الأموال
الثلاثاء، 23 أبريل 2024 02:26 مـ
  • hdb
14 شوال 1445
23 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : مع عام هجرى جديد

الكاتب الصحفى أسامة أيوب
الكاتب الصحفى أسامة أيوب

مع التسليم بأن إجماع كبار الصحابة وتوافقهم فى خلافة الفاروق عمر بن الخطاب على اختيار السنة التى هاجَرَ فيها صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب «المدينة المنورة» لتكون بداية التقويم والتاريخ الإسلامى قد جاء تنفيذًا للإرادة الإلهية التى سبقت فى علم الله الأزلى، إلا أنه أيضًا كان إدراكًا منهم لأن الهجرة هى الحدث الأكبر والأهم فى مسيرة انطلاق رسالة الإسلام إلى آفاق الدنيا وإقامة الدولة الإسلامية.. انطلاقا من دار الهجرة.

ورغم أن التقويم الغالب فى عالم ذلك الزمان الذى تتزعمه القوتان العظميان بمعايير الزمن الحالى وهما الإمبراطوريتان الفارسية والرومانية كان وفقًا للشهور الشمسية، فإن اختيار الصحابة للشهور القمرية فى التقويم الإسلامى جاء متفقًا ومتماشيًا مع ما استقر لدى العرب قبل الإسلام في تعاملاتهم الحياتية بما فى ذلك احترامهم للأشهر الحُرم الأربعة التى توارثوا احترامها عن نبى الله إسماعيل.

ومن المعلوم تاريخيًا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الخليفة الثانى هو الذى فكر وقرَّرَ أن تكون للدولة الإسلامية الناشئة تقويم وبداية لهذا التقويم.. يبدأ به تاريخ الدولة وكان ذلك في السنة الخامسة من انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وفى السنة الثالثة من ولاية عمر.

< < <

فى المشاورات التى أجراها عمر مع كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار.. عملا بمبدأ الشورى جرى طرح أكثر من سنة لتكون بداية التقويم والتاريخ، حيث اقترح البعض أن يبدأ التأريخ من سنة غزوة بدر، بينما اقترح آخرون أن تكون البداية من سنة فتح مكة باعتباره الحدث الذي أنهى الشِّرك والكُفر فى جزيرة العرب، ومع وجاهة هذا الاقتراح، إلا أن عُمر بن الخطاب رأى أن الهجرة هى الحدث الأهم والفارق فى مسيرة الإسلام والدعوة المحمدية، وأنه لولا الهجرة ما كان الفتح، وأمام هذه الرؤية العبقرية أقرَّ الصحابة اقتراح عمر وبدأ تاريخ وتأريخ الدولة الإسلامية باسم التاريخ الهجرى وكان ذلك فى السنة الخامسة عشرة من الهجرة.

لقد أكدت تلك الرؤية العبقرية التى تبدّت فى اقتراح عمر بن الخطاب عبقريته كرئيس للدولة الإسلامية الناشئة التى سادت الدنيا فى سنوات قليلة، وهى ذات العبقرية التى جعلته يقرِّر أن يكون لقبه هو أمير المؤمنين بدلا من خليفة خليفة رسول الله «أبوبكر»، إذ كان يرى أن استمرار العمل بلقب خليفة خليفة ثم خليفة خليفة خليفة لن يكون عمليًا بينما لقب «أمير المؤمنين» يبقى دائمًا لكل من يأتى بعده وبعده بعده.

< < <

وبعد الاستقرار على أن يبدأ التأريخ الإسلامى بسنة الهجرة، كان التساؤل بأى الشهور القمرية تبدأ السنة، وفى المشاورات ذاتها طرح البعض أن تبدأ بشهر رمضان.. شهر الصوم.. أحد أركان الإسلام، ثم طرح آخرون أن تبدأ السنة بشهر ربيع الأول باعتباره الشهر الذى وُلد وهاجر وتوفى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان آخر الاقتراحات أن تكون البداية بشهر ذى الحجة باعتباره شهر الحج، إلا أن عمر بن الخطاب اقترح أن تبدأ السنة الهجرية بشهر المحرم باعتباره الشهر الذى يفيض فيه الحجاج من بيت الله الحرام عائدين إلى ديارهم، وبذلك تبدأ سنة جديدة، ومرة أخرى يقر الصحابة اقتراح عمر.. ليسجل التاريخ الإسلامى له أنه صاحب قرار العمل بتاريخ وتقويم إسلامى قمرى.. حتى وصلنا الأسبوع الماضى إلى العام ١٤٤٣ من الهجرة النبوية المشرفة.

الأمر الآخر هو أن اختيار الصحابة وأميرهم عمر بن الخطاب للتقويم القمرى لم يكن فقط لأنه المتعارف عليه بين العرب ومن ثم فإن العمل به يعنى استقرارًا فى حياتهم بعد الإسلام، بل لأنه كان ضرورة تتعلق بشعائر الدين سواء شعيرة الصيام أو الحج أو إحياء ليلة نصف شعبان وهى الليلة التى تحوّلت فيها القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرفة، وكذلك إحياء ذكرى الإسراء والمعراج وهى الحادثة الكبرى والمعجزة التى شهدت فرض الصلوات الخمس وهى العبادة الوحيدة التى لم تشرع بالوحي وإنما شرعها الله مباشرة عند سِدرة المنتهى.

وبالنظر إلى تلك الشعائر الإسلامية وارتباطها بالشهور القمرية، فإن اختيار التقويم القمرى كان الاختيار الأنسب والضرورى في نفس الوقت، حتى لا تتقاطع أشهر تلك الشعائر والمناسبات الإسلامية مع الشهور الشمسية والتقويم الميلادى.

< < <

إن ثمة ملاحظة فى هذا السياق وهى أنه نظرًا للفارق الزمنى بين السنتين الشمسية «الميلادية» والقمرية «الهجرية» يبلغ فى المتوسط «١١» يومًا، حيث يبلغ عدد أيام السنة الشمسية «٣٦٥» يومًا وعدد أيام السنة القمرية (٢٥٩) يومًا، وحيث يبلغ الفارق سنة كاملة كل «٣٣ سنة هجرية»، فإنه مع دوران الشمس فإن الشهور القمرية تتناوب المجىء مع كل فصول السنة الشمسية، صيفا وشتاء وربيعا وخريفا، وهو ما يعنى أن المسلمين يصومون رمضان على سبيل المثال في كل فصول السنة، وهو الأمر الذى ينطوى على حِكمة ورحمة إلهية، بقدر ما ينطوى التقويم الهجرى القمرى على عبقرية غير خافية.

<<<

وفى نفس الوقت فإن التقويم القمرى يأتى متفقًا مع ما جاء فى القرآن الكريم من أن عدة الشهور عند الله يوم أن خلق السماوات والأرض اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرم، وهو ما يعني أن هذا التقويم القمرى هو مناط حساب الله للبشر وتسيير حركة الكون وفقًا لإرادته سبحانه وتعالى.

أما الأشهر الحرم الأربعة.. رجب ثم الثلاثة المتتابعة.. ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وهى أشهر الحج المعلومات، وهى الأشهر التى احترمها العرب في الجاهلية ويمتنعون فيها عن القتال، إلا أنهم كثيرا ما كانوا يلجأون إلى حيلة جاهلية وهى ما عُرف باسم «النسىء»، إذ كانوا ينسئون فى هذه الأشهر للقتال فيها، وهو النسىء الذى وصفه القرآن الكريم بأنه كان زيادة في الكُفر.

< < <

وبسبب هذا النسىء ونتيجة له حدث خلل في ترتيب الشهور القمرية، غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرَ المسلمين فى خطبة حجة الوداع بأن الزمن قد استدار فى ذلك اليوم وعاد كيوم خلقه الله، أى أن الشهور القمرية قد استعادت ترتيبها، ومن ثمَّ فإن التقويم القمرى بات مستقرًا معتدلا وهو ما يعرف منذ ذلك الوقت بالتقويم الهجرى.

< <<

مع بداية عام هجرى جديد.. العام ١٤٤٣، وبمناسبة الحديث عن التقويم القمرى العربى الهجرى الإسلامى، لعله بات ضروريًا الدعوة إلى ضرورة التعاطى مع الشهور الهجرية باهتمام أكبر وباحترام أوضح بين العرب والمسلمين، إذ إنه من المؤسف أن غالبية الأجيال الحديثة فى غفلة عن هذه الشهور ولا ينتبهون لها إلا فى شهر رمضان تحديدًا، وأحيانًا مع بدء الحج، بل إنهم لا يعرفون بداية السنة ولا نهايتها، حتى أنهم لا يستطيعون إحصاء شهورها وترتيبها.

أذكر أننى كنت أمازح بعض الأصدقاء والزملاء لاختبار معرفتهم بالشهور الهجرية وترتيبها واسألهم: هل تذكرون في أى سنة جاء الاحتفال بمولد النبى فى شهر رمضان؟ وغالبا ما كانت الإجابة الصادمة لا أذكر.. دعنى أفكر وأسترجع ذاكرتى!!

< < <

لعل الاحتفال بالعام الهجرى الجديد يكون مناسبة وبداية لاهتمام أكبر من جانب العرب والمسلمين بالتقويم الهجرى والذى يُمثل تاريخ الإسلام والمسلمين وأيضًا العرب بالضرورة.

مصر للطيران
أسامة أيوب عام هجرى جديد

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE