الأموال
السبت 4 أكتوبر 2025 03:46 مـ 11 ربيع آخر 1447 هـ
الأموال رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي
رئيس ”سلامة الغذاء”: المشاركة في ”أنوجا” تعزز حضور مصر في صناعة الغذاء العالمية حسن الخطيب: 9 مناطق حرة عامة تضم 1224 مشروعا باستثمارات تقارب 39 مليار دولار داليا الباز: البريد المصري شريك في تمكين الحرفيين وتسويق المنتجات التراثية 106 شركات غذائية تشارك في الجناح المصري بمعرض أنوجا آي صاغة:الإغلاق الحكومي الأمريكي يدعم مكاسب الذهب وسط توقعات بخفض الفائدة دي بي ورلد مصر تحتفل بافتتاح المعامل الصناعية المركزية المتكاملة بميناء العين السخنة وزير الاستثمار يتفقد المركز اللوجستي الجمركي المطور للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس أسامة ايوب يكتب : خطة ترامب للسلام في غزة.. إملاءات استسلام د.محمد فراج يكتب: مطلوب وقفة جادة لمواجهة المتاجرين بصحة المصريين (2-2) الاثنين المقبل.. معهد طيبة العالي للهندسة يستقبل طلابه الجدد في حفل ترحيبي عليوة جروب توقع شراكة استراتيجية مع إيفنتفاي السعودية لتعزيز ملف تصدير العقار المصري وزير الاستثمار يفتتح المرحلة الثانية من المعامل الصناعية المركزية بميناء العين السخنة

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب: مطلوب وقفة جادة لمواجهة المتاجرين بصحة المصريين (2-2)

د.محمد فراج
د.محمد فراج

تحدثنا فى مقالنا السابق «الأموال – 28 سبتمبر 2025» عن استفحال ظاهرة إخفاء تخزين الأدوية بهدف تعطيش السوق بهدف إجبار الدولة على رفع تسعيرة تلك الأدوية، ومن ثم طرحها فى التداول، وهى جريمة احتكار تشارك فيها شركات الإنتاج والتوزيع وسلاسل الصيدليات الكبرى، ويجب تطبيق القانون علي مرتكبيها - كما أوضحنا - نظرا لما يترتب عليها من آثار خطيرة على صحة المرضى من ناحية، ولأن القانون يجرِّم فعل هذه الممارسات عموما من ناحية أخرى.

وإذا كان المتاجرون بصحة الشعب لا يعترفون علنا بهذه الجرائم، بل يخترعون شتى الحجج والذرائع لاختفاء الأدوية إلا أننا فوجئنا بحديث صريح ومباشر يتضمن اعترافا بارتكاب نفس الجريمة ولكن بشكل آخر.. وهو ما أشار إليه تقرير الأموال «14 سبتمبر 2025» فى حديثه نقلا عن مديرى شركات الإنتاج من أن هذه الشركات تمتنع عن إنتاج عديد من الأدوية بالرغم من توافر الخامات اللازمة، فى حالة توقع ارتفاع أسعار الأدوية تامة الصنع!!

وبالرغم من أن هذه الخامات سبق استيرادها أو شراؤها فى السوق المحلية بأسعار تضمن تحقيق الربح في حالة التصنيع والغريب أن مديرى هذه الشركات يتحدثون عن هذه الممارسة الاحتكارية الإجرامية علنًا، وبصورة «طبيعية» وكأنها ممارسة اقتصادية عادية أو رشيدة!! ويشير ذلك بوضوح ليس إلى أن الاحتكار وتعطيش السوق أصبح ممارسة شائعة إلى أبعد حد فحسب، بل وأيضا إلى أن الاتفاق الجنائى على هذه الممارسة يشمل جميع أطراف عملية الإنتاج والتوزيع، كما يشير إلى سيطرة ثقافة مشوهة تماما وفكرة مغلوطة عن الاقتصاد الحرب واقتصاد السوق فى هذا القطاع المتصل بصحة الناس.

أين الدولة؟!

هنا يبرز تلقائيا سؤال مهم عن دور الدولة المفترض في تطبيق القانون فى مواجهة هذه الممارسات الاحتكارية الإجرامية التى تنتهك القوانين وتلحق أشد الضرر بالصحة العامة.

وواضح تماما أن غياب هذا الدور يفسح المجال للمحتكرين للقيام بممارساتهم المشار إليها، وأبسط ما يمكن القيام به من جانب الدولة هو مهاجمة أماكن التخزين غير المشروع للأدوية ومصادرتها وبيعها بتسعيرتها الحالية، مع إحالة المحتكرين للمحاكمة وفرض رقابة على التزام الصيدليات بالتسعيرة الجبرية «الحالية» ولا يجب الإصغاء لأى خزعبلات حول امتناع الدولة عن التدخل في الأسواق، فالدولة هنا تتدخل لمواجهة جريمة تتعلق مباشرة بصحة المواطنين ويعاقب علهيا القانون وتتصل مباشرة بالأمن القومى، لأن صحة المواطنين هى مسألة أمن قومى تكون الدولة مقصرة إذا تركتها لعبث العابثين، وتعطيش أسواق الدواء بالذات ممارسة إجرامية لا ينبغى أن يكون لها مكان فى بلد متحضر.

أما فيما يختص بتسعير الدواء فمعروف أنه أمر مستقر فى أعتى الدول الرأسمالية ويخضع لإشراف الدولة لصلته المباشرة بالصحة العامة وبحق المواطنين فى العلاج.. أى حقهم فى الحياة، وهنا ينبغى أن يكون موقف الدولة حازما وألا تخضع لابتزاز شركات إنتاج وتوزيع الدواء وطلباتها غير المعقولة برفع أسعار الدواء بالجملة سواء كانت خاماتها مستوردة أو محلية، وسواء كانت بقية مستلزمات إنتاجها قد ارتفعت تكلفتها بصورة تستوجب رفع تسعيرة هذا الدواء أو ذاك، أو لا تستوجب.

وقد أشرنا فى مقالين سابقين «الأموال 21 و28 سبتمبر» كما أشارت جريدتنا «الأموال - 14 سبتمبر» إلى الأرباح الفاحشة التى تحققها شركات الأدوية مما يجعل الضغوط التى تمارسها هذه الشركات على الحكومة لرفع أسعار الأدوية بالجملة تعبيرا عن جشع للربح لا يمكن القبول به.

ولا يمنع هذا بالطبع من مراجعة أسعار بعض الأدوية «المنفردة» التى يمكن أن تكون تكلفة إنتاجها قد ارتفعت لهذا السبب أو ذاك بصورة تؤثر على اقتصاديات الشركة المنتجة فى حالة استمرار ثبات التسعيرة، فليس المطلوب هو تعريض الشركات للخسارة بالطبع، لكن تلك المراجعة يجب أن تكون فى حالات يجرى فحصها بصورة فردية وبدقة ومع مراعاة هامش ربح معقول، سواء كانت الشركة المنتجة حكومية أو خاصة أو أجنبية.

كما ينبغى مراعاة مسألة هامش الربح المعقول بالنسبة لشركات توزيع الأدوية أيضا وخاصة فيما يتصل برفع أسعار بعض الأدوية المستوردة بنسبة كبيرة وبدون سبب معقول، وبالرغم من الانخفاض النسبى في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى!! وهو أمر أصبح محل شكوى عامة بالنسبة لأدوية بالغة الأهمية لعلاج أمراض خطيرة كالأورام وأمراض الجهاز العصبى والقلب والأوعية الدموية وغيرها، وعلى سبيل المثال - ومن التجربة الشخصية لكاتب هذه السطور - فقد ارتفع سعر أحد أنواع حقن الأنسولين المستوردة من (204 جنيهات) إلى (ثلاثمائة وثمانية وثلاثين جنيها) أى بنسبة تزيد على «ستين بالمائة» مؤخرا بعد اختفاء طويل، وبالرغم من الانخفاض النسبى فى سعر الدولار.

الغش التجارى ومشكلة الرقابة

ومن الأمور اللافتة للنظر أيضا والتى تمثل جريمة غش تجارى لا لبس فيها، ما تلاحظه من نقص فى محتوى عبوات من أنواع المراهم والاسبريهات بالذات، حيث يكون نصف العبوة تقريبا مملوءا بالهواء!! وذلك بالرغم من مضاعفة السعر عدة مرات!! وهو أمر يتكرر على مدى فترة طويلة مما يشير إلى أنه متعمد ويمثل «سياسية» للشركة المنتجة!

مثل هذه الجرائم أصبحت ممكنة فى ظل ضعف - أو بالأحرى إضعاف - الرقابة على صناعة الدواء من جانب الدولة، فبعد أن كانت الشركات المنتجة ملزمة بتقديم عينة من كل «تشغيلة» إلى ممثل للرقابة الدوائية يأخذها بنفسه من خط الإنتاج مباشرة، ثم التخلى عن هذا الإجراء لتأخذ الرقابة عينات من الأدوية من الصيدليات!

على أن الجانب الأخطر فيما يتصل بضعف أو إضعاف الرقابة علي إنتاج الدواء وهو ما يتصل بجودة وكمية المادة الفعالة في المنتج وهو الأمر الذى ينعكس مباشرة علي فعالية الدواء والذى يتطلب فرض رقابة فنية وعلمية صارمة على كل مكنات ومراحل إنتاج الأدوية وتخزينها بما يحافظ على صلاحيتها، وغنى عن القول إن أى إهمال أو تقصير أو غش متعمد فى أى مرحلة من مراحل إنتاج الدواء تنعكس آثاره الوخيمة على صحة المرضى، ومن ثم على حياتهم.. تماما كما ينعكس اختفاء الدواء وانقطاع العلاج بسبب عمليات تعطيش السوق أو عجز المرضى عن شراء الدواء بسبب الارتفاع الكبير فى أسعاره.

ويدفعنا ذلك كله للقول بأن كل ما يتصل بصناعة وإتاحة وتسعير الدواء هى أمور من صميم الأمن القومى للبلاد.

وبديهى أن هذه الأمور كلها هى جزء من قضية أكبر تعنى قضية الصحة العامة للمصريين والتي تتصل بقضايا الإنفاق الحكومى على الصحة والمستشفيات العامة وتوير العلاج المجانى أو بسعر مناسب لدخول المواطنين، ومستوى كفاءة المستشفيات العامة والخاصة ومستوى التعليم الطبى «العام والخاص» وغيرها من القضايا المتصلة بالصحة العامة للشعب، أى بحياته، ومن ثَّم فإنها متصلة بالأمن القومى للوطن.. وبالتالى فإنه لا ينبغى أن يكون أى جانب منها متروكًا لعبث المتاجرين بصحة المصريين.