الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 12:43 مـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : تونس ”النهضة” بين الجرائم والانقسامات وحكم التاريخ العادل

الكاتب الصحفى د. محمد فراج أبوالنور
الكاتب الصحفى د. محمد فراج أبوالنور

خطوات مهمة قطعتها تونس خلال الأسابيع المنقضية منذ اتخاذ قرارات 25 يوليو في اتجاه معالجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية الخطيرة، التى كانت تأخذ بخناق البلاد وتمثل تهديدا لوجود الدولة التونسية، بعد عشر سنوات من سيطرة حركة »النهضة« الإخوانية على المشهد السياسى، انتهت إلى حالة من الشلل الحكومى الشامل، والعجز عن مواجهة الأزمات الطاحنة التى أدى إليها فشل الحكومات المتعاقبة، بسبب سياسات »النهضة« العقيمة أساسا (راجع التفاصيل في مقالينا فى الأموال ـ عددى 1 و8 أغسطس الجارى).
فقد بدأت تونس تخرج بخطوات سريعة من حالة الشلل الحكومى والإداري الشامل التى كانت ترزح تحت وطأتها، وتم تكليف عدد من الشخصيات المعروفة بكفاءتها بإدارة عدة وزارات فى مقدمتها وزارات الصحة والداخلية والعدل، بينما تستمر المشاورات لتكليف رئيس للوزراء يتمتع بكفاءات اقتصادية وإدارية، وينسجم مع توجهات مرحلة ما بعد 25 يوليو.
وعلى الصعيد الصحى فمن المعروف أن تفشى وباء »كورونا« بصورة بالغة الخطورة لم يلق أى مواجهة جدية من جانب حكومة المشيشى، بينما تم خلال الأسابيع القليلة الماضية تطعيم حوالى مليونى مواطن ضد »كورونا«.. وتستمر المساعدات الصحية في التدفق على تونس من عديد من البلاد الصديقة، بما يفتح الباب ــ أخيرًا ــ للأمل فى السيطرة على الأوضاع بعد أن كانت تونس قد سجلت أكثر عدد من حالات الإصابة والوفاة في أفريقيا والوطن العربى، برغم عدد سكانها الصغير »11 مليون نسمة«.
حلف الفساد وتطهير الجهاز الحكومى
وعلى صعيد مكافحة الفساد تم فتح مئات الملفات وخاصة بعد رفع الحصانة البرلمانية عن أعضاء مجلس النواب الذين كانوا عشرات منهم يحتمون بحصانتهم، كما كان تغلغل »النهضة« فى وزارة العدل والسلطة القضائية بمنع تحريك القضايا ضد أعضاء الحركة وحلفائها، ومعروف أن ملفات عشرات القضايا قد اختفت أصلا!! بينما تلكأت النيابة العامة »التابعة لوزارة العدل« فى تحريك قضايا أخرى وإحالتها إلى القضاء، أو تلكأ القضاة المرتبطون بحركة »النهضة« فى الفصل فى قضايا بالغة الخطورة من بينها قضايا اغتيال لشخصيات سياسية بارزة معارضة »للنهضة« مثل شكرى بلعيد ومحمد البراهيمى (منذ عام 2013) ومن بينها قضايا فساد سياسى ورشاوى انتخابية وكذلك فضائح سياسية كبرى مثل التحالف بين »النهضة« وحزب »قلب تونس« بزعامة المرشح الرئاسى السابق الملياردير نبيل القروى، المتهم فى عديد من قضايا فساد، ومن بينها كذلك تعاقد »النهضة« مع شركة علاقات عامة أمريكية لتحسين صورة الحركة فى الغرب وداخل البلاد، وهو أمر يجرّمه القانون التونسى.


ولهذه الأسباب قرَّر الرئيس قيس سعيد الإشراف بنفسه على النيابة العامة »ولنلاحظ أنها جزء من الجهاز التنفيذى - وزارة العدل) لوضع حد للأوضاع الشاذة والفاسدة فى جهاز النيابة العامة وخصوصا بسبب التغلغل الكبير لحركة »النهضة« داخلها، مما سمح بإفلات مئات الفاسدين-ـ إن لم يكن أكثر- من المحاسبة.
>>> ومع بدء تحريك هذه القضايا خلال الأسابيع الماضية وجدنا عشرات الملفات تحال إلى القضاء وعشرات القرارات بالمنع من السفر، أو الوقف عن العمل فى مناصب حسَّاسة، كما يبدو أن عشرات النواب من أعضاء أحزاب »النهضة« و»تحالف الكرامة« و»قلب تونس« وهو التحالف الحاكم قبل 25 يوليو، سيقفون أمام المحاكم فى قضايا فساد مختلفة، وقد تعهد الرئيس التونسى قيس سعيد بإتاحة كافة الضمانات القانونية لجميع المتهمين بغض النظر عن انتماءاتهم.


ويجب القول إن عملية مكافحة الفساد لاتزال في بدايتها الباكرة، لأن الفساد متجذِّر فى تونس منذ عهد زين العابدين بن على، إلا أن السنوات العشر الماضية قد شهدت انتشارا أوسع له، خاصة مع سياسة »التمكين« الإخوانية التى تقضى بإسناد المناصب لأعضاء الجماعة دون غيرهم، بغض النظر عن مستوى كفاءتهم أو نزاهتهم، وهو ما يجعلنا نتوقع أن يطال أعضاء »النهضة« نصيب وافر من الاتهامات فى قضايا الفساد.
الأمن ومكافحة الإرهاب
كان بديهيًا أن يتخذ الرئيس قيس سعيد قرارات تهدف إلى تعزيز الأمن القومى التونسى (25 يوليو)، وأن تكون هذه القرارات في مقدمة الإجراءات التى يتخذها بعد سنوات من العبث الخطير بالأمن القومى التونسى على يد جماعة الغنوشى.


فمعروف أن »النهضة« جعلت من تونس أحد أهم مراكز تجنيد الإرهابيين تحت إشرافها، وإرسالها إلى سوريا بشكل أساسى وغيرها من ساحات »العمل الجهادى« حيث تم إرسال (4 - 5 آلاف إرهابى تونسى) إلي سوريا وحدها، بالإضافة إلى ذلك يحتشد آلاف الإرهابيين المدربين والمسلحين جيدا فى المناطق الجبلية الوعرة جنوبى البلاد، ويمثلون خطرا كبيرا على أمنها، ويتعاونون مع الجماعات الإرهابية في غرب ليبيا، ومؤخرًا قامت تركيا بنقل أكثر من 2500 إرهابى تونسى من إدلب ـ شمال غربى سوريا ــ إلى الغرب الليبي ضمن المرتزقة الإرهابيين المعروفين (بالسوريين - 20 ألف إرهابي) لينضموا إلى الجماعات الإرهابية الموجودة غرب ليبيا بالقرب من الحدود التونسية.


وترتبط حركة »النهضة« بكل هذه الجماعات الإرهابية بشكل مباشر أو من خلال التنسيق الذى يقوم به التنظيم الدولى للإخوان، ومعروف أن الغنوشى أحد أبرز قياداته، ومن خلال المخابرات التركية أو حتى الحكومة التركية مباشرة وبصورة علنية، حيث من المعروف وجود علاقة وثيقة بين الغنوشى وأردوغان، وأن زعيم »النهضة« كان يريد تحويل تونس إلى معبر للقوات التركية إلى غرب ليبيا، الأمر الذى رفضه الرئيس قيس سعيد بشدة (راجع »الأموال« 1 أغسطس 2021).


وإذا كانت كل هذه العلاقات المشبوهة لجماعة الغنوشى أحد أهم عوامل تهديد الأمن القومى التونسى والخلاف بين الجماعة والرئيس، فقد كان طبيعياً أيضاً أن تكون أحد أهم أسباب الموقف السلبى للجيش التونسى وأجهزة الأمن القومى تجاه الجماعة.. وأحد أهم أسباب دعم الجيش وقوى الأمن للرئيس في مواجهة »النهضة« منذ اللحظة الأولى.
والحقيقة أن الدعم القوى الذى أظهرته القوات المسلحة وقوى الأمن للرئيس وقرارات »25 يوليو« كان من أهم أسباب حماية تونس من »حمام دم« لم تكن الحركة لتتأخر فى الاندفاع إليه استناداً إلي القوى الإرهابية المذكورة، لولا أن وقوف الجيش وقوى الأمن إلى جانب الرئيس كان سيجعل من هذه المغامرة الدموية بمثابة نوع من الانتحار، بحكم التفاوت فى علاقات القوى.
لذلك كان طبيعيا أن يكون عزل وزير الدفاع »منصب مدنى« الموالى لجماعة الغنوشى واحدًا من أول قرارات الرئيس بعد »25 يوليو« كما عيَّن قيس سعيد ضابطا محترفا على رأس وزارة الداخلية وتم تعيين قيادات جديدة لأجهزة الأمن القومى ومختلف تشكيلات الداخلية، كما تجرى حركة تطهير فى هذه الأجهزة من أى اختراقات »للنهضة«.
النهضة.. انقسامات وتصدعات
هذه الإجراءات والتحركات المحكمة المدعومة من الجيش وقوى الأمن بالإضافة إلى المواقف الإقليمية والدولية غير المواتية، والغضب الجماهيرى على »النهضة« وحكومة المشيشى، كلها عوامل أصابت الحركة الإخوانية بالارتباك والشلل، وجعلتها تدرك أن أى محاولة للتحرك ضد قرارات »25 يوليو« ستكون عواقبها وخيمة للغاية.
لهذا رأينا أن الغنوشي سرعان ما انتقل من »الدعوة للدفاع عن الثورة والدستور« إلى الدعوة للحوار، وإلى الاعتراف بوقوع أخطاء، ثم إلى الدعوة »لتحويل إجراءات الرئيس إلى فرصة للإصلاح« ومن ثمَّ إلى الموافقة على صيغة تُدينه هو شخصيا بوضوح، طرحها شباب الحركة.. نعنى »القيام بنقد ذاتى معمَّق للسياسات والمواقف الخاطئة« التى أدت إلى قرارات »25 يوليو«!! في محاولة لإحناء الرأس للعاصفة حتى تمر، غير أن ذلك كله من المشكوك فيه للغاية أن ينقذ الغنوشى أو الحركة من مصيرهم المحتوم.


فالصدمة العنيفة التى مثلتها قرارات »25 يوليو« كان من الطبيعي أن تثير غضبا شديدا وانقسامات حادة داخل الحركة ضد قيادتها، وشهد التنظيم استقالات من عضوية »المكتب التنفيذي« ـ (المعادل لمكتب الإرشاد لدى إخوان مصر) ومجلس الشورى ودعوة لاجتماع مجلس الشورى حاول الغنوشى تأجيلها عبثا وهو الاجتماع الذى شهد دعوة واسعة لاستقالة الغنوشى وحمله مسئولية السياسات الخاطئة والفاشلة التى أدت فى النهاية إلى قرارات 25 يوليو.. وهو أيضا الاجتماع الذى صدر عنه بيان يدعو إلى »النقد الذاتى المعمق« الذى سبقت الإشادة إليه، كما شهد إعلان عدد من قيادات الحركة الاستقالة منها، وهذا أمر طبيعى تماما فى مثل هذه الظروف، (راجع موقعى وكالة الأنباء الألمانية، ووكالة الصحافة الفرنسية، 5 و7 أغسطس).


كما أكد اجتماع مجلس الشورى المذكور ضرورة عقد المؤتمر الحادى عشر للحركة قبل نهاية العام الجارى لمراجعة سياسات الحركة وانتخاب قيادة جديدة لها، ويجب الإشارة إلى أن المؤتمر المذكور كان مقرراً عقده العام الماضى، لكن الغنوشى والمحيطون به بذلوا كل جهد ممكن لتأجيله بدعوى ظروف انتشار »كورونا«.. وكان مقرراً أن يناقش المؤتمر ضرورة تطبيق »المادة 31« من اللائحة التنظيمية للحركة، وهى المادة التي تقضى بأن رئيس الحركة يتولي منصبه لدورتين انتخابيتين فقط، مدة كل منهما »4 سنوات«، الأمر الذى كان يعنى ضرورة ترك الغنوشى لموقعه علي رأس »النهضة« وقوبلت محاولة الغنوشى وأنصاره لطرح تعديل اللائحة »المادة 31« بما يسمح له بالاستمرار لدورة ثالثة، برفض واسع النطاق.. وببيان وقعه 100 من قيادات الحركة يطالبون فيه بالاستقالة، كما رفض هؤلاء محاولة للالتفاف علي المادة 31 من خلال خلق منصب جديد هو »الزعيم المؤسس« يتولي منصبه مدى الحياة، وتوضح كل هذه المناورات العقيمة زيف أحاديث »النهضة« والغنوشى عن الديمقراطية وتداول السلطة.
وإذا قدِّر للمؤتمر المذكور »الحادى عشر« لحركة النهضة أن ينعقد فى ظل الخلافات والانقسامات الجارية، فإن فى حكم المؤكد أن يفقد الغنوشى موقعه على رأس الحكومة، سواء بحكم المادة 31، أو بسبب سياساته هو والجماعة المحيطة به، التى جلبت الكوارث للبلاد، وأثارت غضبا جماهيريا شديدا ضد الحركة، أدى إلى تراجع حاد فى شعبيتها.

والأهم هو أن الضغوط السياسية الشديدة والملاحقات القضائيات فى قضايا الفساد ستزيد من التراجع الحاد في شعبيتها، وستفاقم من التصدعات والانقسامات، وقد أصبح واضحا الآن أن »النهضة« فقدت الجانب الأكبر من أهميتها كقوة سياسية مؤثرة فى تونس، وأنها ستخسر المزيد مع كل يوم يمر، ومع كل خطوة جديدة لتحريك عجلات إدارة الاقتصاد والحياة الطبيعية فى البلاد، ومن شأن هذا أن يسهل تصفيتها بصورة قانونية من خلال إصدار تشريع بحظر إقامة أحزاب سياسية على أساس دينى، وهو ما لا تستبعد حدوثه إطلاقا.. بل إن تجربة السنوات الماضية تشير إلى ترجيح وقوعه، بعد أن عانت تونس أشد المعاناة من الاستغلال السياسى للدين الحنيف.

مصر للطيران
د. محمد فراج أبو النور : تونس النهضة

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE