الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 07:46 مـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : لبنان.. مهام عاجلة وتحديات صعبة أمام حكومة ميقاتى

الكاتب الصحفي أسامة أيوب
الكاتب الصحفي أسامة أيوب


بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتى والتى بدأت أعمالها بالاجتماع مع رئيس الجمهورية ميشال عون الأسبوع الماضى، فإنه يمكن القول إن لبنان تجاوز نسبيًا أزمة الانسداد السياسى الذى عاشه في غيبة حكومة تدير شئون البلاد طوال أكثر من ثلاثة عشر شهرا منذ استقالة حكومة حسان دياب عقب انفجار مرفأ بيروت فى الرابع من أغسطس العام الماضى.
ورغم أن غالبية اللبنانيين لا يعولون كثيرا على نجاح هذه الحكومة فى الخروج من الأزمة، إلا أن ثمة آراء أخرى تعتبر أن وجود حكومة أفضل من «لا حكومة» خاصة بعد أن وصل لبنان إلى حافة الانهيار الكامل باعتراف السياسيين أنفسهم قبل الشعب الذى تدهورت أوضاعه الاقتصادية والمالية والمعيشية مع انهيار العملة المحلية «الليرة» أمام الدولار الذى وصل سعره إلى ١٨ ألف ليرة وعلى النحو الذى انعكس بدرجة خطيرة على أسعار السلع والخدمات وعلى أسعار الوقود تحديدًا خاصة بعد إلغاء الدعم بعد نفاد الأموال المخصصة له فى مصرف لبنان.
فى تلك الأوضاع المتدهورة غير المسبوقة في لبنان، حيث بات غالبية اللبنانيين مهددين بمجاعة حقيقية وحيث ازداد الفقراء فقرًا وبلغ عددهم نحو ٧٠٪ من الشعب، وحيث انتقلت الطبقة الوسطى سريعا إلي طبقة الفقراء.. كان من المثير ومن المؤسف أن يتعثر تشكيل الحكومة طوال أكثر من سنة دون مراعاة من جانب الطبقة السياسية للخطر المحدق بالدولة والشعب.. سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وسط خلافات وصراعات حول المناصب الوزارية.
< < <
لقد ظل تشكيل الحكومة متعثرا طوال كل تلك الشهور نتيجة لعدم التفاهم والتوافق بين سعد الحريرى وعون الذى كلفه بتشكيلها، حيث استغرقت المشاورات بينهما تلك المدة الطويلة عبر العديد من اللقاءات فى قصر بعبدا دون التوصل إلى اتفاق حول كل قوائم التشكيل التى عرضها الحريرى، بل إنه في بعض الأحيان كان عون يوافق على التشكيلة وبعد أن يخرج الحريرى من المقابلة كان عون يتصل به تليفونيا لرفضها، حيث كان الخلاف في الأساس بسبب إصرار الحريرى على تشكيل حكومته من اختصاصيين غير حزبيين وبعيدًا عن المحاصصة الطائفية حسبما تم التوافق بين السياسيين والرئيس الفرنسى ماكرون، وحيث انتهى الأمر باعتذار الحريرى والذى كان سبقه إلى الاعتذار الدبلوماسى اللبنانى مصطفى أديب أول من كلفه عون بتشكيل الحكومة والذى اكتشف مبكرًا عدم قدرته على التعاطى مع التجاذبات والصراعات الحزبية السياسية التى ليس لها مثيل سوى فى لبنان.
< < <
وبينما تعثر تشكيل حكومة الحريرى فإن تشكيل حكومة ميقاتى لم تستغرق مشاوراتها سوى ستة أسابيع وحيث كان احتمال تعثرها هو الأرجح، ولعل السبب الأول بحسب السياسيين في لبنان هو وجود كيمياء بين عون وميقاتى على العكس تماما من انعدامها بين عون والحريرى فى ضوء ما هو معلوم من الخصومة السياسية أو بالأحرى العداء بين الحريري وجبران باسيلي رئيس التيار الحر والذى هو في نفس الوقت صهر الرئيس وحيث إنه ليس سرًا فى لبنان مدى تأثيره على الرئيس والرئاسة، وهو الأمر الذي يعنى أن الطائفية والحزبية ليست فقط التي تسيطر على المشهد السياسى ولكن أيضًا المواقف والعلاقات الشخصية والتى تسببت فى تعطيل تشكيل الحكومة.
< <<
ومع التسليم بدور «الكيمياء» في تسهيل تشكيل حكومة ميقاتى بهذه السرعة النسبية، إلا أن ثمة ضغوطا خارجية كانت السبب الأهم في تسريع تشكيل حكومة ميقاتى، ومن ثم فإن هذه الحكومة هي حكومة تسويات سياسية.. دولية وإقليمية، وهذه المعلومة غير خافية على السياسيين اللبنانيين ولا علي الأوساط الصحفية والإعلامية.
وفي هذا السياق فإنه لا يخفى دور الولايات المتحدة فى تشكيل الحكومة بل الإسراع في تشكيلها من خلال السفيرة الأمريكية في بيروت وزيارتها للرئيس عون قبل الإعلان عن التوصل إلى تشكيلها.
وفى نفس الوقت فقد كان لإيران وفرنسا دور مهم بعد الاتصال الذي أجراه الرئيس ماكرون بالرئيس الإيرانى، وحيث تم التوافق على إنجاز هذه الحكومة وتجاوز معوقات تشكيلها وهو الأمر الذى يعنى تخلى ماكرون عن تحفظاته تجاه دور حزب الله وكيل طهران فى لبنان فى المشهد السياسى، وهو التراجع الذى تم تفسيره برغبة ماكرون وتطلعه إلى حصول الشركات الفرنسية على فرص استثمارية في إيران بعدما تنجح مفاوضات الملف النووى.
< < <
ورغم إعلان نجيب ميقاتى عن أن أعضاء حكومته (٢٤ وزيرا) من الاختصاصيين غير السياسيين أو الحزبيين، إلا أن حقيقة الأمر هي أنهم وإن كانوا من غير السياسيين والحزبيين «علنا» بحسب الوصف اللبنانى، فإنهم جاءوا بترشيح الأحزاب والطوائف، ومن ثمَّ فإن انتماء كل وزير منهم سيكون لمن رشحه لدخول الحكومة، وهو الأمر الذى يعنى أن فكرة حكومة من غير الحزبيين غير قابلة للتحقيق فى لبنان، ولذا لم يكن أمام ميقاتى سوى التخلى عن تشكيل الحكومة من اختصاصيين فقط حتى يتم التوافق عليها حسبما أوضح ذلك.
ورغم مقولة «حكومة أفضل من لا حكومة» التي ترددت في لبنان، إلا أنها لم تلق أو تحظ بالتفاؤل الشعبى رغم اعتبارها خطوة قد تفضى إلى خروج لبنان من أزماته الطاحنة، إذ إن غالبية اللبنانيين باتوا غير واثقين فى الطبقة السياسية وغير راضين عن احتكارها للسلطة في ظل النظام السياسى الحالي الذى أسهم فى كل أزمات لبنان الاقتصادية والمالية والمعيشية، وحيث بات لبنان في حاجة مُلحة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة للقضاء علي الفساد المستشرى.
< < <
لقد بدا واضحًا أن أزمة لبنان الحقيقية تكمن في بنيته السياسية، ومن ثمَّ فلا حل للخروج من الأزمة إلا بإحداث تغيير جذرى في تلك البنية، أى فى النظام السياسى القائم على المحاصصة الطائفية والحزبية واحتقار السلطة من خلال نظام سياسى جديد علي قاعدة المواطنة اللبنانية ومن خلال الانتخاب الشعبى الحر، مع ملاحظة أن هذا التغيير يبقي صعبًا إن لم يكن مستحيلا في ظل السطوة المزمنة للطبقة السياسية على اختلاف طوائفها وأحزابها، ولذا فإنه يتطلب حراكا شعبيا واسعا تديره وتقوده النخب اللبنانية من الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين والصحفيين.
< < <
ويبقي السؤال الأكثر إلحاحًا فى الوقت الراهن وهو: هل ستنجح حكومة ميقاتى في إنجاز مهامها.. العاجلة منها والآجلة؟ والإجابة تبدو بالغة الصعوبة أمام التحديات الكبرى التى تواجه هذه الحكومة المولودة من رحم أزمة طاحنة طالت كثيرًا، ومن رحم تسويات سياسية.. دولية وإقليمية.. تجعل أداءها مرهونا بتلك التسويات.
< < <
لقد تحدث ميقاتى عقب الإعلان عن تشكيل حكومته بشفافية بعيدًا عن الوعود البراقة خاصة عندما أكد بوضوح أنه لن يستطيع الإبقاء على الدعم مستخدما تعبيرا لبنانيًا وهو أننا «متشّفين» في دلالة على الأزمة المالية الطاحنة، وفي نفس الوقت فقد جاء خطابه عاطفيا بحديثه عن ضرورة العودة إلى ما وصفه بـ«الحضن العربى» فى مغازلة سياسية لدول الخليج العربى.. السعودية والإمارات والكويت وطلبا لدعمها خاصة بعد ما تسرَّب عن امتناع هذه الدول عن تقديم أى دعم مالى فى الوقت الراهن، وحيث بدت السعودية على وجه الخصوص غائبة تماما عن المشاركة فى التسويات الإقليمية لتشكيل الحكومة.
< < <
إن التحديات كبيرة أمام حكومة ميقاتى وأولها: كسب ثقة اللبنانيين، وثانيها الإسراع في حل المشكلات المعيشية والحياتية اليومية للشعب اللبنانى خاصة فيما يتعلق بأزمة الوقود التى انعكست على أسعار كل السلع والخدمات وكذلك أزمة الكهرباء التى انعكست على حياة المواطنين وعلى عمل المستشفيات والمدارس وسائر مرافق الدولة، أما التحدى الآخر فهو توفير الأموال اللازمة للخروج من الأزمة، ثم يأتى أخيرًا التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية «صندوق النقد والبنك الدولى» وغيرها من الدول والجهات للحصول على القروض، وذلك هو التحدى الصعب الذى يتطلب دعمًا دوليًا وإقليميًا وعربيا.
< < <
ومع ملاحظة أن مدة بقاء حكومة ميقاتى لن تزيد على بضعة أشهر إذ من المقرر إجراء انتخابات تشريعية في الربيع القادم فإن الرهان على نجاح هذه الحكومة في إنجاز مهامها.. العاجلة والآجلة يبدو ــ وللإنصاف ــ ضعيفًا فى ضوء تلك التحديات الكبري التى تواجهها والتى تفاقمت خلال أكثر من سنة فى غيبة حكومة، والتى تراكمت عبر فشل وفساد الطبقة السياسية بحسب إجماع اللبنانيين.
< <<
ومع ذلك يبقى الحكم على حكومة ميقاتى مرهونا بأدائها فى قادم الأيام.

مصر للطيران
لبنان.حكومة .ميقاتى.

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE