؤال: ماذا يفعل التحالف الغربى بالضبط في العراق؟

تدمير الدولة والتعصب الطائفي
عنصر مهم للغاية في تسهيل ظهور وانتشار الإرهاب فى العراق ثم في تسهيل عودته يتصل بالطريقة الأمريكية في إدارة العراق بعد الغزو «٢٠٠٣» فقد عمدت الإدارة الأمريكية إلي تدمير مؤسسات الدولة العراقية وفي مقدمتها الجيش الذى «حلَّته» هكذا بكل بساطة! ودون أى التزام تجاه ضباطه وكوادره!! ثم فتح الأمريكيون الأبواب علي مصاريعها أمام الميليشيات الشيعية المتطرفة التي كانت تتخذ من إيران مقرًا لها لتدخل إلي العراق وتعيث في الأرض فسادا وتمارس إجراما طائفيا بغيضا ضد السكان «السُنَّة والأقليات الدينية بل والشيعة المعتدلين غير الموالين لها».
ومن ناحية أخرى فقد أعلنت الإدارة الأمريكية ما يسمى بسياسة «اجتثاث البعث» التى لم تشمل الكوادر القيادية أو حتى الوسطى فحسب بل امتدت لتأخذ فى وجهها «أى عضو قاعدى فى حزب البعث!!».. ومعروف أن في ظل نظم الحزب الواحد كالبعث يسعى الناس للالتحاق بالحزب الحاكم لتحقيق منافع أو دفع أضرار.. وليس ضروريا أن يكونوا مؤمنين بمبادئه أو مشاركين فى قمعه للشعب.. وهذا هو ما يحدث فى كل بلدان العالم حيث يوجد نظام الحزب الواحد غير أن الأمر لم يقف عند هذا فقد انفتح الباب واسعًا للدسائس الشخصية والبلاغات الكيدية ضد أناس لا علاقة لهم بحزب البعث من قريب أو بعيد.. وهكذا شهد العراق في السنوات التالية للغزو الأمريكى اضطهادا طائفيا وسياسيا واسع النطاق لجماهير لا حصر لها وارتبط ذلك بالزج في السجون والتعذيب الوحشى وقطع الأرزاق وكل ما يمكن تصوره من أشكال القمع.
ثم جاء «الدستور» الذى فرضه الأمريكيون على العراق ليكرّس نظاما طائفيا متخلفًا.. فرئاسة الوزراء للشيعة «باعتبارهم الأغلبية» وهو المنصب السيادى الأعلي وشاغله هو القائد العام للقوات المسلحة ورئاسة البرلمان للسُنَّة.. ورئاسة الجمهورية للأكراد مع منحهم حُكمًا ذاتيًا يكرّس ميلهم القديم للانفصال!
وكان طبيعيا في أجواء كهذه أن يسيطر زعماء الأحزاب الطائفية وميليشاتها على مقاعد البرلمان والوظائف العليا والمتميزة وأن يسيطروا علي المرافق الاقتصادية وثروات البلاد وأن ينهبوا ثرواتها وأن يعقدوا الصفقات المشبوهة مع الشركات الأمريكية والإيرانية والتركية وأن نسمع أرقاما بعشرات المليارات من الدولارات قام هؤلاء بتهريبها للخارج.. وفي مقدمتهم شخصيات مثل نورى المالكى رئيس الوزراء لدورتين «٨ سنوات» وحيد العبادى رئيس الوزراء الأسبق وعادل عبدالمهدى رئيس الوزراء الأسبق الذى أطاح به الحراك الشعبي وغيرهم من الوزراء والنواب والسياسيين.

على طبق من فضة
وإذا كان أغلب هؤلاء وأحزابهم المستندة إلى الميليشيات من ذوى الانتماءات الطائفية المتطرفة والمعروفين بارتباطهم العتيق بإيران فقد كان من الطبيعى أن يتغلغل النفوذ الإيرانى فى العراق وأن ينتبه الأمريكيون خلال عدة سنوات ليجدوا أن إيران قد تغلغلت في العراق ويبدأوا فى الصياح حول هذا التغلغل علي أيدى عملاء طهران أو العملاء المزدوجين.. بينما الحقيقة هى أن أمريكا بسياستها الغبية والمتغطرسة هي التى أهدت العراق إلى إيران على طبق من فضة!!

الحاضنة الاجتماعية.. ورد الفعل
وإزاء هذا الاضطهاد الطائفي والسياسى الممنهج والشعور بالظلم الاجتماعى فى ظل أوضاع اقتصادية بائسة وانتشار الفساد والبطالة والبطء الشديد في عملية إعادة إعمار البلاد التى دمرتها الحرب.. كان من الطبيعى أن تشعر جماهير السُنة بالغضب «ومعهم أبناء الأقليات الدينية الأخرى فى العراق.. وهى كثيرة» وأن تختلط مشاعر رفض الاحتلال الأمريكى برفض الاضطهاد الطائفى وأن ترتدى الدعوة لمقاومة الاحتلال رداءً دينيا مذهبيًا كرد فعل علي تحالف الاضطهادين الأمريكى والطائفى المتطرف وأصبحت هذه تربة مناسبة لانتشار دعوة «القاعدة» أولا ثم «داعش» فيما بعد.
<< وساعد علي ذلك بالتأكيد الطابع العشائرى واسع الانتشار للتركيبة الاجتماعية في العراق ومعروف أن التركيبة الطائفية ضعيفة التطور فكريا وثقافيا وتميل بطبعها إلي التشدد الدينى.
<< وهكذا وجدت «داعش» حاضنتها الاجتماعية المناسبة وخاصة في المناطق شبه الصحراوية كـ«الأنبار» ومناطق الأطراف والأرياف لتنمو بسرعة ثم ليحدث الانفجار المدوى للظاهرة بالاستيلاء على الموصل «ثانية كبرى مدن البلاد» في يوليو ٢٠١٤ بعد فرار قيادات فرقتين من الجيش العراقى تاركين خلفهم الأسلحة والذخيرة كاملة!! ومليار دولار في خزينة فرع البنك المركزى
فى الموصل!! والمفارقة المذهلة هى أن عدد القوات المهاجمة لم يكن يزيد علي ٥٠٠ مقاتل إرهابى.. نكرر خمسمائة إرهابى.. والمثير للارتياب والدهشة أن أحدًا من قيادات هاتين الفرقتين لم تتم محاكمته حتى الآن!
< < <
بقية القصة معروفة بما فيها حشد القوات وتحطيم قوة داعش العسكرية وتحرير الموصل وبقية المناطق العراقية (٢٠١٧) وكان هذا ينبغى أن يكون ميلاد فجر جديد للعراق.. لكن ذلك لم يحدث فلماذا؟.. وهل تكون انتفاضة الشعب العراقي في أكتوبر ٢٠١٩ بداية جديدة لمحاولة ناجمة للخروج من الدائرة الجهنمية التي يدور فيها العراق؟
للحديث بقية…

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE