الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 03:55 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : السودان فوق بركان (١٠)

الأموال

رغم أن تفاصيل الاتفاق الذى تم التوصل إليه مؤخرًا بين المجلس العسكرى الانتقالي وقوى الحرية والتغيير فى السودان.. لم تتضح بعد وحتى كتابة هذه السطور صباح الأربعاء الماضى، إلا أن القراءة الأولى لما تم إعلانه تشير إلى أنه اتفاق إطارى لم يتطرق إلى آليات التنفيذ بقدر ما تشى بأنه ينطوى على عوامل الفشل بأكثر من عوامل النجاح، إذ إنه يبدو عائمًا غائمًا مائعًا، وهو الأمر الذى سيتضح لاحقًا عند أو بعد توقيعه رسميًا باعتبار أن الشيطان يكمن فى التفاصيل، وذلك لعدة أسباب واعتبارات.
بداية فإن تأخر التوصل إلى هذا الاتفاق لنحو ثلاثة أشهر منذ إسقاط نظام البشير وبدء مفاوضات نقل السلطة من المجلس العسكرى الانتقالى إلى سلطة مدنية خلال المرحلة الانتقالية التى كان مختلفًا على مدتها.. أسفر عن اتفاق منقوص يحقق نهج المجلس فى الاستحواذ علي السلطة السيادية العليا بينما اختزل مدنية السلطة فى حكومة مدنية تنفيذية تعمل تحت إمرته.
<‫<<‬
لذا فإن هذا الاتفاق يمثل انقلابًا على مطلب الثورة الأول إذ إنه بدلاً من أن يكون اتفاقًا لتسليم السلطة العسكرية إلى سلطة مدنية فإنه صار اتفاقًا لـ«تقاسم السلطة» بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير الممثل الشرعى للثورة، أى أنه وبكل وضوح لم يلب ولم يحقق مطلب الثورة ومطلب الغالبية العظمى للشعب السودانى.
واقع الأمر.. لقد نجح المجلس العسكرى وباستخدام سياسة المراوغة والمناورة وإضاعة الوقت في فرض رؤيته على قوى الثورة، إذ إنه بموجب هذا الاتفاق سيتم تشكيل المجلس السيادى من أحد عشر عضوًا.. منهم خمسة أعضاء من العسكريين وخمسة أعضاء من المدنيين إضافة إلى العضو الحادى عشر والذى سيتم اختياره من العسكريين المتقاعدين، وهو التشكيل الذى ستكون الغلبة فيه للمجلس العسكري، أى أن الصلاحيات السيادية فى حكم السودان ستكون في حوزة المجلس العسكرى، ومن ثم فإنه لا صحة حتى لوصف تقاسم السلطة.
‫<<<‬
ثم إن هذا الاتفاق يعكس تراجعًا كبيرًا عما تم التوصل إليه من اتفاق نهائى فى آخر جولة من جولات التفاوض والتى جرى تعليقها من جانب المجلس العسكرى ثم من جانب قوي الحرية والتغيير في أعقاب مجزرة فض اعتصام القيادة العامة للجيش والتى راح ضحيتها أكثر من مائة قتيل ومئات الجرحى وسبعين سيدة جرى اغتصابهن، إذ كان الطرفان قد اتفقا على تشكيل الحكومة المدنية من شخصيات غير حزبية وكذلك تشكيل المجلس التشريعى بعضوية ٦٧٪ من قوي الحرية والتغيير، ٣٣٪ من شخصيات يتم التوافق عليها، بينما بقي الخلاف حول تشكيل المجلس السيادى والذى كان مقررًا التفاوض بشأنه في جولة لاحقة، إلا أن المجلس قلب المائدة ونجح في بدء المفاوضات من نقطة البداية.
‫>‬ ‫>>‬
ولذا فإن خروج الاتفاق الذى تم التوصل إليه بوساطة إثيوبيا والاتحاد الافريقى.. متجاهلاً ما تم التوصل إليه سابقًا خاصة بشأن المجلس السيادى والحكومة الانتقالية.. بدا مثيرًا للتساؤل بشأن قبول قوى الحرية والتغيير لهذا التراجع والذى يمكن إرجاعه إلي ضغوط دولية وإقليمية وافريقية، بقدر ما يمكن إرجاع أيضًا إلى طول أمد المفاوضات ورغبة قوى الثورة في تحقيق إنجاز ملموس وعاجل.
ثم إن الحكومة الانتقالية التى سيتم تشكيلها بموجب هذا الاتفاق سوف تخضع لموافقة المجلس العسكري على اختيار أعضائها، حيث سيتم ترشح ثلاثة أسماء لكل مقعد وزارى.. يختار المجلس العسكرى أحدها، وهو ما يعنى أن المجلس يحتفظ بحق الفيتو علي تشكيل الحكومة المدنية، ومن ثم سيكون له حق الفيتو أيضًا على قراراتها.
‫<‬ ‫<‬ ‫<‬
وفى هذا السياق أيضا فإن إرجاء تشكيل المجلس التشريعى مع بدء المرحلة الانتقالية والتى تحددت بثلاث سنوات يمثل نقطة ضعف خطيرة في الاتفاق، باعتبار أنه يفتح الباب أمام استحواذ المجلس العسكرى ذى الأغلبية فى المجلس السيادى علي اختيار أعضائه، في نفس الوقت فإن غيبة مجلس تشريعى من شأنه وجود فراغ دستورى ومؤسس فى هياكل السلطة والحكم، خاصة أن الاتفاق لم يتضمن وفقًا لما تم إعلانه إصدار إعلان دستورى يكون مرجعية فى إدارة حكم السودان.
‫<‬ ‫<‬ ‫<‬
لكل تلك الاعتبارات فإنه يمكن تفهم معارضة ورفض فئات كثيرة من الشعب السودانى وفي مقدمتها شباب الثورة وأسر الشهداء لهذا الاتفاق الذى ترفضه أيضًا بعض التيارات داخل تحالف إعلان قوى الحرية والتغيير، والتي رأت فى الاتفاق انتكاسة كبيرة للثورة ونجاحًا للمجلس العسكرى فى فرض إرادته والذى تلاحقه دماء مجزرة فض الاعتصام وإهانة وإذلال السودانيين فى الشوارع والميادين، خاصة بعد التراجع بموجب الاتفاق عن مطلب الشعب وقوى الثورة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في قتل المتظاهرين والاكتفاء بلجنة تحقيق سودانية مستقلة، وهو الأمر الذى يثير الشكوك في نزاهتها واستقلالها، باعتبار أنه لن يكون ممكنًا في ظل سيطرة المجلس العسكرى على المجلس السيادى توجيه أى اتهام أو إدانة له أو لأحد أعضائه وتحديدًا الفريق أول حميدتى قائد قوات الدعم السريع المتهم الأول في ارتكاب تلك الجرائم بحسب شهادة الشهود من المتظاهرين.
‫<‬ ‫<‬
الأخطر في هذا الاتفاق المسمى اتفاق تقاسم السلطة أنه وضع الحكومة المدنية الانتقالية منزوعة السلطة والصلاحيات السيادية في مواجهة معارضة سياسية من جانب القوي والأحزاب غير المشاركة فى الحكومة والاتفاق وعلى النحو الذى يجعلها مهددة بالإقالة في أى وقت.. استنادًا إلى مطالب المعارضة، وفى نفس الوقت فإنها ستكون في مواجهة غضب واحتجاج الشعب السودانى بفعل ما سيواجهه من أزمات اقتصادية ومعيشية بينما سيكون المجلس السيادى بأغلبيته العسكرية ورغم صلاحياته وسلطته السيادية العليا بمنأى عن أى مساءلة أو معارضة!
‫<‬ ‫<‬ ‫<‬
وتبقى ملاحظة مهمة وهى أن الحركات المسلحة المعارضة التي كانت فى حرب مع نظام البشير في دارفور وكردفان وغيرها وارتكب خلالها مذابح وجرائم قتل واغتصاب وتشريد ضد سكانها من جانب قوات الدعم السريع (الاسم الحركى لـ«الجنجويد»).. تعارض بشدة الاتفاق باعتبار أن أعضاء المجلس العسكرى الذين سيشاركون فى المجلس السيادى متورطون في جرائم حرب ومن ثم فإن مكانهم ليس فى المجلس السيادى وإنما رهن الاعتقال والمحاكمة الجنائية سواء الدولية أو السودانية، ولاشك أن موقف هذه الحركات المعارض للاتفاق سوف يكون أحد أهم أسباب عرقلة تنفيذه ومن ثم تصعيد جديد للأزمة السودانية.
‫<‬ ‫<‬ ‫<‬
يبقي أن الأثر الإيجابى الوحيد لهذا الاتفاق هو أنه يوقف العنف والتصعيد ويحقن الدماء مؤقتًا، لكن تبقى الثورة السودانية في مفترق طرق بين انتكاستها وإخفاقها فى تحقيق مدنية السلطة وبين استئنافها وإعادة إنتاجها مرة أخرى، وذلك ما سوف يتضح في قادم الأيام، إذ لا يزال السودان فوق بركان.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE