الأموال
الثلاثاء 19 أغسطس 2025 09:14 صـ 24 صفر 1447 هـ
الأموال رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.ناصر عبد الرؤف يكتب : التأمين الإلزامى على المسئولية المدنية من أخطار الذكاء الاصطناعى

د.ناصر عبد الرؤف
د.ناصر عبد الرؤف


الضرورة و التحديات

الذكاءالاصطناعى فى حقيقته ما هو إلا ترجمة للذكاء البشرى الذى صاغه ووضع فرضياته وصاغ اكواده وبرمجته البشر فى محاولة لمحاكاة الذكاء البشرى لذلك فقد يترتب على هذا الاستخدام الكثير من الاضرار التى قد تلحق بالبشر ولا سيما بعد طرق الذكاء الاصطناعى كافة المجالات من علوم الطب والهندسة والعلوم المالية والتجارية والإدارية والمجالات الصناعية وتشغيل الالات بصورة وشكل ذاتى وكذلك أعمال البنوك والبورصة وإلى الدرجة التى أصبح الذكاء الاصطناعى تسند له مهمة تشكيل محافظ الاستثمار بل أصبح الروبوت يقوم بإجراء العمليات الجراحية وتشخيص الأمراض وكذلك تنظيم حركة المرور وقيادة الطائرات وأيضًا السيارات ذاتية القيادة، بالإضافة إلى ما ساهم فيه الروبوت من التعامل مع المتفجرات وإزالة الالغام ودوره الهام فى تنظيف المواقع الملوثة بالمواد السامة مما يساهم فى حماية العنصر البشرى وتجنيبه التعرض لمخاطر التعامل مع تلك الظروف المحفوفة بالمخاطر

كما أقتحم الذكاء الاصطناعى بقوة المجال القانونى ويشهد العالم انتشار التقاضى الالكترونى بالدرجة التى أصبح هناك محاكم الكترونية كاملة فى الصين تدار بشكل رقمى تعتمد كليًا على أنظمة الذكاء الاصطناعى وأصدرت الآف الأحكام وقد أصبح التقاضى الالكترونى يشغل حيز فى بعض المحاكم بالقضاء المصرى فقد تم استخدام الذكاء الاصطناعى فى تحرير محاضر الجلسات حيث صدر قرار وزير العدل رقم 8901 لسنة 2021 والذى أجاز تسجيل محاضر الجلسات عن طريق تحويل الكلام الشفوى إلى مكتوب حيث نص القرار فى المادة الثانية على

" يجوز تسجيل محاضر الجلسات المبينة فى المادة السابقة وغيرها عن طريق تقنية تحويل الكلام الشفوى إلى محضر مكتوب يوقع عليه من رئيس المحكمة وسكرتير الجلسة "

وعلى ذلك فقد يترتب على استخدام الذكاء الاصطناعى وفى نطاق كافة المجالات والقطاعات السابق بيانها الكثير من المخاطر التى قد تسبب الكثير من الإضرار للمستخدمين سواء كانت تلك الإضرار مادية أو معنوية وذلك نتيجة استخدام تلك الادوات المختلفة التى أصبح الذكاء الاصطناعى يسيطر عليها

ولذلك تفجرت قضية هامة وفى غاية الأهمية وهى التكييف القانونى للمسئولية الناتجة عن ما يسببه الذكاء الاصطناعى من اضرار الأمر الذى يحتاج بلا شك إلى حدود قانونية فاصلة حتى يكون كل طرف مسئول بالصورة والدرجة التى ساهم فيها بخطئه

ويثار التساؤل الهام هل يمكن فى ظل قواعد المسئولية القانونية القائمة اليوم تحميل أنظمة الذكاء الاصطناعى والروبوتات المسئولية عن ما يلحق الأفراد من اضرار نتيجة استخدام تلك الأنظمة ؟

الاجابة على هذا السؤال ستأخذنا إلى طبيعة عمل تلك الأنظمة وهى تدور بين أنظمة تحتاج إلى تدخل العنصر البشرى لانهاء المهمة المطلوبة وأخرى تكون لأنظمة الذكاء الاصطناعى مساحة عمل أكبر وأمام صعوبة تحديد الطرف المسئول بشكل مباشر فلا مناص من اعتبار صاحب الملكية الفكرية أو القائم على تشغيل النظام هو المسئول عن ما يلحق الغير من اضرار نتيجة استخدامه، بحيث تعد المسئولية هنا مسئولية مفترضة يتحمل الكيان القانونى المسئولية

بوصفه حارسًا للشئ ولا يستطيع الفكاك منها إلا بالسبب الأجنبى أو القوة القاهرة حماية لحقوق المتعاملين مع تلك النظم

ولذلك نرى أن الـتأمين الأجبارى على المسئولية الناشئة عن أضرار استخدام الذكاء الاصطناعى قد أصبح أمرًا واجبًا يستلزم أن تسارع شركات التأمين إلى توفير تلك التغطية التأمينية الهامة بهدف توفير الحماية لمستخدمى النظم عن ما قد يصيبهم من اضرار وذلك من خلال ما يتم توفيره من غطاء تأمينى للمسئولين عن التشغيل أو مالكى حقوق الملكية الفكرية أو المبرمجين أجباريًا مما يعطى الثقة والاطمئنان للمتعاقدين مع تلك الادوات المستحدثة والمتطورة عن وجود جهات يمكن الإعتماد عليها فى رآب الصدع عن ما يمكن أن تسببه التكنولوجيا الحديثة والمتطورة من اضرار ولا سيما وأن ذلك يتوافق وما تضمنه قانون التأمين الجديد رقم 155 لسنة 2024 من إشارة صريحة تؤكد أهمية التأمينات الإلزامية ــــــ الإجبارية ــــــ حيث نصت المادة 39 على " لمجلس إدارة الهيئة اقتراح مجموعة من التأمينات الإلزامية المناسبة للسوق المصرية وفقًا لما يعده من دراسات فنية متخصصة لكل نوع من أنواع التأمين الإلزامي ويصدر بها قرار من مجلس الوزراء يوضح الفئات والشروط والضوابط والأسعار الخاصة بكل منها على حدة لإنفاذها على أن تكون من بينها التأمينات الآتية :

(5) تغطيات التأمين ضد المخاطر الإلكترونية لجميع المنشآت العاملة بالقطاعات المالية غير المصرفية"

وإذا كان هناك اتجاه قضائى يشير إلى اختلاف آليات تقدير التعويضات وخروجها من دائرة الالاف إلى دائرة الملايين ايمانًا بطبيعة المرحلة الجديدة التى تمثل فيها الرقمنة اتجاهًا يجب أن يحاط بضوابط وإجراءات صارمة حيث صدر حكم حديث عن المحكمة الاقتصادية بالاسكندرية

خلص إلى إلزام أحد شركات الاتصالات بسداد تعويض قدره عشرة مليون جنيه مصرى فى واقعة متعلقة ببيانات أحد العملاء واستبدال شريحة هاتف محمول وهو إتجاهًا قضائيًا للتعويضات السخية فى أول دعاوى التكنولوجيا والاتصالات

وهذا يؤكد ضرورة توفير التغطيات التأمينية التى يكون لها القدرة على الوفاء بما يصدر من أحكام بالتعويضات وخصوصًا أن القضاء سيكون له الكلمة العليا فى توسيع دائرة الإسناد فى ظل عجز القواعد القانونية الحالية

وفى النهاية من المؤكد أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث بهدف التوصل إلى الأساس القانونى الذى يمكن فى ظله تحديد المسئول عن أنظمة الذكاء الاصطناعى ولذلك يجب ضرورة العمل على إصدار وثائق التأمين على المسئولية المدنية ضد اخطار الذكاء الاصطناعى بحيث تكون إجبارية عند إصدار التطبيقات والأنظمة القائمة على تلك التكنولوجيا بحيث يلتزم بها صاحب الملكية الفكرية والمستخدمين والمطورين

ورغم كل ذلك فسيظل العنصر البشرى متوجدًا يحمل أشياء لن يستطيع الذكاء الاصطناعى القيام بها مهما بلغت مهارة وقدرات المبرمجين وهو الشعور والأحساس والحب