الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 09:24 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : طبقية التعليم.. وتوريث الجهل (3)

الأموال

وزارة التعليم.. المحرض الأول على الدروس الخصوصية!
رفع تسعيرة “المجموعات” إنهاك للفقراء.. ونقل “السناتر” للمدارس ليس حلاً
مطلوب: تنفيذ كادر المعلمين.. وإلغاء تجميد “الأساسى” عند عام 2014

تحدثنا فى الجزئين السابقين من هذا المقال " الأموال - 4 و18 أكتوبر 2020 "  عن الأعباء الكبيرة التى تلقى بها قرارات وزير التعليم الأخيرة على كاهل الأسر المصرية، بدءاً من الزيادة الكبيرة فى الرسوم الدراسية لكافة المراحل قبل الجامعية - والتى نصر على عدم دستوريتها- إلى تكاليف (التعليم عن بعد) من ضرورة توافر أجهزة كمبيوتر فى البيوت، أو تابلت أو تليفون (أندرويد) مع ما يقتضى ذلك من أموال ومن تكلفة لباقات الإنترنت شهرياً.. أو على أقل تقدير إطلاقاً توافر أجهزة تليفزيون إضافية، لأن الأسرة لن تحرم نفسها من التليفزيون لصالح متابعة أبنائها للقنوات التعليمية.. كما أن الأسرة يمكن أن يكون بها طفلان أو ثلاثة يمكن أن تتعارض مواعيد القنوات التعليمية لكل منهم.
وقلنا إن النتيجة الحتمية لذلك كله ستكون تقليص  فرصة أبناء الأسر الفقيرة فى الحصول على الحد الأدنى من التحصيل مقارنة  بفرصة زملائهم أبناء الأسر الميسورة نسبياً.. وقلنا إن هذه النتائج السلبية يمكن القبول بها اضطرارياً فى عام الكورونا، وضرورات التباعد الاجتماعى لمنع تفشى الوباء فى المدارس، ومنها إلى البيوت والشوارع.. لكن خطة الوزير طارق شوقى فى تحويل نظام (التعليم عن بعد) إلى نظام شامل ودائم مرفوضة لأنها تعنى تدمير الدور التربوى للمدرسة والمعلم.. والإضعاف الخطير لمستوى التعليم.. ولهذا فإنه حتى الدول المتقدمة الأفضل منا فى توافر الإنترنت وشيوع استخدام الكمبيوتر ترفض الأخذ بها.. كما قلنا إنه ليس من المعقول أن تقوم وزارة يتذيل نظامها التعليمى قائمة التصنيف العالمى (باختراع) نظام (التعليم عن بعد) وتقديمه باعتباره النظام الأفضل والأكثر تقدماً وأن الهدف الحقيقى لهذا (الاختراع) هو انسحاب الوزارة من دورها تجاه التلاميذ تحت شعارات براقة.
المحرض الأول على الدروس الخصوصية!!
استبقت وزارة التعليم العام الدراسى بحملة واسعة ضد الدروس الخصوصية ومراكز تقديمها (الشهيرة بالسناتر).. داعية إلى إنزال أشد العقوبات بأصحابها، وبالمدرسين المتعاونين معها.. وكان من أهم ركائز هذه الحملة أن (التعليم الحديث).. أى التابلت والتعليم عن بعد.. ونظام الامتحانات الجديد سيقضى على الدروس الخصوصية.. إلخ.
ولكن سرعان ما اتضح أن الهدف من ذلك هو تحويل المدارس نفسها إلى (سناتر).. وتحصيل الأموال من المدرسين أنفسهم وأولياء الأمور مقابل ذلك!! كما اتضح أن النظام الجديد سيكبد الأسر المصرية نفقات أكبر لتعليم أبنائها!! وكل ما سيحدث هو أن الدروس الخصوصية سيتم تقديمها تحت اسم قديم مقبول هو (مجموعات التقوية).. التى تم رفع رسومها من (35 جنيها) إلى (85 جنيها).. أى بأكثر من الضعف مع استخدام صياغات (ملطفة) من قبيل «كحد أقصى».. هو الذى يتم فرضه فعلاً أو الاقتراب منه بشدة.. على أن يتم تقديم هذه المجموعات فى المدارس، مقابل (25%) من الرسوم يقدمها المعلمون للوزارة.. على أن تجرى أعمال المجموعات بعد نهاية اليوم الدراسى.
ونحن هنا نتحدث عن المدارس العامة (الشعبية) حيث إن المدارس الخاصة المتميزة ومدارس اللغات والمدارس الدولية لها رسوم وفئات أخرى تماماً.
وبديهى أن المدرسين فى أية مدرسة حكومية عادية سيجدون أن هذا النظام أنسب وأكثر أمناً لهم من الذهاب إلى (السناتر) وتعريض أنفسهم للمشاكل المحتملة.. كما أنه بديهى أيضاً أن المدارس لن تقدم فصولها وأثاثها المدرسى وطاقتها الكهربائية.. إلخ مجاناً.. وأن من حقها أن تحصل على مقابل لاستخدام مرافقها.. ولكن يجب أن نلاحظ أن الوزارة فرضت نسبة عالية (25٪) من الحصيلة بدلاً من الـ(15٪) التى كان الحديث يدور عنها فى الصيف.. كما رفعت سقف أسعار المجموعات بأكثر من الضعف- أى أن التلميذ الذى كان يلتحق بأربع مجموعات مثلاً (مقابل 140 جنيهاً) سيجد نفسه مضطراً لدفع (320 جنيهاً) مقابل نفس المجموعات بفارق (180 جنيهاً).. وإذا كان لدى الأسرة طفلان أو ثلاثة فسيتضاعف المبلغ.. ولو أن الوزارة اكتفت بزيادة رسوم المجموعة بـ(10٪) مثلاً.. واكتفت بتحصيل (10٪) لنفسها، لانخفضت التكلفة إلى النصف، ولكان العبء أقل بصورة ملموسة على الأسرة.. لكن هذه أمور لا يفكر فيها الوزير الذى يعمل بمبدأ: «اللى ممعهوش مايلزموش!!» والنتيجة الحتمية ستكون تدهور مستوى تعليم أبناء الأسر الأكثر فقراً، واستعمال ظاهرة التسرب من التعليم، خاصة فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية.. وتقلص فرصة أبناء تلك الأسر فى الوصول للتعليم الثانوى، ومن ثم الجامعى، واتجاه المزيد منهم (للتعليم الفنى).. الذى لا يعلم شيئاً.. وباختصار.. المزيد من خصخصة التعليم وطبقيته.. ومن تضاؤل فرص أبناء الفقراء من الحصول على نصيب معقول من التعليم المناسب.. وهذه كارثة اجتماعية وحضارية ووطنية.. لأن أى مجتمع حديث طامح لتحقيق النهضة بحاجة لأعداد كبيرة من أبنائه لتوسيع قاعدة الفنيين والمهنيين المتطورين (أطباء - مهندسين - معلمين - إلخ) فضلاً عن العلماء والباحثين.. والنقص فى أعداد هؤلاء لا يؤثر سلباً على مستوى التطور الصناعى والعلمى والتكنولوجى للبلاد.. بل وأيضاً على قدراتها الدفاعية.
والحال أن وزارة التعليم لا تضع اعتباراً فى خططها (لتطوير) التعليم لهذا كله.. ولكن قبل كل ذلك لجباية أكثر نقود ممكنة من الأسر الفقيرة والمنهكة بالأعباء أصلاً.. وتنتقل الوزارة من نظام الفصول المكتظة بكثافات عالية.. إلى نظام (التعليم عن بعد).. وكلاهما أسوأ من الآخر.. كما أن النظامين يعتبران المحرض الأول على الدروس الخصوصية، لأن كل الأسر تريد مستوى جيداً من التفوق لأبنائها، باعتباره وسيلة لا غنى عنها للارتقاء الاجتماعى والمهنى والمادى للناس الشرفاء.
والخلاصة أن محاولة الوزارة لإزاحة عبء تعليم التلاميذ الجبرى عن نفسها إلى كاهل الأسر ستؤدى بالضرورة إلى استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية، وبصورة خاصة فى المرحلتين التأسيسيتين - الابتدائى والإعدادى - فالحضور فى المدرسة يتقلص بشدة والتعليم من خلال الإنترنت ليس متاحاً لأغلب الأسر الفقيرة، خاصة مع ضعف مستوى انتشار الكمبيوتر، وضعف معرفة بسطاء الناس به (فلاحين وحرفيين وعمالة غير منتظمة.. وفئات محدودة التعليم).. ومع انشغال معظم الآباء والأمهات بكسب لقمة عيشهم.. إلخ.. لن يكون هناك سبيل أمام هذه الأسر لرفع مستوى أبنائهم إلا بالدروس الخصوصية أو سمها المجموعات المدرسية إن شئت.. والتى تصبح تكلفتها خارج قدرات الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل بصورة متزايدة. وبالتالى ستستفحل ظاهرة تدهور المستوى التعليمى لأبناء الفقراء.. وظاهرة التسرب من التعليم.. فهل هذا هو المستقبل الذى نريده لبلادنا ومجتمعنا؟؟!! بالتأكيد لا..
بمجرد انتهاء كورونا..
لذلك نقول إنه ينبغى أن يكون واضحاً لكل من يهمه الأمر أن خطط الوزير طارق شوقى (لتطوير) التعليم من خلال تحويل نظامه إلى (التعليم عن بعد) بصورة شاملة ودائمة، هى خطط محكوم عليها بالفشل.. وأنه بمجرد انتهاء الوباء لابد من العودة إلى نظام التعليم المعروف فى العالم كله، بما يقتضيه من بناء مدارس وفصول جديدة، وتقليل كثافة الفصول، وتعيين مدرسين جدد لسد النقص الحالى وتجهيز المعامل والمكتبات ومختلف أوجه النشاط المدرسى.. ونكرر: كما هو موجود فى كل بلدان العالم المتقدم.. وبديهى أن هذا لا يعنى التخلى عن الكمبيوتر أو أى مكتسبات تكنولوجية تحققت للمنظومة التعليمية.. ولكن مع استخدامها فى إطارها الصحيح والمعقول.
المعلمون أساس التطوير
أثناء إعداد هذا المقال للنشر (الأربعاء 21 أكتوبر) جاءت أخبار طيبة عن صدور قرارات لمجلس الوزراء بزيادة بدلات المعلمين بنسبة (50٪) - أى ما يتراوح بين (75 و180 جنيهاً حسب الأقدمية) بتكلفة تبلغ نحو (1.8 مليار جنيه سنوياً).. وزيادة حافز الأداء بنسبة (50%) بتكلفة تبلغ نحو (1.2 مليار جنيه) وزيادة مكافأة الامتحانات بنسبة (25%) للمعلمين و700 ألف موظف يعاونونهم بما يتراوح بين 65 جنيهاً و155 جنيهاً شهرياً).. وبتكلفة قدرها (2.3 مليار جنيه سنوياً) أي بزيادة إجمالية قدرها (5.3 مليار جنيه سنوياً) – (المصدر بوابة أخبار اليوم- 21 أكتوبر 2020).
وإذا وضعنا في اعتبارنا أن عدد المعلمين- حسب خبر بوابة أخبار اليوم- يبلغ نحو (1.4 مليون)، فإن متوسط الزيادة السنوية في مرتب المعلم سيبلغ نحو (3.8 ألف جنيه سنوياً).. وإذا خصمنا نصيب الموظفين من زيادة مكافأة الامتحانات (700 ألف موظف) فيمكن القول إن الزيادة في مرتب المعلم تبلغ حوالي (300 جنيه شهرياً) في المتوسط.
** وإذا حسبنا الأرقام بصورة مجردة يمكننا القول إنها زيادة ملموسة، وخطوة إلى الأمام (حوالي 10%) من متوسط المرتبات.. ولكن إذا نظرنا إلى مرتبات المعلمين المصريين وهي واحدة من أقل نظيراتها في العالم على الإطلاق- فسنجد أن الزيادة لا تعني تحسيناً مهماً في دخل المعلم.. ومعروف أيضاً أن أجور المعلمين تعتبر من الأجور المنخفضة في بلادنا.
ومن ناحية أخرى فإن هناك مشكلة أخرى ذات تأثير شديد السلبية على أجور المعلمين تلك هي أن أية علاوات لهم يتم حسابها على أساس المرتب الأساسي) لعام 2014، بينما يتم حساب خصوم أو استقطاعات بما فيها التأمينات على أساس آخر مرتب!! وذلك بموجب قرار لوزير التخطيط!! وبتناقض صريح مع المادة (89) من قانون كادر المعلمين!! وهو ما يرى الخبراء والنقابيون للمعلمين أنه يحرمهم من زيادة قدرها نحو (100%) من مرتباتهم في حالة حساب العلاوات (بنسبة مركبة) منذ عام 2014، (المصدر: بوابة أخبار اليوم – 3 فبراير 2019).
وهذا تناقض غريب وانتهاك سافر للمادة (89) من قانون كادر المعلمين.. نتيجته الفعلية حرمان المعلمين من علاوات كان يمكن أن تبلغ (100%) ولولا أننا وجدنا الكثير من المواد والتصريحات الرسمية وغير الرسمية عن الموضوع لما صدقناه.
(راجع مثلاً: صحف ومواقع عديدة بتاريخ 2-3 فبراير 2019.. بما في ذلك صحف قومية، وتغطية لمناقشات مجلس النواب).. والحقيقة أن هذا أمر يستعصي على المنطق خاصة أنه يتم حساب العلاوات على أساس (2014).. والاستقطاعات والخصومات على أساس آخر مرتب!!
ولهذا فإن التصريحات التي خرج بها علينا وزيرا التعليم والمالية (21 أكتوبر 2020) تبدو محاولة للالتفاف على مشكلة حقيقية خطيرة يعاني منها المعلمون (1.4 مليون) بالحديث عن تحسين أوضاعهم.. إلخ.. بينما لم يتم إعطاؤهم سوى (15%) من حقوقهم!! ولاحظ أيضاً أن الوزارة قررت الاستيلاء على (25%) من دخلهم من المجموعات المدرسية التي سمحت هي نفسها بتنظيمها بشكل قانوني في المدارس علماً بأن هذه النسبة يحصل على نصيب منها قيادات عليا لا علاقة لها بالعملية التعليمية أصلاً.
وبديهي أن تحسين أوضاع المعلمين لا ينتصر على إعادة حقوقهم إليهم.. وزيادة أجورهم إلى المستوى اللائق بمهنتهم ذات الأثر الحاسم في بناء الأجيال.. وإنما لابد أن يمتد إلى رفع مستوى كفاءتهم المهنية من خلال الدورات التدريبية المستمرة والتقييم الموضوعي للأداء.. وتدريبهم على استخدام التكنولوجيا الحديثة (الرقمية بالذات).. وتطوير أوضاع نقابتهم بمشاركة فاعلة من جموعهم في إطار من الشفافية ومراقبة المجتمع والإعلام والأجهزة الرقابية..
فالمعلم هو عماد العملية التعليمية والتربوية وبغير تحسين أوضاعه جذرياً لن تقوم للتعليم قائمة.. وهذا يقودنا إلى أوضاع المناهج التعليمية ومحتواها وعلاقتها بتنمية الوعي الوطني والاجتماعي والحضاري.. والأخلاقي بالطبع وإلى قضية أخرى بالغة الأهمية والخطورة، ونعني تغلغل التيارات الإخوانية والسلفية في الوزارة، ودورها التخريبي في نشر الأفكار المتطرفة والإضرار بالوحدة الوطنية.. وكلها أمور تحتاج إلى مواجهة بشجاعة واعية، وليس إلى “المناهج المستوردة” وتفكيك النظام التعليمي من خلال نظام (التعليم عن بعد).
وللحديث بقية

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE