الأموال
الخميس، 18 أبريل 2024 09:57 صـ
  • hdb
9 شوال 1445
18 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 د. محمد فراج يكتب :بلاغ إلى النائب العام: اغتيال شركة وطنية (1)

الأموال

ننعي إليكم إحدى قلاع الصناعة الوطنية المصرية «سابقاً». الشركة القومية للأسمنت!! الشركة «ماتت» منذ عدة أشهر، حسب نص كلمات رئيس لجنة الخبراء الاستشاريين المكلفة بدراسة أوضاع «القومية للأسمنت»، (الأهرام ـ 19 سبتمبر 2018) وتمت المصادقة علي التقرير وإعلان خبر (الوفاة) رسميًا فى اجتماع الجمعية العمومية غير العادية للشركة (الثلاثاء 2 أكتوبر الجارى)، التي قررت تصفية الشركة وتعيين «مصفّى عام» لها .. ولا عزاء للصناعة الوطنية والحريصين عليها، ولا للآلاف من عمال الشركة ومهندسيها الذين سيفقدون عملهم، وسيفقد قطاع الدولة خبراتهم الثمينة.. ولا للشعب المصرى الذى أنفق المليارات من عرقه وكدحه في بناء هذه الشركة وغيرها، لتذهب أدراج الرياح فى النهاية..

ننعى إليكم الشركة القومية للأسمنت.. لكننا نؤكد أنها لم «تمت» وإنما تم «اغتيالها» بدم بارد.. وعلى مدى سنوات.. وأمام أعين جميع «المسئولين».. وكان يمكن إنقاذها وبعث العافية فى عروقها.. بل إن قرار إعلان «وفاتها» صدر بينما لاتزال «الروح» في أوصالها.. حسب رأى خبراء لهم اعتبارهم فى المهنة.. لكنهم ليسوا أصحاب القرار.. لذلك نرجو كل من يهمه الأمر اعتبار هذا القرار بلاغا للنائب العام بـ«اغتيال» شركة من أعرق قلاع الصناعة الوطنية المصرية، فى عملية تفوح منها رائحة فساد تزكّم الأنوف من بدايتها إلي نهايتها.

والعجيب أن قرار الجمعية العمومية غير العادية بتصفية الشركة ينص على «إخلاء مسئولية أعضاء مجلس الإدارة»!! والأغرب: «ومد فترة عمل المجلس»!! المسئول عن خسائر فادحة وفشل ذريع.. ليواصلوا الحصول على المكافآت السخية والامتيازات الكبيرة التى كانت أحد أسباب خراب الشركة.. وذلك مقابل «إدارة التصفية»!! ويحدث ذلك بالرغم من قرار الجمعية العمومية بـ«إبلاغ النائب العام عن العجز فى مخازن الكلينكر»!! أحد مدخلات إنتاج الأسمنت.. وهذا التعبير المهذب اللطيف ــ (العجز) معناه فى لغة البشر الطبيعيين أن هناك جريمة «اختلاس» للمال العام فى مخازن الكلينكر.. فمن المسئول عن هذا «الاختلاس» إذا لم يكن مجلس الإدارة الذى تم إخلاء مسئوليته؟!! ولا تعنى المسئولية بالضرورة أن يكونوا هم الذين قد سرقوا أو اختلسوا.. وإنما تعنى مسئوليتهم عن أى «اختلاس» أو «سرقة» أو «عجز» ـ إذا استخدمنا تعبيرهم اللطيف الرقيق ــ يحدث فى الشركة التى يتولون مسئوليتها..

فهم على أقل تقدير متهمون بالإهمال الجسيم.. ومطالبون بإخلاء مسئوليتهم الجنائية والإدارية أمام النيابة العامة.. لكن الجمعية العمومية المحترمة (وغير العادية) لم تكتف بإخلاء مسئوليتهم الجنائية والإدارية فحسب، بل وقامت بمد فترة عملهم كمجلس إدارة!

والأخطر من ذلك أن يتم مد عمل مجلس الإدارة دون مساءلته هو ورئيسه عن الخسائر الفادحة ووقائع الاشتباه القوى فى الفساد وإهدار المال العام (إذا استخدمنا لغة قانونية شديدة الانضباط).

مع أن كل الشواهد تشير بوضوح كاف إلى أنه فساد ظاهر، وإهدار للمال العام وتربيح للأجانب وغير الأجانب.

ولنعد إلى الوراء قليلا.

بعد خصخصة شركات الأسمنت المملوكة لقطاع الأعمال العام.. والتي كانت رابحة تماما.. ومع ذلك فقد تم بيعها بأبخس الأثمان، لتنتقل أرباحها إلى أجانب!! وقد تم هذا فى إطار موجة الخصخصة المشمولة بالفساد المنفلت والفاضح فى عهد مبارك.. بعد هذا بقيت الشركة القومية للأسمنت كشركة وحيدة في يد الدولة.. وكانت رابحة وأمورها معقولة حتى عام 2012/ 2013، حيث حققت أرباحا قدرها 93 مليون جنيه، لكنّ القائمين عليها قرروا ـ بموافقة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية التي تتبعها القومية للأسمنت ـ الاستعانة بشركة خاصة «لتحديث» الشركة القومية بتكلفة قدرها 400 مليون جنيه!! أى بأربعة أمثال ما حققته الشركة من أرباح، وأكثر قليلا!! ونلاحظ أولاً: أن الشركة نفسها لديها خبرات كبيرة، وهناك خبرات في الجامعات المصرية ومراكز الأبحاث بما كان يُغنى عن أى خبرات من خارج نطاق الشركة، إلا فى حدود الجامعات ومراكز الأبحاث.. ونلاحظ ثانيا: أن تكلفة التحديث باهظة للغاية.. فماذا حدث؟ انقلبت عملية التحديث إلى كارثة، وبدأت الشركة تعرف طريق الخسائر المتزايدة.. وبلغت تكلفة عمليةالتحديث الوهمية 1200 مليون جنيه بدلا من المبلغ المقدر فى البداية 400 مليون جنيه!! ومع ذلك قفز استهلاك الغاز الداخل فى الإنتاج بنسبة 40٪ رفعت تكلفة الإنتاج بما قيمته (660 مليون جنيه سنويا).. وانخفضت إنتاجية طواحين الأسمنت بما ترتب عليه زيادة استهلاكها للكهرباء مما زاد عن تكلفة الإنتاج أكثر.. وبالتالى بدأت «القومية للأسمنت» تعرف طريق الخسائر التى وصلت عام 2017/2018 إلى قرابة المليار جنيه.. وبلغ إجمالى الخسائر خلال الأعوام الأخيرة 2.55 مليار جنيه ــ (المصرى اليوم: 3 أكتوبر 2018) فأى تحديث هذا؟ ومن المسئول عن وضع خطته؟ وعن ترك الخسائر تصل إلى هذا الحد؟ وكيف تم السماح بترك مجلس الإدارة فى موقعه بعد كل هذه الخسائر؟

غير أن الكارثة لم تقف عند هذا الحد.. فقد اتفقت الشركة القومية ـ ومرة أخرى بموافقة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية مع شركة خاصة أخرى، على القيام بإدارة «الشركة القومية» مقابل أتعاب قدرها 367 مليون جنيه!! نعم.. ثلاثمائة وسبعة وستون مليون جنيه سنويًا. بينما كل أجور العمال فى الشركة القومية قدرها 356 مليون جنيه سنويا.. أى أن أتعاب شركة الإدارة الخاصة أكثر من كل أجورالعمال.

والسؤال هنا: إذا كانت شركة خاصة قد تسببت فى كارثة التحديث، فلماذا تقرر الاستعانة بشركة خاصة أخرى، فى ظل وجود خسائر كبيرة بالشركة القومية لإدارة الأخيرة؟؟ وثانيا: إذا كان قد تقرر الاستعانة بشركة خاصة فما هى ضرورة وجود مجلس الإدارة الأصلى؟ ومقابل أى شيء يتقاضى أعضاؤه مرتباتهم وامتيازاتهم؟ وكيف يستمرون فى أماكنهم أصلا بعدكارثة ما يسمى بـ«التحديث»؟ وأين كان مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية؟ وأين كانت وزارة قطاع الأعمال العام؟ وأين كانت الأجهزة الرقابية؟ (الجهاز المركزى للمحاسبات لديه ملاحظات على تقارير تصفية الشركة ولم يعط موافقته النهائية عليها) ــ «جريدة المصرى اليوم ـ 3/10/2018» ــ (الأرقام والبيانات مأخوذة عن بوابة أخبار اليوم ـ 14 سبتمبر 2018 ـ عمود للكاتبة أميمة كمال «لذا لزم التنويه»).

ومع استمرار تضخم الخسائر بدأ الحديث عن إمكانية تصفية الشركة!! ولجأ مجلس الإدارة الفاشل إلى مكتب استشارى ــ خاص ــ مرة أخرى ــ لبحث أوضاع الشركة.. وتوصل المكتب الاستشارى إلى ضرورة تصفية الشركة!! وأعلن ممثل المكتب الاستشارى فى اجتماع خاص لمجلس الإدارة أن الشركة قد «ماتت».. وهو بالمناسبة رئيس قسم هندسة المناجم والبترول بكلية الهندسة ـ جامعة القاهرة الدكتور سيد الطيب.. ولا ندرى ما هى علاقة القسم المذكور بصناعة الأسمنت واقتصادياتها،؟ (راجع: الأهرام، 19 سبتمبر 2018)، علمًا بأن التقرير المذكور تم حجبه لعدة أسابيع عن أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين وعن اللجنة النقابية الممثلة للعاملين، وعن ممثلى اتحاد العمال.. بينما بدأ هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام يتحدث عن احتمال تصفية الشركة.. وهو ما تم فعلا، بالرغم من المعارضةالواسعة من جانب العاملين والمهندسين الخبراء القدامى الموجودين فى الشركة، وأعضاء مجلس الإدارة المنتخبين، والنقابة واتحاد العمال.

وللحديث بقية

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE