الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 01:29 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : المشاورات الاستكشافية «المصرية ــ التركية» وشروط نجاحها (٢ - ٢)

الأموال

 

الإرهاب.. والانسحاب من ليبيا أهم محكات إظهار حسن النوايا التركية

أشرنا فى مقالنا السابق حول «المشاورات الاستكشافية» بين مصر وتركيا حول إمكانات تطبيع العلاقات تدريجيا بين البلدين (الأموال ـ ٩ مايو) إلى المصاعب التى تكتنف الحوار بين القاهرة وأنقرة بسبب مماطلة الجانب التركى فى الاستجابة للمطالب المصرية المشروعة بتسليم العناصر الإرهابية من جماعة «الإخوان» وغيرهم، الذين تؤويهم تركيا وتتحدث عنهم باعتبارهم «لاجئين سياسيين» وبسبب عديد من القضايا الإقليمية التى تتخذ فيها تركيا مواقف مناوئة للمصالح المصرية والعربية وللقانون الدولى.. وهو الأمر الذى انعكس فى الصياغات واضحة التحفظ فى البيانات الرسمية المصرية عن المحادثات التى جرت فى القاهرة (٥ و٦ مايو) بين وفدين برئاسة نائبى وزيرى خارجية البلدين.. بما فى ذلك استخدام تعبير محايد بدرجة كبيرة مثل «مشاورات استكشافية» للحديث عن المباحثات المشار إليها.. وكذلك اللهجة المتحفظة التى عبر عنها تصريح تكرر أكثر من مرة على لسان وزير الخارجية سامح شكرى «نريد أفعالاً لا أقوالا».
وقد تناولنا قضايا العلاقات الثنائية وعددا من القضايا الإقليمية فى الجزء الأول من مقالنا.. ونتناول اليوم القضايا الإقليمية المتصلة بعدد من البلاد العربية.. وفى مقدمتها الدور التركى في كل من ليبيا وسوريا والعراق.. وهى القضايا التى لم يتحقق فيها أى تقدم، بل على العكس شهدت تدهورا فى الموقف التركى فيما يتصل ببعض أهم جوانبها، مما جعل الحديث يخفف عن الزيارة التى كانت أنقرة تتحدث عن رغبة وزير الخارجية التركى تشاووش أوغلو في القيام بها إلى القاهرة.. بل إن لم يتم حتى تحديد موعد الجولة القادمة من «المشاورات الاستكشافية» علي مستوى نائبى وزير الخارجية.
قوات تركية ومرتزقة فى ليبيا
معروف أن الأمن القومى لكل من مصر وليبيا مترابطان عضويا، حيث يمثل كل من البلدين امتدادا استراتيجيا للآخر.. ويشتركان في حدود برية تزيد على ١٢٠٠ كم، كما تمثل سواحل البلدين امتدادا لبعضهما البعض.. علاوة علي القبائل العربية الواحدة التى تعيش على جانبى الحدود، وعلي العلاقات التاريخية والروابط السياسية والاقتصادية الوثيقة بين البلدين.
ومعروف أيضا أن الوجود الإرهابى فى ليبيا بعد سقوط نظام القذافى «جماعة الإخوان» و«داعش» و«القاعدة» وغيرها اتخذ له مراكز قريبة من الحدود المصرية (إمارة درنة وما حولها) وارتكب جرائم خطيرة ضد مصر (مذبحة الفرافرة الأولي والثانية، ومذبحة الواحات البحرية) وكذلك ضد المصريين المقيمين في ليبيا (مذبحة سرت ضد الأقباط المصريين الـ 21) وغير ذلك كثير.
وقد حظيت هذه الجماعات وغيرها من الميليشيات القبلية والجهوية الليبية المتطرفة بدعم تركى سياسى وإعلامى وإمداد بالأسلحة والخبراء لعدة سنوات.. ثم جاء التدخل التركي المباشر فى ليبيا (أواخر عام ٢٠١٩) بالاتفاق مع حكومة السراج غير الشرعية.. وإقامة قواعد بحرية وجوية تركية في الغرب الليبى.. جاء ذلك كله ليخلق واقعا استراتيجيا يمثل خطورة فادحة على الأمن القومى المصري، ليس فقط من زاوية احتضانه لقوى معادية لمصر بالقرب من حدودها، ولكن ــ وهذا هو الأهم ــ من زاوية خلق علاقات قوى استراتيجية وعسكرية في ليبيا وشرق المتوسط، لصالح تركيا.. وهو ما يخل بميزان القوي الاستراتيجية فى شرق المتوسط وبالقرب من سواحلنا، بصورة لا يمكن أن تقبل بها مصر.. وبصورة أخص على ضوء السياسة التي تمارسها تركيا تجاه بلادنا، والتى لا يتسع المقام للدخول في تفاصيلها.
