الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 02:09 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : العقوبات الغربية ضد روسيا.. ثغرات كبري.. وسلاح ذو حدين (٢-٢)

د.محمد فراج أبوالنور
د.محمد فراج أبوالنور

تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال «الأموال ـ ٢٩ مايو» عن بعض الثغرات الكبيرة فى جدار العقوبات الغربية ضد روسيا والتأثيرات العكسية لهذه العقوبات على الاقتصادات الغربية الكبرى.
وأشرنا إلى أن درجة الاعتماد الأوروبية الكبيرة على الغاز الطبيعى والبترول الروسيين، وصعوبة إيجاد البدائل لهما، جعلت الحلفاء الأوروبيين يرفضون اتجاه الولايات المتحدة لإقصاء «جميع البنوك الروسية» عن منظومة «سويفت» لأن من الضرورى إبقاء قنوات مفتوحة لدفع المستحقات عن موارد الطاقة، وهو الأمر الذى تطور فيما بعد لإجبار الدول الأوروبية علي سداد هذه المستحقات بالروبل الروسى عن طريق فتح حساب بالروبل في بنك «جازبروم»، الأمر الذى أدى إلى تعزيز سعر صرف العملة الروسية بدرجة كبيرة في مواجهة الدولار واليورو، بحيث أصبح في حدود «٦٠ روبلا» للدولار مقابل «١٤٠ روبلا» في بداية الأزمة! وهو تطور لم يكن ليخطر على بال الدول الغربية، التى رفضت الدفع بالروبل في البداية، ثم اضطرت للقبول تباعًا، إزاء قطع الغاز عن بولندا وبلغاريا والدانمارك لرفضهم السداد بالعملة الروسية.
وكانت أسعار البترول والغاز الطبيعي قد بدأت ترتفع بصورة كبيرة مع خروج العالم من حالة الإغلاق المرتبطة بتفشى «كورونا»، وزيادة الطلب علي موارد الطاقة، ونقص الإمدادات، ثم جاءت الأزمة الأوكرانية والعقوبات على روسيا، ورفض دول أوبك الاستجابة لطلب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى بزيادة الإنتاج بصورة يمكن أن تؤدى لإغراق الأسواق، وأدى ذلك كله لارتفاع حاد فى أسعار البترول والغاز، ليصل سعر خام برنت إلى (١٢٤ دولارا) ويتأرجح بين الـ(١١٠ - ١٢٠ دولارا) للبرميل فى الفترة الأخيرة، بينما يتذبذب سعر الألف متر مكعب من الغاز الطبيعي حول الألف دولار.. ولا غرابة فى ذلك في ظل التوتر الحاد في العلاقات الدولية المرتبط بالحرب في أوكرانيا، وبالمواجهة الشاملة التى أعلنتها الولايات المتحدة وحليفاتها ضد روسيا، وهى أكبر مصدر للغاز الطبيعى فى العالم، وثانى أكبر مصدر للبترول بعد السعودية، وأحد أكبر ثلاثة منتجين «السعودية وروسيا وأمريكا» في العالم.
تململ أوروبى متصاعد
أزمة الطاقة المستحكمة لم تمنع الولايات المتحدة وبريطانيا من ممارسة أشد الضغوط على الحلفاء الأوروبيين للمسارعة بحظر البترول والغاز الروسيين فى أسرع وقت ممكن بل «وفورًا» حسب وعود بعض الساسة الأمريكيين والأوروبيين، وخاصة من بريطانيا وبولندا ودول البلطيق الأكثر عداءً لموسكو..
لكن إيجاد البدائل ليس بالأمر السهل كما أوضحنا تفصيلا فى الجزء السابق من هذا المقال «الأموال ـ ٢٩ مايو» والدول الأوربية ليست ـ ولن تكون ـ مستعدة للانتحار من أجل إرضاء أمريكا وبريطانيا وشركائهما فى الضغوط للتسريع غير المدروس بحظر موارد الطاقة الروسية «فورًا» كما فعلت بريطانيا مثلا لأنها كانت تعتمد على البترول الروسى بنسبة تافهة من استهلاكها «٣٪» فقط.
ونظرًا للسهولة «النسبية» فى تعويض واردات البترول، فقد تركزت الضغوط حول حظره بصورة عاجلة.
لكن الدول الأوروبية الصناعية الكبرى أصرت على مهلة حتى نهاية العام لتدبير بدائل للبترول الروسى مع تقليل استيراده تدريجيًا، وهو الأمر الذى سيكلفها نحو ٢٠٠ مليار دولار هذا العام وحده، حسب تقرير للبنك الدولى نقلته شبكة RT الروسية (٧ يونيو)، وهو عبء اقتصادى لا يستهان به، خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، علمًا بأن نهاية العام هى ذروة فصل الشتاء، مما يجعل الموعد قابلا للمراجعة.
التهديد المجرى بالفيتو
وهنا ظهرت مشكلة جدية بالنسبة للدول الأوروبية الداخلية «التى لا تملك سواحل على البحار» مثل المجر وسلوفاكيا والتشيك ـ كما لا تملك خطوط أنابيب تصلها بالموانئ، والتي تعتمد على واردات البترول الروسية عبر خطوط «دروجبا/ الصداقة» فضلا عن خطوط الغاز الروسية «عبر أوكرانيا».. والتزام هذه الدول بالعقوبات الأوروبية في مجال الطاقة يعنى تدمير اقتصادها فورًا.. لذلك تزعمت المجر المطالبة باستثنائها من العقوبات في مجال الطاقة، وهددت بأنها ستستخدم حق النقص «الفيتو» ضد أى قرار بهذا الشأن إذا لم يتم استثناؤها منه «ومعها بالطبع التشيك وسلوفاكيا المستفيدتان من خط دروجبا/ الصداقة».
وقد مثل هذا الاستثناء بدوره ثغرة جديدة في جدار العقوبات.. علمًا بأن رئيس الوزراء المجرى «فيكتور أوربان» الذى يشغل منصبه منذ عام ٢٠١٠ له موقف معروف بمعارضته للعقوبات ضد روسيا منذ أزمة القرم «٢٠١٤» ويعتبرها ضارة ببلاده وبأوربا، وإن كان قد التزم بها تحت ضغوط شديدة، وقد عبَّر عن موقفه هذا بعبارة اكتسبت شهرة واسعة «نحن أشبه بمن يقطع أنفه ليغيظ جاره»!!
وربما كان ضروريًا هنا أن نشير إلى خطأ يرتكبه الإعلام الغربى فى حديثه عن قرارات القمة الأوروبية الأخيرة بشأن العقوبات ضد البترول الروسى ـ وهو خطأ مقصود علي الأرجح، فى سياق الحرب الإعلامية ــ إذ يشير إلى أن القمة قررت حظر البترول الروسى بنسبة ٩٠٪ والصحيح أن هذا الرقم مستهدف تحقيقه بحلول نهاية العام، وليس نقطة ابتداء كما توحى صياغات الأخبار والعناوين.
>>>
ويجب هنا أن نشير إلى نقطة أخرى مهمة، هى لجوء روسيا إلى بيع كميات أكبر من بترولها إلى الصين والهند وغيرهما من الدول الآسيوية بنسبة خصم تشير التقارير إلى أنها ٢٥٪، غير أن ما يعنينا هنا هو أن الهند اشترت خلال أبريل ومايو حوالى ٤٠ مليون برميل من البترول الروسى، ثم قامت شركات هندية بتكريره، وتصديره إلى أوروبا كمشتقات بترولية هندية.. ويمكن أن تقوم دول أخرى بمثل هذا الشكل من أشكال التحايل على العقوبات الأوروبية.
بل إن دولة بلطيقية معادية بشدة لروسيا هى «ليتوانيا» يقوم تجار منها ـ أو عن طريقها ـ بجلب ناقلات محملة بـ٥١٪ من أى بترول أجنبى، واستكمال حمولتها بـ٤٩٪ من البترول الروسى، وبيعه للدول الأوروبية باعتباره مستوردًا من دول أخرى.. وهو ما يعرف إعلاميًا باسم «المزيج الليتوانى»!
ويرى المراقبون أن روسيا بهذه الطريقة تخسر جزءا من مبيعاتها «التي تخطرها أوروبا»، كما تخسر بسبب اضطرارها للبيع بـ«الخصم»، لكنها في المحصلة النهائية ستحصل هذ العام على عائدات بترولية أعلى من تلك التى حصلت عليها العام الماضى، حينما كان سعر البرميل يتراوح بين (٦٠ - ٧٠ دولارا) وبعبارة أخرى فإن فلسفة العقوبات «أى خنق الاقتصاد الروسى، وتجفيف موارد موسكو من النقد الأجنبى» لن تتحقق.. وسيظل الاقتصاد الروسى ـ وبرغم الخسائر التى لاشك فيها ـ صامدًا وقادرا على تمويل ما يسميه الغربيون «آلته العسكرية» بما في ذلك الحرب فى أوكرانيا.
الغاز الطبيعى.. ضغوط وتكاليف!
ويؤكد ما نذهب إليه أن أوروبا ستظل بحاجة إلى الغاز الطبيعى الروسى، وإن بدرجة متناقصة ـ لعدة سنوات، قد تصل إلى عام ٢٠٣٠ ـ وإن كان الاتحاد الأوروبى قد أعلن أنه «يستهدف» إنهاء اعتماده على هذا الغاز بنهاية عام ٢٠٢٤، لكنه هدف يعتمد تحقيقه علي توفير البدائل التي يشير الخبراء إلى أنها أكثر تكلفة بكثير سواء من حيث الأسعار، أو الاستثمارات المطلوبة لبناء منشآت لتسييل الغاز وأساطيل من الناقلات، ثم إعادة الغاز المسال إلى حالته العادية، مما سيترتب عليه أعباء إضافية على الاقتصادات الأوروبية تقدر بمئات المليارات من الدولارات.. وفى ظل أزمة اقتصادية متفاقمة بسبب «كورونا» أولاً، ثم بسبب المواجهة الجارية مع روسيا واستفحال أزمة الطاقة وسلاسل التوريد.
البنك الدولي.. شهادة وتحذير
أشار خبراء اقتصاديون غربيون كثيرون خلال الأسابيع الماضية إلى أن الحرب الأوكرانية - وما ارتبط بها من عقوبات غير مسبوقة ضد روسيا، وتوتر حاد في العلاقات الدولية ــ قد أدت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التى بدأت مع تفشى وباء «كورونا» وارتفعت نسبة التضخم إلى حوالى ٨٪ في الاقتصادات الأوروبية و٨٫٥٪ فى الاقتصاد الأمريكى.
وجاء البنك الدولى في تحديثه لتقرير «الآفاق الاقتصادية العالمية»، (٧ يونيو ٢٠٢٢ - وكالات ومواقع) ليؤكد الارتباط بين تفاقم الأزمة الاقتصادية والحرب في أوكرانيا، محذِّرًا من أن الاقتصاد العالمى «يواجه خطرًا متعاظمًا للركود التضخمى»، و«أن يستمر النمو الضعيف طوال العقد» الحالى.. وخفض البنك الدولي توقعاته للنمو الاقتصادى العالمى من ٤٫١٪ إلى ٢٫٩٪ هذا العام (٢٠٢٢) وأن يحوم حول هذا المستوى خلال العامين القادمين (٢٣/ ٢٠٢٤) وهى تقديرات لا تبعث على التفاؤل إطلاقا.
ويؤدى بنا كل ما سبق إلى القول بأن العقوبات المرتبطة بالحرب الأوكرانية لن تدفع ثمنها روسيا وحدها، وإنما واضعو العقوبات أيضًا.. والاقتصاد العالمى بأسره.. وأنها حقًا سلاح ذو حدين..

مصر للطيران
العقوبات الغربية. روسيا. ثغرات كبري.سلاح ذو حدين (٢ ٢)

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE