أسامة أيوب يكتب: الأمة العربية.. أمة فى خطر

مع اعتزام مجرم الحرب نتن ياهو رئيس حكومة الكيان اليهودى الصهيونى احتلال غزة وفقا لخطة عسكرية يجرى الحديث عنها حتى كتابة هذه السطور يوم الأربعاء الماضى, فإنه من العبث فى واقع الأمر الحديث عن أى تحركات ووساطات لوقف العدوان الوحشى وحرب الإبادة والتجويع فى القطاع, بل من العبث أيضا الحديث عن حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية باعتباره استغراقا فى الأوهام فى وقت يمضى فيه جيش الاحتلال ولحكومة تل أبيب قدما نحو احتلال غزة وضم الضفة العربية لدولة إسرائيل!
إن إهام حل الدولتين وكل مبادرات وجهود ما يسمى بوقف إطلاق النار أو الحرب على غزة وهو الاسم الحركى للعدوان وحرب الإبادة والتجويع تتهاوى أمام تواصل هذا العدوان لنحو عامين بفعل دعم ومشاركة وتآمر الولايات المتحدة والرئيس ترامب الذى بلغ الذروة فى إدارته الحالية وتحت رعايته وحمايته رغم أنه قادر على لجم نتن ياهو وحكومة الكيان ولكنه لم يفعل بل يدعم بكل قوة, بل إنه أعطي الضوء الأخضر لكى يفعل نتن ياهو ما يريد فى غزة واحتلاها وتهجير شعبها.
...
إنه من المؤسف بل من المخزى ومن العار على الإنسانية والمجتمع الدولى وخاصة الدول الكبرى وأوروبا أن يتواصل هذا العدوان الوحشى طوال نحو عامين وحيث ترتكب حكومة الكيان وجيشها حرب الإبادة والتجويع وقتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين العزل حسبما شاهد ويشاهد العالم على الهواء مباشرة بينما تقف أوروبا والدول الكبرى بل العرب والمسلمين أيضا عاجزين عن حماية الشعب الفلسطينى الأعزل الذى يقتله «أشاوس» جيش الاحتلال بأحدث الأسلحة والقنابل والصواريخ التى يحصل عليها من أمريكا وأوروبا.
...
ولذا فإن بيانات الإدانة التى أصدرتها حكومات أوروبية والتى جاءت على خلفية «صحوة الشعوب ضد جرائم إسرائيل فى غزة ليست سوى محاولة لإبراء الذمة فقط, بينما الحقيقة أنها لا قيمة لها فى غيبة إجراءات عقابية ضد حكومة نتن ياهو وعلى النحو الذى يؤكد صدق تلك الإدانات اللفظية حتى تتطابق الأقوال مع الأفعال.
وفى السياق ذاته فإن إقدام بعض الدول الأوروبية واعتزام بريطانيا وفرنسا الاعتراف بالدول الفلسطينية فى سبتمبر المقبل هو أيضا إجراء رمزى لا قيمة له، إذ ما هى الأراضى التى ستقام عليها هذه الدولة بينما تقوم اسرائيل إحتلال غزة وضم الضفة الغربية المحتلة.
...
حقيقة الأمر أن أوروبا لا تريد بل لا تستطيع اتخاذ أى إجراءات عقابية فعالة ضد حكومة مجرم الحرب نتن ياهو الذى ينفذ المخططات اليهودية الصهيونية تحت حماية أمريكا والرئيس ترامب وحيث لا تستطيع ولا تريد أوروبا تحدى ترامب الذى يمارس البلطجة على العالم وبما فيه أوروبا ذاتها.
...
تحت الحماية الأمريكية وكراهية الرئيس ترامب ممثل المسيحية الصهيونية للعرب والمسلمين والإسلام جاءت تصريحات مجرم الحرب نتن ياهو يوم الاربعاء الماضى بشأن رؤية إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات التى تضم كلاً من فلسطين التاريخية ولبنان وسوريا والأردن وأجزاء من العراق وسيناء المصرية ومعظم الأراضى السعودية حتى المدينة المنورة وخيبر!
ومع أن المخطط اليهودى الصهيونى المدعوم أمريكيا كان معلوما للجميع من العرب الذين لم يعبأوا به ولم يستعدوا لمواجهته ومع أن هذا المخطط ليس سريا بل إنه موجود فى خريطة داخل الكنيست وسبق أن رفعها نتن ياهو بل سبق أن أظهرها الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات مرسومة على عملة اسرائيلية, فإن حديث نتن ياهو الآن عن إسرائيل الكبرى إنما يعنى فى واقع الأمر أن تنفيذ هذا المخطط قد بدأبالفعل تدريجيا بداية من احتلال غزة وضم الضفة الغربية واحتلال أجزاء من سوريا ولبنان.
إن مجرم الحرب نتن ياهو لم يكن يجرؤ على الحديث عن إسرائيل الكبرى بكل هذا التبجح وبكل هذه الغطرسة لولا حالة الضعف العربى والإسلامى علي هذا النحو المخزى والمؤسف من الصمت وقلة الحيلة والعجز عن استخدام آليات وأوراق الضغط المتاحة لدى حكومات مليارى مسلم وعربى لردع العدوان الوحشى ووقف حرب الإبادة والتجويع ضد الشعب الفلسطينى الأعزل فى غزة وضد الشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية, وهى الحالة التى أطمعت نتن ياهو ليس فى مواصلة حرب الإبادة فقط وإنما فى التوجه نحو احتلال غزة وتهجير شعبها, ثم إنه بسبب هذا العجزالعربى والإسلامى تجرأ نتن ياهو وتحدث صراحة وعلنا عن اسرائيل الكبرى بوصفه فى مهمة روحية وتاريخية لتحقيق الوعد الإلهى المزعوم لليهود بإقامة مملكة السماء وأرض الميعاد من النيل إلى الفرات وطرد شعوب هذه المنطقة من أراضيهم.
...
إن حديث نتن ياهو بشأن إسرائيل الكبرى لا يعنى فقط انتهاك لسيادة الدول العربية أو انتهاك للقانون الدولى والشرعية الدولية فقط ولكنه فى حقيقة الأمر يرقى إلى درجة إعلان حرب على الدول العربية التى تنتوى حكومة الكيان احتلالها وضمها فى إطار مخطط إسرائيل الكبرى ومن ثم فإن الإدانات العربية التى صدرت عقب حديث نتن ياهو ليست كافية وليست رد الفعل اللازم والذى يتعين أن يتضمن إجراءات عقابية قوية, أولها إقدام الدول العربية التى طبعت علاقاتها مع إسرائيل فى إطار الاتفاقات الابراهيمية تحت رعاية وضغط ترامب فى ولايته الأولى على قطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع حكومة الكيان فورا مع سحب سفرائها من تل أبيب وطرد السفراء الإسرائيليين من أراضيها.
إن إجراء قطع العلاقات والانسحاب من اتفاقات الطبيع هو الحد الأدنى من العقوبات العربية ضد اسرائيل وحكومة نتن ياهو سبيلا لردع نتن ياهو عن تهديد سيادة الدولة العربية وأمنها القومى, وهو اجراء يتفق مع قواعد القانون الدولى والأعراف الدولية السياسية والدبلوماسية, وهو أيضا الاجراء الذى ينطوى على رسالة قوية وواضحة لاتفهم إسرائيل سواها حتى تتوقف عن استهانتها بقوة العرب.
...
إذا كان قد بدا مؤكدا أن القضية الفلسطينية وفقا لمعطيات المشهد الإقليمى والدولى ذاهبة إلى نكبة ثانية وأخيرة بعد النكبة الأولى فى عام 1948 وأن الشعب الفلسطينى يواجه خطرا وجوديا محدقا وداهما كما أسلفت فى المقالين السابقين.
وإذاكانت الأمة العربية تعيش حاليا حقبة محنة تاريخية على خلفية الحروب الأهلية فى عدد من دولها وفى مواجهة خطر التقسيم والتفتيت فى كل من السودان وليبيا والعراق وسوريا ولبنان واليمن كما أسلفت أيضا فى المقالين السابقين.
فإن الجديد بعد تصريحات مجرم الحرب نتن ياهو عن إسرائيل الكبرى هو أن الأمة العربية كلها باتت فى مواجهة خطر وجودى داهم يُنذر بخروجها من التاريخ والجغرافيا طالما بقيت فى حالة الضعف والتشرذم والعجز وغيبة الإرادة السياسية الجماعية الموحدة.. لذا لزم التنويه والانتباه مبكرا.