انتخابات أسامة أيوب يكتب: نقابة الصحفيين.. ملاحظات ضرورية

رغم أن ظروفًا صحية حالت بينى وبين حضور الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين والمشاركة فى الانتخابات التى جرت يوم 2 مايو الماضى مثلما حالت بينى وبين الانخراط فى متابعة الحملات الانتخابية عن قرب خاصة للمرشحين على منصب النقيب، إلا أننى كنت متابعًا عن بعد لكل ما جرى من خلال ما عرفته وسمعته من زملاء كثيرين وعلى النحو الذى دفعنى للتوقف لإبداء بعض الملاحظات التى أحسبها موضوعية.
بداية أود التأكيد على أننى بهذه السطور لا أستهدف سوى الحرص الصادق على النقابة التى يتعين أن تجمع ولا تفرق، مع ملاحظة أننى من جيل قديم سبق له أن عاصر وشارك فى انتخابات النقابة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، وكنت شاهدًا على ما شهدته من منافسات وما أسفرت عنها من نتائج، ولذا فإن ملاحظاتى التى أحسبها موضوعية تنطلق من خلفية خبرات طويلة.
إن دواعى الموضوعية وضرورات المصارحة تقتضى عدم دفن الرءوس فى الرمال ومحاولة تجميل صورة ما جرى خلال الحملات الانتخابية بحسب ما ورد فى كثير من التعليقات من أن الانتخابات جرت فى أجواء صحية ومنافسة شريفة، إذ إن الحقيقة وبشهادة جل الصحفيين هى أنها لم تكن كذلك بالمرة، ومن ثم فإن إنكار ما تخللها من ممارسات مسيئة غير مسبوقة هو أمر ليس فى صالح الصحفيين ونقابتهم.
...
لقد اتسمت المنافسة على منصب النقيب فى هذه الدورة بالكثير من التجريح الشخصى من جانب حملة الزميل العزيز عبدالمحسن سلامة ضد الزميل العزيز المنافس خالد البلشى بل ضد أعضاء حملته أيضا، وعلى نحو غير مسبوق فى تاريخ النقابة، إذ لم تشهد المنافسات فى زمن الراحلين الكبيرين إبراهيم نافع ومكرم محمد أحمد أى تجريح شخصى أو إساءة للمرشحين المنافسين لهما رغم ما لقياه من معارضة شديدة، ولذا فقد تسبب ذلك التجريح فى رد فعل من جانب حملة البلشى دفاعًا عن مرشحهم.
الملاحظة الأهم تتعلق بالتدخل الحكومى لدعم المرشح عبدالمحسن سلامة ضد منافسه خالد البلشى، وذلك هو الخطأ الحكومى المتكرر منذ عقود بأن يكون للدولة مرشح خاص دون أى مُبرر منطقى، إذ ماذا يضير الحكومة فى فوز أى مرشح بمنصب النقيب وفقًا لاختيار الصحفيين الحر خاصة أن جموع الصحفيين.. مرشحين وناخبين.. كلهم وطنيون مساندون للدولة حتى لو كان بينهم من يعارض أو ينتقد بعض الأداء الحكومى.
إن تدخل الحكومة وأجهزتها بدعم مرشح بعينه وحشد آليات الدعاية لصالحه واختصاصه ببعض الخدمات والمزايا يحصل عليها الصحفيون إذا انتخبوه، يعكس في حقيقة الأمر إساءة للصحفيين مثلما يبدو معها مرشحها فإنه غير مستحق للفوز إلا بهذا الدعم، وعلى النحو الذى يسىء إليه بالضرورة ويجعله فى صورة المستند إلى الحكومة وليس لثقة ناخبيه، وفى نفس الوقت فإن محاولة الحكومة لفرض مرشح بعينه إنما تمثل إساءة لعموم الصحفيين بقدر ما تدفع لشق الجماعة الصحفية.
....
ومن ثَّمَ فإن الربط بين المزايا المعلقة وتحسين أحوال الصحفيين المادية وبين تصويتهم لمرشحها تسبب بالضرورة فى إضعاف موقف مرشحها، حيث بدت تلك المزايا المالية التى أعلن عنها الزميل العزيز عبدالمحسن سلامة ووصفها بغير المسبوقة وإن لم يحدد قيمتها نوعًا من الابتزاز والضغط غير المقبول وغير اللائق بالصحفيين، مع ملاحظة أن الحكومة تعمدت عدم إعلان مرشحها عن قيمة الزيادة المالية تحسبا لاحتمال حتى لو كان ضعيفًا لإخفاقه حتى لا تتورط فى صرفها للصحفيين وفقًا للتقاليد السابقة باعتبار أن الزيادة التى يعلنها مرشح الحكومة ملزمة لها حتى فى حالة عدم فوزه.
فى سياق هذا الدعم الحكومى لمرشح بعينه جاء استقبال وزير الإسكان للزميل العزيز عبدالمحسن سلامة حيث منحه 1500 شقة سكنية للصحفيين فى مسلك يؤكد الانحياز الحكومى على هذا النحو المستفز والذي يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين وبما يعكس سياسة الترهيب والترغيب، الترغيب لإنجاح مرشحها بضمان 1500 شقة يحصل عليها 1500 صحفى إذا فاز المرشح الحكومى، والترهيب متمثلا فى ضياع هذه الشقق إذا خسر المعركة.
...
الأمر الآخر أن هذا الدعم والانحياز الحكومى للزميل عبدالمحسن سلامة انعكس سلبًا على أداء حملته الانتخابية الذى اتسم بالكثير من الاستعلاء والغرور أيضًا، رهانا على هذا الدعم واعتبار أن فوزه مضمون مائة فى المائة، وقد كان هذا الاستعلاء فى الأداء استفزازًا لغالبية الصحفيين بقدر ما كان سببًا فى التعاطف مع المنافس خالد البلشى غير المدعوم من الحكومة والمستند فقط إلى دعم الصحفيين خاصة أجيال الشباب التى اختلفت كثيرًا عن بعض أجيال الربع الأخير من القرن الماضى.
....
لعل الدرس الكبير المستفاد من انتخابات النقابة فى هذه الدورة وفى سابقتها هو أن الزمن قد تغيَّر كثيرا وأن ما كان ممكنا فى زمن سابق، أى فى زمن صحف ابراهيم وموسى، أى الصحف التى كان يرأسها الراحلان الكبيران إبراهيم نافع وموسى صبرى لم يعد ممكنًا فى الوقت الحالى، مع ملاحظة أن تعبير صحف إبراهيم وموسى أطلقه الراحل الكبير أنيس منصور ببديهته الحاضرة أمام الرئيس مبارك أثناء زيارته لمطابع الأخبار الجديدة عندما قال له هل تختص الأهرام والأخبار فقط لأنها صحف إبراهيم وموسى.
...
لقد أكدت تجربة انتخابات نقابة الصحفيين فى هذه الدورة مثلما أكدت سابقتها قبل عامين تراجع جدوى مسعى الحكومة وأجهزة الدولة لدعم مرشح بعينه دون مبرر حقيقى ومحاولة فرضه على الصحفيين، وعلى النحو الذى يمثل استفزازًا شديدًا للصحفيين من شأنه أن يسفر بالضرورة عن نتيجة معاكسة لما تستهدفه الحكومة بقدر ما يضر بمرشحها ويتسبب فى إخفاقه.
ثُم إن ثمة ملاحظة بالغة الأهمية بشأن الحملة الانتخابية للزميل عبدالمحسن سلامة إذ إن أداء الحكومة المتعالى المتسم بالغرور المستند إلى الدعم الحكومى قد ظلمه وأضره كثيرا خاصة مع لجوء الحملة إلى التجريح الشخصى والأُسرى ضد منافسه الزميل خالد البلشى وعلى النحو الذى دفع الصحفيين لاتخاذ موقف مضاد من عبدالمحسن سلامة أفقده الكثير من الأصوات.
...
ولذا ورغم أن كل المعطيات الظاهرة فى المشهد الصحفى كانت تشير إلى فوز مؤكد للزميل عبدالمحسن وحيث تعاملت حملته على أنه الفائز فعلا من قبل إجراء الانتخابات، إلا أن تلك المعطيات ذاتها كانت تؤكد أن الزميل البلشى هو من سيفوز، وذلك ما تيقَّن منه المراقبون الخبراء، غير أن المفاجأة كانت فوزه بذلك الفارق الكبير فى الأصوات وبنحو 800 صوت.
إن هذا الفارق الكبير فى الأصوات له دلالته التى تنطوى على درس مهم يؤكد أنه كان رد فعل طبيعى وقوى على الضغوط الكبيرة والشحن الضخم فى المؤسسات الصحفية لصالح الزميل عبدالمحسن وضد الزميل البلشى الفائز وذلك بحسب القاعدة المعروفة بأن لكل فعل رد فعل مساويًا له فى القوة ومضادًا له فى الاتجاه.
...
يبقى.. أن ما تضمنته السُطور السابقة من ملاحظات إنما قصدت بها رصد وتحليل ما يجرى فى الانتخابات بكل الموضوعية والحيادية وباجتهاد شخصى مخلص وصادق أو هكذا أحسب، وفى نفس الوقت أتقدم بالتحية والتقدير للزميل عبدالمحسن سلامة النقيب الأسبق.. متمنيًا له التوفيق.. صحفيًا ونقابيًا، كما أتقدم بخالص التهنئة للزميل العزيز خالد البلشى بثقة الجمعية العموية وفوزه المستحق بمنصب نقيب الصحفيين للمرة الثانية.. متمنيًا له التوفيق فى مهمته وخدمة عموم الصحفيين دون استثناء.
...
يبقى أخيرًا.. لقد تصادف إجراء انتخابات نقابة الصحفيين يوم 2 مايو الماضى عشية الاحتفال باليوم العالمى لحرية الصحافة الموافق 3 مايو، حيث جاءت نتيجة الانتخابات متماهية مع هذه المناسبة العالمية وتأكيدًا لحرية الصحفيين فى انتخاب من يمثلهم وتعبيرًا عن إرادتهم الحرة.