الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 10:55 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : 2010 - 2019 تحولات استراتيجية فى النظام العالمى (3)

الأموال

التنمية الشاملة المتوازنة.. والصناعات المتطورة أساس تقدم "التنين الأصفر"

الصين أصبحت تمتلك قوة الردع النووي تجاه الولايات المتحدة

بكين.. من الانكفاء على البناء إلى دور القوة العظمى

تحدثنا في مقالنا السابق (الأموال - 9 فبراير 2020) عن بعض ملامح ودروس المعجزة الاقتصادية الصينية وبصورة أخص منذ انتهاجها (لسياسة الإصلاح الاقتصادي) التي تم تدشينها عام 1978، وفتحت الباب لتطور عاصف للاقتصاد الصيني، حقق نتائج غير مسبوقة في التجارب الاقتصادية العالمية.

فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي للصين منذ عام 1978 حتى عام 2019 نسبة نمو بلغت 9.5% في المتوسط سنويا.. مما أتاح مضاعفة الناتج المحلي مرة كل ثماني سنوات!! لتسبق الصين اليابان وتحتل المركز الثاني عالميًا من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي بدءا من (2010) ثم ليبلغ ناتجها المحلي (14 تريليون دولار) عام 2018 حسب أرقام صندوق النقد الدولي، وتصبح أكبر مصدر عالمي، وتحقق فائضا تجاريا مع أغلب دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة التي تعاني من عجز تجاري مع الصين بلغ 375 مليار دولار عام 2018 برغم إجراءات ترامب الحمائية على الصادرات الصينية (لا تتوافر أرقام موثوقة عن العجز التجاري الأمريكي تجاه الصين عام 2019، الذي شهد احتدام الحرب التجارية الترامبية ضد أغلب شركاء أمريكا التجاريين وفي مقدمتهم الصين.

بين النمو والتنمية

ويهمنا هنا الإشارة إلى أن أرقام النمو الهائلة هذه لم تتحقق من خلال ثروة ريعية تم اكتشافها فجأة (كالبترول أو الغاز) أو من خلال تطور ضخم لفروع اقتصادية دون غيرها.. وإنما من خلال تطور اقتصادي شامل لمختلف فروع الإنتاج يقوم على التخطيط العلمي الدقيق، والتنمية الشاملة المتوازنة للاقتصاد، التي تعتمد - أولا وقبل كل شيء - على الصناعة والتكنولوجيا المتطورة كقاطرة للتقدم الاقتصادي، وتلبية احتياجات المجتمع بكل فئاته وطبقاته، وكأداة لتحقيق قيمة مضافة كبيرة تستخدم لتوسيع الاستثمار في المجالات الضرورية لتطوير الإنتاج كمًا ونوعًا في مختلف المجالات.. علمًا بأن التركيز على الصناعة والتكنولوجيا المتطورة، لم يؤد إلى إهمال تطوير الزراعة مثلا، حيث تمكنت الصين من تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الزراعية الرئيسية خاصة الأرز وغيره من الحبوب، كما حققت الصين نتائج بارزة في تطوير المدن القائمة، وإقامة مدن حديثة عملاقة، خاصة في المناطق الصناعية الكبري، وفي إقامة بنية تحتية متطورة، وشبكة طرق برية وحديدية حديثة، وموانئ جديدة.. إلخ.

<< ومع تشجيع الاستثمارات الأجنبية غير المشروطة والمرتبطة بالخطة العامة (المرنة) للتنمية، وبإدخال تكنولوجيات جديدة، فإن الصين اهتمت بترشيد الإنفاق وتعظيم الادخار، وتوجيه الاستثمار وفق أولويات صارمة، وبما يخدم خطة التنمية، الأمر الذي ساهم دائمًا في توفير الاستثمارات اللازمة للمجالات الأكثر أهمية.. علمًا بأن الصين كانت عازفة دائمًا عن الاستدانة، إلا لضرورات قصوى، وكانت تضع شروطًا لقبول القروض أهمها عدم التدخل في شئونها الداخلية أو سياساتها الاقتصادية والاجتماعية.

>> وكان الاهتمام الكبير بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص ومكافحة الفقر أحد أبرز ملامح السياسات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وقد أشرنا من قبل إلى خروج أكثر من 800 مليون نسمة من دائرة الفقر منذ انتهاج سياسة الإصلاح الاقتصادي، عدا أولئك الذين تحسنت أحوالهم المعيشية في الفترة السابقة على (1978).. كما أشرنا إلى توسع الطبقة الوسطى بحيث بلغ عددها نحو 400 مليون نسمة يمثلون محركًا هائلا للتنمية، ومعروف أن مكافحة الفقر وتوسع الطبقة الوسطى أمر يعني - اقتصاديًا - توسيع الاستهلاك وتعزيز السوق الداخلي، وبالتالي إنعاش الاقتصاد بصورة متزايدة.

>> ومع التوسع الكبير في التصدير، وتحقيق فائض تجاري ضخم، تراكمت لدى الصين احتياطيات دولية هائلة بلغت 4 تريليونات دولار.. نكرّر (أربعة تريليونات دولار) تستثمر منها (1200 مليار دولار) في سندات الخزانة الأمريكية، بحيث تمثل هي واليابان أكبر دائنين للولايات المتحدة، وذلك فضلا عن الاستثمارات الصينية الأخرى في مجالات مختلفة في الاقتصاد الأمريكي. كما أصبحت الصين واحدة من أكبر الدول المصدرة للاستثمارات في العالم، مع استمرارها في استقطاب الاستثمارات الأجنبية.

العلم.. ثم العلم

ومع كل تقدم في ازدهارها الاقتصادي كانت تتوافر لدى الصين الموارد اللازمة لتطوير منظومة التعليم والبحث العلمي بصورة عاصفة، فضلا عن إرسال آلاف الباحثين وطلاب الدراسات العليا إلى مختلف الجامعات، ومراكز الأبحاث الأكثر تقدمًا في العالم وفي مقدمتها الجامعات ومراكز الأبحاث الأمريكية والأوروبية واليابانية والروسية.. إلخ.. ومع الاهتمام الكبير بربط التعليم والبحث العلمي بالإنتاج، وكذلك مع الاهتمام بالاستفادة من منجزات التطور العلمي والتكنولوجي في العالم ـ كما أوضحنا في مقالنا السابق ـ حققت الصناعة الصينية قفزات هائلة في تطورها التكنولوجي، بحيث أصبحت الصناعات الصينية المتطورة وفائقة التطور تكنولوجيًا من بين الأقوى والأقدر على المنافسة في العالم.

خذ مثلا منتجات شركة "هواوي" الصينية من الهواتف ومعدات الاتصالات من الجيل الخامس التي تسبب ذعرًا لصناعة الاتصالات الأمريكية.. وخذ مثلاً آخر صناعة الحاسبات والروبوتات وأبحاث الذكاء الصناعي.

قوة عسكرية عظمي

وبفضل هذه الإمكانات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية الهائلة تمكنت الصين من تطوير قوتها العسكرية بصورة متسارعة للغاية، بما في ذلك صناعاتها الجوية والصاروخية والفضائية، فضلاً عن قواتها المسلحة التقليدية واستفادت كثيرًا في تطوير صناعاتها العسكرية من علاقاتها الوطيدة بروسيا.

وكانت الذكرى السبعون لانتصار الثورة وتأسيس الجمهورية (1أكتوبر 2019) مناسبة للإعلان عن امتلاك الصين (لأول مرة) صاروخاً عابراً للقارات يصل مداه إلى (14 ألف كم).. أي أطول مدى من أي صاروخ استراتيجي أمريكي أو روسي، هو الصاروخ (دي. إف. 41) القادر على حمل (10) رؤوس نووية، وشهد العرض العسكري الذي أقيم بمناسبة الذكرى الـ70 لتأسيس الجمهورية تقديم هذا الصاروخ فائق القوة.

كما شهد العرض تقديم الصاروخ (دي إف 17) وهو صاروخ يستند إلى تكنولوجيا حديثة تمامًا.. لا تملك مثلها إلا روسيا.. والصين هي ثاني دولة تملكها في العالم، ولم تصل الولايات المتحدة بعد لامتلاكها، ويعرف هذا النوع من الصواريخ باسم (الصاروخ فائق السرعة) أو (الفرط صوتي HyperSonic) وهو قادر على تخطي منظومات الدفاع الصاروخية الأمريكية بفضل سرعته التي تبلغ (عشرة أمثال ـ أو حتى عشرة أضعاف سرعة الصوت).. فضلاً عن خاصيته (الشبحية) أي قدرته على التخفي عن الرادارات المعادية.

وبفضل هذه الصواريخ يتأكد امتلاك الصين لقدرة الردع النووي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.. أي القدرة على توجيه ضربة نووية مدمرة لأمريكا، حتى في حالة إقدامها على البدء بتوجيه ضربة نووية أولى للصين.

وبهذا يؤكد التنين الصيني مكانته كقوة عظمي عسكرية وليست اقتصادية فحسب، وتتأكد سمة النظام الدولي كنظام متعدد الأقطاب، تظل الولايات المتحدة هي القوة الأولى فيه، لكنها لم تعد قطبًا أوحد بحال من الأحوال.

كما قدمت الصين خلال العرض المشار إليه طائرتها من الجيل الخامس (جي ـ 20) المناظرة لأحدث الطائرات العسكرية الأمريكية (إف - 35) والروسية (سو-57).

وجدير بالذكر أن الصين قد تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تطوير قوات بحرية ضخمة تضم عددًا من حاملات الطائرات والسفن الحربية الكبيرة والمتطورة، فضلاً عن مئات من السفن الحربية الأخرى.

هذه القوى الاقتصادية والعسكرية الهائلة جعلت الصين تتصرف بثقة متزايدة على المستويين الإقليمي والدولي، بعد عقود من الانكفاء على بناء قوتها الاقتصادية والعسكرية والعلمية، والعزوف عن الدخول في أي صراعات يمكن أن تصرفها عن بناء هذا المشروع الكبير أو تعرضها للدخول في حروب أو اشتباكات يمكن أن تمثل تهديدًا له، اللهم إلا في حالات الضرورة القصوى كالنزاعات الحدودية (مع الهند عام 1962 وفيتنام في السبعينيات).

أما الآن فنجد الصين تنشر قواتها البحرية في بحر الصين الجنوبي، وقبالة شواطئ شرق آسيا، وتشارك في مناورات بحرية مع روسيا في البحرين الأسود والمتوسط، بل وتشارك في دعم حكومة الرئيس الفنزويلي مادورو في أمريكا اللاتينية، بالقرب من السواحل الأمريكية.

كما طرحت الصين مبادرة (الحزام والطريق) العملاقة لتوسيع مجالات الاستثمار والتجارة مع عشرات من دول العالم، استنادًا إلى الفوائض المالية والقدرات الاستثمارية الهائلة لدى بكين، بما يتضمنه ذلك من إنشاء موانئ وشق طرق ضخمة في أكثر من قارة.. كما تنافس على الاستثمار في موارد الطاقة في إفريقيا والشرق الأوسط.. وعلى أسواق أمريكا اللاتينية، بل وأقامت قاعدة عسكرية لها في »جيبوتي« بما يسمح لأسطولها الحربي بالوجود في منطقة القرن الإفريقي وبحر العرب، على مشارف الخليج (2019).

وباختصار فإن الصين بدأت تتصرف كقوة عظمى ـ بكل معنى الكلمة ـ على المستوى الدولي خلال العقد المنصرم مؤكدِّة حقيقة التغيير الذي يشهده العالم.. من نظام عالمي أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب..

وللحديث بقية..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE