الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 07:32 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : السلطة الانتقالية الليبية.. والأمن القومى المصري (١)

الأموال

الأمر المؤكد أن تولى السلطة الانتقالية الليبية الجديدة بجناحيها «المجلس الرئاسى برئاسة محمد المنفى ــ والحكومة برئاسة عبدالحميد الدبيبة» كان خطوة بالغة الأهمية للأمام نحو تنفيذ (خارطة الطريق) للتسوية السلمية للصراع الطويل فى ليبيا.
الضغوط والتفاهمات الدولية والإقليمية والمحلية أدت إلى تشكيل مجلس رئاسى يمثل أقاليم البلاد الثلاثة (المنفى من الشرق ـ برقة، ونائب من الغرب ـ طرابلس، وآخر من الجنوب ـ فزان). كما أتاحت تلك الضغوط والتفاهمات للدبيبة تشكيل حكومة واسعة ممثلة لمختلف القوي والمناطق الليبية، الأمر الذى ضمن لها قبولا واسعا ثم فرضت الضغوط والتفاهمات المذكورة اكتمال نصاب اجتماع البرلمان الليبيى ــ للمرة الأولى منذ انتخابه عام ٢٠١٤!! ــ ليمنح الثقة للحكومة بأغلبية تخطت الثلثين (١٣٢ نائبا من ١٧٨) وتم التغلب على مماحكات كثيرة من جانب حكومة الوفاق المنتهية ولايتها، لتنعقد جلسة منح الثقة فى «سرت» ثم لتنعقد جلسة أداء اليمين الدستورية للحكومة فى طبرق، مقر البرلمان شرقى البلاد.
وكانت جلسة أداء اليمين بالذات مظاهرة دعم حاشدة محلية وإقليمية ودولية، لشرعية السلطة الجديدة وكذلك لشرعية البرلمان، الذى انعقد للمرة الثانية بنصابه مكتملا ووافرا ليكون مصدرا لشرعية الحكومة، بينما كان المجلس الرئاسى قد أدى اليمين أمام المحكمة الدستورية فى طرابلس صباح نفس اليوم (١٥ مارس) ثم طار الرئيس ونائباه إلى طبرق لحضور جلسة أداء الحكومة للقسم أمام البرلمان.
>> ولم تكن هذه الإجراءات محض مراسم شكلية، وإنما كانت إقراراً من مختلف الجهات المشاركة باسترداد البرلمان لمكانه الطبيعى بين سلطات الدولة، كسلطة للتشريع والرقابة ـ بعد سنوات طويلة من إنكار حكومة «الوفاق» وأنصارها لشرعية البرلمان ــ وهو الأمر الذى سيكون له دوره المهم في إنجاز خارطة الطريق.
>> هذه الأجواء المواتية التى أحاطت بمولد «حكومة الوحدة الوطنية» الليبية ساعدتها على قطع خطواتها الأولى بسهولة واضحة، وأعطتها قوة دفع أولية كبيرة، إلا أن المهام الضخمة التي تواجه الحكومة والمجلس الرئاسى تضعهما أمام تحديات حقيقية، خاصة أن الفترة المتاحة لهما لإنجاز تلك المهام هى فترة قصيرة بالفعل (٩ أشهر فقط)، حيث ينبغى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بحلول يوم ٢٤ ديسمبر الذى يوافق العيد السبعين لاستقلال ليبيا (٢٤ ديسمبر ١٩٥١).
خارطة الطريق.. مهام ضخمة
المهام التى تتضمنها خارطة الطريق تشمل إنجاز الحد الأدنى من إعادة تنظيم الاقتصاد المنهار، والتحسين العاجل للخدمات العامة المتهالكة، وإقرار الموازنة العامة الموحدة للدولة، لكى يمكن أن تدور عجلة السلطة الجديدة.. ومن ثم إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية فى البلاد، وحل الميليشيات الإرهابية والقبلية والمناطقية، وإعادة توحيد مؤسسات الدولة، بما فيها القوات المسلحة والأمنية، واختيار قيادات جديدة للمؤسسات السيادية، بما فيها المصرف المركزى، ومؤسسة النفط الوطنية، وديوان المحاسبات والرقابة الإدارية والمفوضية العامة للانتخابات.
كما تشمل خارطة الطريق الاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، وهذه مسألة يدور حولها جدل شديد بين مطالبين بضرورة وضع دستور جديد والاستفتاء عليه قبل إجراء الانتخابات، ومطالبين بتشريع قانونى انتخابى فى إطار الإعلان الدستورى القائم ــ ومن ثم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى ٢٤ ديسمبر.. وهو الموعد الذى تؤكد الأطراف المحلية والإقليمية والدولية على ضرورة احترامه.
> > ومن ناحية أخرى فإن كل هذه المهام الكبرى يجب إنجازها بصورة متزامنة، وإلاّ فإن خارطة الطريق تتعرض للتعثر، لأنها كلها مهام متداخلة ومتبادلة التأثير فيما بينها.
>> فبدون إعداد الموازنة العامة مثلا لا يمكن تسيير عجلة الدولة، ولابد من إقرار البرلمان للموازنة بمقتضى الإعلان الدستورى واسترداد المجلس النيابى لسلطاته الرقابية والتشريعية، لكن خارطة الطريق تقتضى بضرورة تغيير محافظ المصرف المركزى ضمن الخطوات الأولى لبناء المؤسسات الموحدة، خاصة وأن المحافظ الحالى «الصديق الكبير» معروف بأنه من رجال تركيا، وقد اتخذ قرارات بإيداع ٨ مليارات دولار فى البنك المركزى التركى وإقامة أشكال من المعاملات التفضيلية مع البنوك التركية.. واجتمع بأردوغان وبرجال المصارف والمؤسسات المالية التركية، فى المرحلة السابقة، بما يتناقض تماما مع أى حديث عن الاستقلالية المفترضة للمصرف المركزى الليبى.
> > وهكذا.. فقد تقدمت الحكومة إلى البرلمان بمشروع الموازنة العامة ويبلغ حجمها (٩٦ مليار دينار ليبى، أى ما يعادل ٢١.٥ مليار دولار) حوالى ربعها مخصص للأجور، ومثله تقريبا للدعم السلعي والباقي موزع على الخدمات العامة وغيرها من بنود الإنفاق.
إلاّ أن البرلمان رفض مناقشة وإقرار الموازنة العامة قبل تغيير محافظ المصرف المركزى، بسبب الشبهات المثارة حول نزاهته وولائه السياسى من ناحية، ولأنه أصلا قد قضى فى منصبه عشر سنوات، وهى مدة طويلة للغاية، فضلا عن أن خارطة الطريق تنص بوضوح على ضرورة تغييره، وهكذا فإن (الإفراج عن الموازنة) أصبح مرهونا بتغيير محافظ المصرف المركزى (المصرى اليوم ــ ومواقع ووكالات ــ ٢٥ مارس ٢٠٢١) وهو موقف دستورى سليم من جانب مجلس النواب، لابد أن تتعامل الحكومة معه.
>> والواقع أن هذا هو أول اختبار جدى لالتزام الحكومة بخارطة الطريق، وللعلاقة بينها وبين البرلمان الذى يبدو موقفه قويا فى هذا الاختبار الأول للالتزام بالشرعية وبخارطة الطريق.
عجلة الحكومة تدور
إلاّ أن مشكلة الموازنة وضرورة تغيير محافظ المصرف المركزى ليست عنوانا شاملا لأوضاع متأزمة، وعلى سبيل المثال فإن رئيس الحكومة الانتقالية اتخذ قرارا هاما منذ اليوم الأول لتوليه السلطة بوقف نزيف أموال الدولة، من خلال وقف جميع تعاملات صناديق الاستثمار السيادية والشركات التابعة لها، والشركات العامة (باستثناء دفع مرتبات العاملين) ليغلق الباب أمام ثغرة واسعة لإهدار ونهب المال العام.. وهو قرار لقى ترحيبا واسعا، خاصة أنه صدر في أعقاب نشر تقرير موسع لديوان المحاسبات عن الفساد فى أجهزة الدولة، كشف عن إهدار ونهب عشرات المليارات من الدينارات فى عام ٢٠١٩ وحده، وخاصة فى وزارة الداخلية.
كما كشف التقرير عن إفراط حكومة الوفاق فى تعيين الموظفين فى أجهزة الدولة، سعيا لاكتساب ولائهم «بمئات الآلاف» بحيث بلغ عدد العاملين في أجهزة الدولة (٢.٣٦ مليون موظف وعامل!!) من شعب يبلغ تعداده ٧ملايين نسمة! (رويترز ـ RT ـ ١٣ مارس ٢٠٢١ ـ عرض موسع لتقرير ديوان المحاسبات).. وعلى ضوء حقائق مثل هذه فإن التوجه نحو مكافحة الفساد يبدو أمرا شديد الإلحاح.
ومن ناحية أخرى فإن عملية توحيد الوزارات «الشرقية والغربية» تمضي بخطوات سريعة، استنادا إلى الأجواء المواتية التى أحاطت بتشكيل الحكومة الجديدة، والتى أعطت قوة دفع لحركة الحكومة فى هذا الاتجاه.
كما بدأ اتخاذ خطوات جدية لمواجهة تفشى وباء «كورونا» فى المناطق الغربية، وثم حل الهيئة المختصة بمكافحة الوباء فى طرابلس لعدم كفاءتها، وجار تشكيل جهاز جديد، كما أصدر الدبيبة قرارا بسرعة استيراد كميات كافية من اللقاحات.
غير أن التحسين الشامل للخدمات ـ فى الحدود الممكنة طبعا ــ يظل مرهونا بإقرار الموازنة العامة الجديدة، كما أشرنا.
القوات الأجنبية.. والأمن الإقليمى
عقدة العقد فيما يتصل بخارطة الطريق هى إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد وحل الميليشيات الإرهابية والقبلية والمناطقية، لأنه لا يمكن الحديث عن السيادة الوطنية فى ظل وجود القوات التركية فى البلاد وسيطرتها على قواعد بحرية وجوية بما فى ذلك فى العاصمة «قاعدة معيتيقة» كما لا يمكن الحديث عن السيادة الوطنية ولا عن الأمن فى ظل وجود جيش كامل من المرتزقة الإرهابيين السوريين (يبلغ تعداده نحو ٢٠ ألف مقاتل) فضلا عن ميليشيات «الإخوان» و«داعش» و«القاعدة» وغيرها من الميليشيات الإرهابية، فضلا عن الميليشيات القبلية والمناطقية المتناحرة باستمرار.
>> وبديهى أن هذه كلها أوضاع لا يمكن فى ظلها الحديث عن استقرار أو استفتاء على الدستور، أو إجراء انتخابات تتمتع بالحد الأدنى من الشفافية والنزاهة.
>> ومعروف أن اتفاق جنيف (٢٣ أكتوبر ٢٠٢٠) كان ينص على حل الميليشيات وإخراج المرتزقة خلال ثلاثة أشهر، وهو ما لم يتحقق أى تقدم فيه.
ومع المفاوضات التى رافقت تشكيل الحكومة الانتقالية فى ليبيا، توصلت الأطراف الإقليمية والدولية إلى تفاهمات تقضى بضرورة ترحيل المرتزقة من البلاد، وفى مقدمتهم «جيش» المرتزقة الإرهابيين السوريين، والقوات التركية وإخلاء قواعدها.. وهو ما تم التوصل إليه نتيجة للتغير فى الموقف الأمريكى فى ظل إدارة بايدن، بالتضافر مع الضغوط الإقليمية، خاصة المصرية المدعومة عربيا، والضغوط الأوروبية.. لأن وجود القوات والقواعد التركية فى ليبيا يمثل إخلالا بموازين القوى الاستراتيجية فى شرق المتوسط والشمال الإفريقى، لا يمكن أن تقبل به مصر لما يمثله من خطر على أمنها القومى.. فضلا عن أن استمرار وجود الميليشيات الإرهابية فى ليبيا، يمثل خطرا كبيرا ليس على مصر وحدها ـ وقد سبق أن عانينا من أضراره فى العمليات الإرهابية فى صحرائنا الغربية ـ بل على الشمال الإفريقى كله، ودول الساحل والصحراء وتمتد أخطاره إلى أوروبا.
وبناء على هذه التفاهمات مارست الولايات المتحدة ضغوطا علنية ـ ومن وراء الكواليس ـ على تركيا لسحب قواتها، وميليشيات المرتزقة الإرهابيين السوريين من ليبيا.. واتفق مستشار الأمن القومى الأمريكى مع ياسين أقطاى مستشار أردوغان على البدء فورا فى سحب المرتزقة السوريين (موقع ٢١٨ الليبى ـ ١٤ مارس).. وتم بالفعل سحب عدة دفعات منهم في حدود (١٠٠ ـ ١٢٠ مرتزقا للدفعة) ـ (صحف ومواقع ٢١ ـ ٢٢ مارس) لكن العملية سرعان ما توقفت.. وهو ما يشير إلى نية للمراوغة..
ومن ناحية أخرى، طالب وزير الخارجية الأمريكى بلينكين بخروج القوات التركية وجميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.. وواضح أن هذا يأتى فى إطار ترتيب أمريكى للمطالبة بخروج قوات «فاجنر» الروسية المتعاونة مع الجيش الوطنى الليبى (حوالى ٢٥٠٠ ـ ألفين وخمسمائة مقاتل) مقابل ٢٠ ألفا من السوريين.. ويأتى ذلك فى إطار خطة أمريكية لتقليص أو إنهاء الوجود الروسى في شرق المتوسط.
ومن ناحية أخرى فإن رئيس المجلس الرئاسى الليبى «محمد المنفى» طلب رسمياً من أردوغان سحب «المرتزقة السوريين والخبراء الأتراك» من ليبيا (الأهرام ـ المصرى اليوم ـ ٣٠ مارس)، كما أعلنت مصادر رسمية ليبية أن طرابلس لن تدفع أجوراً للمرتزقة السوريين (الأهرام ـ المصرى اليوم ـ ووكالات ومواقع ـ ٣٠ مارس) غير أن الجانب التركى يلتزم الصمت إزاء المطلب الليبى الرسمى!! وكان الأتراك قد تحججوا سابقا بأن لديهم اتفاقية مع حكومة «الوفاق» تقضى بمد وجود قواعدهم وخبرائهم حتى منتصف ٢٠٢٢.. إلا أن مطالبة «المنفى» الرسمية بخروج القوات التركية تخلق واقعا جديدا لا يجوز التزام الصمت أمامه، خاصة مع الشرعية التى تتمع بها السلطة الجديدة، والتى لم تكن تتمتع بها حكومة الوفاق، ومع دعم البرلمان الليبى لمطلب خروج القوات التركية والميليشيات السورية.. ومع الدعم الإقليمى (وخاصة المصرى) والأوروبى والأمريكى للمطالبة بخروج القوات التركية والمرتزقة التى جلبتهم.
وللحديث بقية..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE