الأموال
الأربعاء 8 أكتوبر 2025 06:34 مـ 15 ربيع آخر 1447 هـ
الأموال رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي
الرقابة المالية توافق على تمويل عقاري عبر صكوك مضاربة لصالح «طلعت مصطفى» بـ 5.5 مليار جنيه الاتحاد الدولي لرجال الأعمال يستضيف سفراء أفارقة بمعرض هيس هوتيل محمد كليب يبدأ سباق البرلمان برمز “التاج” عن الحوامدية وأبو النمرس أمير أبو الفتوح يخوض انتخابات سموحة تحت السن انعقاد الاجتماع الأول لمجموعة عمل الدعم التشريعي لاستكمال تنفيذ الإصلاحات الحكومية ضمن «جاهزية الأعمال» حسام هيبة: 46 شركة باكستانية جديدة بمصر خلال عام واحد واستثمارات مرتقبة في 7 قطاعات حيوية لماذا تبقى العلاقات العامة مجالًا إنسانيًا رغم قوة الذكاء الاصطناعي؟ شراكة بين وزارة الاتصالات و «إتش بى - مصر» هارون عبد الغني رئيسًا للقطاع التجاري بشركة «Squares Developments» الوافى فى شرح قانون العمل دارسة مقارنة اتفاق مصري كيني على تفعيل اللجنة التجارية المشتركة وتسهيل حركة التجارة بين دول تجمع الكوميسا آي صاغة: الذهب يواصل تحقيق الأرقام القياسية قبل صدور محضر الفيدرالي الأمريكي

مركز الأموال للدراسات

لماذا تبقى العلاقات العامة مجالًا إنسانيًا رغم قوة الذكاء الاصطناعي؟

شهدت السنوات الأخيرة تحولًا جوهريًا في مختلف المجالات مع دخول تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) واعتماد التقنيات الحديثة في معظم الأعمال، ولم يكن مجال العلاقات العامة بعيدًا عن هذه التحولات، إذ تطورت أساليب العمل ووسائل التواصل، وأصبح الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة في تحليل الجمهور، وصياغة الرسائل، وقياس نتائج الحملات.

ورغم ذلك، تظل العلاقات العامة بحاجة إلى الحضور الإنساني في إدارة المواقف والتفاعلات، فهي ليست مجرد أدوات تقنية أو برامج تشغيلية، بل استراتيجية اتصال متكاملة داخل المؤسسات، وعلم يقوم على الفهم العميق للجمهور، وصياغة الرسائل بعناية، وتقييم نتائجها بدقة. كما أنها فن يتطلب حسًا لغويًا وبصيرة لفهم ما وراء الكلمات ورؤية ما تعجز البيانات وحدها عن كشفه.

وهنا تبرز أهمية التوازن: فالذكاء الاصطناعي يقدّم الدعم، لكن الإنسان يظل المحرك الأساسي للعلاقات العامة، لأنه يمتلك الحس الإنساني والخبرة التي لا يمكن للآلات أن تحاكيها.

السياقات الاجتماعية والثقافية

قد يتمكن الذكاء الاصطناعي من تحليل النصوص واستخراج المشاعر الظاهرة، لكنه يعجز عن فهم الأسباب العميقة وراءها أو إدراك السياقات الاجتماعية والثقافية المحيطة بها، فعلى سبيل المثال، قد يكشف أن منشورًا ما يحمل طابعًا غاضبًا، لكنه لا يدرك الخلفيات الدينية أو الرموز الوطنية أو التاريخ السياسي الذي يساعد على تفسير هذا الغضب.

في المقابل، يمتلك متخصصو العلاقات العامة القدرة على قراءة السياق الاجتماعي والثقافي وفهم ما بين السطور، مما يمنحه ميزة في توجيه الحملات وإدارة الرسائل بذكاء.

الأزمات والصوت الإنساني

في أوقات الأزمات، يبحث الجمهور عن صوت صوت يشعر به ويعبر عن مخاوفه بصدق، صحيح أن الذكاء الاصطناعي قادر على صياغة بيان سريع ودقيق، لكنه يفتقر إلى المشاعر والدفء الإنساني المطلوب في مثل هذه المواقف، فالعلاقات العامة لا تقوم فقط على الصياغة اللغوية، بل على القدرة على بث الطمأنينة والتضامن بلغة تختلف عن لغة الحملات الترويجية.

ولأن الأزمات قد تبدأ بتغريدة عابرة وتتصاعد خلال دقائق، فإن القرار هنا يتطلب خبرة وحدسًا إنسانيًا، حيث يظهر دور المتخصص في العلاقات العامة كمستشار استراتيجي يحدد الأضرار، ويقترح الرسائل والردود المناسبة، ويختار التوقيت والمنصة الأمثل للتواصل.

التوقيت المناسب والنبرة

تستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي اقتراح الأوقات المثلى للنشر بناءً على معدلات التفاعل، لكنها لا تستطيع إدراك البُعد الأخلاقي أو الاجتماعي للتوقيت، فأحيانًا قد يكون التوقيت غير مناسب بسبب حدث أو ظرف اجتماعي، أو قد تكون النبرة غير ملائمة للجمهور، فالتوقيت الخاطئ أو النبرة غير الملائمة قد يحوّلان حملة ناجحة إلى أزمة.

لذلك، يظل المتخصص يسأل نفسه قبل النشر: هل هذا هو الوقت المناسب فعلًا؟ وهل الرسالة تعكس قيم المؤسسة وموقفها الأخلاقي؟.


التفاعل الإنساني والثقة المتبادلة

العلاقة بين المؤسسة والجمهور تشبه علاقة الصداقة القائمة على الثقة والصدق والاستمرارية، فعلى الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على الاستجابة السريعة للشكاوى أو إرسال الرسائل الآلية، فإنه يفتقر إلى العفوية والمشاعر التي تجعل الشخص يشعر فعلًا بأنه مسموع ومقدَّر.

ومن دون هذا البعد الإنساني تصبح العلاقة سطحية وباردة، بينما يبقى التواصل البشري الأساس لبناء ولاء حقيقي لدى الجمهور.

قصص وتجارب إنسانية

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتب إعلانًا أو يلخص مقالًا بدقة، لكنه لا يملك القدرة على نقل روح التجارب الإنسانية في القصص، فهو لا يعرف شعور قلق العميل، أو حماس الجمهور، أو ألم المجتمع في الأزمات، ولهذا يظل النص المكتوب بيد إنسان يعي التجربة، أصدق وأكثر تأثيرًا من أي محتوى تنتجه الخوارزميات.

الحدس المهني واستباق الاتجاهات

تحليل البيانات يساعد في رسم صورة دقيقة للواقع، لكنه لا يكشف دائمًا عن التغيرات الخفية في مزاج الجمهور، هنا يظهر دور الحدس المهني لدى متخصصي العلاقات العامة، المبني على الخبرة والممارسة اليومية، والذي يمكّنهم من استشعار المخاطر والفرص قبل أن ترصدها الخوارزميات، فالحدس لا يلغي دور البيانات، بل يكملها ويمنحها عمقًا أكبر.

السمعة المؤسسية: كيان حيّ لا يُبرمج

السمعة المؤسسية هي صورة ذهنية تراكمية تتشكل عبر سلوك الشركة ورسائلها وتفاعلاتها مع جمهورها، وقد تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في رصد التفاعل والاتجاهات، لكنها لا تستطيع إعادة بناء الثقة بعد الأزمات، ولا التعامل مع السمعة باعتبارها كيانًا حيًا يحتاج إلى رعاية إنسانية دقيقة ومستدامة.

التباين الثقافي والمسؤولية الأخلاقية

قد يُنظر إلى مزحة ما على أنها بريئة في ثقافة معينة، لكنها تُعد إساءة في ثقافة أخرى، وهنا يبرز دور المتخصصين في ضبط الرسائل بما يتلاءم مع خصوصية كل جمهور، فالذكاء الاصطناعي لا يمتلك مؤشر أخلاقي ولا يستطيع تمييز ما إذا كان المحتوى يروج لقيم مرفوضة أو يسيء إلى فئة معينة، بينما يتولى الإنسان مسؤولية تمثيل قيم المؤسسة بصدق، وحماية صورتها من الانزلاقات الأخلاقية.

تجربة واقعية: الذكاء الاصطناعي في محاكاة الأزمات

في إحدى الحملات الإقليمية لعلامة تجارية سعودية، أجرت W7worldwide للاستشارات الإعلامية والاستراتيجية، تمرينًا لمحاكاة أزمة باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي، وقد نتج عنه تحديد 12 سيناريو أزمة محتملة، تراوحت بين تأخيرات في التوريد وردود فعل سلبية على وسائل التواصل الاجتماعي.

هذه المحاكاة أسهمت في تقليص زمن الاستجابة إلى النصف، ومكّنت الفريق من إعداد نقاط نقاش استباقية للتعامل مع أي أزمة محتملة، والنتيجة كانت تعزيز ثقة العميل بشكل كبير، مع التأكيد أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا عن البصيرة البشرية، بل أداة داعمة تعززها وتزيد من فعاليتها.


ختامًا: ستظل العلاقات العامة مجالًا إنسانيًا من الدرجة الأولى، يقوم على الحس والبصيرة والقدرة على بناء جسور من الثقة والاحترام المتبادل، أما الذكاء الاصطناعي فهو أداة قوية تدعم هذا المجال وتزيد من كفاءته، لكنه لا يمكن أن يحل محل جوهره الإنساني. فالتوازن بين التقنية والمهارة الإنسانية هو الطريق الأمثل لمستقبل أكثر تأثيرًا واستدامة في العلاقات العامة.

موضوعات متعلقة