الأموال
الثلاثاء 19 أغسطس 2025 09:10 صـ 24 صفر 1447 هـ
الأموال رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب: المؤتمر الأممى لتطبيق حل الدولتين.. يضع العربة قبل الحصان هاجس نكبة ثانية يخيِّم على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى يواجه خطرًا وجوديًا

أسامة أيوب
أسامة أيوب


الاعترافات الفرنسية والبريطانية المرتقبة بالدولة مجرد إجراء رمزى يفتقد آلية التنفيذ فى مواجهة الرفض الأمريكى

مع كل التقدير للمؤتمر الأممى الذى عُقد الأسبوع الماضى برعاية سعودية فرنسية، وبمشاركة أكثر من مائة دولة تحت عنوان تثبيت حل الدولتين، ومع كل التقدير أيضًا لمخرجات المؤتمر لتطبيق حل الدولتين، إلا أنه بدا كمن يضع العربة قبل الحصان، حيث انعقد المؤتمر بينما يواجه الفلسطينيون فى غزة أبشع مجاعة فى التاريخ وحيث يموت الأطفال جوعًا بعد أن صاروا هياكل عظمية على مرأى ومسمع من العالم ومن المشاركين فى المؤتمر، بينما تمنع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية فى الوقت الذى تحولت فيه مؤسسة غزة الإنسانية الأمريكية وهى الجهة الوحيدة التى تسمح لها اسرائيل بتوزيع المساعدات إلى مصايد لقتل طالبى المساعدات، وحيث بدت تلك المشاهد إذلالًا خسيسا للشعب الفلسطينى الأعزل الذى يموت كل يوم قتلا بالمدافع والطائرات وجوعا دون طعام أو مياه.
ولذا كان يتعين أن يكون الهدف الأول فى الوقت الراهن لهذا المؤتمر هو وقف العدوان الوحشى وحرب الإبادة مع ملاحظة أن وصف هذا العدوان بالحرب على غزة وصف مخل ومضلل، إذ إن الحرب تكون بين دولتين لهما جيشان، بينما ما تقوم به إسرائيل هو عدوان عسكرى على مدنيين عُزل وأطفال، ومن ثَمَّ فإن ذلك الهدف كان له الأولوية قبل بحث تطبيق حل الدولتين والذى يبدو حاليا بعيد المنال إن لم يكن وبكل أسف غير قابل للتحقيق لاعتبارات كثيرة.
...
ولأن المؤتمر الأممى لحل الدولتين لم يوقف حرب الإبادة والتجويع فى غزة واستبق التوصل لذلك الهدف ببحث حل الدولتين، فإنه فى حقيقة الأمر لم يقدم شيئا حقيقيا للشعب الفلسطينى فى مواجهة المخططات اليهودية الإسرائيلية لاغتصاب كل ما تبقى من فلسطين التاريخية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن ثَمَّ رفض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حسبما أكد نتن ياهو ذلك مرارا ومعه الوزراء المتطرفون اليهود فى حكومته، والأهم من ذلك الموقف الأمريكى الذى كشف عنه الرئيس ترامب الذى هاجم مؤتمر حل الدولتين فى استهانة واضحة بهدف انعقاده فى الأساس، وحيث اعتبر أنه يقوض مفاوضات وقف إطلاق النار "المتوقفة فعلا" بينما كشف أيضا عن رفضه لإقامة الدولة الفلسطينية بإعلانه أن على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية ويقصد كل فلسطين التاريخية!
...
وفى نفس الوقت فإن إعلان الرئيس ماكرون اعتزام فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى شهر سبتمبر المقبل خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة والذى سبقته دول أخرى من بينها دول أوروبية وإن يُعد مكسبا رمزيا للقضية الفلسطينية إلا أنه يفتقد إلى آلية تنفيذ واضحة، إذ إن الدولة تتضمن شعبا وأرضا وحكومة وتمثيلا دبلوماسيا مع دول العالم الآخر.. غير مكتملة الأركان فى ظل الاحتلال الإسرئيلي.
ثُمَ إن انضمام بريطانيا إلى فرنسا فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى سبتمبر المقبل حسبما أعلن ستارم رئيس الوزراء ليس مؤكدا خاصة بعد أن استدرك وزير الخارجية بقوله ما لم توقف اسرائيل الوضع فى غزة وتقبل بسلام دائم!
...
الخطير واللافت أن الحديث عن مؤتمر حل الدولتين وكذلك فى إعلان فرنسا وبريطانيا ودول أخرى عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لم يحدد آلية تنفيذ إقامة الدولة، والأهم أنه جاء مجردا إذ أغفل تأكيد أنها على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لمقررات الشرعية الأممية وذلك يُمثل خطأ كبيرا يفتح الباب للانتقاص من الدولة خاصة أن ما تبقى من حدود هذه الدولة لا يزيد على 20% من أراضيها بعد التوسع الاستيطانى الاسرائيلى فى الضفة ومع مخططات احتلال غزة، حتى هذه المساحة من الأراضى قد لا تقوم عليها الدولة الفلسطينية مع استمرار المخططات الصهيونية والتآمر الأمريكى.
....
من المؤسف أن يستمر صمت المجتمع الدولى إزاء الجرائم اليهودية الاسرائيلية غيرالمسبوقة فى التاريخ الحديث على الشعب الفلسطينى والذى بدا عاجزا أمام التآمر الأمريكى الداعم والمشارك فى تلك الجرائم فى الوقت الذى لم يزد فيه رد الفعل الغربى الأوروبى على الشعور بالاشمئزاز، بينما اقتصر رد الفعل العربى الإسلامى على النداءات الحكومية لوقف الحرب "العدوان" ووقف المجاعة القاتلة.
لكن لأن دول الكيان اليهودى الصهيونى دولة مارقة فوق القانون الدولى تحت حماية المسيحية الصهيونية الأمريكية عبر كل الإدارات المتلاحقة فى واشنطن وحيث تُمثل هذه الحماية غير الأخلاقية وضد القانون الدولى والإنسانى نوعا من الغباء السياسى المغلف بالعنصرية الدينية والطائفية ولصالح اليهود ورغم أنهم لا يعترفون بالديانة المسيخية ولا بالمسيح عليه السلام، بل إنهم وفقا للعقيدة المسيحية هم من قتلوا المسيح، ورغم أن المشتركات بين المسلمين والعرب والمسيحيين هى الأكبر وأن اليهود أعداء لأصحاب الديانتين حسبما تشهد بذلك عقودالتاريخ السابقة.
...
لقد غاب عن الغرب المسيحى الأوروبى الأمريكى أن العقيدة التوراتية المحرفة تحل لهم قتل الأغيار أى غير اليهود بل قتل أطفالهم وحتى بهائمهم، وفى هذا السياق تستبيح إسرائيل اليهودية الصهيونية ارتكاب جرائمها الخسيسة ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، وعلى النحو الذى يتوافق مع عقيدتهم المحرفة وعدائهم وكراهيتهم للعرب وللمسلمين بوجه عام حسبما جاء فى العقيدة الإسلامية وبما ورد فى القرآن الكريم "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى..." مع ملاحظة أن عداء اليهود سبق عداء المشركين من غير المؤمنين بأى دين سماوى.
...
عداء اليهود للمسلمين والمسيحيين هو الحقيقة التى تحايل عليها يهود العالم تحت شعار الصهيونية نسبة إلى جبل صهيون فى فلسطين التى يعتبرونها وفقا لعقديتهم التوراتية الزائفة أرض الميعاد، وحيث كانت لافتة الصهيونية هى الغطاء السياسى للأطماع اليهودية، وهو التحايل والخداع الذى انكشف مع صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947 بين ما أسماها دولة يهودية لليهود ودولة للعرب.
وتحت لافتة الصهيونية الغطاء السياسى للأطماع اليهودية، ومع انخداع الغرب المسيحى بالخرافات التلمودية لا السرديات التوراتية الزائفة التى حرفت آيات التوراة الحقيقية صدق الغرب أن المسيح عليه السلام لن يعود إلا بعد احتلال اليهود لفلسطين، ولذا جاء الانحياز الغبى لدولة الكيان وضد العرب والفلسطينيين وحقوقهم المشروعة وضد القانون الدولى.
...
ولذا فإنه لا يتعين التعويل على أمريكا – ترامب – فى الاستجابة لكل النداءات الأممية والعربية والاسلامية للضغط على اسرائيل وإجبارها على وقف العدوان وحرب الإبادة والتجويع ضد الفلسطينيين فى غزة، إذ إن التعويل على ترامب يعد جريا وراء سراب، إذ ليس خافيًا أن أمريكا – ترامب – وقبل ترامب شريك كامل لإسرائيل ومجرم الحرب نتن ياهو فى إبادة الفلسطينيين وتجويع أطفالهم، ثُم إنه شريك متآمر لمنع إقامة الدولة الفلسطينية.
لقد كان من العار على دولة مثل أمريكا أن يتعامى رئيسها ترامب عن المجاعة التى يتعرض لها الأطفال الفلسطينيون فى غزة حسبما قال "لا أعلم أن هناك مجاعة" حتى أن تراجعه عن هذا التعامى بعد يومين وتصريحه بأن الصور تظهر وجود مجاعة، وكأنه لم يكن يعلم إلا بعد أن شاهد الصور التى يراها العالم يوميًا لا يمكن وصفه إلا بـ"الاستهبال" الذى لا يليق برئيس أكبردولة فى العالم بل لا يليق برئيس أى دولة، ولعل ذلك ما يؤكد أن التعويل على ترامب هو السراب بعينيه.
إن القراءة الموضوعية والواقعية للمشهد السياسى الراهن على كل الساحات الدولية والإقليمية والعربية والإسلامية والإسرائيلية أيضًا أيضا تكشَّف بكل الوضوح وبكل الأسف أن الشعب الفلسطينى يواجه خطرا وجوديا داهما وأن ما تبقى من فلسطين التاريخية ذاهب إلى نكبة ثانية بعد نحو ثمانية عقود من النكبة الأولى واغتصاب نصف الأراضى الفلسطينية وإقامة دولة الكيان اليهودى تحت اسم دولة إسرائيل عام 1948 وحيث بدا حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية مع استمرار المخططات الصهيونية والتآمر الأمريكى غير قابل للتحقق حتى مع اعتراف أوروبا ودول العالم بالدولة، إذ إن هذا الاعتراف سوف يصطدم بالفيتو الأمريكى حسبما يتضح من مواقف ترامب.
خلاصة القول.. إن الشرق الأوسط يعيش حاليا ولسنوات قادمة حقبة إسرائيلية يهودية صهيونية تحت دعم وحماية أميركية كاملة، وذلك هو الشرق الأوسط الجديد وتلك هى الحقيقة التى يتعين على الشعوب العربية مواجهتها بكل صراحة مثلما يتعين عليها التأهب والاستعداد لتغييرها فى مستقبل.. عاجل أو آجل مع أجيال عربية جديدة.
وأخيرًا وبعد كل ما سبق أرجو ألا أكون متشائمًا رغم أن كل ما يجرى لا يدعو لأى تفاؤل.