>> ومن ناحية أخرى فقد جلبت تركيا نحو عشرين ألفا من المرتزقة الإرهابيين من منطقة إدلب شمال غربى سوريا، إلى طرابلس ومناطق غرب ليبيا.. وهو عدد يمثل «جيشا» من المقاتلين الإرهابيين، ويخل بموازين القوى العسكرية في ليبيا بصورة خطيرة، وذلك عدا آلاف آخرين من المرتزقة الأفارقة.
ألغام فى وجه خارطة الطريق
وقد نصت «خارطة الطريق» التى تم التوصل إليها تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة الدول الكبرى، ومختلف الأطراف الليبية نصت على تشكيل هيئات للسلطة الانتقالية فى البلاد، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية هذا العام، لتشكيل هيئات دائمة للسلطة في البلاد.
>> ومن أهم ما نصت عليه خارطة الطريق ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وحل الميليشيات، وتوحيد القوات المسلحة وقوات الأمن، ومؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية.. وتعيين مسئولين جدد لعدد من الهيئات السيادية.. وذلك تمهيدا لإجراء انتخابات نزيهة فى مناخ من الأمن والاستقرار.
وتم تشكيل مجلس رئاسى وحكومة انتقالية حازت على ثقة البرلمان، فى مظاهرة دولية واسعة لدعم الشرعية.
>> الغريب أن تركيا أعلنت رفضها سحب قواتها من ليبيا أو إخلاء قواعدها.. كما نقلت عدة مئات من المرتزقة السوريين (حوالى ٢٠ ألفا) ثم توقفت عن سحب الأغلبية الساحقة الباقية منهم.. وهى تتذرع فى ذلك بأنها كانت قد اتفقت مع حكومة السراج، التي غادرت مقاعد السلطة لتحل محلها حكومة جديدة بشرعية حقيقية جديدة.. وكأن «خارطة الطريق» لم تكن.. واتفاقات الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لا وجود لها!
>> والأغرب.. أنه حينما طالبت السيدة نجلا المنقوش وزيرة الخارجية الليبية بخروج القوات الأجنبية ــ بما فيها.. وفي مقدمتها القوات التركية ــ من البلاد، ومعها جيش المرتزقة السوريين وغيرهم.. فإن وزير الخارجية التركى (أوغلو) وجه إليها النقد.. أما جماعة «الإخوان» الليبية التى كانت تتجمع فى شكل حزب سياسى يحمل اسم «العدالة والبناء» وغيرت اسمها مؤخرا إلى «جمعية الإحياء والتجديد» (المصرى اليوم ـ ٤ مايو) فقد طالبت بإقالة نجلاء المنقوش احتجاجًا علي مطالبتها بخروج القوات التركية من بلادها!
>> والأكثر من ذلك أن ميليشيات الجماعة ومعها قادة ميليشيات أخرى اقتحموا مقر رئاسة المجلس الرئاسى (فى غير وجود المجلس لحسن الحظ) مطالبين بإقالة نجلاء المنقوش ورئيس المخابرات الجديد الذى عينه المجلس الرئاسى، وإعادة رئيس المخابرات القاديم المالى للسراج وتركيا! (صحف ومواقع ٧ ـ ٨ مايو).
كما يرفض الإخوان إقالة محافظ المصرف المركزى الليبى (الصديق الكبير) الذى مضى عيه في منصبه حوالى عشر سنوات، والمعروب بفساده وباستخدامه للمال العام في دفع رواتب للمرتزقة والذى أودع في البنك المركزى التركى ٨ مليارات دولار من الاحتياطيات الليبية، لمدة أربعة أعوام بدون فوائد! كما يرفض «الإخوان»، الذين لا تزال ميليشياتهم تسيطر على طرابلس هم وحلفاؤهم، تغيير مسئولى أجهزة الرقابة المالية الذين تنص خارطة الطريق على تغييرهم.. وهو ما دعا البرلمان الليبى إلى رفض التصديق على مشروع الموازنة الجديدة، ما لم يتم تنفيذ بنود «خارطة الطريق» بشأن المصرف المركزى وهيئات الرقابة، حتى لا تقع أموال الشعب الليبى فى أيدى الفاسدين..
>> وإذا جئنا إلى قضية توحيد القوات المسلحة فإن الميليشيات المسيطرة على طرابلس ومدن الغرب الليبى، والتى تنشر الفوضى في مناطق سيطرتها ترفض حل نفسها وتسليم سلاحها.. وتطالب أولا بحل «الجيش الوطنى الليبى بقيادة خليفة حفتر» وهو القوة العسكرية الوحيدة المنظمة والمحترفة في البلاد والتي قامت بدور حاسم فى تصفية الإرهاب فى شرق ليبيا، ومطاردته فى الجنوب والغرب، وكذلك في مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر الحدود.
أما تركيا فهى تعطى نفسه الحق فى عدم الاعتراف بشرعية الجيش الوطنى «برغم اعتراف البرلمان الليبى به!!» بل وتطالب بمحاكمة حفتر باعتباره «مجرم حرب»!
الموقف المصرى
دعم مصر «لخارطة الطريق» وللسلطة الانتقالية الليبية أمر معروف.. وكان للقاهرة دور مهم فى التوصل لمشروع التسوية في ليبيا، وقد أوضحنا أعلاه الأسباب التى تجعل مصر ضد أى وجود أجنبى فى ليبيا باعتباره تهديدا للأمن القومى المصرى والليبى على السواء.. ولهذا تكررت مرارا مطالبة المسئولين المصريين بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.. وآخر هذه المرات ـ حتى كتابة هذه السطور ــ كانت مطالبة السفير حمدى لوزا نائب وزير الخارجية المصري أثناء مشاركته فى أعمال مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقى بخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة بلا استثناء (الأهرام ـ ١٩ مايو) وتأكيده على «خطورة تدخل بعض الأطراف الدولية والإقليمية على استقرار ليبيا».
ويدعونا هذا للاعتقاد بأن الوجود العسكرى التركى في ليبيا، وتصرفات أنقرة والأطراف الموالية لها، المعرقلة للأمن والاستقرار وتنفيذ خارطة الطريق ستظل عائقا كبيرا أمام بناء الثقة، و«تطبيع» العلاقات المصرية ـ التركية.
التدخلات التركية في غزة أيضًا تظل أحد عوامل عدم ارتياح الجانب المصرى خاصة أنها تحاول دائما النيل من العلاقات التاريخية التقليدية القوية بين الشعبين المصري والفلسطينى.. علما بأن التجارب تثبت دائما أن مثل هذه المحاولات ــ وأيًا ما كان مصدرها ــ محكوم عليها بالفشل، بحكم الجغرافيا والتاريخ والسياسة.
>> التدخل التركي في سوريا أيضا يثير قلقا عميقا ــ إن لم يكن غضبا ــ لدى مصر، لما يمثله من اعتداء علي استقلال سوريا وسلامة أراضيها، ومحاولات للتوسع فى الأراضى السورية، فضلا عن دعم الإرهاب في إدلب وشرق الفرات.. ومعروف أن مصر تربطها بسوريا علاقات تاريخية وثيقة، كما أن شعبى البلدين تربطهما علاقات ممتازة. وكانت القاهرة من أوائل الدول العربية المبادرة إلى احتضان محاولات الحوار بين الأطراف السورية الحريصة على وحدة واستقلال البلاد، بغض النظر عن اختلاف المواقف السياسية (منصة القاهرة للحوار السورى ـ السورى) كما أن مكافحة الإرهاب الدولي تظل أساسا متينا لعلاقات تعاون وثيق في المجال الأمنى بين القاهرة ودمشق.
والأمر المؤكد أن القاهرة لا يمكن أن توافق بحال من الأحوال على الإجراءات التركية الأخيرة الخاصة بتقليص تدفق مياه نهر الفرات من منابعه فى تركيا، إلي سوريا، حيث قامت أنقرة بخفض تدفق المياه إلى «خمس» الكمية المتفق عليها بين البلدين، مما أدى إلى نقص فادح فى مياه الرى والشرب فى سوريا، وفي العراق أيضا وإن يكن بدرجة أقل.. وبديهى أن اتخاذ تركيا لخطوات مثل هذه لا يمثل أرضية مواتية لتطوير علاقاتها مع مصر كبرى البلاد العربية، والتى تسعى إلي استعادة مكانتها فى المنطقة، ولا تستطيع أن تبقى بمعزل عن التحديات التى تواجه أشقائها العرب، خاصة وهى تواجه تحديا شبيها ــ وإن اختلفت التفاصيل كثيرا ــ فى أزمة سد النهضة.
ويؤدى بنا كل ما ذكرناه «فى الجزء الأول والثانى عن مقالنا» إلى القول بأن تركيا عليها أن تفعل الكثير لتعيد بناء الثقة مع مصر وعدد من البلدان العربية الأخرى.. ولكى تظهر حسن نية قريبا من ذلك الذى تبديه مصر.. وبقدر ما تستطيع أنقرة فعل ذلك بنجاح، يمكن الحديث عن تطوير عملية «التطبيع» بينها وبين القاهرة.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE