الأموال
الثلاثاء، 16 أبريل 2024 06:11 صـ
  • hdb
7 شوال 1445
16 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب :من سد النهضة إلى ليبيا.. معركة واحدة ونفس الأعداء

الأموال

اتفاقية «دفاع مشترك» بين أنقرة وأديس أبابا.. ضد من؟؟!!

منظومة دفاع جوى تركية - إسرائيلية لحماية السد من «قصف مصرى محتمل»!!

يخطئ من يقيم تعارضاً بين ضرورة خوض مصر لمعركة «سد النهضة» بكل قوة، ودون استبعاد أى خيار يمكن أن يفرضه مسار هذه المعركة، باعتبار أن النيل هو شريان الحياة لمصر، وبالتالى فإن مياهه هى قضية حياة أو موت لشعبنا.. وبين ضرورة التصدى للغزو التركى لليبيا، وبكل قوة أيضاً.. فالأطراف المتآمرة على مصر فى الحالتين بينهما تنسيق وثيق بأكثر كثيراً مما يبدو على السطح.. والهدف واحد.. إسقاط مصر سواء بالعطش أو بالإرهاب أو بأي وسيلة كانت.

وإذا كان الدور الإسرائيلى فى التخطيط لإقامة شبكة من السدود تتحكم فى تدفق النيل الأزرق وغيره من روافد نهر النيل إلى السودان ومصر - إذا كان هذا الدور قديماً ومعروفاً لدى الخبراء والباحثين والمتابعين، كما هى معروفة علاقات الدولة الصهيونية الوثيقة بأثيوبيا وأحلام إسرائيل فى الحصول على مياه النيل (فى نفس العدد من «الأموال» دراسة عن هذا الموضوع بقلم الزميل المحترم الأستاذ/ إيهاب عبدالجواد) يجب أن يكون معروفاً أيضاً ما هى مساعى تركيا الخبيثة للتغلغل فى القرن الإفريقى بكل ماله من أهمية استراتيجية للأمن القومى المصرى والعربى، وللتغلغل بصورة أخص فى أثيوبيا، كبرى بلدان القرن الإقريقى، للالتفاف حول مصر وتهديدها من الجنوب، وتعطيشها.

التغلغل التركى فى أثيوبيا

وهى جهود تعود إلى أكثر من عقد من الزمان، بدأت بمساعدات إنسانية وتعليمية لأثيوبيا منذ العقد الأول من القرن.. ثم تحولت إلى المجال الاقتصادى، لتصل إلى توقيع اتفاقية للتعاون العسكرى «الدفاع المشترك»!! بين أنقرة وأديس أبابا و«تعاون للخبرات» فى مجال بناء السدود، ومساعدات تركية فى بناء سد النهضة.. ثم الاشتراك مع إسرائيل فى نشر شبكة رادارات للإنذار المبكر.. وإقامة نظام للدفاع الجوى عن السد فى مواجهة أى قصف مصرى مفترض!! وتحريض تركى مستمر لإثيوبيا ضد مصر.. وزيارات متبادلة لكبار المسئولين.. مع توظيف (3 مليارات دولار) من الاستثمارات التركية، تمثل نصف إجمالى استثماراتها فى إفريقيا.

وإذن فإن الذين يذرفون دموع التماسيح على مياه النيل فى تركيا وقطر- ولها هى الأخرى استثمارات كبيرة فى إثيوبيا- وأبواقهم فى الجزيرة وقنوات «الإخوان» وصحفهم.. أولئك الذين يدعوننا إلى التركيز على قضية سد النهضة بصورة مطلقة «وعدم التورط» فى ليبيا.. إنما يريدون منا أن نترك ليبيا لقمة سائغة للغزو التركى، ليعود الإرهاب لاختراف حدودنا الغربية بصورة أكبر مما كان قبل أن يتمكن الجيش الوطنى الليبى بجهد جهيد وتضحيات كبيرة من القضاء على مراكز الإرهاب فى درنة وغيرها من مدن وبلدان المنطقة الشرقية فى ليبيا، التى ظلت لفترة طويلة- بعد انهيار نظام القذافى- نقطة انطلاق لعبور الإرهابيين والمهربين إلى صحراء مصر الغربية.

الخيارات الصعبة

والحقيقة أن الشعوب لا تملك تأجيل مواجهة خطر «الموت عطشاً».. أو مواجهة نقص مياه الشرب والرى.. ولكنها لا تستطيع أيضاً أن تؤجل مواجهة خطر اقتحام الإرهاب الأسود لديارهم، خصوصاً حينما يكون هذا الإرهاب مدفوعاً بأحلام مجموعة للغزو والسيطرة، واستعادة الإمبراطوريات الغابرة، كما هى الحال مع أردوغان وقواته وعملائه.. وبهيستيريا الرغبة فى الانتقام المسيطرة عليهم منذ أن نجح الشعب المصرى فى الإطاحة بحكم «الإخوان» العميل، فى ثورة 30 يونيو 2013.

فالشعب المصرى قد اكتوى - ولا يزال - بنار الإرهاب الذى ترعاه تركيا وعملاؤها.. وهو لا يستطيع أن ينسى شهداء الإرهاب فى الفرافرة والواحات البحرية، ولا أبناءه الأقباط الـ 21 الذين ذبحهم الهمج الداعشيون فى سرت - وإلا إهانة المواطنين المصريين على يد الميليشيات الإرهابية.

تغيير الخرائط

والأمر الذى لا يقل أهمية هو أن مصر لا يمكن أن تقف متفرجة على تغيير (جيو سياسى) بهذه الدرجة من الخطورة، مثل استيلاء تركيا على ليبيا - الشقيقة الجارة - بما يعنيه من إخلال حدودى فى موازين القوى الاستراتيجية، وفى خرائط شمال إقريقيا العربى، وشرق البحر المتوسط.. وبما يتجه من ثروات هائلة تملكها ليبيا ويراد لها أن تنتقل إلى أيدى نظام إرهابى على حدودنا.

وإذا وضعنا فى اعتبارنا أن تركيا قد أصبح لديها قاعدة عسكرية ضخمة فى الصومال، ثانى أكبر بلدان القرن الإفريقى منذ سبتمبر 2017 كما أصبحت لديها منطقة توصف بأنها «اقتصادية» فى جيبوتى، عند مدخل البحر الأحمر منذ ديسمبر عام 2016، ثم أصبح لديها وجود عسكرى فى سواكن السودانية منذ أكتوبر 2017 باتفاق مع البشير غير المأسوف عليه.. وهو وضع لم تتم تصفيته حتى الآن بالرغم من ثورة الشعب السودانى.. إذا وضعنا كل ذلك فى اعتبارنا فلابد أن ننظر إلى الغزو التركى لليبيا ليس (كمجرد تدخل عسكرى) لا ينبغى أن يجرنا إلى «التورط».. إلخ.. إلخ.. وإنما كفك كماشة تحاول أن تطبق على بلادنا ومنطقتنا. مدعومة من الدولة الصهيونية.. وللعلم فإن أى توتر فى علاقات تل أبيب وأنقرة يجب النظر إليه فى إطار المنافسة على النقوذ فى المنطقة ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، مع الاتفاق بينهما دائماً ضد العرب.. وخاصة مصر.. وبالطبع تحت الرعاية الأمريكية المباشرة.

أقدار الشعوب

ومن الأهمية بمكان كثير جداً هنا، أن نتذكر أن معركة سد النهضة- إذا ما قدر لنا أن نلجأ فيها إلى الخيار العسكرى - لا تحتاج إلى حشود ضخمة كتلك الموجودة على الحدود، بل تحتاج إلى أسلحة نوعية وعملية خاطفة، وهو أمر ليس بوسعنا الخوض فيه بحكم عدم تخصصنا.. لكنه مفهوم بحكم طبيعة مثل هذه المعارك.

والأمر الأهم هنا هو أن الشعوب لا تملك اختيارات حرة فى مثل هذه الظروف التى نواجهها، والتى تمس صميم صميم أمننا القومى (المياه ومكافحة الإرهاب).. وواضح تماماً أن أعداءنا أرادوا إشعال الجبهتين فى وقت واحد - وبينما نحن نواجه أيضاً أزمة الكورونا بكل أعبائها الثقيلة - بهدف تشتيت جهودنا أو إجبارنا على التخلى عن بذل الجهد الواجب على إحدى الجبهتين، بما يتيح لهم تحقيق مكاسب على إحدى الجبهتين أو كلتيهما.. وبديهى أن مصر لم تكن لتسمح بذلك برغم حملات التشويش المسعورة التى قام بها إردوغان وأبواقه فى الجزيرة وقنوات الإخوان ولايزالون وبرغم أن الدعايات «الإخوانية» تمكنت من إرباك بعض الناس.

لكن تصاعد مستوى الأداء المصرى فيما يخص سد النهضة - وفى الوقت نفسه الغارات التسع التى قامت بها الطائرات «المجهولة - المعلومة» على قاعدة «الوطية» غرب ليبيا وألحقت خسائر بشرية فادحة بأفراد الجيش التركى وميليشيات السراج والإرهابيين المرتزقة المجلوبين من سوريا (69 قتيلاً) وتدمير كل منظومة الرادارات والدفاع الجوى في القاعدة - كلذلك برهن على أن مصر قادرة على المواجهة على الجبهتين.

وتلقى إردوغان صفعة قاسية رداً على زيارة وزير دفاعه (خلوصى أكار) لطرابلس ومصراتة وتصرفه كأنه فى مستعمرة وقوله «لقد جئنا لكى نبقى إلى الأبد»!! وجدير بالذكر أن قصف «الطائرات المجهولة - المعلومة» لقاعدة «الوطية» قد أدى لإلغاء زيارة كان مقرراً أن يقوم بها إردوغان للقاعدة، لكن بوجه منها ما يشبه أن يكون رسالة احتفال بالنصر مع أن الوقت لا يزال مبكراً جداً للحديث عن «النصر».

وغنى عن البيان أن مصر لا تسعى لخوض المعارك دون ضرورة، طالما كانت هناك حلول أخرى للمشكلات تحافظ على الحقوق وتحفظ الأمن القومى. لكن إظهار الإرادة الخارقة فى الدفاع عن الحقوق كثيراً ما يكون سبيلاً للردع وتفادى الحرب، وحمل الطرف الآخر على الإصغاء لصوت العقل ونداء السلام.. وإلا فإن دفاع الأمم والدول عن حقها بالقوة يصبح واجباً.. وبدون هذا تفقد الدول احترام العالم لها.. وتفرط فى حقوقها،

وليس من نافلة القول هنا أن نذكر أن المسألة ليست هرولة غير مدروسة نحو التصعيد فجيشنا قوى بما فيه الكفاية - دون استهانة بالخصم - ومعنا وأمامنا - الجيش الوطنى الليبى، الذى برهن على قدرة قتالية مكنته من تحرير الجزء الأكبر من بلاده خلال السنوات الماضية، وهو يتمتع بتأييد أغلبية شعبه ودعم البرلمان والحكومة الوطنية.. وبدعم عسكرى وسياسى واضح من دولة عظمى هى روسيا، ودولة كبرى مهمة هى فرنسا.. وكلتاهما أقرب بوضوح إلى الموقف المصرى، ومؤيدتان لـ«إعلان القاهرة».

وإذن فلا تحاولوا إرهابنا أيها السادة بحديثكم عن «التورط».. والغرق فى المستنقع الليبى.. وما شابه من أباطيل - فلن تسمح مصر لإردوغان باختطاف ليبيا ونحن مكتوفو الأيدى - والتاريخ لا يحترم الضعفاء.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE