الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 01:22 مـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : الملف النووى الإيرانى بين مماطلة طهران والتحفظات الغربية والتحريض الإسرائيلى

الكاتب الصحفي أسامة أيوب
الكاتب الصحفي أسامة أيوب

فى مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووى


بالنظر إلى استمرار الخلافات العالقة بين إيران من جهة والولايات والدول الأوروبية من جهة أخرى بشأن الملف النووى، وفى ضوء المطالب الإيرانية والرفض الأوروبى لمقترحاتها، فإنه من المرجح إن لم يكن من المؤكد ألا تُسفر جولة المفاوضات السابقة التى بدأت يوم الخميس الماضى فى فيينا عن التوصل إلى صيغة اتفاق نهائى، ومن ثمَّ فإن الأمر سوف يتطلب جولات أخرى قادمة ريثما يمكن التوصل إلى الاتفاق.
ومع ملاحظة تعويل الرئيس الأمريكى جو بايدن على الحل الدبلوماسى لأزمة الملف النووى الإيرانى من خلال المفاوضات التى بلغت سبع جولات حتى الآن منذ إعلانه عن ضرورة العودة إلى الاتفاق مع إيران والذى جرى توقيعه فى ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما فى عام ٢٠١٥ بعد مفاوضات ماراثونية استغرقت سنوات، والذى انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب بجرة قلم عام ٢٠١٨ في سياق سياساته وقراراته الهوجاء.. داخليًا وخارجيًا، إلا أنه من الواضح أن ثمة عقبات سوف يأتى ذكرها لاحقًا تتسبب في تعثر المفاوضات الحالية وتُعطِّل التوصل السريع إلى الاتفاق.
*****
ومن المعلوم أن الرئيس بايدن الذى كان قد أعلن عن توجهه للعودة إلى الاتفاق أثناء حملته الانتخابية ومن قبل وصوله إلى البيت الأبيض فى إطار سياسة جديدة لتصحيح بعض أخطاء سلفه ترامب.. كان له دور مهم وبارز فى التوصل إلى الاتفاق مع إيران عندما كان نائبًا للرئيس أوباما بعد سنوات من مفاوضات شاقة أسفرت عن النجاح فى توقيع ذلك الاتفاق الذى أحدث انفراجة دولية وإقليمية فى هذا الملف الخطير المُثير للقلق الدولي والإقليمى، باعتبار أنه مكَّن من لجم طموحات طهران فى سعيها لامتلاك السلاح النووى بإلزامها بنسبة تخصيب لليورانيوم لا تتيح لها سوى الاستخدامات السلمية فقط للطاقة النووية.
ولذا فقد أدرك الرئيس بايدن أهمية وضرورة إحياء الاتفاق مرة أخرى خاصة فى ضوء انتهاجه سياسة خارجية ودولية ترتكز على التوقف عن الانخراط فى مشكلات ونزاعات وقضايا إقليمية والتفرغ للتصدى للتمدد الصينى المتنامى الذى بات يُمثل خطرًا وتهديدًا لأمريكا التي انشغلت عنه بسبب تلك المشكلات الإقليمية.
*****
ولقد كان قرار ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى مع إيران حتى دون التنسيق مع الشركاء الأوروبيين بمثابة مبرر قوى.. قانونيًا وسياسيًا لعدم التزامها ببنوده باعتباره صار مُلغى بعد انسحاب الطرف الأمريكى وعودة العقوبات، ومن ثمَّ فإنها مضت قدمًا وبخطوات كبيرة فى استئناف برنامجها النووى ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم بأكبر مما ورد في الاتفاق وعلى النحو الذى يجعلها تقترب من إنتاج السلاح النووى، وكان ذلك مكمن الخطر الذى أدركه بايدن ودفعه لضرورة إحياء الاتفاق.
*****
ومع العودة إلى المفاوضات لإحياء الاتفاق ومع مجىء حكومة جديدة فى طهران برئاسة إبراهيم رئيسى أكثر تشددًا أو هكذا تريد أن تبدو منذ البداية، كان من المتوقع وبحسب ما جرى ويجرى أن تكون المفاوضات مع وفدها التفاوضى الجديد أيضًا أكثر صعوبة عن المفاوضات السابقة.
ولأن النهج الإيرانى المتبع يتسم بالمماطلة وطول النفس والقدرة الدبلوماسية على استهلاك الوقت لكسب المزيد من النقاط للوصول إلى الهدف، بحيث يبدو القبول بأى مقترحات للطرف الآخر نوعًا من التنازل الصعب الذى يتعيَّن على الطرف الآخر أن يُقدّم مقابله تنازلاً مماثلاً، فإن هذا النهج التفاوضى الإيرانى يمثل أحد أهم أسباب تعثر المفاوضات وتعطيل التوصل إلى اتفاق قريب.
*****
فى هذه المفاوضات الجارية تستند إيران إلى أنها ظلت ملتزمة باتفاق عام ٢٠١٥ حتى انسحب منه ترامب، ولذا فإن توقيع اتفاق جديد يتعيَّن أن يأتى حسبما كان الاتفاق السابق إذ إنها ليست من انسحب منه، كما أن أى زيادة فى نسبة تخصيب اليورانيوم عما ورد في الاتفاق السابق كان بسبب إلغائه من جانب واشنطن، مع ملاحظة أن نسبة التخصيب الحالى لاتزال أقل من القُدرة على إنتاج سلاح نووى.
*****
وفي نفس الوقت فإن إيران تشترط الحصول على ضمانات كافية يتضمنها الاتفاق الجديد في حالة التوصل إليه، بحيث تضمن عدم النكوص عنه مرة أخرى فى المستقبل، كما أن الأهم فى المطالب الإيرانية للتوقيع على الاتفاق هو الإصرار على رفع العقوبات جميعها دفعة واحدة وليس على مراحل باعتبارها تُشكل أضرارًا اقتصادية متراكمة وبالغة القسوة.
*****
وفى غيبة معلومات إعلامية كافية عن نقاط الخلاف الجوهرية وغير الجوهرية فى المفاوضات الجارية سواء السياسية أو التقنية، فإنه من غير المعلوم ما هى اعتراضات الجانب الأوروبى خاصة الفرنسي والألمانى على المقترحات التى قدمتها إيران فى المفاوضات حتى كتابة هذه السطور والتى وصفتها الدولتان بأنها غير واقعية ولا تُلبى المطالب الأساسية للتوصل إلى الاتفاق، بينما ترد إيران بأنها لا تتفهم أسباب الاعتراض والتحفظات الأوروبية على مقترحاتها، ومع ذلك فإنها في سياق نهجها التفاوضى لاستهلاك الوقت تعتبر أنها قابلة للمراجعة بين الأطراف.
*****
أما الولايات المتحدة ورغم إعلانها الحرص على الحلول الدبلوماسية، فإنها لاتزال غير راضية أيضًا عن سير المفاوضات والمقترحات الإيرانية أو هكذا تبدو ربما تحت تأثير ضغوط من داخل الإدارة أو من الجانب الأوروبى والأهم من الجانب الإسرائيلى، مع ملاحظة تلويحها أكثر من مرة على لسان وزير خارجيتها ومسئولين آخرين باللجوء إلى خيارات أخرى وعقوبات أشد فى حالة فشل المفاوضات والمقصود طبعًا بالخيارات الأخرى هو الضرب العسكرية واستمرار العقوبات وتشديدها.
*****
الخطير فى أزمة الملف الإيرانى هو دخول إسرائيل على الخط وعلى نحو يُشكّل عقبة كبرى من شأنها إفشال المفاوضات وعرقلة التوصل إلى اتفاق نهائى.
الدور الخطير الذى تلعبه إسرائيل على هامش مفاوضات فيينا.. علنًا وفى الكواليس السياسية والعسكرية الأمريكية على حد سواء.. هو دور تحريضى بامتياز، إذ إنها تدفع واشنطن إلى عدم المضى الحثيث في المفاوضات واستبعاد الحلول الدبلوماسية للتوجه فورًا إلى توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية مع استمرار العقوبات وتشديدها بادعاء أن ذلك هو الضمانة الحقيقية لإفشال البرنامج النووى.
وفى سياق هذا التحريض الإسرائيلى والإلحاح على إدارة بايدن تأتى زيارة رئيس الموساد لواشنطن للتباحث حول الضربة العسكرية وتقديم معلومات استخباراتية عن قرب امتلاك إيران للسلاح النووى.
*****
ولأنه من المؤكد أن أمريكا «بايدن» الساعية إلى التوصل للاتفاق فى الإطار الدبلوماسى لن تلجأ بالفعل إلى الضربة العسكرية فى ضوء إدراكها باعتبارها القوة الأعظم فى العالم للمواءمات والمعادلات الاستراتيجية والسياسية الدولية والإقليمية، ولأن إسرائيل تُدرك ذلك فإنها من جهة أخرى سوف تلجأ إلى تحريض واشنطن على منحها الضوء الأخضر للقيام بهذه الضربة.
غير أن إدراك واشنطن «بايدن» للتداعيات بالغة الخطورة على حلفائها الآخرين فى المنطقة وتحديدًا دول الخليج العربي البترولية.. من المرجح أنه سيحول بين إسرائيل وإقدامها على القيام بالضربة العسكرية التى تريدها ضد إيران ومنشآتها النووية.
*****
حقيقة الأمر هى أن إسرائيل لا ترغب فى منع إيران من امتلاك السلاح النووى فقط، ولكنها تسعى فى نفس الوقت إلى إضعاف القدرات الإيرانية الأخرى السياسية والاقتصادية والتقنية حتى فى الطاقة النووية السلمية بهدف إيقاف تمددها ونفوذها القوى فى الإقليم من خلال حلفائها فى أربع عواصم عربية تُشكل طوقًا حولها يُمثل خطرًا محدقًا بها، باعتبار أن إسرائيل لا تُريد وجود قوة منافسة لها بحيث تظل هى القوة الأكبر المتفوقة منفردة فى ميزان القوى الاستراتيجية على جميع دول المنطقة مجتمعة، ومن ثمَّ يمكن تفهم حقيقة دوافعها للتحريض ضد إيران وإضعافها اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا ونوويًا حتى فى مجال الاستخدامات السلمية.
*****
ومع الإقرار بخطورة التمدد الإيرانى على السلم والأمن الإقليمى وعلى الأمن القومى العربى والخليجى بوجه خاص وبأكثر مما تعتبره إسرائيل خطرًا عليها، فمن المؤكد أن امتلاكها للسلاح النووى يمثل إخلالاً خطيرًا بالتوازن الاستراتيجى الإقليمى بقدر ما يمثل خطرًا محدقًا بالدول الخليجية العربية على وجه الخصوص.
وإذا كانت الهواجس والمخاوف العربية الخليجية وهى مخاوف مشروعة وحقيقية إزاء الخطر الإيرانى تلتقى بالمصادفة الجغرافية مع العداء الإسرائيلى الاستراتيجى تجاه إيران، فمن المؤكد أن دول الخليج لن ترحب بالضرورة بضربة عسكرية باعتبار أنها تمثل خطرًا آخر عليها.
*****
خلاصة القول هى أنه يمكن تحديد أسباب صعوبة المفاوضات الجارية فى فيينا ومن ثمَّ إطالة أمد التوصل إلى اتفاق نهائى فى أربعة أسباب.. مماطلة إيران وإصرارها على رفع العقوبات بالتزامن مع توقيع الاتفاق، وثانيا تردد واشنطن فى رفع العقوبات أولا، ثم تحفظات الأوروبيين على المقترحات الإيرانية، وأخيرًا والأهم والأخطر هو التحريض الإسرائيلى.
ويبقى أن مسلك إسرائيل التحريض لتنفيذ سيناريو الضربة العسكرية ضد إيران وقيامها بهذه الضربة أمر مستبعد تمامًا لاعتبارات تتعلق بإسرائيل ذاتها وأمنها، إذ إن هذه الضربة من شأنها إشعال المنطقة نارًا ستكون إسرائيل أول من يكتوى بها إذ لن تكون بمنأى عن صواريخ إيران بعيدة المدى، ولن تكون دول الخليج ولا القوات الأمريكية بمنأى عنها أيضًا.
******
ويبقى أخيرًا الرهان على الرئيس الأمريكى جو بايدن للجم إسرائيل ووقف تحريضها حتى يمكن التوصل دبلوماسيًا إلى اتفاق نهائى مع إيران للجم طموحاتها النووية.. ضمانًا لأمن واستقرار الشرق الأوسط كله.

مصر للطيران
الملف. النووى .الإيرانى .طهران.التحفظات الغربية.التحريض الإسرائيلى
بنك الاسكان
NBE