التأثيرات الجيوسياسية والأمنية في البحر الأحمر على مصر وسوق التأمين البحري

مع تصاعد الأزمات في محيط البحر الأحمر، وتنامي التهديدات الملاحية في واحد من أهم الممرات البحرية العالمية، تجد مصر نفسها أمام تحديات جيوسياسية وأمنية متشابكة، لا تمس فقط أمنها القومي، بل تمتد آثارها إلى قطاعات حيوية، على رأسها قطاع التأمين البحري.
ففي الوقت الذي تمثل فيه قناة السويس شريانًا حيويًا للاقتصاد المصري وممرًا استراتيجيًا للتجارة الدولية، تلقي التوترات المتزايدة في البحر الأحمر بظلال ثقيلة على حركة السفن وأسعار التأمين، وترفع من كلفة المخاطر التي تتحملها الشركات العالمية والمحلية على حد سواء. وفي ظل هذه المتغيرات، تبرز تساؤلات ملحة حول مدى جاهزية السوق المصري للتعامل مع سيناريوهات تصعيد محتملة، وحول ما إذا كانت هناك خطط وطنية كافية لتحصين الاقتصاد من تداعيات لعبة المصالح الكبرى في هذه المنطقة الحساسة.
وفي هذا السياق، رصد إيهاب خضر، الخبير التأميني، تحولات ملحوظة في تقييم شركات التأمين العالمية لمخاطر الإبحار في البحر الأحمر، مشيرًا إلى أن تصاعد وتيرة العمليات العدائية في المضيق الجنوبي للبحر، لا سيما الهجمات على السفن التجارية، دفع العديد من شركات التأمين لإعادة النظر في شروط التغطية وأسعار الوثائق.
وأوضح "خضر" أن السوق المصري بات متأثرًا بشكل مباشر بهذه الاضطرابات، سواء من حيث ارتفاع تكلفة إعادة التأمين البحري، أو من خلال اشتراطات إضافية تفرضها الأسواق العالمية عند مرور السفن في المناطق المصنفة "عالية الخطورة". وحذر من أن استمرار التوترات دون وجود استجابة سريعة ومخطط واضح من الجهات المعنية قد يؤدي إلى تقليص تنافسية الموانئ المصرية وزيادة أعباء التشغيل على الشركات العاملة في النقل البحري.
الخسائر على مصر من حيث عوائد قناة السويس وقطاع التأمين
عوائد قناة السويس:
بسبب الهجمات المتكررة "كالزوارق المسيرة وألغام الحوثيين" وتزايد المخاطر الأمنية في البحر الأحمر، اضطرت سفن كثيرة لتغيير مساراتها إلى رأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى انخفاض حركة السفن العابرة قناة السويس بنحو 45% خلال فترات الذروة في 2024-2025 مقارنة بعام 2022 (وفق تقارير وزارة النقل المصرية).
هذا الانخفاض تسبب في خسائر شهرية كبيرة تقدر بالمئات من ملايين الدولارات، مما أثر سلبًا على احتياطي العملات الأجنبية لمصر وموازنة المدفوعات، خاصة أن رسوم القناة تشكل نسبة كبيرة من إيرادات الدولة.
قطاع التأمين البحري في مصر:
وأشار " خضر" إلى أن ارتفاع المخاطر الأمنية دفع شركات التأمين المحلية لتحمل تكاليف إعادة التأمين بالخارج بأسعار مرتفعة. هذا أدى إلى:
• زيادة نسب أقساط التأمين على الشحنات بنسبة تتراوح بين 200% و400% حسب نوع السفينة والبضاعة.
• تخفيض تنافسية وثائق التأمين المحلية أمام الأسواق الدولية.
• زيادة التكلفة على شركات الاستيراد والتصدير في مصر مع ضغوط على الهوامش وربما تأخير في بعض العمليات التجارية.
. سوق التأمين البحري العالمي - أرقام وتطورات حتى منتصف 2025
• بحسب تقرير الاتحاد الدولي للتأمين البحري (IUMI) 2025:
• أقساط التأمين على مخاطر الحرب في البحر الأحمر ارتفعت من 0.2-0.3% عام 2023 إلى 0.7%-2% عام 2025 من قيمة السفينة أو الشحنة، مع تسجيل قفزات تصاعدية أثناء التصعيدات الأمنية.
• مثال: سفينة قيمتها 50 مليون دولار قد تدفع حوالي مليون دولار قسط تأمين عن المرور خلال رحلة واحدة في منطق عالية المخاطر.
• أُضيفت تغطيات جديدة إلزامية مثل تغطية خطر العنف السياسي والإرهاب، إصابات الطاقم، وتلقي الكوارث البيئية.
• شركات إعادة التأمين العالمية تواجه مخاطر مالية ضخمة بسبب احتمالية وقوع خسائر بالفيديوهات الكبيرة (غرق أو تدمير ناقلات بشكل كامل)، مع المطالبات التي قد تتجاوز 500 مليون دولار للحادث الواحد. ردًا على ذلك:
• تم تقليص حدود التغطية مؤقتًا على ممرات عالية الخطورة.
• فرض شروط استثناء صارمة وأسعار إعادة تأمين مرتفعة للغاية.
• حجم سوق التأمين البحري العالمي في 2025 يُقدر بحوالي 34.34 مليار دولار مع توقع نمو يصل إلى أكثر من 45 مليار دولار بحلول 2029 مع استمرار المخاطر الجيوسياسية وتعقيدها.
الجزء الثاني: ماذا يحدث لو أنشأت مصر “نادي حماية وتعويضات”؟
. 1المفهوم الفني والاقتصادي للنادي
• نادي الحماية والتعويضات هو اتحاد تعاوني غير ربحي يضم مالكي السفن، ويعمل على توفير تغطيات تأمينية تغطي المخاطر والمسؤوليات المهنية التي لا تغطيها بوليصات التأمين التقليدية، مثل تعويضات المسؤوليات المدنية تجاه الأطراف الثالثة، رواتب البحارة، الحصول على خدمات قانونية، تعويضات الحوادث البيئية، وتعويضات التأخير.
• تأسيس نادي محلي في مصر يضع أرضية لتوفير هذه التغطيات بشكل مباشر من السوق المصري، بدلًا من الاعتماد على أندية تأمين دولية مثل لندن أو نورويج، مما يعني:
• استبقاء أقساط التأمين داخل سوق مصر.
• تطوير سوق خدمات لوجستية وتأمينية محلية.
• زيادة السيطرة على شروط التأمين والمرونة في التعامل مع المطالبات.
. 2الجوانب المالية والاقتصادية
• تقليل خروج العملة الصعبة:
حاليًا، جزء كبير من أقساط التأمين البحري والاعتمادات الخارجية يُحوّل إلى أندية إعادة التأمين الدولية. تأسيس نادي محلي يقلل هذه النزيف النقدي، ويحافظ على موارد أكبر في قطاع التأمين المصري.
• تحسين التدفق النقدي للشركات الملاحية:
سرعة صرف التعويضات وخفض التكاليف التشغيلية المرتبطة بالتأمين يزيد من قدرة الشركات المحلية على التنافسية والنمو.
• تطوير أسواق إعادة التأمين المحلية:
مع انتشار النادي، ينمو سوق إعادة التأمين في مصر، مما يرفع مستوى التصنيف السيادي ويجذب الاستثمارات الأجنبية.
• تعزيز مكانة مصر كمركز لوجستي:
وجود نادي فعال يزيد ثقة أصحاب السفن الدولية في قطاع النقل البحري المصري، خاصة في مواجهة المخاطر الإقليمية، ما يدعم حركة التجارة الدولية عبر قناة السويس.
. 3الجوانب الفنية والتشغيلية
• النادي يدير تغطيات حماية وتعويضات متخصصة تشمل:
• تغطيات مسؤوليات البحارة والطاقم.
• تعويضات الأضرار الناجمة عن التلوث.
• تكاليف إزالة الحطام وتنفيذ عمليات الإنقاذ.
• تغطية التأثيرات الناتجة عن العنف السياسي أو الإرهاب.
• وجود نادي محلي يتيح متابعة مستمرة واقترابًا أكبر من العملاء لتقييم المخاطر وإدارة الحوادث بشكل أسرع وأكثر فاعلية.
. 4الجوانب السياسية والاستراتيجية
• يعزز النادي من السيادة الوطنية على أحد القطاعات الحيوية اقتصاديًا.
• يمثل خطوة استراتيجية في تقليل التبعية الدولية والمرتبطة بالتمويل والتأمين البحري.
• يدعم العلاقات الإقليمية بتطوير نادي يقدم خدمات مشتركة مع دول عربية وأفريقية مجاورة، ويعزز مكانة مصر في مجال الرؤية الإقليمية للأمن البحري.
• إمكانية استخدام النادي كأداة دبلوماسية واقتصادية للتأثير في سياسات الأمن البحري.
. 5التحديات والمخاطر
• يحتاج النادي لبنية تحتية فنية قوية وكوادر مؤهلة لإدارة مطالبات عالية الحجم وتعقيدات قانونية دولية.
• يتطلب رأس مال احتياطي كبير لبناء الثقة في السوق.
• بناء الشراكات الدولية لاكتساب خبرات من أندية الحماية والتعويض العالمية.
• مواجهة المنافسة من أندية التأمين الدولية ذات التجربة الطويلة والسمعة العالمية الراسخة.
الأسئلة المتعلقة بنادي الحماية والتعويضات
سؤال 1: ماذا يحدث إذا كان لدى مصر نادٍ جماية وتعويضات؟
• فنيًا: توفير تغطيات تأمينية شاملة مخصصة لطبيعة المخاطر الإقليمية، وتحسين سرعة المعالجة، وجود آلية تعويضيّة فاعلة تقلل التعقيدات القانونية والإدارية، وتوفير خدمات إضافية مثل الاستشارات القانونية وعمليات الإنقاذ.
• ماليًا: تقليل خروج العملة الصعبة، احتفاظ جزء كبير من أقساط التأمين محليًا، تقليل تكلفة إعادة التأمين الأجنبية، تحسين هوامش أرباح شركات التأمين المحلية، جذب المزيد من المستثمرين الأجانب، وتعزيز نمو سوق إعادة التأمين المحلي.
• اقتصاديًا: رفع تنافسية قناة السويس والموانئ المصرية لجذب المزيد من حركة الشحن، دعم التجارة والاستثمار في القطاعات اللوجستية، خفض تكاليف النقل البحري والتأمين تدريجيًا، وتقليل آثار استبدال مسارات السفن بتكلفة وأوقات أطول.
• سياسيًا: تعزيز السيادة الوطنية في قطاع بحرية حيوي، دعم القدرة على مواجهة التحديات الأمنية والجيوسياسية، تقوية التعاون الإقليمي في مجال الأمن البحري، واستخدام النادي كرافعة سياسية واقتصادية في المفاوضات الدولية.
سؤال 2: كيف يمكن أن يدعم النادي اقتصاد مصر في ظل التوترات؟
• الاستفادة من موقع مصر الاستراتيجي كنقطة عبور تجارية عالمية.
• إنشاء منصات تمويل وتغطيات تأمينية تدعم استقرار الأسعار رغم الأزمات.
• تقليل التكاليف التشغيلية والتأمين على الشحنات العابرة.
• زيادة ثقة المستثمرين في قطاع النقل البحري واللوجستي.
• خلق فرص عمل في القطاعات الملاحية والتأمينية والخدمات البحرية.
• دعم الاقتصاد الوطني بتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، وتحسين التصنيفات السيادية.
سؤال 3: ما هي التغطيات الفنية التي يحتاجها النادي لضمان عمله بفعالية؟
• تغطية حماية وتعويضات شاملة تشمل جميع مسؤوليات مالكي السفن: الأضرار، التلوث، التعويضات للطاقم، الأضرار ضد الأطراف الثالثة، الإنقاذ، حوادث العنف السياسي والإرهاب.
• ملحقات مخصصة لمخاطر الحرب بمناطق النزاعات.
• نظام دقيق للإبلاغ عن الحوادث وإدارة المطالبات.
• الربط مع شركات إعادة التأمين الدولية لتعزيز القدرة على تخفيض المخاطر والتعويضات.
• استثمار في التكنولوجيا الحديثة لمراقبة السفن وتحليل المخاطر أونلاين.
سؤال 4: ما هي الخطوات المستقبلية لتطوير النادي؟
• تعزيز رأس المال وضبط الأنظمة الإدارية والمالية.
• بناء شراكات استراتيجية مع أندية عالمية والهيئات الدولية.
• تطوير قدرات الكوادر الفنية وتأهيلها بمناهج حديثة.
• دمج الذكاء الاصطناعي وحلول تحليل المخاطر لتحسين عمليات الاكتتاب والتعويض.
• دعم المبادرات التدريبية والتعليمية في مجال التأمين البحري.
خلاصة
إن إقامة نادي حماية وتعويضات بحري في مصر يوفر دعمًا فنيًا وماليًا واقتصاديًا وسياسيًا قويًا من شأنه:
• التخفيف من تأثير التوترات الجيوسياسية على قناة السويس وسوق التأمين البحري المصري.
• خلق فرص نمو وتنمية محلية في قطاع التأمين والإدارة البحرية.
• تحسين مرونة واستجابة السوق المصري للتغيرات الأمنية وارتفاع المخاطر.
• تعزيز مكانة مصر كمركز بحري ولوجستي إقليمي وعالمي.
هذا يتطلب استثمارًا ماليًا ومعنويًا طويل المدى وجهود توعوية لبناء الثقة، لكنه يمثل فرصة استراتيجية حيوية لمصر في ظل التحديات الحالية والمستقبلية.