الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 02:51 صـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : فى قراءة للمشهد السياسى المصرى قبل ٢٠١١

الكاتب الصحفى أسامة أيوب
الكاتب الصحفى أسامة أيوب

ثورة ٢٥ يناير.. لماذا قامت ولماذا تأخرت ولماذا أخفقت؟ (١)
مع اقتراب الذكرى الحادية عشرة لثورة ٢٥ يناير التى اندلعت شرارتها فجأة وعلى غير توقع وداهمت الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونظامه عام ٢٠١١، فإنى أحسب أن قراءة المشهد السياسى ومجمل الأوضاع فى مصر في تلك الفترة قد يكون من شأنها تفسير ما جرى، مع ملاحظة أن أى قراءة وأى تفسير هما اجتهاد سياسى وشخصى قد يحتمل الصواب وقد يحتمل الخطأ، وتبقي الحقيقة في رحم قادم الأيام ريثما يسجلها التاريخ.
واقع الأمر أنه لم يكن أحد في مصر حتى يوم ٢٤ يناير ٢٠١١ يتخيل أن ثورة يمكن أن تقع وتنتهى بإسقاط النظام وتخلى الرئيس مبارك عن الحكم بعد نحو ثلاثين سنة أمضاها فى السلطة، حتى حين تساءل البعض: هل تلحق مصر بثورة تونس التي أسقطت زين العابدين بن على، وحيث تحسس أركان النظام المصرى رءوسهم فقد كانت الإجابة الرسمية وفي الخطاب الإعلامى والصحفي هى أن «مصر ليست تونس»، بينما جاءت الإجابة الشعبية بأن مصر مثل تونس، وتلك كانت المفاجأة التى داهمت وأربكت النظام والرئيس مبارك ذاته.
< <<
وبينما كان الرئيس مبارك وأركان نظامه الذين داهمتهم المفاجأة يتساءلون: لماذا قامت الثورة ولماذا ارتفع سقف مطالب الشباب المحتجين في ميدان التحرير بعد أيام من اعتصامهم إلي إسقاط النظام ورحيل مبارك، فإن السؤال المنطقى الذى غاب عن النظام وأركانه فى غياهب سطوة السلطة وغرورها بل في غيبوبتها بمعزل عن نبض الشارع الذى فاض به الكيل بفعل تردى مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبفعل الفساد الذى تغلغل في أوصال ومفاصل الدولة وبفعل كثير من الأسباب..
السؤال الذى غاب عن النظام كان لماذا تأخرت الثورة خمس سنوات على الأقل؟
<<<
الحقيقة هى أن أسباب الثورة بدأت فى بداية السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك، ثم ظلت تتزايد حتى بلغت ذروتها فى السنوات الخمس الأخيرة، وهو الأمر الذى لم يتنبه له خاصة عندما بدأ ولايته الرئاسية الخامسة في عام ٢٠٠٥ والتى كان تنتهى فى أكتوبر عام ٢٠١١، وحيث تضاربت التوقعات حول ترشحه لولاية سادسة أو الإقدام على ترشيح نجله جمال الذي كان يوصف صراحة فى الأوساط السياسية بأنه الوريث المحتمل وحسبما كان يدور فى كواليس الحزب الوطنى.
لقد أخطأ الرئيس مبارك حين ظل فى السلطة ثلاثين سنة «خمس ولايات رئاسية»، إذ إنه بحكم السن افتقد الكثير من اللياقة السياسية والجسدية وأيضًا وبالضرورة اللياقة الذهنية التى تجعله قادرًا على إدارة شئون الدولة بنفس القدرة والكفاءة التى حكم بها في العشرين سنة الأولى، وهو الأمر الذى تبدّى بوضوح شديد في خطاباته ومؤتمراته فى السنوات الخمس الأخيرة ثم تبدّى بوضوح أكثر بعد موت حفيده الأول نجل علاء، حيث بدا عليه الوهن الجسدى والذهنى والنفسى، وحيث كانت تعليمات مؤسسة الرئاسة للإعلاميين والصحفيين ألا يبادروا بتوجيه أسئلة له إلا إذا طلب منهم التحدث، ولذا جاء الخطأ الثانى والخطير بإشراك نجله جمال فى إدارة شئون الدولة علنًا والمثير أنه كان يبرر ذلك بأن نجله يساعده!!
<<<
اللافت أن الرئيس مبارك ضرب الرقم القياسى فى البقاء علي رأس السلطة لمدة نحو ثلاثين سنة وهى أطول مدة لحاكم مصرى في العصر الحديث منذ مائتى سنة باستثناء مؤسس الدولة الحديثة محمد على، ثم إنه ضرب الرقم القياسى أيضًا فى البقاء في الحكم حتى اقترب من سن الثانية والثمانين والتى كان سيكمّلها في مايو ٢٠١١ وهى سن لم يسبقه إليها إلا محمد على أيضًا، ومن المثير أنه كان من المحتمل أن يترشح لولاية رئاسية سادسة إذا تعطل سيناريو التوريث ولم يترشح نجله جمال، مع ملاحظة أن مبارك شغل منصب نائب الرئيس السادات منذ منتصف عام ١٩٧٤ ولمدة ست سنوات ونصف السنة حتى تولي الرئاسة لأول مرة في أكتوبر عام ١٩٨١ عقب اغتيال الرئيس السادات الذي لم يكمّل ولايته الرئاسية الثانية والتى كانت ستنتهى بعد عام من اغتياله رغم أنه كان قد عدّل الدستور ليفتح المدد الرئاسية دون حد أقصى لكن القدر لم يمهله وكان مبارك هو المستفيد من هذا التعديل!!
<<<
المتغير الخطير الذى ضرب نظام مبارك فى الصميم كان ما جرى فى سنوات حكمه الأخيرة من زواج الثروة بالسلطة واختراق أصحاب الثروات الضخمة لمفاصل الدولة والرئاسة ذاتها وحيث استشرى الفساد وتغلغل في دوائر الحكم وصنع القرار، ولقد تجلى هذا التزاوج بين الثروة والسلطة فى أوضح صورة حين تم تعيين خمسة من أكبر أصحاب الثروات ورجال الأعمال تجمعهم صلات القرابة والمصاهرة فى حكومة أحمد نظيف.. آخر حكومات ما قبل اندلاع الثورة فى مواقع وزارية وثيقة الصلة بأنشطتهم وبما يُوصف بتعارض المصالح.
هذا الزواج المثير للشبهات أحدث تغييرا نوعيا وفاسدا في التوجهات والقرارات السياسية بل التشريعات لصالح هؤلاء وعلى نحو بالغ الفجاجة ولدرجة أن أحد أركان النظام والقيادة الحزبية الصاعدة بسرعة الصاروخ «أحمد عز» ظل يصر على قلب فلسفة قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار إلى العكس تمامًا ليُشرع لحماية الاحتكار ومنع المنافسة!! لولا أن تدخل مبارك شخصيًا ومنع صدور التشريع من البرلمان على هذا النحو الفاضح.
<<<
وفي نفس الوقت كان الحزب الوطنى صاحب الأغلبية البرلمانية الدائمة والحزب الحاكم برئاسة مبارك يمثل أحد التشوهات في المشهد السياسى بفعل تزوير الانتخابات البرلمانية لمنع الأحزاب الأخرى من الحصول على مقاعد تصل إلى الثلث، وهو الأمر الذى أساء إلى التعددية السياسية المفترضة، غير أن التزوير بلغ ذروته وإلي درجة الفضيحة في آخر انتخابات لمجلس الشعب قبل أسابيع من الثورة والتي جرت تحت رئاسة أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى «خلفا لكمال الشاذلى» وزعيم الأغلبية في البرلمان، حيث أسفرت نتيجة الانتخابات عن فوز مرشحى الحزب الوطنى بأكثر من ٩٨٪ من مقاعد البرلمان.
ولقد كانت تلك الفضيحة الانتخابية مؤشرًا على ضعف النظام والحزب الوطنى على العكس مما أراد أحمد عز ثم إنها كانت إرهاصة باقتراب سقوط النظام، بل إنها كانت أحد أهم أسباب الثورة المباشرة، والمثير أن الرئيس مبارك لم ينتبه إلى خطورة ما جرى وكانت سخريته في آخر خطاب له فى افتتاح الدورة البرلمانية من مرشحى الأحزاب الأخرى من الذين تم إسقاطهم بالتزوير والذين شكلوا ما عرف بالبرلمان الموازى بقوله «خليهم يتسلوا».. كانت هذه السخرية والتي لم تكن في محلها دليلاً واضحاً على أنه غير منتبه لما يجرى في الدولة بفعل الغرور وتم بفعل الفريق الذى كان يعرف بـ«الفكر الجديد» في الحزب الوطنى بقيادة جمال مبارك.
<<<
فريق الفكر الجديد بدأت سيطرته على الحزب الوطنى متزامنة مع الظهور العلني لجمال مبارك فى المشهد السياسى.. انطلاقا من رئاسته لأمانة السياسات التى تم اختراعها لتكون الآلية التى يدير بها الحزب والحكومة وحيث بدا ذلك التغيير داخل الحزب الوطنى إرهاصة واضحة لتنفيذ سيناريو التوريث برعاية أحمد عز وأنس الفقى وزير الإعلام الذى خلف صفوت الشريف الذى انتقل إلى رئاسة مجلس الشورى، وحيث كان أنس الفقى مقربًا جدًا من البيت الرئاسة كله بدعم من السيدة سوزان مبارك والتي كانت تصفه بأنه الابن الثالث للرئيس.
هذا الفريق الذي أحاط بجمال مبارك كان يعمل أيضًا بدعم وتوجيهات السيدة سوزان مبارك والتى تزايد حضورها الطاغى فى المشهد السياسى وعلى النحو الذى تبدّى في اتساع وتضخم نفوذها وتدخلها في شئون الحكم والدولة واختيار بعض الوزراء، وهو الأمر الذى كان يثير حساسية لدى المصريين خاصة في السنوات الأخيرة باعتبار أن دور حرم الرئيس يتعين ألا يتجاوز الشأن الاجتماعى كحد أقصى.
<<<
ثم إنه كان من المعلوم في الدوائر السياسية وبين أوساط النخبة أن السيدة سوزان كانت صاحبة فكرة توريث الحكم لنجلها جمال وهى الفكرة التى تحولت إلي سيناريو جرى إعداده وتحضيره كى يتم تنفيذه علي مراحل حتي يصل إلى النهاية بوصول جمال إلى رئاسة مصر خلفا لأبيه!
ولقد كان من الواضح أن السيدة سوزان نجحت في الضغط على الرئيس وإقناعه بقبول سيناريو التوريث، رغم ما تواتر عن تردده في هذا الشأن، إذ ظل ينفي مرات ويؤكد مرات أخرى ولو ضمنًا إذ صرح ذات مرة أن جمال ابنه ومن حقه أن يساعده وهو التصريح الذى دفع الصحفي عبدالحليم قنديل لأن يسخر منه معلقًا بأن تلك المساعدة جائزة لو أن مبارك يدير «محل كشرى»، وحسبما أكد بوضوح أكثر في حديث صحفى مع إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام بقوله إن جمال مواطن مصرى ومن حقه أن يترشح للرئاسة كأى مواطن آخر!
<<<
أما عن النجل الثانى والأكبر علاء ورغم ابتعاده عن المشهد السياسى وعن الظهور العام باستثناء مباريات كرة القدم، فإن كثيرا من الاتهامات المتواترة فى الشارع المصري باستغلال نفوذه في الأنشطة التجارية وتحقيق ثروة هائلة كانت تلاحقه وتنال من الرئيس أيضًا، وحيث تناقل المصريون الكثير من النكات حول «بيزنس» علاء ومن بينها أن الرئيس مبارك سأل مرافقيه فى إحدى جولاته عن مالك أحد المشروعات الكبرى فقيل له إنه علاء، فرد عليه «والله برافو عليه.. كل ده من مصروفه»، وهى نكتة من كثير من النكات التي لا تخفي دلالتها.
< < <
يبقي أنه مع كل الأخطاء التى وقع فيها الرئيس مبارك فإن سيناريو التوريث كان الأخطر على الإطلاق باعتبار أنه يمثل انتهاكًا صارخًا للنظام الجمهورى لا يقبله المصريون باعتبار أن يحوّل مصر إلي جمهورية وراثية ملكية على غرار بعض التجارب في دول عربية أخرى.
ولقد غاب عن الرئيس مبارك أن المؤسسة العسكرية لن تقبل بتمرير هذا السيناريو باعتبار أنه خرق للنظام الجمهورى الذى أقامته مع ثورة ٢٣ يوليو التي أنهت الحكم الملكى، وذلك الرفض من جانب المؤسسة العسكرية تبدّى بصراحة على لسان أحد أعضاء المجلس العسكرى بعد نجاح الثورة وسقوط النظام فى أحد المؤتمرات الصحفية المذاعة على شاشات التليفزيون، حيث قال بالحرف الواحد إن الجيش كان ينتوى القيام بانقلاب عسكرى إذا ما أقدم الرئيس مبارك على ترشيح نجله جمال للرئاسة.
لذا فإن سيناريو التوريث كان القشة التى قصمت ظهر النظام وأسقطت مبارك علي هذا النحو الدراماتيكى دون إغفال لأسباب أخرى كثيرة.
<<<
المثير فيما جرى منذ يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ أن الشباب المثقف من أبناء الطبقتين العليا والوسطى الذين بدأوا احتجاجاتهم فى ذلك اليوم كانوا يطالبون فقط بإقالة وزير الداخلية احتجاجًا على بعض ممارسات الشرطة خاصة في حادثة مقتل الشاب خالد سعيد فى أحد أقسام الشرطة بالإسكندرية ثم حل مجلس الشعب المزور.
< < <
لكن ماذا حدث حتى تحولت الاحتجاجات إلى ثورة رفعت سقف المطالب إلي إسقاط النظام ورحيل مبارك؟
<<<
ولأن الإجابة تتطلّب مساحة أخرى.. يبقي للحديث بقية.

مصر للطيران
ثورة ٢٥ يناير الرئيس الأسبق حسنى مبارك
بنك الاسكان
NBE