الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 11:10 مـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 د. محمد فراج يكتب :الديمقراطية في تونس.. بين حقوق الشعب ودموع التماسيح!

الكاتب الصحفى  د. محمد فراج أبوالنور
الكاتب الصحفى  د. محمد فراج أبوالنور

تعددت ردود الأفعال الدولية والإقليمية على قرارات الرئيس التونسى قيس سعيد (٢٥ يوليو) الماضى بين مؤيد ومعارض ومتحفظ فأعلنت دول عربية كبرى أو كبيرة مثل مصر والجزائر والسعودية والإمارات عن تأييدها لقرارات الرئيس التونسى، انطلاقا من إدراك المخاطر التى كانت تتعرض لها الدولة التونسية بسبب مؤامرات «الإخوان» وتنظيمهم الدولي، وفرعهم في تونس.. نعنى حركة «النهضة» بقيادة راشد الغنوشى، والكارثة الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي أوصل حكم «النهضة» البلاد إليها.. وسارعت هذه الدول إلى تقديم أشكال مختلفة من الدعم العاجل لتونس، وخاصة في مواجهة تفشى وباء «كورونا» الذى أصاب أكثر من ٦٠٠ ألف وحصد أرواح أكثر من ٢٠ ألفا من التونسيين، ليجعل من تونس الدولة الأكثر خسائر في العالم العربي والقارة الإفريقية، بالرغم من تعدادها السكانى الصغير الذى لا يتجاوز الأحد عشر مليوناً (١١ مليون نسمة)، كما أعلنت الدول المذكورة عن نية تقديم مساعدات إنسانية واقتصادية ومالية عاجلة لتونس.. كل حسب إمكانياته.

الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى أعلنت قلقها بشأن القرارات المذكورة، ودعوتها إلى عودة المؤسسات الدستورية في أقرب وقت لكنها امتنعت عن تبنى الوصف الذى أطلقته حركة «النهضة» وحلفاؤها على قرارات الرئيس سعيد باعتبارها «انقلابا دستوريا» واضعة فى اعتبارها دعم أهم منظمات المجتمع المدني للقرارات (مثل الاتحاد التونسى للشغل- أهم تنظيم نقابى في البلاد- واتحاد المرأة، ونقابة المحامين وغيرها)، فضلا عن التأييد الشعبى الواسع، ودعم عدد من الأحزاب السياسية الوطنية، بعد أن ضاق الشعب التونسى ذرعًا بالممارسات المدمرة التى انتهجتها حركة «النهضة» على مدى عشر سنوات.

دموع التماسيح التركية

وحدها تركيا سارعت إلى إدانة قرارات الرئيس سعيد ــ التى حظيت بتأييد غالبية التونسيين ــ وإراقة «دموع التماسيح» على الديمقراطية والشرعية والدستور فى تونس، إذ أعلن مستشار الرئيس التركى «ياسين أقطاى» أن قرارات الرئيس التونسى تمثل «انقلابا على الدستور» مطالبًا إياه بالرجوع عنها!! وهو نفس موقف التنظيم الدولى «للإخوان المسلمين» الذى يُدين بالولاء لتركيا، ولأردوغان شخصيًا، والذى كانت ممارساته هو وفرعه في تونس «النهضة» السبب الرئيسى في وصول الأمور إلى الكارثة التى وصلت إليها في البلاد.

وبالمناسبة فإن هذا هو نفس الموقف الذى اتخذته تركيا ضد ثورة ٣٠ يونيو فى مصر ضد حكم «الإخوان» الفاشى، وضد إرادة الشعب المصرى، الذي خرج «ثلاثون مليونا» من أبنائه مطالبين بالإطاحة بحكم الجماعة.. ولاتزال تركيا تريق دموع التماسيح على الديمقراطية فى مصر، وتسمى ثورة «٣٠ يونيو» انقلابا حتى الآن! كما تريق دموع التماسيح ــ ومعها بالطبع التنظيم الدولى للإخوان ــ على الديمقراطية فى سوريا، بينما كانت تركيا الممر الرسمى لنحو مائة ألف من الإرهابيين الذين دمروا البلاد، وقطعوا رؤوس الناس بالسيوف ومثلوا بجثثهم، وأحرقوهم أحياءً، وسبوا النساء، وباعوهن فى أسواق النخاسة.. فى مشاهد همجية مخيفة، تابعها العالم كله على شاشات التليفزيون.

أما فى داخل تركيا نفسها فقد رأينا كيف اعتقل أردوغان عشرات الآلاف من الضباط والقضاة وأساتذة الجامعات والمعلمين وغيرهم لسنوات «لمجرد الاشتباه فى مشاركتهم» فى انقلاب يوليو ٢٠١٦.. أو حتى التعاطف معه، وفصل أعداداً أكبر من أعمالهم وشردهم دون محاكمة.. كما فصل برلمانه عشرات النواب الأكراد المنتخبين، وحوَّل تركيا من جمهورية برلمانية يملك رئيسها سلطات محدودة إلى جمهورية رئاسية يملك أردوغان فيها كل السلطات بمختلف أساليب الإرهاب والاستبداد.

هؤلاء هم الذين سارعوا إلى إراقة دموع التماسيح على الديمقراطية فى تونس.. غير أنهم بدأوا يخففون من غلوائهم تدريجيًا حين رأوا أن الدول الغربية لم تصغ إلى دعواتهم باعتبار ما جرى فى تونس «انقلابا» يوجب فرض العقوبات.. إلخ.. بل اكتفت بإبداء تحفظات هادئة، والمطالبة بعودة المؤسسات الدستورية فى أقرب وقت «بل وقدم بعضها مساعدات طبية من لقاحات وأدوات وقاية..الخ» وهو نفس ما وعد به الرئيس التونسى، وما تطالب به منظمات المجتمع المدنى التونسية، وفى مقدمتها اتحاد الشغل.. وهو ما يفترض أن يكون التطور الطبيعى للأمور، خاصة في مجتمع مسيَّس، يملك أفراده مستوى عاليا من الوعى والثقافة، ومن الصعب أن يقبلوا بحكم فردى.

وهكذا رأينا الغنوشى يتحدث عن احتمال حدوث «أخطاء» خلال السنوات الماضية من حكم «النهضة» ورأينا أردوغان يتصل بالرئيس قيس سعيد معبرًا عن موقف مختلف عمَّا سبق أن تبناه مستشاره (أقطاى) ومعربًا عن أمله فى عودة المؤسسات قريبًا.. إلخ.

ويمكن أن يرى البعض أن هذه «نبرة تصالحية» تمثل نوعًا من الاعتراف بالهزيمة، إلاّ أننا نرى فيها نوعًا من الانحناء أمام العاصفة حتى تمر، ومحاولة من أردوغان و«النهضة» للتقليل من خسائر هذه الأخيرة فى انتظار فرصة للهجوم من جديد حسبما تسمح الظروف.

والحقيقة أن محاولة أردوغان «لتلطيف» الأجواء مع الرئاسة التونسية هى لعب فى الوقت الضائع كما يقال.. لأن قيس سعيد وجميع السياسيين التونسيين الواعين يدركون بوضوح أن الارتباط العضوى بين «النهضة» والتنظيم الدولى «للإخوان» والنظام التركى هو السبب الأعمق لكارثة تونس، وللأزمة التى أدت لاتخاذ قرارات «٢٥ يوليو» وبالتالى فلن يكون مسموحًا لأردوغان بالتدخل مرة أخرى بأى شكل من الأشكال فى شئون تونس.. وبديهى أن محاولاته للعب دور «محامى الديمقراطية» لن تنطلى على أحد.

لا مكان «للبلاهة الليبرالية»

وبديهي أن تونس ـ شأن كل بلاد العالم ــ بحاجة إلى حكومة، وإلى مؤسسات للحكم، بما فيها البرلمان، وأن هذه القضايا هى محل للحوار الآن بين الرئيس والقوى الفاعلة والحية في الدولة.. لكن يبدو من السذاجة تصور عودة البرلمان الحالى، الذى تملك «النهضة» وحلفاؤها الأغلبية فيه، بغض النظر عن أي تصريحات أو وعود.. وهذا البرلمان لا يمكن تصور أن يكون معيارًا للديمقراطية، لا هو ولا ما يُسمى «تحالف الأغلبية فيه»، فانتخاب البرلمان نفسه لعب التزوير وأساليب الإكراه والإرهاب الفكرى، والاستخدام واسع النطاق للمال السياسى دورًا حاسمًا في خروجه بتشكيله القائم، وحينما نتحدث عن الاستخدام الواسع للمال السياسى، فإننا نعنى أساليب الرشوة الانتخابية وشراء الأصوات «والنواب أيضًا» من جانب «النهضة» وحزب «قلب تونس» قد أدى إلى تشكيل برلمان يستشرى فيه الفساد، وتشكيل تحالف للأغلبية بين الفاسدين، ولاشك أن رفع الحصانة عن هؤلاء سيؤدى إلى محاكمة وإدانة كثيرين منهم. والأمر الذى لا يقل أهمية هو أن التراجع الكبير في شعبية «النهضة» وحلفائها، والغضب الجماهيرى الواسع ضدهم، يجعل البرلمان الحالى غير معبِّر عن واقع الحياة السياسية في البلاد في الوقت الحالى، وهو ما عبَّرت عنه بوضوح المظاهرات الشعبية الداعية إلى حل البرلمان وإقالة الحكومة. وإذا افترضنا ــ جدلا فقط ــ إعادة البرلمان للعمل اليوم أو غدا، وإعادة الحصانة لأعضائه، فإننا سنجد أنفسنا أمام نفس المشهد السابق مباشرة على (٢٥ يوليو) والذى كان الشارع التونسى يغلى بالغضب ضده، ولن يكون فى هذا أى «احترام للديمقراطية» أو «للدستور» وإنما سيكون مجرد نوع من «البلاهة الليبرالية» أو «البلاهة البرلمانية» التى لا نتصور أن يقبل بها أى إنسان عاقل في تونس، أو أن تقبل بها «القوى الصلبة» فى البلاد، أو القوى الحية في المجتمع.

وبالتالى فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا الذى نتصوره هو تشكيل حكومة تساعد الرئيس فى ممارسة السلطة التنفيذية، ووجود أشكال تشاورية «للحوار الوطنى» بين الرئيس والحكومة وممثلي الجيش وقوى الأمن من ناحية، وممثلى قوى المجتمع المدنى، والأحزاب السياسية ورجال الأعمال والمثقفين والناشطين المستقلين.. إلخ من ناحية أخرى، مع استمرار عملية تطهير الجهاز الحكومى، وبدء محاكمة الفاسدين.. وفى هذه الأثناء يتم إعداد صيغة معدَّلة للدستور تعطى رئيس الجمهورية سلطات أوسع، ثم الاستفتاء على التعديلات الدستورية أو «الدستور الجديد»، ومن ثم إجراء انتخابات برلمانية. هذا هو السيناريو المرجح بناء على استقراء الأوضاع الحالية في تونس، والتصريحات والمناقشات المطروحة علي الساحة، وبديهى أن مناقشات النخب التونسية قد تنتهى إلى سيناريو يختلف قليلا أو كثيرا مع استقرائنا، كما أن احتمال حظر «النهضة» وحظر قيام أحزاب ذات مرجعية دينية، هو أيضًا احتمال لا ينبغى استبعاده، وخاصة على ضوء تجربة السنوات العشر الماضية.

الدور العربى المطلوب

ومهما تكن اختيارات التونسيين، فالأمر المؤكد هو أن تونس فى حاجة إلى مساعدات عربية عاجلة وسخية فى مقدمتها المساعدات الصحية والإنسانية المطلوبة بإلحاح لمواجهة كارثة «كورونا».. كما أنها بحاجة إلى مساعدات اقتصادية ومالية لمواجهة وضعها الاقتصادى الكارثى.. وكل هذه المساعدات لا تحتمل التأجيل، لأن أوضاع تونس بالغة الصعوبة. ومن ناحية أخرى فإن تونس الخضراء بحاجة إلى دعم سياسي عربى لمواجهة أى تدخلات في شئونها الداخلية، تحت أى ذريعة، فاختيار التونسيين لحاضرهم ومستقبلهم يجب أن يكون حرًا.. وبعيدًا عن أي جهة كانت، وكفاهم ما أصابهم من شرور التدخلات الخارجية.

مصر للطيران
الرئيس التونسى قيس سعيد

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE